فهو الذي اقصده في عباداتي. واخلص له اقوالي وافعالي. قل ان صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين. لا شريك له وبذلك امرت وانا اول المسلمين. اليه ارغب في رغباتي واما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله انه سميع عليم. وبقوله ادفع بالتي هي احسن. وبقوله ان الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون الفائدة السادسة. فوائد في ضوابط من المكتبة الصوتية للعلامة الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله بسم الله الرحمن الرحيم. الحمدلله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب اليه ونعوذ بالله من شرور انفسنا ومن سيئات اعمالنا يهده الله فلا مضل له. ومن يضلل فلا هادي له. واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له. واشهد ان محمدا عبده ورسوله الله عليه وسلم تسليما كثيرا ابدا. اما بعد فهذا يشتمل على فوائد متنوعة. من اصول وفروع واخلاق واعمال. ومن ودلائل ومقاصد ووسائل من اي نوع يكون. يصلح للخاصة والعامة. واهل واهل الدنيا والعلماء والجهال. ولم يكن ما فيه من الفوائد مرتبا. لانه بحسب فبما يعرض للانسان من معنى اية او حديث. او مسألة اصولية او فائدة فروعية او نكتة ادبية او تنبيه لمجمل او جمع لمفصل او حديث ديني او حديث دنيوي جعلت عنوانه فائدة او فوائد او تنبيها او نحوه من الاشارة. قد تقل الفائدة وقد تطول. الفائدة الاولى. فائدة اصولية اذا قيل لك اخبرني عما تعتقده في باب التوحيد وتوابعه والرسالة والايمان باليوم الاخر. فقل اعتقد اعتقادا لا تردد فيه بان الله ربي الذي خلقني ورزقني ودبرني. وانعم علي بالنعم الظاهرة والباطنة. وانه الهي الذي لا اله الا هو ولا معبود سواه اقصد في جميع حاجاتي. لا ادعو غيره ولا استعين بسواه. فهو ملجئي ومفزعي واليه رجوعي وانتهائي كما منه ابتدائي. عليه توكلت واليه انيب واشهد انه الله الحي القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم. الى قوله العلي العظيم. وانه هو الله الذي لا اله الا هو الملك القدوس السلام الى اخر السورة. وانه على كل شيء قدير. وبكل شيء محيط. يعلم ما يلج في الارض وما يخرج منها. وما ينزل من السماء وما يخرج فيها وهو الرحيم الغفور. وانه الاول والاخر والظاهر والباطن الواحد الاحد الفرد الصمد. الذي لم يلد ولم يولد. ولم يكن له كفوا احد وانه الظاهر العلي الاعلى فوق عباده. بجميع معاني الفوقية والعلو علو الذات وعلو القهر وعلو القدر. وانه الغني الحي القيوم. الذي قام بنفسه وقام بجميع الموجودات خلقا وحفظا وتدبيرا. وانه الحميد الحكيم في كل كل شيء في جميع مخلوقاته وفي جميع مشروعاته. فما خلق شيئا عبثا ان العبد يكون فيه خير وشر واسباب ثواب واسباب عقاب. بل وخصال كفر ونفاق وخصال ايمان. ويتفرع على هذا انه يستحق من المدح والذنب ومن الثواب والعقاب بمقدار ما قام به من هذه الامور. المقتضية لاثاره ولا حكم الا باحسن الاحكام. وانه العظيم الذي له جميع معاني العظمة. عظمته في في ذاته واوصافه وافعاله. وعظمته في قلوب انبيائه واصفيائه ومخلوقاته فله الكبرياء والعظمة والمجد والجلال. كما ان له الرحمة والبر والكرم وجميع اوصاف الكمال. ونشهد انه الجواد المطلق بجميع انواع والكرم. رحمته وسعت كل شيء. ولم يخلو مخلوق منها مهما كان في كل حال من احواله. ولكنه خص اولياءه والمؤمنين به بالرحمة المطلقة التي اسعدتهم في دينهم ودنياهم واخراهم. وبها غفر زلاتهم وستر عوراتهم وامن روعاتهم. وقبل عباداتهم ودعاءهم. وبها لطف بهم ويسرهم لليسرى وجنبهم العسرى. وانه لا اصدق من الله قيلا وحديثا. ولا انفع عن العبد من طاعته. فالسعادة كلها في طاعته. والشقاء في معصيته. ونشهد انه التواب للتائبين. الذي لا يتعاظمه ذنب ان يغفره. قل يا عبادي الذين اسرفوا على انفسهم لا تقنطوا من رحمة الله. ان الله يقول فاغفر الذنوب جميعا. انه هو الغفور الرحيم. ونشهد انه قل الحق وقوله حق وفعله وحكمه حق. ووعده ووعيده حق. وانما من دونه الباطل. وانه هو العلي الكبير. وانه الملك المالك ما سواه مملوك له الاسماء الحسنى والصفات الكاملة العظيمة العليا. والافعال الجميلة الرشيدة وانه على صراط مستقيم في تدبيره وخلقه وعطائه ومنعه ونشهد ان جميع اعمال الخلق واقوالهم وصفاتهم وايمانهم قد احاط الله بها علما وجرى بها قلمه ونفذ فيها قدره ومشيئته. وان حجته قامت على الخلق بما اعطاهم من القدرة والمشيئة والاختيار لافعالهم. وانه لم يجبرهم على عليها بل هم الفاعلون لها باختيارهم. مع انها داخلة في قدره ونشهد بجميع ما انزله من كتاب وارسله من رسول. منهم من قص علينا نؤمن به على وجه التعيين والتفصيل لشخصه. ولاوصافه التي وصفوا بها في الكتاب والسنة ومنهم من لم يقصصهم علينا. نؤمن بهم على وجه الاجمال. وانهم انبياؤه وامناؤه على وحيه. وانهم صادقون مصدقون. ونشهد ان محمدا محمدا عبده ورسوله. ارسله رحمة للعالمين. ونعمة عظيمة على المؤمنين وجمع فيه من الاوصاف الجليلة والاخلاق الجميلة والاعمال الصالحة. ما كان لجميع الرسل وانه اكمل الخلق في كل معنى وصفة حميدة. واشهد ان ما جاء به القرآن والحكمة حق وصدق. لا ريب فيه بوجه من الوجوه. وانه خاتم الرسل وامام الخلق وان شريعته اكمل الشرائع. لا يستغني العباد عنها في امور دينهم ودنياهم وانه بلغ الرسالة وادى الامانة. ونصح الامة وهداهم الى كل خير وهدى. وحذر اللهم من كل شر وردى. واشهد ان ما اخبر الله به ورسوله من امور الجزاء والثواب والعقاب والحساب. من امور البرزخ والقيامة والجنة والنار. وصفات ذلك كله حق وصدق لا ريب فيه. واقول على وجه العموم والشمول صدق الله وصدقت رسله في جميع ما اخبر به واخبرت به الرسل. كله حق على حقيقته وتمت كلمات ربك صدقا في الاخبار. وعدلا في الاحكام القدرية والدينية وامور جزاء. الفائدة الثانية. صلاح القلب صلاح القلب بكمال الانابة الى الله. وقوة التوكل عليه. وتمام الاخلاص له ومحبتي للخير لكافة الخلق. وفساده ونقصه بضد ذلك. وهذا معنى قوله صلى الله عليه وسلم ان في الجسد مضغة. اذا صلحت صلح الجسد كله اذا فسدت فسد الجسد كله. الا وهي القلب. وحقيقة ذلك ان يحبب الله للعبد الايمان ويزينه في قلبه. ويكره اليه الكفر والفسوق والعصيان ويجعله من الراشدين. فهذا صلاح الباطن والظاهر. وضده بضده الفائدة الثالثة. الدين والايمان. الدين والايمان يشمل القيام باصول الايمان الستة. وشرائع الاسلام الخمس. وحقائق الاحسان التي هي القلوب التي اصلها الاحسان. ان تعبد الله كانك تراه. فان لم تكن تراه فان انه يراك. كما هو مذكور في حديث جبريل. ويترتب على هذا ان المؤمن ثلاثة اقسام. سابقون بالخيرات. وهم الذين حققوا هذه الامور ظاهرا وباطنا وقاموا بواجبها ومستحبها. ومقتصدون وهم الذين على فعل الواجبات وترك المحرمات. وظالمون لانفسهم وهم الذين خلطوا عملا صالحا واخر سيئا. ويترتب على هذا ان الايمان يزيد بزيادة في هذه الامور كثرة وجودة. وينقص بنقص شيء منها. ويترتب على هذا ايضا فيها من ثواب وعقاب ومدح وقدح. وهذا مقتضى حكمة الله وعدله وفضله الفائدة الرابعة الاخلاص لله والمتابعة لرسوله صلى الله عليه وسلم. العبادات كلها سواء كانت باطنة. كمحبة الله وخوفه ورجائه والتوكل عليه. ومحبة ما يحبه الله من الاعمال والاشخاص وتعظيما ما عظمه او كانت ظاهرة كالقيام بالشرائع الظاهرة من الصلاة والزكاة والصوم والحج وسواء تعلقت بحقوق الله المحضة. او تعلقت بحقوق الخلق كبر الوالدين وصلة الارحام والاحسان الى الجيران والاصحاب ونحوهم. وسواء كانت بدنية او مالية او مركبة منهما. كل ذلك لابد فيه من الاخلاص لله والمتابعة لرسول الله. فمن جمع الله له الاصلين افلح وسعد. ومن فاته والامران او احدهما خسر خسرانا مبينا. ومن كان تارة وتارة استحق من الخير والثواب والمدح بقدر اخلاصه ومتابعته قلة وكثرة وقوة وضعفا فلا انفع للعبد من جعل الاخلاص والمتابعة نصب عينيه في كل ما يأتي وما يذر. وفي كل فيما يقول ويفعل حتى يكون الاخلاص له نعتا والمتابعة له وصفا. وتضمحل لعن قلبه جميع المقاصد والاغراض المنافية للاخلاص. ويدع البدع الاعتقادية والبدع الفعلية ايثارا للمتابعة. فان من صدق الرسول في كل ما يقول. فقد برئ من بدع العقائد ومن اقتصر على ما امر به الرسول من العبادات ولم يحرم ما احل الله من الطيبات فقد سلم من بدع الاعمال الفائدة الخامسة في اعظم شعب الايمان الباطنة والظاهرة. وهي الايمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الاخر اخر والقدر خيره وشره. وشهادة ان لا اله الا الله وان محمدا عبده ورسوله واقام الصلاة وايتاء الزكاة وصوم رمضان. وحج بيت الله الحرام وان تعبد الله كأنك تراه. فان لم تكن تراه فانه يراك. وحب الله ورسوله وتعظيم الله ورسوله. وخوف الله ورجاءه. والانابة اليه والتوكل عليه والصبر على طاعته وعن معصيته وعلى اقداره المؤلمة. والرضا عن الله والشكر الشكر لله بالقلب اعتراف. وباللسان ذكرا وثناء وتحدثا. وبالجوارح عن بطاعة الله. والعلم واليقين والطمأنينة بالله وبذكره. والحياء من الله من خلقه وذكر الله والثناء عليه. وتلاوة كتابه والامر بالمعروف والنهي عن المنكر والنصيحة لله ولكتابه ولرسوله ولائمة المسلمين وعامتهم السعي في حوائج الناس. ودفع الاذى عن مساجدهم ومجالسهم وطرقهم. وجميع ما اتصل بهم وحسن الخلق واطعام الطعام. وافشاء السلام والثقة بوعد الله والسكون الى ما بيده. والتعلق بالله في كل شيء. والا يسأل الا الله ولا يستعيذ ويستعين الا بالله. وتنقية القلب من الشك والشرك والشقاق والنفاق والرياء والسمعة. والغل والحقد والحسد وغيرها من الصفات القبيحة. والاتصال باضدادها ومحبة اولياء الله وبغض اعدائه. والدعوة الى الله بالحكمة موعظة الحسنة والمجادلة بالتي هي احسن. والتحقق بما دل عليه قوله قد افلح المؤمنون الى قوله الوارثون. وبما دل عليه قوله ان المسلمين والمسلمات الى قوله اعد الله لهم مغفرة اجرا عظيما. وبما دل عليه قوله خذ العفو وامر بالعرف واعرض عن الجاهلين ايات القرآن جمع الله في هذه الاية على اختصارها توحيد الربوبية وتوحيد العبادة وتوحيد الاسماء والصفات. وهي قوله رب السماوات والارض وما بينهما فاعبده واصطبر لعبادته. هل تعلم له سميا وقوله هو الحي لا اله الا هو فادعوه. الاية وفي هذه الاية الجزاء على كل خير وكل شر. فمن يعمل مثقال ذرة ان خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره وتتضمن الترغيب في الخير والتحذير من ضده. وفي هذه الاية بنى الامر بكل اصول الخير والنهي عن اصول الشر. ان الله يأمر بالعدل والاحسان وينهى عن الفحشاء والبغي يعظكم لعلكم تذكرون. وجمع في هذه الاية بين الامر بكل خلق جميل. خذ العفو وامر بالعرف واعرض عن الجاهلين وجمع في هذه الاية بين الاخلاص لله والمتابعة للرسول والصدق وتدارك التقصير والتوحيد ولزوم الصراط المستقيم. والبشارة بحصول محبوبات والسلامة من المكروهات. وهي قوله ان الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الا تخافوا ولا تحزنوا الا تخافوا ولا تحزنوا وابشروا بالجنة التي كنتم توعدون وجمع في هذه الاية بين الحقوق الثلاثة حق الله الخاص وحق رسوله الخاص والحق المشترك. وهي قوله لتؤمنوا بالله ورسوله وتعزروه وتوقروه وتسبحوه بكرة واصيلا وذكر في هذه الاية اوقات الصلاة الخمسة. اقم الصلاة لدلوك الشمس الى غسق الليل وقرآن الفجر. ان قرآن الفجر كان مشهودا وجمع الله اصول الحكمة في قوله تعالى وقضى ربك الا تعبدوا الا اياه وبالوالدين احسانا. الى قوله ذلك مما اوحى اليك ربك من الحكمة. الاية وفي قوله واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا. الاية وجمع اوصاف الكمل على وجه التفصيل في قوله وعباد الرحمن الذين يمشون على الارض هونا. الى اخر السورة وجمع الله اصول التوحيد. وهي اثبات جميع المحامد والكمالات لله وتنزيهه عما ينقضها او يضادها بوجه من الوجوه. في سورة قل هو الله احد وجمع الله الاستعاذة من اصول الشر وانواعها واوقاتها واحوالها. في سورة قل اعوذ برب الفلق. قل اعوذ برب الناس الى اخرهن. وجمع الله بين المفلحين الرابحين وبين صفات الخاسرين في سورة والعصر ان الانسان لفي خسر الا الذين امنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر مع الله بين كمال القرآن لفظا ومعنى ومناسبة وحكمة في قوله. ولا بمثل الا جئناك بالحق واحسن تفسيرا. وذكر الله اصول العلم الصحيح وهي الدلائل والمسائل في قوله تعالى والله يقول الحق وهو يهدي السبيل. وذكر الله الزاد الحسي والمعنوي واللباس الحسي والمعنوي معنوية في قوله تعالى وتزودوا فان خير الزاد التقوى يا بني ادم قد انزلنا عليكم لباسا يواري سوءاتكم وريشا ولباس التقوى ذلك خير. وبين الله اوصاف الرحمة واصولها فروعها في سورة الرحمن الى اخرها. فكلها تفاصيل لمضمون قوله الرحمن واصناف رحمته. وحثنا الله على ما يعين على جميع الامور في قوله واستعينوا بالصبر والصلاة. وعلى ما يدفع شرور الشياطين في قبره انه ليس له سلطان على الذين امنوا وعلى ربهم يتوكلون وذكر الله الاسباب التي تحصل فيها الهداية. وهي الاجتهاد في حسن القصد في قوله والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وان الله لمع المحسنين. وفي قوله يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام. والاسباب التي تسد العبد الهداية. وتوجب له الضلال والغواية في قوله. فريقا هدى وفريق عليهم الضلالة. انهم اتخذوا الشياطين اولياء من دون الله اه وفي قوله ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى غير سبيل المؤمنين. ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونص جهنم وساءت مصيرا. وقد جمع الله اصول الايمان اسلامي في قوله قولوا امنا بالله وما انزل الينا وما انزل الى ابراهيم وما انزل الى فيما واسماعيل واسحاق ويعقوب والاسباط. ويعقوب والاسباط وما اوتي موسى وعيسى وما اوتيون من ربهم. وما اوتي النبيون من ربهم لا نفرق بين احد منهم ونحن له مسلمون وقد جمع الله اصول الشرائع الواجبة في كل شريعة. والمحرمات في كل في قوله تعالى قل امر ربي بالقسط. واقيموا وجوهكم عند كل مسجد وادعوه مخلصين له الدين. الاية. وفي قوله قل انما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والاثم والبغي بغير الحق ان تشركوا وان تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا ان تقولوا وان تقولوا على الله ما لا تعلمون وجمع الله بين العبادة والاستعانة في قوله اياك نعبد واياك نستعين فاعبده وتوكل عليه. ولها نظائر في القرآن. وفي قوله صلى الله عليه وسلم احرص على ما ينفعك واستعن بالله. ذكر الله ان احكامه في غاية الحسن والاحكام. وكذلك مخلوقاته في قوله ومن احسن من الله حكما لقوم يوقنون. وفي قوله الذي احسن كل شيء خلقه. صنع الله الذي اتقن كل شيء. وجمع الله بين اثبات عموم القضاء والقدر وشموله لاعمال المكلفين. كما شمل ذواتهم وصفاتهم وبين اثبات مشيئة العبد وانه مختار في افعاله كلها غير مجبور في قوله. لمن شاء وما تشاؤون الا من يشاء الله رب العالمين. وفيها رد على طائفتي الجبرية والقدرية. وذكر الله نفي التمثيل وانه ليس له مثيل في جميع صفاته واثبات صفاته في قوله ليس كمثله شيء وهو السميع البصير. وفيها رد على طائفتي التشبيه والتعطيل. وجمع الله بين تميز الرسول عن البشر بالرسالة والوحي. المتضمنين كمال اوصافه صلى الله الله عليه وسلم وبين مشاركته للبشر في الصفات البشرية في قوله تعالى قل انما انا بشر مثلكم يوحى الي انما الهكم اله ففيها رد على الغالين بالرسول الذين جعلوا له من اوصى في الله او من حقوقه ما ليس له. وبين الجافين في حقه بالتكذيب او التنقيص وجمع الله بين الاستدلال بالايات الافقية والنفسية على انه حق ورسوله حق. ووعده ووعيده حق في قوله سنريهم اياتنا في الافاق وفي انفسهم حتى يتبين لهم ان انه الحق. وبين الاستدلال بالمخلوقات المذكورة على توحيد الخالق وصدق رسله والاستدلال بصفات الخالق على ما يفعله ويشرعه ويحكم. ولهذا قال اولم يكفي بربك انه على كل شيء شهيد. الا انهم في مرية من لقاء ربهم. الا انه لكل شيء محيط. ذكر الله ان جميع الكفار الذين دخلوا النار قد خالفوا العقل كما خالفوا السمع. وانهم سيعترفون بذلك في قوله. كلما القي فيها فوج سألهم خزنتها. الى قوله وقالوا لو كنا نسمع او او نعقل ما كنا فيه اصحاب السعير. فاعترفوا بذنبهم ويستدل على يسر الشريعة بقوله تعالى لا يكلف الله نفسا الا ما اتاها يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر. وما جعل عليكم في الدين من حرج. فهي في ذاتها في غاية اليسر والسهولة. ومتى عرض العبد في بعض الشرائع عجز او نحوه حصل له بالتخفيف ما يناسبه. لان المشقة ستجلب التيسير. الفائدة السابعة في المياه. عموم قوله تعالى وقوله صلى الله عليه وسلم يدل على ان جميع المياه يتطهر بها سواء بقيت على اصل خلقها او تغيرت بمقرها او ممرها او بشيء طاهر اخر وانها لا تخرج عن هذا الوصف الا اذا تغير احد اوصاف الماء بالنجاسة فحينئذ يكون نجسا. بدلالة الكتاب والسنة والاجماع. وكذلك عموم قوله تعالى فلم تجدوا ما ان فتيمموا على انه لا يعدل الى التيمم حتى يعدم مسمى الماء على اي وصف يكون. الا اذا ما تغير بالنجاسة. الفائدة الثامنة. فائدة اخرى في ان التيمم يقوم مقام الماء في احواله. اخبار الله ورسوله ان عند عدم الماء او التضرر باستعماله يكون طهورا. دليل واضح على انه يقوم مقام الماء في كل احواله. وانه يستباح به ما يستباح بطهارة الماء وانه لا يشترط فيه الا تعذر استعمال الماء. اما للعدم او والتضرر بالاستعمال. وبهذا الاصل البسيط تتضح لك جميع مسائل التيمم وفي كثير من مسائله خلاف معروف. ليس لمن خالف هذا الاصل دليل صحيح والله اعلم. الفائدة التاسعة. فائدة اخرى في الحيض وان احكامه تتعلق بوجود الدم وتنتفي بفقده. اخبار الله ورسوله عن الحيض والحكم عليه بالاحكام الكثيرة المذكورة في الكتاب والسنة وعدم تحديده بزمن او سن او قلة او كثرة يدل دلالة على ان هذه الاحكام تتعلق بوجود الدم وتنتفي بفقده الا ان يعلم انه خلاف العادة وانه استحاضة. فحين اذ يشتبه الدم الذي هو حيض بدم الاستحاضة. فينظر الى القرائن المميزة وهي الرجوع الى العادة الخاصة للانثى. ثم الى التمييز لصفات الدم ثم الى عادت العامة. وبهذا تستريح من التعب والمشقة في الفهم. وفي العمل من التي ذكرها الاصحاب رحمهم الله. الفائدة العاشرة الاصل في الاشياء الطهارة والاباحة. في قوله تعالى ويحل لهم الطيبات. هو الذي خلق لكم ما في الارض جميعا فصل لكم ما حرم عليكم. يدل على ان الاصل في الاشياء الطهارة والابادة من مآكل ومشارب وملابس واوان وغير ذلك. فلا يحرم شيء من ذلك الا اذا دل الدليل الشرعي على حرمته. الفائدة الحادية عشرة في ازالة النجاسة. ازالة النبي صلى الله عليه وسلم نجاسة والارشاد الى ازالتها. تارة بالماء وتارة بالاحجار وتارة بالتراب وتارة بزوال اوصافها يدل على ان النجاسة لا يشترط لها لازالتها عدد. الا نجاسة الكلب. وانها بكل شيء يزيلها. وايضا فان النجاسة لا معنوية فمتى كانت موجودة فحكم النجاسة باق معها. ومتى زالت لم يبق لها حكم والله اعلم. الفائدة الثانية عشرة النية في ازالة النجاسة. لا بد في النية من امرين نية العمل وتمييز مراتبه. ونية المعمول له وهو الاخلاص لله واما النية في ازالة النجاسة ففائدة ذلك حصول الاجر بالتقرب الى الله بازالة والا فهي تجول بلا نية. الفائدة الثالثة عشرة الواجبات على الصغير والمجنون. الصغير مجنون لا يجب عليهما صلاة ولا صيام ولا حج. لعدم التكليف. وان كما تجب في مالهما الزكاة. لتعلقها بالمال في قول جمهور العلماء كما تجب عليهما النفقات لانفسهما ولمن عليهما نفقته. من زوجة ومملوكة كوك ونحوه. الفائدة الرابعة عشرة. العلم يغير وجوده. العلم بالشيء غير وجوده والاتصاف به فكم من انسان يعلم ويعرف المحبة واحكامها وجميع لوازمها. ولا ان قلبه خال منها. وكم من عبد يعرف ويعترف بقضاء الله وقدره وحسنه كفايته. ولكن اذا وقع المقدور بخلاف ما يحب. رأيته لا طمأنينة عنده ولا ثقة ولا سكون. والا فمن وصلت الى به معرفة الله حقيقة. اطمأن الى كفاية الله. واستسلم لحكمه حيثما تنقلت به الاحوال. وكم من انسان يعرف احكام التجارة تفاصيلها ولكنه وقت العمل ومباشرة البيع والشراء. لا يحسن ما يحسنه غيره. وهكذا كثير من الامور على هذا النسق. فلا اذا عرفت الشيء بانك متصف به. ولهذا شرع للعبد ان يسأل الله علما نافعا وهو العلم المثمر للعمل. والله اعلم. الفائدة الخامسة عشرة. الحازم. الحازم هو الذي ينازع ويدافع الاقدار المؤلمة. بما يدفعها قبل نزولها. او يرفعها بعد نزولها او يخففها بالطرق المباحة او المأمور بها. فان اعياه ذلك استسلم للقدر. ورضي بقضاء الله وسلم لامره. ولهذا قال عمر رضي الله عنه نفر من قدر الله الى قدر الله. كذلك يفر العبد مما يكرهه الله باطنا وظاهرا. الى ما يحبه الله ظاهرا وباطنا ففروا الى الله. اني لكم منه نذير مبين ويفر من اسباب الهلاك والعطب والضرر. الى اسباب النجاة والسلامة طول النفع. ولكن الشأن في معرفة الاسباب النافعة والضارة ثم في سلوك خير الامرين. ومدافعة اشد الضررين. والله الموفق وحده. الفائدة السادسة عشرة. الدعاء لمن اخبر عنه الله ورسوله باستحقاق الجنة والنجاة من النار. اخبار الله رسوله باستحقاق من يستحق الجنة وينجو من النار. او بالمنازل العالية لا ينافي انه مطلوب منا ان ندعو له بحصول ذلك. كما ندعو لنبينا صلى الله عليه وسلم بالوسيلة والفضيلة والمقام المحمود ونحوها مع العلم انه لابد ان ينال ذلك. ومثل الدعاء لاطفال قال المؤمنين بالمغفرة والنجاة من النار. مع العلم ان الله سيفعل ذلك وكالدعاء بالرحمة والرضوان والجنة لمن علمنا انه مشهود لهم بالجنة بل والصلاة والسلام على جميع الرسل صلوات الله وسلامه عليهم كل ذلك لا ينافي الدعاء. فان الله اوجب ذلك وقدره باسباب متعددة من جملتها الدعاء بذلك. فتتم النعمة في حق الداعي والمدعو وليعلم عظم ذلك المقام وعلو شأنه. حيث كان لا الا باسباب متعددة من العامل ومن غيره. الفائدة السابعة عشرة التثبت في سماع الاخبار. التثبت في سماع اخباري وتمحيصها ونقلها واذاعتها والبناء عليها اصل كبير نافع امر الله به ورسوله. قال تعالى يا ايها الذين امنوا فاسق بنبأ فتبينوا او ان تصيبوا ان تصيبوا قوما بجهالة تصبحوا على ما فعلتم نادمين. فامر بالتثبت. واخبر بالاضرار المترتبة على عدم التثبت. وان من تثبت لم يندم. واشار اليه في الميزان في ذلك في قوله ان تصيبوا قوما بجهالة. وانه العلم والتحقق في الاصابة او عدمه. فمن تحقق وعلم كيف يسمع وكيف ينقل وكيف يعمل من فهو الحازم المصيب. ومن كان بضد ذلك فهو الاحمق الطائش الذي مآله الندامة. واحوج الناس الى هذا الامر الولاة. على مراتبهم وطبقاتهم. واهل العلم على تفاوت درجاتهم. وذلك يحتاج الى اجتهاد وتمرين للنفس. وتوطين لها على ملازمة التثبت مع الاستعانة بالله والله الموفق المعين. الفائدة الثامنة عشرة احكام الظن قوله تعالى يا ايها الذين امنوا اجتنبوا كثيرا من الظن ان بعض الظن اثم. نهى تعالى عن كثير من الظن واخبر ان بعضه اثم. فيدل على ان بعضه غير اثم وغير منهي عنه. وهذا تحويل على ما بينه الله ورسوله. وامر قم بتطبيق الظنون على الاصول الشرعية. فالظن المستند على القرائن والاصول قد يجب وقد يسن وقد يباح وقد يعذر فيه العبد. والظن الذي لا يستند على شيء من ذلك لا يغني من الحق شيئا. والظن بمسلم ظاهره العدالة من باب ظن اني الاثم وظن السوء باهل الريب والمتظاهرين بالشر والاحتياط في امر امرهم مأمور به. والتحرج من الاضرار التي يخشى من وقوعها. يعد من الحزم والحذر. والله اعلم. الفائدة التاسعة عشرة. مع ان قول السلف بلا كيف. قال ابن القيم قدس الله روحه في مدارج السالكين معنى قول السلف بلا كيف؟ اي بلا كيف يعقله البشر ان من لا يعلم حقيقة ذاته وماهيته. كيف يعرف كيفية نعوته وصفاته ولا يقدح ذلك في الايمان بها ومعرفة معانيها. فالكيفية وراء ذلك كما اننا نعرف معاني ما اخبر الله به من حقائق ما في اليوم الاخر ولا نعرف حقيقة كيفيته مع قرب ما بين المخلوق والمخلوق. فعجزنا عن معرفة كيفية الخالق وصفاته اعظم واعظم. فكيف يطمع العقل المخلوق محصور المحدود في معرفة كيفية من له الكمال كله والجمال كله والعلم كله والقدرة كلها والعظمة كلها والكبرياء كلها. من لو كشف الحجاب عن وجهه. لاحرقت سبحاته السماوات والارض وما فيهما وما بينهما وما ذلك. الذي يقبض سماواته بيده. فتغيب كما تغيب الخردلة في في كف احدنا الذي نسبة علوم الخلائق كلها الى علمه. اقل بالنسبة نقرة عصفور من بحار العالم. الذي لو ان البحر يمده من بعده سبعة ابحر مدادا. واشجار الارض من حين خلقت الى قيام الساعة اقلام لفني المداد وفنيت الاقلام ولم تنفذ كلماته. الذي لو ان الخلق من اول في الدنيا الى اخرها انسهم وجنهم وناطقهم واعجمهم. جعلوا صفا واحدا اه ما احاطوا به سبحانه الذي يضع السماوات على اصبع من اصابعه والارض على اصبع والاشجار على اصبع. ثم يهزهن ثم يقول انا ملك فقاتل الله الجهمية والمعطلة. اين التشبيه ها هنا؟ واين التمثيل لقد اضمحلها هنا كل موجود سواه. فضلا عن ان له ما يماثله في ذلك الكمال ويشابهه فيه. انتهى الفائدة العشرون. لابد للقلب من نظر وتفكير وعلم وارادة لابد للقلب من نظر وتفكير وعلم وارادة وقصد فاجتهد ان تكون هذه الامور في اوجب الاشياء وافضلها وانفعها. لتفوز كعادتين اجتهد ان يكون تفكيرك في العلوم النافعة والاراء الصائبة وان توجه وجهة نظرك الى مصدر الهدى والرحمة. وينبوع العلوم والمعارف وهو كتاب الله وسنة رسوله. وكذلك في امور الكون السماوات والارض وما فيهما من الموجودات. الدالة بحسن الاستدلال على ما له من ذات الكمال. وتفرده بالعظمة والكبرياء والجلال والجمال وكذلك تفكر في نعم الله عليك وعلى غيرك. لتشاهد من ذلك ما لا عين رأت ولا اذن سمعت ولا خطر على قلب بشر. فتعرفها وتعترف وتتحدث بها جملة وتفصيلا. وتستعين بها على طاعة المنعم وكذلك تفكر فيما عليك من الحقوق الواجبة والمستحبة وما عليك ان تتجنبه من المنهيات. وهل انت قائم فيها ممتثل وما الطريق الى الوصول الى ما لم تصل اليه. والقيام بما لم تقم به. ودفع ما يجب دفعه. ولتكن ارادتك وقصدك متعلقا بما يحبه الله منك. قاصدا بذلك رضاه وثوابه وليكن هذا القصد ملازما في عباداتك وعاداتك وكل احوالك. واياك ان ان تكون افكارك دائرة حول الشهوات الضارة. والمرادات التي لا حاصل لك منها ولا منفعة لك منها. لا عاجلا ولا اجلا. بل هي عذاب معجل قبل عذاب الاخرة. وانما الواجب على كل مكلف ان يعرف الله ويتعرف اوصافه وحقوقه. ويقوم بحقوق الله وحقوق خلقه راجيا من الله ان يكملها وان يتقبلها. وخائفا من تقصيره ان ترد عليه وان يكون في كل وقت تائبا مستغفرا. وان يقول بالاسباب الدنيوية لقصد القيام بالواجبات عليه. وقصد الاستعانة بها على طاعة الله. ويكون مع قيامه به. راجيا من ربه التوفيق في تيسيرها حصول بركتها. الفائدة الواحدة والعشرون. فائدة لطيفة ما ينبغي سلوكه في مسائل الخلاف. ينبغي للمفتي والعامل في مسائل الخلاف. ان يتحرز غاية التحرز في الخروج من الخلاف وان يسلك طريق الاحتياط في فتواه وعمله. الا اذا كان الخلاف ضعيفا جدا لا ينظر اليه ولا له حظ من النظر. هذا في ابتداء الامر وفي الامر بالذي يمكن تلافيه. فاما اذا مضى الامر وحصل العمل بقول مفت والمسألة خلاف والخلاف فيها قوي له حظ من النظر والدليل فينبغي عدم الحكم بنقضه وابطاله. لان الامور لها احوال وقت الابتداء وامكان التدارك واحوال اذا تعذر ذلك. والله اعلم. الفائدة الثانية والعشرون بركة الطاعات وشؤم المعاصي. اعلم ان بعض طاعات من بركة يترتب عليها طاعات اخر. وكذلك من شؤم المعاصي ان بعضها قد يترتب عليه مفاسد. غير مفسدة المعصية بخصوصها. مثال الصدقة او الهدية على القريب. عوما بينك وبينه شحناء تكون صدقة وصلة وقارعة للشحناء. وكذلك الطاعة التي تسبب فيها بمشاركة غيرك فيها او للاقتداء او لغير ذلك من المصالح. ومثال الثاني الزنا من افظع المحرمات. وكونه بحليلة الجار او الرحم او بمن تعظم حرمته يكون اشنع واشنع. والقتل من الكبائر. وقتل الولد خشية ان يطعم معك. فيه مفسدة الاساءة الى من النفوس على محبته. والدفع عنه بكل ممكن. وفيه سوء الظن برب العالمين مين؟ ومن تأمل كثيرا من الطاعات والمعاصي. رآها مشتملة على ما ذكرنا فيتأكد فعل الطاعة المذكورة. والحذر والتحذير من المعاصي التي فيها شر متكرر. والله اعلم. الفائدة الثالثة والعشرون معنى التوكل سأل سائل كيف سورة التوكل وتوضيحه فاني لا اكاد اتصور معناه. فضلا عن كوني متصفا به فاجيب معلوم ان الحاجة والضرورة هي التي تدعو الى التوكل وانت محتاج لاصلاح دينك. في القيام بالواجبات وترك المنهيات والى اصلاح دنياك في تحصيل الكفاية في المعاش. فاذا علمت ان الله بكل كل شيء عليم وعلى كل شيء قدير. وانه المتفرد بالعطاء والمنع وجلب المنافع ودفع المضار وهو مع ذلك كامل الحكمة واسع الرحمة بك من نفسك ومن كل احد. ومع ذلك ايضا فقد امرك بالتوكل عليه ووعدك بالكفاية. فمتى تحققت ذلك تحققا قلبيا يقينيا فقم بجد واجتهاد. في امتثال الامر واجتناب النهي بحسب مقدورك انت في ذلك معتمد غاية الاعتماد بقلبك على الله. في حصول ما سعيت فيه وواثق به وطامع في فضله في تيسيره لك ما سعيت فيه. ومتبار من حولك وقوتك. عالم انه لا حول ولا قوة الا بالله انك وجميع الخلق اضعف واعجز من ان تقوموا بامر من الامور. بغير معونة الله وتيسيره سيرة فمتى دمت على هذا العمل والاعتماد والتفويض وحسن الظن؟ فقد حق مقام التوكل. وكذلك فاصنع في امور معاشك. اعمل كل ما ما يناسبك من الاسباب النافعة. متوكلا على الله. راجيا لفضله مطمئن لكفايته. معتمدا عليه غاية الاعتماد. راضيا بما قدره و لك من مسر ومحزن. والتوكل على هذا الوجه نصف الايمان والله تعالى قد ضمن الكفاية للمتوكلين. ومما يقوي التوكل الدعاء بقلب حاضر ورجاء قوي. والله اعلم. الفائدة الرابعة والعشرون في تفسير بعض اصطلاحات الفقهاء. للفقهاء رحمهم الله اعدت اصطلاحات في بعض الاشياء. اطلاقهم لفظ الاجنبي. يفسر في كل باب ومقام بما يناسبه. وهي كثيرة جدا. معروفة لمن تتبع كتب فقه ومنها العيوب في باب الاضاحي والهدايا ونحوها لها اطلاقا وفي باب البيع والمعاملات لها اطلاق وتفسير اخر. وفي باب عيوب النكاح ساحلها تفسير. وفي باب عيوب العبد المعتوق لها تفسير. النصاب مختلف. نصاب زكاة الاموال الزكوية له تفسير. ونصاب زكاة الفطر له تفسير ونصاب من تجب عليه الكفارات المالية له تفسير. وكذلك الحج والرشد في باب الحجر له تفسير. وفي باب النكاح له تفسير الفائدة الخامسة والعشرون. طريقة الفقهاء في التأليف طريقة الفقهاء رحمهم الله يذكرون في كتاب الصلاة وكتاب الزكاة ويذكرون فيه الاحكام الكلية. التي يشترك فيها جميع انواع تلك العبادة ثم بعد هذا يذكرون التفاصيل الخاصة لكل نوع منها. ومثله الصيام البيع تذكر شروط الصحة ثم بعد ذلك يفصلون الانواع والافراد مستصحبين فيها ما قدموه من الاحكام الكلية. وهذه طريقة من التعليم حسنة فلتكن الاحكام الكلية منك على بال. اذا شرعت في الابواب التفصيلية الفائدة السادسة والعشرون. حكم الرضا بقضاء الله وقدره سئلت عن حكم الرضا بقضاء الله وقدره فاجبت بان ذلك نوعان احدهما فعل الرب وتقديره وحكمه. الثاني العبد ويختلف الحكم فيها. اما فعل الرب تعالى فهو انواع احدها قضاؤه الديني وحكمه الشرعي. فهذا الرضا به واجب. من افرض الفروض بل لا يتم الايمان الا به. قال تعالى وما كان لمؤمن ولا مؤمنة اذا قضى الله ورسوله امرا ان يكون لهم. اي يكون لهم الخيرة من امرهم. فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم الى اخر الاية. فيجب على كل مؤمن ان يرضى باحد الله الشرعية. ويتلقاها بالقبول والسمع والطاعة. ولهذا قال المؤمن ملتزمين لها. سمعنا واطعنا. الثاني قضاؤه على فيما يحب العبد من صحة بدنه وسعة رزقه وحصول منافعه واندفاع مضاره فهذا لابد له فيه من الرضا طبعا. لانه من مطالب النفوس ولكن يجب في هذا النوع الشكر لله والثناء عليه بما اولى. والحذر من الاشر والبطر طغيان الثالث قضاؤه على عبده المكاره والمصائب. فبعد بعض العلماء يرى وجوب الرضا بها. واكثر العلماء وهو الصحيح ان الرضا مستحب والرضا فيها غير الصبر. فان الصبر واجب بالاتفاق. فالصبر الا فسخطها بقلبه ولا بلسانه ولا بجوارحه. فاذا صبر نفسه عن هذا الصبر وخاطفه وصابر. ولو كان قلبه يحب الا تكون المصيبة. واما الرضا فهو مع ذلك قلبه راض بها. وبما قسم الله غير مختار على ربه وهذا اعلى لانه متضمن الصبر وزيادة طمأنينة القلب. والا يكون له ارادة تخالف ما قضاه الله عليه. واما فعل العبد وهي الطاعات المعاصي فيجب الرضا بالطاعات الواقعة منه ومن غيره ومحبتها. وكرامة المعاصي الواقعة منه ومن غيره. فالرضا والكراهة في هذين النوعين يرجعان الى فعل العبد وذلك راجع الى موافقة الرب في محبته للطاعات وكراهته للمعاصي وحكمه بالتفريق بينهما في احكام الدنيا والاخرة. فعلينا ان نوافق الله في ذلك. واما من جهة تقدير الله لها وفعل الرب التي نشأت عنه فعلينا ان نرضى بها من هذه الجهة موافقين لربنا في ذلك. فانه قضى الخير والشر واحب الخير وكره الشر الواقع بالعباد. فبهذا التفصيل يزول الاشكال في هذه المسألة العظيمة التي تحتاج الى فرقان علمي وفرقان عملي من لم يفرق هذا التفريق وقع في انواع من الخطأ والجهالات. والله اعلم الفائدة السابعة والعشرون. قصة طريفة لبعض اهل العلم يعجبني ما وقع لبعض اهل العلم وهو انه كتب له اخر من اهل العلم والدين ينتقده انتقادا شديدا في بعض المسائل. ويزعم انه مخطئ فيها حتى انه قدح في قصده ونيته. وقال مع ذلك انه يدين الله ببغضه بناء على ما توهم من خطأه. فاجاب المكتوب له اعلم يا اخي انك اذا تركت ما يجب عليك من المودة الدينية والاخوة الاسلامية. وسلكت ما يحرم عليك من اتهام اخيك بالقصد السيء. على فرض انه اخطأ. وتجنبت الدعوة بالحكمة في مثل هذه الامور. فاني اخبرك قبل الشروع في جوابي لك. عمن فقدته علي اني لا اترك ما يجب علي من الاقامة على مودتك. والاستمرار على محبتك المبنية على ما اعرفه من دينك انتصارا لنفسي. بل ازيد على ذلك باقامة العذر لك بقدحك في اخيك. اني اعرف ان الدافع لك على ذلك حسن قصد. لكن لم يصحبه علم يصححه ولا معرفة تبين مرتبته. ولا ورع ورأي صحيح يوقف العبد عند حده الذي اوجبه الشرع عليه. فلحسن قصدك المتمحض او الممتزج بشيء اخر قد عفوت لك عما كان منك الي من الاتهام بالقصد السيء. فهب ان الصواب معك يقينا فهل خطأ الانسان عنوان على سوء قصده؟ فلو كان الامر كذلك لتوجه رمي جميع علماء الامة بالقصود السيئة. فهل سلم احد من الخطأ؟ وهل هذا القول الذي تجرأت عليه الا مخالف لما اجمع عليه المسلمون. من انه لا يحل رمي المسلم بالقصد السيء اذا اخطأ في مسألة علمية دينية والله تعالى قد علم عفا عن خطأ المؤمنين ربنا لا تؤاخذنا ان نسينا او اخطأنا قال الله قد فعلت. ثم نقول هب انه جاز للانسان القدح في ارادة ما دلت القرائن والعلامات على قصده السيء. فيحل القدح في من عندك من الادلة والقرائن الكثيرة. على بعده عن القصور السيئة. ما لا يبرر لك ان تتوهم فيه شيئا مما رميته به. وان الله امر المؤمنين ان يظنوا باخوانهم خيرا اذا قيل فيهم خلاف ما يقتضيه الايمان. فقال تعالى اولئك اذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بانفسهم خيرا واعلم يا اخي ان هذه المقدمة ليس الغرض منها مقابلتك بما قلت فاني قد ذكرت لك اني قد عفوت لك عن حقي ان كان لي حقا. ولكن الغرض وان اعرفك موقع هذا الاتهام ومرتبته من الدين والعقل والمروءة الانسانية غنية ثم انه بعد هذا اخذ يتكلم عن الجواب الذي انتقده. بما لا محل لذكر هنا وانما الفائدة في هذه المقدمة. الفائدة الثامنة والعشرون. محاورة مع رجل وقع في عيب رجل من اهل الدين وقع رجل في رجل من اهل الدين وجعل يعيبه ويعين بعض ما يعيبه به فقال بعض الحاضرين له اريد ان اسألك هل انت متيقن ما عبته فيه ومن اي طريق اخبرت به ثم اذا كان الامر الذي ذكرته فهل يحل لك ان تعيبه ام لا؟ اما الاول فاني اعلم انك لم تجالس الرجل. وربما انك لم تجتمع به. وانما بنيت كلامك على كما يقوله بعض الناس عنه. وهذا معلوم انه لا يحل لك ان تبني على كلام الناس وقد علم منهم الصادق والكاذب. والمخبر عما رأى والمخبر عما سمع والكاذب الذي يخلق ما يقول. فاتضح انه على كل هذه التقادير لا يحل لك القدر وفي ثم ننتقل معك الى المقام الثاني. وهو انك متيقن ان في فيه العيب الذي ذكرته. وقد وصل اليك بطريق يقيني. فهل هل تكلمت معه ونصحته ونظرت هل له عذر ام لا؟ وهل يقبل النصيحة ام لا فقال لم اتكلم معه في هذا بالكلية. فقال له هذا لا لا يحل لك انما يجب عليك اذا علمت من اخيك امرا معيبا ان تنصحه بكل فيما تقدر عليه قبل كل شيء. ثم اذا نصحته واصر على العناد فانظر هل في بعيبك له عند الناس مصلحة وردع. ام في ذلك خلاف ذلك. وعلى الاحوال كلها فانت اظهرت في عيبك هذا له الغيرة على الدين وانكار المنكر. وان ففي الحقيقة الذي فعل المنكر وما اكثر من يجري منه مثل هذه الامور الضارة التي يحمل عليها ضعف البصيرة وقلة الورع. والله اعلم فائدة التاسعة والعشرون. الدعاء هو العبادة. قول النبي صلى الله عليه وسلم الدعاء مخ العبادة. او الدعاء هو العبادة. انما كان ذلك كذلك لامور. منها ان الدعاء فيه التضرع الى الله واظهار الضعف والحاجة الى الله. ومنها ان العبادة كلما كان القلب فيها اخشع والفكر فيه يا حاضرا فهي افضل واكمل. والدعاء اقرب العبادات الى حصول هذا المقصود فان حاجة العبد تدفعه الى الخشوع وحضور القلب. ومنها ان الدعاء ملازم للتوكل والاستعانة بالله. فان التوكل هو الاعتماد بالقلب على الله والثقة به في حصول المحبوبات واندفاع المكروهات. والدعاء يقويه بل يعبر عنه ويصرح به. فان الداعي يعلم ضرورته التامة الى الله وانها بيد الله. ويطلبها من ربه راجيا له واثقا به هذا هو روح العبادة. ومنها ان الداعي لما كان يدعو الله لمصلحته ومنفعته ويطلب من الله حوائجه. فربما ظن الظان ان ذلك هو المقصود وانه ان حصلت الحاجة التي دعا لاجلها فقد حصل المراد وان لم تحصل فقد ضاع سعيه. وهذا ظن غالط. فاخبر صلى الله عليه ووجود مقتضى هذا الانقياد متلازمة مرتبط بعضها ببعض اذا تم واحد منها وكمل علم ان جميعها قد كملت. واذا انتفى واحد منها بالكلية علم ان جميعها انتفت. واذا نقص واحد منها وسلم انه عبادة لله. سواء اجيب العبد الى ما سأل او لم يجب فانه كسب العبادة لله بدعائه. كما لو صلى او قرأ او ذكر الله فان ان حصل مع هذه العبادة التي هي المقصود الاعظم مطلوبه. والا فهو غانم ومحصل لعبادة ربه. فمن نعمة الله على العبد ان يأمره بالدعاء الحاجات والضرورات الى سؤال الله. لتحصل له هذه العبادة العظيمة حتى كان بعض السلف يقول انه تكون لي الحاجة الى الله فادعوه. فيفرح من لذيذ مناجاته ما اتمنى معه ان حاجتي لم تقضى. لما اخشى من انصراف في النفس عن هذه المناجاة والعبادة. ويقول بعضهم لقد قد بورك لك في حاجة اكثرت فيها من قرع باب سيدك. الفائدة ثلاثون تفاوت الناس عند المصائب. الناس اذا مات لهم حبيب او واصابتهم مصيبة متفاوتون. فاعلاهم منزلة من يقول ان لله علي حقا في هذه المصيبة ولحبيبي علي حقا. فاشتغل بتحقيق اداء الحقين عن الاشتغال بفوات حظي من حبيبي. فلله علي حق الصبر الذي لا بد منه ولا يتم الايمان الا به. فان امكن مع ذلك الارتقاء الى مقام الرضا والشكر الذين هما اعلى المقامات. كان هو المغنم الاعلى والحظ العظيم فيشتغل بهذا الحق. ويعلم انه اذا قام به اثابه الله من الخير العاجل الآجل اعظم مما فاته بأضعاف مضاعفة. واما حق حديث علي من والد وقريب وصديق ونحوه. فالاشتغال به ان اعمل ما اقدر عليه من الاسباب التي يغتبط بها بعد موته. من الاستغفار له والدعاء والصدقة وتنفيذ وصيته وقضاء دينه. ونشر ما تسبب في حياته من مشروع ديني ديني وغيره. فمن كان كذلك فهو الرجل الحازم. وهو الرجل الذي وفق للقيام بالحقوق وبالوفاء بحق الحبيب. واما من كان اذا اصيب مثل هذه المصيبة لاحظ فوات حظه فقط فانه تحضره الهموم والغموم وموسخط. وفوات الثواب وحصول العقاب. فسبحان من فاوت بين العباد هذا التفاوت الذي لا ينضبط طرفاه. والله اعلم. الفائدة الواحدة والثلاثون. التوكل مع الفرح بالاسباب. على العبد ان دون توكله واعتماده على الله وان يقوم بالاسباب النافعة ولا يعتمد عليها ولكن الله اذا يسرها للعبد او يسر ثمراتها ونتائجها فرح بها العبد واطمأن بها قلبه. من غير اعتماد عليها. بل استبشارا بانها من فضله وتيسيره. ولهذا لما ذكر الله امداد الملائكة للمسلمين في بدر قال وما جعله الله الا بشرى ولتطمئن به قلوبكم ومن نصر الا من عند الله. وقال اذ يغشيكم وقال صلى الله عليه وسلم اعملوا فكل ميسر لما خلق له. اما اهل السعادة فيسرون لعمل اهل السعادة اما اهل الشقاوة فيسرون لعمل اهل الشقاوة. ولهذا كان التيسير لليسرى وعنوانا وبشارة للمؤمن. وقال قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا فامر بالفرح بفضله ورحمته. الذين هما السبب الاعظم الخيرات والنجاة من الشرور. الفائدة الثانية والثلاثون الايمان يشمل عقائد الدين واعمال القلوب والجوارح. توضيح ان الايمان يشمل عقائد الدين واعمال القلوب واعمال الجوارح. كما دل عليه الكتاب والسنة واتفق عليه السلف الصالح. وبيان ارتباط بعضها ببعض. وذلك ان اذا سمع النصوص من الكتاب والسنة الدالة على صفات الله اثباتا ونفيا وعلى تصديق رسوله وعلى الاخبار بكل الغيوب. وعلى الامر بالخير والنهي عن الشر فانه يفهمها اولا. فاذا فهمها وعرفها اعترف القلب بها وصدقها تصديقا لا ريب فيه. تصديقا لله ورسوله وذلك يقتضي محبتها والتقرب الى الله باعتقاد ما دلت عليه. والجزم بانه الحق النافع. فاذا عرف الله ورسوله واحبه. احب كل ما يقرب الى الله وكره كل ما يبغضه ويمقته. وحينئذ ينقاد القلب انقياد جازما لطاعة الله وطاعة رسوله. فيقصد ويريد فعل ما يقدر عليه من محبوبات الله. من واجب ومستحب قصدا جازما. يترتب عليه وجود ما قصده واراده. ويقصد اجتناب ما نهى الله عنه ونهى عنه رسوله. قصدا جازما يقترن به الترك. وهذا هو معنى قوله. ربنا اننا سمعنا مناديا ينادي للايمان ان امنوا بربكم فامنا وقول المؤمنين سمعنا واطعنا ومنة الله علينا عليهم بقوله ولكن الله حبب اليكم الايمان وزينه في بكم وكره اليكم. وكره اليكم الكفر والفسوق والعصيان الاية فتبين ان هذه الامور التصديق والاعتراف والحب والانقياد نقص في بقيتها. فافهم هذا الايضاح في بيان الايمان. ولهذا الله الايمان بالشجرة. في وجودها وكمالها ونقصها على هذا الوصف الذي ذكرنا والله اعلم. الفائدة الثالثة والثلاثون تعود النبي صلى الله عليه وسلم من علم لا ينفع. تعوذ صلى الله الله عليه وسلم من علم لا ينفع وذلك امور. منها العلوم الضارة ضررا محضا. او شرها اعظم من خيرها. كعلوم السحر وتعلم الباطل بغير بصيرة بالحق. ومنها الاشتغال بالعلوم التي تشغل العبد عن الامور حتى المباحة. ومنها العلم الشرعي الذي لا يعمل به صاحبه يعرف الخير فيتركه. ويعرف الشر فيقتحمه. ومنها الاشتغال بالعلوم الطيبة اذا اعرض صاحبها عن العلوم الدينية. فان الاقتصار عليها يوجب صاحب هاتيها. وكبرا يتكبر به على الحق علما وعملا. كما هو مشاهد ممن يشتغل بالعلوم العصرية المحضة. ويزهد في علوم الدين. اما العلوم نافعة. فهي علوم الدين وما اعان عليها من علوم العربية بانواعها وما فيه اصلاح للدين والدنيا والاحوال والاخلاق. بشرط ان يكون الدين فيها هو وغيره تبعا له ومعينا عليه. الفائدة الرابعة والثلاثون معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم لولا حواء لم تخن انثى زوجها. ولولا بنو اسرائيل لم يخنز اللحم قوله صلى الله عليه وسلم لولا حواء لم تخن انثى زوجها ولولا بنو اسرائيل لم يخنز اللحم. احسن ما يحمل عليه النحو وعليها السلام قيل انها حسنت له الاكل من الشجرة. حين وسوس لهما الشيطان فاجتمع على ادم تغرير الشيطان وتسويله وتحسين زوجته له فوقع الاكل ولكن تاب الله عليهما حين تابا وندما. واما بنو اسرائيل فقيل لهم لا تدخروا من اللحم الذي رزقتموه في التيه. فادخروا من الهلع والحرص الشديد وضعف الثقة بالله. وكان الناس قبل ذلك يأكلون اللحم ولا يدخرونه. فلما حصل ادخاره من بني اسرائيل كانوا اول اول من سن للناس هذا الامر. ومضمون ذلك ان الواجب على المرأة ان يكون زوجها عندها محترما احتراما حقيقيا. وتبني امرها معه على الصدق والصرف راحة وعدم الخيانة. ولكن وقعت حواء فوقعت بناتها. وكان الاولى للناس نسي ان يأكلوا اللحم وهو طري. وما فضل عن اكلهم اهدوه او تصدقوا به. ولا ركوه يخنز ولكن لما وقع بنو اسرائيل في ادخاره وقع الناس فيه بعدهم فحرموا تلك المواساة النافعة. والله اعلم. الفائدة الخامسة والثلاثون. حديث اللهم اني اسألك موجبات رحمتك وعزتك دائم مغفرتك. في الدعاء المأثور عنه صلى الله عليه وسلم الله اللهم اني اسألك موجبات رحمتك. وعزائم مغفرتك. دعاء جامع نافع فان مجموع مطالب السائلين حصول الرحمة المتضمنة لخير الدنيا والاخرة وحصول المغفرة المتضمنة لاندفاع الشرور في الدنيا والاخرة موجبات الرحمة هي الاسباب التي توجبها. والاوصاف التي تقتضيها. وقد ثبت في بخصوص كثيرة من الكتاب والسنة من اسباب الرحمة العامة والرحمة الخاصة امور كثيرة مثل قوله ان رحمة الله قريب من المحسنين اي في عبادة الله والى عباد الله. وقوله فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة. ويؤتون الزكاة والذين هم باياتنا يؤمنون الذين يتبعون الرسول النبي الامي. الاية ومثل واطيعوا الله والرسول لعلكم ترحمون. وطاعة الله ورسوله تشمل فعل الواجبات والمستحبات. وترك المحرمات والمكروهات. بل وابلغوا ومن ذلك التصديق بخبر الله ورسوله عن كل شيء. واذا قرئ القرآن فاستمعوا له وانصتوا لعلكم ترحمون. ومثل قوله صلى الله عليه وسلم الراحمون يرحمهم الرحمن. ارحموا من في الارض يرحمكم من في السماء واخبار كثيرة عن من عملوا بعض الاعمال التي رحمهم الله بها وغفر لهم بها. واما عزائم المغفرة فكذلك هي الصفات والاخلاق والاعمال التي جعلها الله سببا لنيل مغفرته عامة او وخاصة مثل قوله واني لغفار لمن تاب وامن عمل صالحا ثم اهتدى. ونحوها من النصوص. التي لا لا تحصى في ذلك اسباب المغفرة. التي من اعظمها الايمان والصدق اخلاص فسؤال موجبات الرحمة وعزائم المغفرة يدخل في هذا التوفيق لكل بسبب ينال به رحمة الله ومغفرته. فصلى الله وسلم على من اعطي جوامع الكلم ونوافعها واصول الخير وفروعه. الفائدة السادسة والثلاثون حكم شق بطن الحامل الميت لاخراج الولد. سئلت عن امرأة ماتت وفي بطنها ولد حي. هل يشق بطنها ويخرج ام لا؟ فاجبت قد علم ما قاله الاصحاب رحمهم الله وهو انهم قالوا فان ماتت حامل وفي في بطنها ولد حي. حرم شق بطنها. واخرج النساء بالمعالجات وادخال اليد على الجنين من ترجى حياته. فان تعذر لم تدفن حتى يموت ما في بطنه وان خرج بعضه حيا شق للباقي. فهذا كلام الفقهاء بناء على ان ذلك مثلة بالميتة. والاصل تحريم التمثيل بالميت. الا اذا عارض ذلك مصلحة قوية متحققة. يعني اذا خرج بعضه حيا فانه يحب شقوا للباقي لما فيه من مصلحة المولود. ولما يترتب على عدم الشق فيها هذه الحالة من مفسدة موته. والحي يراعى اكثر مما يراعى الميت. لكن في في هذه الاوقات الاخيرة حين ارتقى فن الجراحة. صار شق البطن او شيء من البدن لا مثله فيفعلونه بالاحياء برضاهم ورغبتهم للمعالجات المتنوعة فيغلب على الظن ان الفقهاء لو شاهدوا هذه الحال لحكموا بجواز في شق بطن الحامل بمولود حي واخراجه. وخصوصا اذا انتهى الحمل وعلم او غلب على الظن سلامة المولود. وتعليلهم بالمثلث يدل على هذا ومما يدل على جواز شق البطن واخراج الجنين الحي انه اذا تعارضت المصالح والمفاسد قدم اعلى المصلحتين. وارتكب اهون المفسدتين. وذلك ان سلامة البطن من الشق مصلحة. وسلامة الولد ووجوده له حيا مصلحة اكبر. وايضا فشق البطن مفسدة. وترك المولود الحي يختنق في بطنها حتى يموت مفسدة اكبر. فصار الشق اهون المفسدتين ثم نعود فنقول الشق في هذه الاوقات صار لا يعتبره الناس ولا لا مفسدة. فلا بقي شيء يعارض اخراجه بالكلية. والله اعلم الفائدة السابعة والثلاثون. حكم من وصل الى لديه مال محرم لكسبه. من وصل اليه مال محرم لكسبه. فلا لا يخلو من ثلاث حالات. اما ان يكون عن منفعة محرمة قد استوفاها ممن انتقل هذا المال منه فهذا لا يرد اليه المال. بل يجب على من حصل بيده ان يتصدق به عن نفسه. لعل الله ان يكفر عنه ما اجترمه. مع التوبة الى الله من ذلك الذنب الذي عنه هذا العوض. واما ان يصل اليه من الغير على وجه التعويض عنه بالمحرم. كالغصوب والعقود المحرمة والربا على المضطر وما اشبه ذلك. فهذا يجب رده على صاحبه ان كان والا دفعه الى ورثته وبذلك يبرأ من التبعة. واما ان يكون بيده مال لغيره وقد جهل ذلك الغير. كالودائع والرهون والغصوب التي جهل اصحابها وجهلت ورثتهم. فالطريق الى التخلص منها اما ان يتصدق بها عنهم لانه تعذر ايصالها اليهم وتعذر انتفاعهم بها. والماء قالوا يقصد لنفعه ولا يتصور نفع في هذه الحال الا بالصدقة بها عنهم وتنفذ هذه الصدقة ما دامت الحال على جهلها. فاذا وجد صاحبه او ترثه بعدما تصدق بها عنه خيره بين امضاء ذلك التصرف الذي هو الصدقة ويكون الاجر لصاحبها الاصيل. واما ان يرد هذا التصدق ويكون الاجر للذي باشر الصدقة. ولكنه يغرم ذلك المال لصاحبه واما ان يدفعها الى الوكيل العام. لمن لا وكيل له ولا ولي له. وهو الامام او نائبه. واذا دفعها اليه برئ من التبعة وصرفها الامام. كحال في المصالح العامة. والله اعلم. هذا التفصيل في الاموال المحرمة لكسبها فاما المحرمة لذاتها كالميتة والدم ولحم الخنزير والخمر ونحوها فان التحريم تابع لوجودها حيث كانت. ويجب اجتنابها والبعد عنها من كل وجه والله اعلم. الفائدة الثامنة والثلاثون. الشفاعة للغيب في الامور الدينية والدنيوية. من توسط لغيره او شفع له في امر من الامور الدينية او الدنيوية. كالوظائف والعطايا ونحوها. كان حكم ذلك تابعا للامر المتوسط فيه. ان كان مأمورا به بان كان المتوسط له ومستحقا لتلك الوظيفة او ذلك العطاء. فالتوسط محمود بل قد يكون واجبا وان كان المتوسط فيه منهيا عنه بان كان المشفوع له لا يستحق العطاء او لا يستحق الولاية او غيره خيرا منه وانفع. كان التوسط مذموما غشا لله ورسوله. لان ذلك معصية. وغشا للمتوسط عنده لانه يجب عليه ان ينصح له فيمن يولي او يعطي. ومن هو الاولى والانفع وغشا ايضا لمن توسط له. لكونه اعانه على ما هو منهي عنه. وكل وهذا داخل في قوله تعالى. من يشفع شفاعة حسنة يكن له نصيب قم منها. ومن يشفع شفاعة سيئة يكن له منها. والله اعلم. الفائدة التاسعة والثلاثون السبق والتبريز في العلوم وغيرها. السبق والتبريز والنبوغ في العلوم او الاخلاق الباقي او الاعمال معناه ان يسبق غيره فيها سبقا كثيرا. ويتقدم على شاركين فيها امدا بعيدا. وهذا نوعان. احدهما سبق مطلق في كل فن من العلوم النافعة. وفي كل خلق من الاخلاق الفاضلة. وفي كل لعمل من الاعمال الصالحة. او في جمهور ذلك. وهذا من اندر النادر ويوجد افراد من هذا النوع قيدهم الله بقوة منه ومعونة عظيمة استولوا على السبق في كل شيء. وهي على اطلاقها قد تكاملت تكاملا من في نبينا محمد صلى الله عليه وسلم. فانه اعلم الخلق واكملهم واعلاهم في كل فضيلة. وقد جمع الله له من الفضائل ما تفرق في غيره وكان له منها اعلاها. فلذلك كان افضل الخلق واقربهم عند الله تجاها ومنزلة ووسيلة صلى الله عليه وسلم. وكل ما شرح وبين من فهو جزء من هذا الاصل الكبير. ثم بعده الانبياء على مراتبهم ثم خيار الصحابة رضي الله عنهم ثم ائمة الهدى من امته مصابيح الدجى وهداة الامة واكابر الائمة. النوع الثاني ان يسبق الانسان في واحد من هذه الامور او اثنين مثلا. فهذا كثير وسبب ذلك مع اعانة الله قوة الرغبة وشدة الثقة في هذا الذي نبغ فيه وفاء غيره. وقوة الذكاء لانه ينتج من ذلك قوة العمل. وذلك موجب للسبق الذي لا يدرك. وايضا حصر الفكر والعمل في امر من الامور وجعله نصب العين والغاية واكبر الهم ومبلغ العلم. يوجب ادراك هذه المرتبة ومن هذا الباب نبوغ من فاق في علم التفسير او في علم الحديث او في الفقه او في علم النحو او اللغة. او الصناعات او غيرها من الفنون. فان من تخصص في شيء من هذه الفنون وصاره ودأبه ليلا او نهارا. فانه يدرك منه ما ييسر الله له فيه. ومن ذلك تبرج الانسان في خصلة من الاخلاق المرظية والاعمال الصالحة. كان يفوق غيره في الحلم الواسع او الصبر القوي او الخلق الحسن مع كل احد. والاعمال البدنية ككثرة الصلاة او الصيام او الاحسان. او الحج او الشجاعة او غيرها. بحيث اذا ذكر في هذه المقامات عد من السابقين الذين لا يكاد يوجد لهم نظير او مقارب كما يذكر في هذا الباب عن نوادر اهل الكرم والجود. ونوادر الشجعان ونوادر منقطعين للعبادة. ونوادر الذاكرين الله كثيرا والذاكرات وقد يكون فائقا غيره في عمل خاص. مثل بر الوالدين او صلة الارحام او نحوها ومن هذا ما ذكره النبي صلى الله عليه وسلم في قصة اصحاب الغار الذين انطبق عليهم وقالوا لا ينجيكم مما انتم فيه الا ان تدعوا الله صالح اعمالكم. فدعا كل واحد منهم بالعمل الذي برز به على غيره هذا ببره الكامل بوالديه. وهذا بعفته العظيمة التي لا نظير لها وهذا بامانته واحسانه الكثير الذي لا مثل له. ومن تأمل في في احوال الخلق رأى من هذا الباب عجائب. وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء بالاسباب التي يخصه بها ويقويه عليها. والله ذو الفضل العظيم فائدة الاربعون اعمال تنافي العقل. يا عجبا لمن هو عاقل ويدعي العقل وهو يعمل ما ينافي العقل من جميع الوجوه. فان العقل يأمر بكل نافع وبالاشتغال بالاهم عن المهم. وبترجيح اعلى المصالح على ادناها بردع صاحبه عن جميع الامور الضارة. واكثر الخلق غير مستقيمين على هذا الامر من كل وجه. وكثير من العقلاء يسلكه في بعض الامور تدعوه في بعضها لاغراض نفسية. رأى تقديمها على ما يقضي به العقل والشرع يا عجبا لمن يضيع اوقاته الثمينة في غير ما ينفعه. وهي جواهر لا قيمة لها ولا يمكن استدراكها. ويا عجبا لمن اعطوفا وذكاءا صرفوها في العلوم الضارة. ومن اعطوا قوة وقدرة متنوعة. فصرفوها في الامور الدنية وضيعوا الامور العلية. ويا عجبا لمن كان شغلهم البحث عن من لا يحبونه. والاعتراض المتنوع على من يبغضونه. كيف غطى الشكر على عقولهم ولم يعلموا ان ذلك عين نقصهم والتعبير عن عدم فضلهم. والسعي في في نقل حسناتهم الى من يبغضونه. بحسب بغضهم لهم. وهكذا تجد خلقه وان كان بعضهم اقرب جهة قدم. فان كانوا في جهة واحدة قدم الاقرب منزلة. فان كانت منزلتهم واحدة واحدهم شقيق والاخر للاب قدم الشقيق. وهذا يؤخذ من عموم قوله. لاولى رجل كثيرا يدعون ان لهم عقولا كبارا. وهم على هذه الصفة. ويا عجبا لمن اغناهم الله ومولهم واعطاهم وهم لم يستغنوا لا في دينهم ولا في دنياهم لا قاموا بالنفقات الواجبة ولا المستحبة. بل يسعون في تحصيل الاموال ولم يعرفوا ان المقصود منها ان تغني صاحبها بصرفها فيما ينفع فيه في دينه ودنياه. فجمعوا بين التعب العظيم في تحصيلها. وبين الشح والبخل في امساكها. حتى انتقلت دنياهم الى غيرهم في حالة لا يحمدون عليها فما اعظم حسرة هؤلاء واشد اسفهم. وقس على امثال ذلك تشاهدها وتسمع عنها في الخلق. تنافي العقل ويستحق صاحبها ان يكون من اهل الحمى قوى الجهل وهذا من الادلة على ان الذكاء والفطنة والعقل وحده لا يهدي صاحبه الا بهداية خاصة من الله. وعناية من توفيقه ولطفه هذا مما يوجب للعاقل الا يزال ملحا على ربه. في توفيقه لاحسن الاعمال والاخلاق واهداها وارشدها. الفائدة الواحدة والاربعون حكم القيام للناس. يفرق بين القيام للرجل والقيام اليه والقيام عليه. الاول مكروه. اذا تضمن تركه مفسدة فلا بأس به وقد استحبه طوائف لاهل الفضل. من العلماء والولاة وللوالدين ونحوه وهم واما الثاني وهو القيام اليه. كقيام الانسان من قدم من سفر او لمن استضافه. او لمن اراد ان يهنيه او يعزيه. فهذا لا حرج فيه. بل هو تابع للقصد الذي قام اليه لاجله. واما الثالث وهو القيام عليه فهو محرم. لا يجوز ان يقوم الرجل على رأس الرجل تعظيما له. كما صلى الله عليه وسلم عن ذلك. فان في ذلك تعظيما لغير الله. وتعاظما ممن يقام على رأسه فهذا الفرقان بين الامور الثلاثة. يوجب لك ان تعطيه الامور حقها من التأمل. وتنظر الداعي والسبب الحامل عليها. كذا تأمل ما عليها من الخير والشر والمصالح والمفاسد. والله اعلم الفائدة الثانية والاربعون. العفو عن الناس. العفو عن الناس اذا اساءوا اليك كله محمود. وخصوصا من لهم حق متأكد من ولادة وقرابة وصداقة ونحوها. واخص من ذلك من كانت اساءتهم اليك صادرة عن مقصد حسن هو فيه غالي في اصله او في مقداره. وكان بعضهم يقول كل من اساء الي بقول او فعل او اعتراض. وقصده بذلك وجه الله. او كان قصده مشوبا بعضه لله وبعضه تبع لغرض النفس. فهو مني في حل. وقد سامحته لله الذي للمسيء الي نوع احتساب. وان كان مخطئا او مزورا عليه او بانيا على قول الطائفة التي عرفت بالاعتراض علي فكل هذه الاقسام قد لله. علمت بإساءته او جهلتها. واما من ليس له من المقاصد الا الاغراض النفسية. والعدوان المتمحض الذي يعلمه من نفسه. فهذا لا ساقابله باساءته وامره الى الله. ومن وصل الى هذه الحالة فليحمد الله على هذه النعمة الكبرى. وعلى راحة الضمير وعلى كثرة ما يجني من الخير وعلى ما يرجى له من جزاء ربه له ومعاملته له. وانه يرجى ان يكمل الله له النواقص. ويعفو عما مزج فيه العبد اغراضه وشهواته النفسية مع داعي الاخلاص ويستثنى من هذا الاصل العفو عن المجرم المفسد المتمرد. الذي العفو عنه مما يزيده في عتوه وتمرده. فالواجب في مثل هذا الردع والزجر بكل ممكن ولعل هذا يؤخذ من القيد الذي ذكره الله بقوله. فمن عفا واصلح فشرط الله ان يكون العفو فيه صلاح. فاما العفو الذي لا صلاح فيه بل فيه ضده. فهو منهي عنه. والله اعلم. الفائدة الثانية الثالثة والاربعون نعم الله على العبد. اذا انعم الله على عبد النعمة فان هو احسن تصريفها وتدبيرها كانت نعمة اخرى وتمت عليه فيه النعمة وان هو لم يحسن تصريفها بان لم يستعملها او استعملها فيما لا ينفع او فيما يضر كانت عليه نقمة وحجة. فكم ممن اوتوا قوة في وابدانهم فصرفوها فيما ينفعهم دينا او دنيا. فانتفعوا وارتفعوا وكم ممن صرفوهما فيما لا يعود عليهم بخير او اهملوهما صار اللوم عليهم اعظم والمصيبة في حقهم اكثر. وكم ممن اوتوا مالا وجاه او رياسة فلم ينتفعوا بها فيما جعلت له. فكانت عليهم وبالا وكم ممن كانت هذه الاشياء زادا يتزودون بها الى الخير العاجل والثواب العاجل وهذه الامور ونحوها من محال الفتن والاختبار. وبها يتميز الاخيار من الاشرار. الفائدة الرابعة والاربعون. حديث الاقتصاد قادف النفقة. روى البيهقي عن ابن عمر مرفوعا. الاقتصاد في النفقة نصف المعيشة. والتودد الى الناس نصف العقل. وحسن السؤال نصف العلم ووجه ذكر هذه الثلاثة ظاهر. فان العبد كما انه محتاج مضطر الى اصلاح دينه بالعلم النافع والعمل الصالح. والقيام بما خلق له العبد فهو مضطر الى اصلاح دنياه وقيام معيشته. وذلك بامرين احدهما الاكتساب بصناعة او تجارة او حرفة. او عمل من الاعمال المناسبة بحالة الانسان الموافقة لسير حياته. الملائمة لمواهبه والامر الثاني بحسن التصريف والانفاق. وذلك هو لقاء اقتصاد فمتى تم له الامران؟ الكسب المناسب والاقتصاد في النفقة التي ميزانها قوله تعالى والذين اذا انفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما. فقد تمت امور معيشته التي هيأت له ومتى فقد الامرين او احدهما اختلت معيشته. فمن الناس من تختل معيشته بسبب عدم الكسب واخلاده الى الكسل. او سلوك الطرق التي لا تغني عنه شيئا ومن الناس من تختل معيشته بسبب عدم اقتصاده في الانفاق. بل يسرع في الانفاق فيقعد ملوما محسورا. فعلم بذلك ان الاقتصاد في النفقة احد شطري معيشة والشطر الثاني المكسب النافع. واما قوله والتودد الى الناس العقل فان العقل هو الذي يعقل به صاحبه ما ينفعه ويمتنع به عما والعقل يدعو دائما الى الراحة القلبية والراحة البدنية بالاسباب الموفرة للراحة. ولا شك ان التودد الى الناس بالاخلاق الجميلة والبشاشة وحسن الخلق من اكبر الاسباب لراحة القلب والبدن. والسلامة من الغل والحقد والمنازعات والمخاصمات. والتعلقات المشوشة للافكار للاقدار ومن ذاق طعم حسن الخلق والتودد الى الناس وكيف يكسب العبد بذلك من الاصحاب والاحباب ما هو من افضل الغنائم. وكيف يسلم به من شرور. وكيف ينقلب العدو صديقا والمبغض محبا. عرف في ذلك من الخير والراحة. وان هذه الامور هي القسم الاكبر الذي يرشد اليه العقل واما قوله وحسن السؤال نصف العلم فان العلم ان انما يدرك بسلوك طرقه الموصلة اليه. وذلك بحسب السؤال وحسن الاصغاء بان يسأل الانسان عن الامور المهمة والتي يحتاجها. ويسأل بطريقة تحصل المقصود. فان كان مشتغلا بالتعلم مستعدا لطلب العلم الادعية والتوجيهات القلبية. ما ينتفع به كل منهما من الاخر في الحياة وبعد الممات. ومنها ان هذا من البشرى في الحياة الدنيا فمتى وفق العبد لمحبة الصالحين وصحبتهم والاتصال بهم اشتغال بالكتب التي تليق بمطلبه. على وجه يتمكن من فهمها والتوسع للتفكر فيها في معانيها. ولا يشتغل بكتب لا تجدي عليه الا العناء. او يكثر من الدروس فيما لا يتحمله ذهنه. فمن سلك هذه الطريقة النافعة. رجي له الفلاح والادراك وكذلك سؤال العلماء مشافهة. يسأل عن الذي يحتاج اليه بلطف ولين ويصغي الى القاء المعلم اصغاء المضطر المفتقر الى علمه. فمتى وفق لهذه الحالة فقد فعل السبب الذي ينال به العلم. والتوفيق بيد الله سيره الفائدة الخامسة والاربعون. حديث لا يقبل صلاة احدكم اذا احدث حتى يتوضأ. قوله صلى الله عليه وسلم في حديث ابي هريرة المتفق عليه لا يقبل الله صلاة احدكم اذا احدث حتى يتوضأ يدل على امور على وجوب الوضوء. وعلى انه شرط من شروط الصلاة اه وعلى انه لا يسقط عمدا ولا سهوا ولا جهلا لعمومه. وبقي علينا ان نتعرف ما هو الحدث الذي دل الحديث على انه سبب وجوب الوضوء فان عرفناه من الشرع والا رجعنا الى اللفظ والى العرف فننظر. فاذا الشارع قد الاحداث الناقدة للوضوء. مثل الخارج من السبيلين والخارج الفاحش النجس من بقية البدن والنوم الكثير ولمس النساء بلذة. واكل لحوم الابل ومس الفرج بيد من دون حائل. ومفهوم الحديث ان الصلاة تقبل مع الوضوء. فدل على فضل وضوء وتأثيره العظيم في اجل العبادات. ولا يدل على انه لا يشترط للصلاة يغير الوضوء. بل يشترط لها الوقت والسترة واستقبال القبلة والنية. وهذه شروط تؤخذ من النصوص الاخر. والله اعلم. الفائدة السادسة والاربعون حديث ويل للأعقاب من النار. قوله صلى الله عليه وسلم ويل للاعقاب من النار. يدل على وجوب استيعاب اعضاء الوضوء بالطهارة وعلى ان لا يسقط سهوا ولا جهلا ولا عمدا. وان الجزاء من جنس العمل فيعذب العبد بعضوه الذي ترك واجبه. كما يحل المؤمن باعضائه التي يسبق فيها الوضوء. والله اعلم. الفائدة السابعة والاربعون قوله تعالى يؤتي الحكمة من يشاء. الاية قوله تعالى يؤتي الحكمة من يشاء. ومن يؤت حكمة فقد اوتي خيرا كثيرا. هذا يدل على ان من افضل منن الله عليك يا عبده ان يؤتيه الحكمة. والحكمة هي اصابة الصواب. ووضع الامور اضيعها في العلوم والاعمال. ففي العلوم ان يكون العبد عارفا لما تجب او تستحب معرفته معرفة مطابقة للواقع. وان يكون تعلمه وتعليمه على طريقة يحصل بها اكمل ما يكون من الوصول الى العلوم. بحسب الاستطاعة الطاعة والمقدور. وضد ذلك الجهل البسيط او الجهل المركب. الذي لا يعرف وهو لا يعرف انه لا يعرف. او نقص العلم او سلوك طرق التعلم والتعليم التي ما توصل اليه. او توصل اليه بوجه ناقص. فكل هذا مناف للحكمة العلمية. واما الحكمة العملية فانه يسلك العبد في عمله الدين او الدنيوي انفع طريق يتم به العمل. ففي الدين الاخلاص للمعبود والمتابعة للرسول. والاقتصاد في السير وعدم الغلو فيه او التقصير في العمل الدنيوي ان يستعمل من الاسباب انسبها اليه واتمها لحصول مقصوده ويسعى سعيا جميلا. وبعد حصول ثمرة السبب الدنيوي يسعى في انفاقه في لا ينبغي على الوجه الذي ينبغي من غير اسراف ولا تقتير. والله اعلم الفائدة الثامنة والاربعون المصيبة التي يثاب عليها العبد المصيبة التي تصيب العبد ويؤمر بالصبر عليها. ويثاب على ذلك نوعان مصيبة تأتيه بغير اختياره وعمله. كفقد الاحباب والمكاره التي تصيبه في بدنه او قلبه او ماله او حبيبه. فمن نعمة الله على المؤمن انه اذا قام بوظيفة الصبر والرضا واحتساب الاجر اعطاه الله اجره بغير حساب والنوع الثاني المصيبة التي تنال المؤمن باسباب عمله الصالح كالجهاد والحج والقيام بالامر بالمعروف والنهي عن المنكر. فهذه تشارك الاولى في ثوابها والصبر عليها. وتزيد عليها بشرف سببها حيث نشأت عن طاعة الله. فكانت اسبابها خير الاسباب. وثمراتها خير الثمار وكانت مع ذلك تابعة لتلك الطاعة والعبادة التي قام بها العبد قال تعالى في المجاهدين بانهم لا يصيبهم ظمأ ولا نصبوا ولا محمصة في سبيل الله. الاية وقال ان تكونوا تألمون فانهم يألمون كما تألمون. وترجون من ان يدخل تحت قوله تعالى ان الذين امنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا. اي منه ومن عباده الصالحين ومنها ان الله تعالى يجمع لاهل دار السعادة. جميع المسرات التي والله ما لا يرجون. وكان الله عليما حكيما. ولئن قتلتم في سبيل الله او متم لمغفرة من الله ورحمة. لمغفرة من الله ورحمة خير مما يجمعون. وهذه ايضا ايضا يعان عليها العبد ما لا يعان على الاخرى. فان الله تعالى شكور يشكر عبده الذي قام بمراضيه. بانواع من الثواب في قلبه وايمانه وثوابه والتحمل عنه. وربما استحلاها المؤمنون بحسب ايمانهم هنا مصيبة ثالثة تكون من اسباب عمله بالمعاصي. فهذه اذا اقترن بها الصبر والاحتساب كانت من مكفرات الخطايا. والا فهي تابعة للسيئات نموذج للعقوبات. والله اعلم. الفائدة التاسعة والاربعون اذا طاف اوسع محمولا. اذا طاف اوسع محمولا لعذر. ونوى كل من الحامل والمحمول عن نفسه فالمشهور في المذهب عند الحنابلة المتأخرين انه لا يجزئ الا عن المحمول. وهو ضعيف لا دليل عليه. ولا تعليل صحيح يدل عليه. والصحيح في هذا مذهب الامام ابي حنيفة. انه عن كل واحد من الحامل والمحمول. وهو قول في مذهب الحنابلة استحسنه الموفق وهو الصواب الذي تدل عليه الادلة. فان من طاف حاملا او محمولا لعذر او لغير عذر على القول الاخر. فانه قد ادى فريضة طوافه. وقد صدق على كل منهما انه تطوف بالبيت العتيق. يؤيد هذا قوله صلى الله عليه وسلم انما الاعمال بالنيات. وهذان كل منهما نوى الطواف لنفسه وفعله يؤيد هذا انه بالاتفاق اذا حمله في بقية المناسك وقوفي بعرفة ومزدلفة وغيرها. ان النسك قد تم لكل منهما. فما الفرق بين وبين الطواف والسعي. يؤيد هذا انه لم ينقل ان احدا من الصحابة والتابعين قالوا انه لا يجزئ عن الحامل. وقد وقع في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وزمن اصحابه والتابعين قضايا متعددة في هذا النوع. فلم يأمروا الحاكم امل ان يطوف طوافا اخر او سعيا اخر. واذا كان الولي المحرم ينوي الاحرام عن الصبي الذي لا يعقل ما يقوله. ويحضره في المشاعر كلها. ويجزي عند الجميع فما بال الطواف والسعي؟ وهذا القول كلما تدبره الانسان انه الصواب المقطوع به. وايضا فان طواف الراكب على بعير وغيره يجوز على الصلاة صحيح لعذر ولغير عذر. وعلى القول المشهور من المذهب انه يجوز لعذر ويقع الطواف عن المحمول مجزئا قولا واحدا. فما الفرق بين الراكب الحيوان والراكب للانسان. والحاجة تدعو الى كل منهما. بل الحاجة الى حمل من سان اشد من الحاجة الى حمل الحيوان. بل الحيوانات في هذه الاوقات متعذر قولوا ها المسجد الحرام كما هو معروف والله اعلم. مع ان الحامل اذا نوى عن نفسه كان احق بوقوعه عنه. الفائدة الخمسون. الواجبات المالية. سئلت عن الواجبات في مال الانسان الذي يملكه. وهل لذلك حد في الشرع. وما مقداره وصفته؟ فاجبت بان الشارع بين عباد كل ما يحتاجونه وخصوصا الواجبات التي هي اهم المهمات الواجبات على القلب والواجبات على البدن والواجبات من الاقوال والاعمال. وكذلك توضح الواجبات المالية توضيحا تاما مجملا. فامر باداء الحقوق المالية وحث عليها ومدح القائمين بها. وذم المانعين لها او لبعضها وفصل ذلك بذكر الاموال التي تجب فيها الزكاة وشروطها ونصبها ومقدار الواجب فيها وهذا اعظم الواجبات المالية. وفصل كذلك ما في المال من نفقات على النفس والاهل والعيال. والمماليك من الادميين والبهائم وبين ايضا وجوب الوفاء بالعقود والمعاملات. على اختلاف انواعها وتباين بها وبين ما يتعلق بالمال من الحقوق العارضة باسبابها. كبذل النفوس والاموال المتلفة بغير حق. وما فيه من الحقوق العارضة لحاجة الغير من ضيفك ونحوه او لاضطرار لغير ما وجب. مواساة المضطرين ودفع اضطرارهم ومن ذلك الزام الناس بالمعارضات التي تجب عليهم. فان الزام الناس معاوضات والتسعير عليهم فيها. منها ما هو ظلم محرم. كاكراههم على البيع بثمن لا يرضونه. او منعهم مما اباحه الله لهم. ومنها ما هو عدل مثل اكراههم على ما يجب عليهم من المعاوضة بثمن المثل. ومنعهم مما يحرم عليهم من اخر الزيادة على عوض المثل. ومثل التسعير على العمال ومن يحتاج اليهم ومنعهم من اخر الزيادة الفاحشة. كما يمنع الناس من هضمهم لحقوقهم. ففي امثال هذه المسائل على الناس مراعاة العدل. ومنع اسباب ظلم وهذه الامور منها اشياء واضحة لكل احد. ومنها اشياء يكون فيها فيها اشتباه والتباس. يجب ان تحقق وتفحص فحصا تاما ليعرف مرتبتها فما دامت مشتبهة فالاصل تحريم اموال الغير. والاصل ابقاء الناس على معاملاتهم واحترام حقوقهم. حتى يتضح ما يوجب الخروج عن هذا الاصل لاصله شرعي اقوى منه واولى. واما ما يهذي به كثير من الناس عندما انتشرت الشيوعية وشاعت دعايتها واثرت على كثير من اهل العلم العصريين من انه يصوغ لاولياء الامور ان يلزموا اهل الغنى والثروة. ان يواسوا بذلك اهل الحاجة والفقراء. وان يفتتوا ثروتهم على اهل الحاجات. وان يسددوا بزائد ثروتهم جميع المصالح المحتاج اليها بغير رضاهم. بل بالقهر والقصر فهذا معلوم فساده بالضرورة من دين الاسلام. وان الاسلام بريء من هذه الحالة خيوعية او هي مبدأ الشيوعية. ونصوص الكتاب والسنة على ذلك في ابطال هذا القول صريحة جدا وكثيرة. واجماع الامة يبطل هذا القول المنافي نصوص الكتاب والسنة. والمنافي للفطرة التي فطر الله عليها العباد والفاتحة للظلمة والطغاة ابواب الظلم والشر والفساد. فالله تعالى يبسط الرزق لمن من يشاء ويقدره على من يشاء. وقد جعل العباد بعضهم فوق بعض درجات في كل الصفات في العقل والحمق وفي العلم والجهل. وفي حسن الخلق وسوء الخلق. وفي الغنى القرار وفي كثرة الاولاد والاموال والاتباع وضد ذلك. حكم بذلك قدرا ويسر كل لما خلق له. واوجب على كل من اعطاه الله شيئا من هذه النعم وغيرها واجبات حددها وبينها وفصلها. وجعل لنيل المطالب الدنيوية مطالب الاخروية اسبابا وطرقا. من سلكها افضت به الى مسبباتها واوصلته الى نتائجها. وهؤلاء المنحرفون يريدون ان يبطلوا قدر الله وشره ويبرروا ارائهم بشبه لا تسمن ولا تغني من جوع يضعون ذلك الشرع تحريفا منهم. وقد اغتر بهذه الاراء الشيوعية كثير من العصر وكثر الداعون الى هذه الطريقة الشنيعة تغريرا واغترارا. ولكن ان البصير لا يخفى عليه الامر. والمعصوم من عصمه الله. وقد يروجونها هذا الباطل بان تضخم المال في ايد قليلة. سبب لمفسدة الترف المفسد الاخلاق وسبب لاثارة الاحقاد من الفقراء والمعدمين. وهذا غلط فاحش فان الغنى قد يكون سببا للطغيان. وقد يكون سببا للتواضع والتزود من طاعة الرحمن وعلى فرض ما فيه من المفاسد فانما حاولوه من القضاء على الثروة سبب لشرور عظيمة. لا تنسب اليها اي مفسدة. وسبب لاثارة فتن وشرور كثيرة عكس ما قالوه. وما قالوه في زيادة ثروة المال يقال مثله في في زيادة قوة الجسد وصحة البدن. فانه قد يبعث على شرور وقد يتوسل به الى خيرات. وهكذا كل ما اعطاه الله للعباد من المميزات. والفضائل للبدنية والمالية والرياسات والاولاد والاتباع. كل ذلك لابد منه ولا يمكن محاولة ابطاله. وصرف سنن البار التي اجراها على عباده. والله الله تعالى قد كفى العباد مؤونة واضرار الثروة. بما شرعه من الحقوق المالية الواجبة والمستحبة التي لو قام بها ارباب الاموال لكانوا من خير البرية اخلاقا اعمالا واشرفهم واعظمهم اعتبارا. ولكن لما منع اكثر الخلق ما اوجبهم الله عليهم سلط عليهم انواع الظلمة من ولاة ظالمين. ومن فتاوى الجاهلين المتجرئين. وكذلك نولي بعض الظالمين بعضا بما كانوا يكسبون واعلم ان الشبه التي تثار لنصر كل باطل اذا فرض صحة بعضها فانها نظريات ضئيلة جدا. ونظر خاص قاصر. حيث نظروا جزئيا وملاحظة جزئية. وعموا عن الاصول التي تبنى عليها الاحكام ويعتبرها الشرع. وتتولد عنها المصالح الكلية. وتنغمر فيها المضار الجزيء وتوافق الشرعة والفطر. وتدع الخليقة هادئة والاسباب قائمة والارتباط بين الناس قائما. ولكل درجات مما عملوا وما ربك بغافل عما يعملون. الفائدة الواحدة الخمسون قول صاحب الاقناع في صحة بيع الامة للمجذوم. قول صاحب اقناع حين ذكر صحة بيع الامة لمن به جذام ونحوه. وهل لها منعه من وطأها يحتمل وجهين اولاهما ليس لها منعه لملكه منافعها. وبه قالت الشافعية انتهى في هذا نظر ظاهر ومخالفة لقاعدة المذهب ومخالف ايضا لظاهر كلام الاصحاب. فانهم ذكروا في باب النفقات وجوب قيام السيد بحقوق مماليكه الواجبة والقيام بكفاياتهم. من مطعوم ومشروب وملبوس ومسكن وغيرها. وتحريم تحميله ما يشق عليه. وتحريمه ايقاع الاضرار به. والضرر الحاصل من مقاربة المجذوم ونحوه شديد. واما الذي ذكره وانه مالك لمنافعها فهي المنافع المعتادة التي لا ضرر فيها واما ما فيه ضرر فلا يملكها كما صرحوا به. والله اعلم الفائدة الثانية والخمسون معرفة حدود ما انزل الله على رسوله معرفة حدود ما انزل الله على رسوله من الكتاب والسنة. فرض عين او فرض كفاية بحسب مراتبه. والحد نوعان. اما حد محيط بجميع المحدود. واما ما حد يقصد به التمثيل والتصوير. مثال الاول ان يقال في حق المقتصد والسابق الى الخيرات والظالم لنفسه. المقتصد هو الذي يؤدي الفرائض والواجبات ويترك المحرمات والسابق الى الخيرات يزيد على ذلك بفعل المستحبات التابعة للفرائض والمستقلة. ويترك المكروهات كذلك. والظالم لنفسه هو الذي يقصر ببعض الواجبات او يتجرأ على بعض المحرمات. ومثال اذا مثل المقتصد. هو الذي يصلي الفرائض والصلوات باوقاتها. والسابق هو الذي تصليها في اول وقتها. ويجتهد في تكميل ما فيها من المكملات والمستحبات الظالم لنفسه هو الذي يؤخرها عن وقتها الواجب ونحو ذلك. فهذا من باب التمثيل والتصوير وهذا ينفع في مقام الدعوة والتعليم الخاص. وذلك ينفع في مقام تقرير الاصول قواعد وما انفع الجمع بين الامرين اذا اقتضت الحال ذلك. ومن عود نفسه ذلك سهو عليه ونفع وانتفع. والله الموفق المعين. الفائدة الثالثة والخمسون المطلوب من العلم تصور مسائله الكلية والجزئية. المطلوب من العلم تصوره ومسائله الكلية والجزئية والاستدلال عليها بالدلائل الموصلة الى العلم بقدر الامكان فالعلم مسائل ودلائل. والله يقول الحق في خبره وحكمه. وهو يهدي السبيل في اياته وبراهينه وادلته وبيناته الواضحة. ولا يأتونك بمثل الا جئناك بالحق واحسن تفسيرا. فاعظم الحق واصدقه وانفعه ما قاله الله ورسوله. وحكم به الله ورسوله. واوضح الادلة والبراهين ما نبه الله عليه ورسوله والكليات من المسائل والدلائل تحفظ الجزئيات وتجمعها وتكون اساسا واصلى. والجزئيات تفصل الكليات وتوضحها فمتى كان صاحب العلم متمكنا من الاحكام الكلية وتصويرها وتقريرها ومن التمثيل بالجزئيات فقد تم علمه. ومتى قصر فيهما او في احدهما حصل له من القصور والجهل بحسب ما قصر فيه. فمستقل ومستكثر. والله يهدي من يشاء الى صراط مستقيم. والعلم الموروث عن الرسول من الكتاب والسنة فيه المسائل والدلائل المحتاج اليها على اكمل وجه. وفيه الادلة العقلية والنقلية ويدعو الى الخضوع والذل لله والتواضع للحق والخلق. وعلوم اعداء الرسل ليست فيها براهين عقلية. ولكنها شبه وجهل وضلال. ومع ذلك ففي قلوب اهلها كبر ما هم ببالغيه. كبر على الحق وعلى الخلق. مع قصورهم العظيم وجهلهم ركب واغترارهم بما عرفوه من العلوم التي ان نفعته. ففي بعض الامور الدنيوية الفائدة الرابعة والخمسون. فائدة مهمة جدا مغذيات الايمان. ينبغي للعبد ان يسعى ويجتهد في عمل الاسباب وبالجالبة للايمان والمقوية للايمان. ومن اعظم ذلك تدبر القرآن فانه يزيد في علوم الايمان وشواهده. ويقوي الارادات القلبية. ويحث على اعمال القلوب من التوكل والاخلاص والتعلق بالله الذي هو اصل الايمان وكذلك معرفة احوال النبي صلى الله عليه وسلم. وسماع احاديثه معرفة معجزاته. وما هو عليه من الاخلاق والاوصاف. وكذلك التفكر في ايات الله ومخلوقاته المتنوعة. ولهذا يحث الله على التفكر في ملكوت السماوات والارض. وما اودع فيها من الايات والبراهين الدالة على وحدانية الله وصفاته والائه. وكذلك التفكر في نعم الله الظاهرة والباطنة الخاصة والعامة. فانها تدعو دعاء حثيثا الى الايمان وتقويه فما بالعباد من النعم وما يدفعه من النقم. كلما تفكر فيها ازداد ايمانه وقوي يقينه. وكذلك النظر في احوال الانبياء والصديقين وخواصه المؤمنين ومعرفة احوالهم وتتبع امورهم من اكبر مقويات الايمان ومواده وكذلك الضرورات التي تلجأ العبد الى ربه. وتحث على ذكره وكثرة دعائه. وما ينشأ عن ذلك من تفريج الكربات واجابة وحصول المسار واندفاع المضار. كلها من مقويات ايمان ومن اعظم مقويات الايمان ومغذياته اللهج بذكر الله والاكثار من دعائه. والانابة اليه في السراء والضراء في جميع النوازل الخاصة والعامة الكبيرة والصغيرة فهي من مغذيات الايمان والايمان يغذيها. فكل من الامرين يمد الاخر. وكلما ازداد العبد من هذه الامور ومن الرجوع الى والله في كل احواله ازداد ايمانه. وكثرت شواهده وازداد العبد بصيرة ويقينا قوي توكله ومن مغذيات الايمان قوة الصبر على طاعة الله وعن معاصيه وعلى اقداره. مع استصحاب التوكل والاستعانة بالله على ذلك بل هو الايمان اصلا وفرعا وغذاء وثمرة. فمتى غرست شجرة الايمان في القلب وتأصلت بمعرفة الله ومعرفة ما له من الاسماء الحسنى والصفات العظيمة والتفرد بكل كمال وكل فضل وافضال. وانبعثت دواعي الايمان الى الله بذكره ودعائه والرجوع اليه. وامتثال امره واجتناب نهيه والصبر على اقداره. والرضا به ربا وبالاسلام دينا وبمحمد نبيا وتعاهد العبد هذه الشجرة بالاوراد الشرعية والوظائف المرتبة هي اعمال اليوم والليلة ودوام التوبة والاستغفار كل وقت. والعزم الجازم على تحقيق الاخلاص لله والمتابعة للرسول والاجتهاد في تحقيق ذلك. وتنقية القلب من كل ما يضاد ذلك. من رياء وفخر وعجب وكبر وتيه ومن غل وحقد وغش مما ينافي النصيحة ومحبة الخير للمسلمين وتعاهدها ايضا ببذل ما يستطيعه العبد من النفع للعباد من تعليم ونصيحة لهم في دينهم ودنياهم. وتوجيه لهم الى الخير بحسب احوالهم ودعوة الى الله بالحكمة والموعظة الحسنة بحسب قدرته واستطاعته وبحسب الظروف التي هو فيها. متى وفق لذلك كله؟ اتت هذه الشجرة اكلها كل حين باذن ربها. والله تعالى هو الموفق وحده المحمود وحده الذي لا ملجأ للعبد ولا منجى منه الا اليه. ولا حول ولا قوة الا به وهو المرجو في كل الامور واليه المفزع والمشتكى. وما توفيقي الا الله عليه توكلت واليه ينيب. الفائدة الخامسة والخمسون اتدل عليها بوجه من الوجوه. ومكابرة المعقول. نفي امور التي يشترك العقلاء في اثباتها. او اثبات ما يشترك العقلاء في نفسه فالمكابرة في الحقيقة جنون في العقل. وكبر في النفس الزهد النافع. الزهد في الدنيا وتوابعها ليس مقصودا لنفسه بل مقصودا غيره. فان كان ذلك مما يستعان به على طاعة الله. وقيام دينه والنفع المتعدي والقاصر كان محمودا. وان كان لا يتوسل به الى شيء من ذلك او يتوسل به الى اغراض وشهوات دنية. او يطلب فيه الراحة الحاضرة فقط لم يكن محمودا. فهو وسيلة محضة لا غاية مقصودة وانما الغايات المطلوبة تتبع اوامر الله ورسوله. وعلمها وتنفيذها في في نفسه وفي غيره بكل وسيلة وطريقة توصل اليها. والله اعلم الفائدة السادسة والخمسون قوله تعالى تعلمونهن من علمكم الله. الاية قوله تعالى تعلمونهن ان مما علمكم الله فكلوا مما امسكنا عليكم واذكروا اسم الله الله عليه واتقوا الله ان الله سريع الحساب. الان فيها فوائد كثيرة. منها ان تعليم الله لعباده العلوم التي يدركون بها المعاني ويتوسلون بها الى المنافع الدنيوية من نعمه العظيمة. فانه امتن العباد بما يعلمون الجوارح الاسباب التي تحصل لهم بها الصيد. حتى يكون ما الجوارح بمنزلة ما باشروه من الاعمال. لانها من اعمالهم فكل علم علمه الله يدرك به منافعه الدينية والدنيوية فانه من نعمه على ان تعليمها يكون بحسب العرف والعادة. لان الله اطلق التعليم ولم يقيده الا بقيدين. احدهما ان تتعلم هذه الجوارح تعلما تمسك على صاحبها. وتتميز عن الجوارح التي تمسك لنفسها وعلى نفسها ويعرف ذلك بالقرائن المعروفة. ثانيهما ذكر اسم الله عند ارسالها فإرسالها بمنزلة تحريك يده للذبح. ومنها ان الاشتغال بالعلوم التي تتسهل بها الاسباب الدنيوية محبوبة لله. وهو ممن امتن الله الله به على عباده. فكل طريق يوصل الى المنافع الدنيوية او يسهلها. فان انه من هذا الباب. الفائدة السابعة والخمسون الدعاء عبادة مما ينبغي لمن دعا ربه في حصول مطلوب او دفع مرهوب لا يقتصر في قصده ونيته على حصول مطلوبه الذي دعا لاجله. بل يقصد بدعاء التقرب الى الله بالدعاء وعبادته التي هي اعلى الغايات. فيكون على يقين ان من نفع دعائه وان الدعاء مخ العبادة وخلاصتها. فانه يجذب القلب الى الله وتلجأه حاجته للخضوع والتضرع لله. الذي هو المقصود قودوا الاعظم في العبادة. ومن كان هذا قصده في دعائه. التقرب الى بالدعاء وحصول مطلوبه. فهو اكمل بكثير ممن لا يقصد الا حصوله مطلوبه فقط. كحال اكثر الناس. فان هذا نقص وحرمان لهذا الفضل العظيم ولمثل هذا فليتنافس المتنافسون. وهذا من ثمرات العلم النافع فان الجهل منع الخلق الكثير من مقاصد جليلة ووسائل جميلة. لو عرفوها قصدوها ولو شعروا بها لتوسلوا اليها. والله الموفق. الفائز الثامنة والخمسون تخصيص الفقهاء بيع الاصول والثمار بباب اذا قيل كيف خص الفقهاء رحمهم الله باب بيع الاصول والثمار مع ان جميع ما يلزم ويشترط ويحل ويحرم في انواع البيوعات موجود فيها. قيل لما اختصت به من الاحكام والبحوث الخاصة. كالبحث فيما يدخل في البيع وما لا يدخل وما يكون للبائع وما يكون للمشتري. وبيع الحبوب والثمار حيث لها حالات حال اذا كان تابعة للاصول حل بيعها على كل حال وحال اذا بيعت فريدة ففيها تفصيل. ان بيعت قبل بنو الصلاح لم يحل. وان بيعت بعد بدو صلاح حلت. وايضا يذكرون فيها تبقي الثمار والزروع التي لا تدخل في بيع اصولها الى استكمالها. فهذه الخصائص التي اوجبت تخصيص الفقهاء رحمهم الله لها باب ونظير هذا تخصيصهم باب السلم. وهو داخل في البيوعات لما اختص به من الشروط الزائدة على شروط البيع المطلق. والله اعلم فائدة التاسعة والخمسون في بيان شعب الايمان. في الصحيحين عن ابي هريرة انه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الايمان بضع وسبعون شعبة فاعلاها او افضلها قول لا اله الا الله. وادناها اماطة الاذى عن الطريق والحياء شعبة من الايمان. هذا الحديث من اعظم ادلة السلف على ان ايمان يشمل عقائد القلوب واعمالها واعمال الجوارح. وانه درجات متفاوتة اعلاها وافضلها على الاطلاق شهادة التوحيد. فانها الاساس الاعظم لجميع اموره الايمان وادناها اقل احسان يتصور. اماطة الاذى عن الطريق قص الحياء بالذكر لانه يدعو الى كل خلق جميل وعمل صالح. وينهى عن ضده وقد صنف العلماء رحمهم الله في تعداد شعب الايمان وتحقيق كل عقيدة صحيحة وارادة محمودة وخلق جميل وعمل صالح تفاصيل الواردة في الكتاب والسنة ترجع الى ذلك. فمنها الاصول الستة الايمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الاخر. والقدر بخيره وشره. والشرائع الخمس. الشهادتان والصلاة والزكاة والصيام الحج فرض ذلك ونفله. ومنها اعمال القلوب. كمحبة الله وخوفه ورجائه في وحدة والاخلاص له في كل شيء. والتوكل عليه والحياء والصبر والانابة والتقوى والورع. ومنها النصيحة لله ولكتابه ورسوله وائمة مسلمين وعامتهم. ومنها بر الوالدين وصلة الارحام. والاحسان الاحسان الى الجيران والاصحاب والمعاملين. ومنها التواضع للحق والخلق. ومنها الله على اختلاف انواعه. وتعلم العلوم النافعة وتعليمها اعمال المتابعة للرسول والاستقامة على دينه وهديه وسنته. ومنها القيام حقوق الاهل والمماليك من الادميين والبهائم. الى غير ذلك مما حث عليه الكتاب والسنة والله اعلم. الفائدة الستون المحرمات من يحرم على الانسان من النساء اصوله وفروعه وفروع ابيه وامه وان بنات الاجداد وبنات الجدات للصلب فقط نسبا ورضاعا واذا تزوج امرأة تعلق به حكمان حرم عليه امهاتها وان علون وبناتها وان نزلن. وتعلق بها حكمان. حرمت هي على اصول وان علوا وفروعه وان نزلوا. الفائدة الحادية والستون تبعض الاحكام من الاحكام ما ثبت احكامها من وجه دون وجه. بحسب ومآخذها. كشهادة العدل لاصوله وفروعه ونحوهم لا تقبل وتقبل عليهم وضده العدو بشهادته على عدوه لا تقبل وله تقبل سرقة توجب رد المال والقطع اذا ثبتت بنصابها التام. وهو شهادة عدلين فاكثر فان شهد رجل وامرأتان او شهد رجل وحلف المدعي ثبت المال لكمال نصابه هنا القطع لعدم كمال نصابه. واذا رهن شيئا فاقر به لغيره قبل على نفسه فيرده لمن اقر به اذا انفك الرهن. او يرد قيمته ان بيع في الرهن ولم يقبل على الراهن. لان الاقرار يقبل على نفسه لا على غيره فنعتبر الامرين ومثله اذا اقر بجناية الرهن قبل على نفسه لا على المرتهن ما لم يقم بينة بذلك او يصدقه المرتهن في المسألتين. ولهذه المسائل نظائف متعددة. يؤخذ من قول الاصوليين الحكم يدور مع علته وجودا وعدم ومن قول الفقهاء تتبعض الاحكام بحسب اسبابها. والله اعلم الفائدة الثانية والستون. الطلاق المشتبه. قول الاصحاب رحمه الله في بعض مسائل الطلاق المشتبه فيه. او في وجود ما علق عليه. والاحتياط التزام الطلاق. فيه نظر ظاهر فان الاحتياط يحسن في توقي المشتبهات اذا لم تدخل العبد في محذور شرعي. فاذا ادخلته فيه فترك الاحتياط هو والمتعين وذلك ان الطلاق ابغض الحلال الى الله. لما فيه من كثير من يا سيدي وزوالي كثير من المصالح. فمتى قلنا الاحتياط التزام الطلاق؟ وقعنا في في هذه المحاذير ونحن معنا الاصل وهو العصمة. فان الاصل بقاء النكاح حتى نجزم بزواله فتمسكنا بهذا الاصل اولى بنا من تركه تمسكا بالاحتياط. ونظيف ذلك ان من عنده مال مشتبه. وعليه دين او واجبات مالية لا يمكن ابدا الا بذلك المال المشتبه. فليس له ان يقول انا احتاط اترك هذا المال المشتبه. فيترتب عليه ترك واجب محقق. والله اعلم الفائدة الثالثة والستون. حكم نقل الاعضاء. كثر السؤال في هذه الايام عما وقع اخيرا في الطب الحديث. من اخذ جزء من جسد الانسان وتركيبه على انسان اخر مضطر اليه. كأخذ لحمة من جسده لسد شفة اخر او لانفه او اخذ عين الحي الذي على وشك التلف وتركيبها في محل عين اخر ومنه اخذ الدم من انسان لاخر لتقوية دمه. وما اشبه ذلك فهل مثل هذه الامور تسوغ لما فيها من المصالح المعروفة ورضى من اخذت منه ام لا تسوء؟ ام يفرق بين ما تعظم مصلحته فتقل مضرته ومفسدته فيسوغ وما ليس كذلك فلا يصوغ. الجواب ونسأل الله الاعانة والتوفيق لاصابة الصواب. جمع المسائل التي تحدث في كل وقت. سواء حدثت اجناسها او افرادها يجب ان تتصور قبل كل شيء. فاذا عرف حقيقتها وشخصت صفاتها وتصورها الانسان تصورا تاما بذاتها مقدماتها ونتائجها طبقت على نصوص الشرع واصوله الكلية فان الشرع يحل جميع المشكلات. مشكلات الجماعات والافراد ويحل المسائل الكلية والجزئية. يحلها حلا مرضيا للعقول الصحيحة والفطر مستقيمة. ويشترط ان ينظر فيه البصير من جميع نواحيه وجوانبه الواقعية والشرعية فهذه المسألة قبل كل شيء نحن واقفون على الحياد يتضح لنا اتضاحا تاما الجزم باحد القولين. فنقول من الناس من يقول هذه الاشياء لا تجوز. لان الاصل ان بدن الانسان ليس له التصرف فيه اتلاف وقطع شيء منه والتمثيل به. لانه امانة عنده لله. ولهذا قال ولا تلقوا بايديكم الى التهلكة. والمسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه. اما المال فانه يباح باباحة صاحبه الاسباب التي جعلها الشارع وسيلة لاباحة التملكات. واما الدم فلا يباح بوجهه من الوجوه ولو اباحه صاحبه لغيره. سواء كان نفسا او عضوا او دما او غيره. الا على وجه القصاص بشروطه. او في الحالة التي اباحها الشاب وهي امور معروفة ليس منها هذا المسؤول عنه. ثم انما زعموا من المصالح للغير معارض بالمضرة اللاحقة لمن قطع منه ذلك الجزء فكم من انسان تلف او مرض بهذا العمل ويؤيد هذا قول الفقهاء من ماتت وهي حامل بحمل حي لم يحل شق بطنها لاخراجه. ولو غلب الظن او لو تيقنا خروجه حيا. الا اذا خرج بعضه حيا فيشق للباقي فإذا كان هذا في الميتة فكيف حال الحي؟ فالمؤمن بدنه محترم حيا وميتا. ويؤيد هذا ايضا ان الدم نجس خبيث. وكل نجس خبيث لا يحل التداوي به. مع ما يخشى من اخذ دم الانسان من هلاك او مرض. فهذا من حجج هذا القول ومن الناس من يقول لا بأس بذلك لاننا اذا طبقنا هذه المسألة على الاصل العظيم المحيط الشرعي. صارت من اوائل ما يدخل وان ذلك مباح بل ربما يكون مستحبا. وذلك ان الاصل اذا تتعارضت المصالح والمفاسد والمنافع والمضار. فان رجحت المفاسد او تكافئت منه وصار درء المفاسد في هذه الحال اولى من جلب المصالح. وان رجح المصالح والمنافع على المفاسد والمضار. اتبعت المصالح الراجحة. وهذه المذكورات مصالحها عظيمة معروفة. ومضارها اذا قدرت فهي جزئية يسيرة منغمرة في المصالح المتنوعة. ويؤيد هذا ان حجة القول الاول وهي ان الاصل ان بدن الانسان محترم. لا يباح بالاباحة متى اعتبرنا فيه هذا الاصل. فانه يباح كثير من ذلك للمصلحة الكثيرة المنغمرة في المفسدة بفقد ذلك العضو والتمثيل به. فانه يباح لمن وقعت فيه الاكلة التي يخشى ان ترعى بقية بدنه. يجوز قطع العضو المتآكل لسلامة الباقي وكذلك يجوز قطع الضلع التي لا خطر في قطعها. ويجوز التمثيل في البدن بشق البطن او غيره للتمكن من علاج المرض. ويجوز قلع الضرس ونحوه عند تألم الكثير. وامور كثيرة من هذا النوع ابيحت. لما يترتب عليها من من حصول مصلحة او دفع مضرة. وايضا فان كثيرا من هذه الامور المسؤول عنها يترتب عليها المصالح من دون ضرر يحدث. وما كان كذلك فان الشارع ايحرمه وقد نبه الله تعالى على هذا الاصل في عدة مواضع من كتابه ومنه قوله تعالى عن الخمر والميسر. قل فيهما اثم كبير كبير ومنافع للناس واثمهما اكبر من نفعهما. فما في قوم الاية ان ما كانت منافعه ومصالحه اكثر من مفاسده واثمه. فان الله لا يحرمه ولا يمنعه. وايضا فان مهرة الاطباء المعتبرين متى قرروا تقريرا متفقا عليه؟ انه لا ضرر على المأخوذ من جسده ذلك جزء وعرفنا ما يحصل بذلك من مصلحة الغير كانت مصلحة محضة خاصة خالية من المفسدة. واذا كان كثير من اهل العلم يجوزون بل يستحسنون ايثار الانسان غيره على نفسه بطعام او شراب هو احق به منه ولو تضمن ذلك تلفه او مرضه ونحو ذلك. فكيف بالايثار بجزء من بدنه لنفع اخيه النفع العظيم من غير خطر تلف. بل ولا مرض. وربما كان في ذلك نفع له اذا كان قريبا او صديقا خاصا. او صاحب حق كريم او اخذ عليه نفعا دنيويا ينفعه او ينفع من بعده. ويؤيد هذا ان كثيرا من الفتاوى تتغير بتغير الازمان والاحوال والتطورات. وخصوصا الامور التي ترجع الى المنافع والمضار. ومن المعلوم ان ترقي الطب الحديث له اثره الاكبر في هذه الامور. كما هو معلوم مشاهد. والشارع اخبر انه ما من داء الا وله شفاء. وامر بالتداوي خصوصا وعموما. فان اذا تعين الدواء وحصول المنفعة باخذ جزء من هذا. ووضعه في الاخر من غير ضرر يلحق المأخوذ منه فهو داخل فيما اباحه الشارع. وان كان قبل ذلك وقبل الطب فيه ضرر او خطر. فيراعى كل وقت بحسبه. وبهذا اجيب عن كلام اهل العلم القائلين بان الاصل في اجزاء الادمي تحريم اخذها وتحريم تمثيلي بها. فيقال هذا يوم كان ذلك خطرا وضررا. وربما ادى الى الهلاك وذلك ايضا في الحالة التي يهتك فيها بدن الادمي وتنتهك حرمته فاما في هذا الوقت فالامران مفقودان. الضرر مفقود بوجه وانتهاك الحرمة مفقود. فان الانسان قد رضي كل الرضا بذلك. واختاره وبذله فله مختارا مطمئنا. لا ضرر عليه ولا سقوط شيء من حرمته. والشارع وانما امر باحترام الادمي تشريفا له وتكريما. والحالة الحاضرة غير في الحالة الغابرة. ونحن اذا اجزنا ذلك اذا كان المتولي لذلك طبيبا ماهرا وقد وجدت تجارب عديدة للنفع وعدم الضرر. فبهذا يزول المحذور. ومما ما يؤيد ذلك ما قاله غير واحد من اهل العلم منهم شيخ الاسلام ابن تيمية وابن القيم انه اذا اشكل عليك شيء هل هو حلال او حرام اما مأمور به او منهي عنه فانظر الى اسبابه الموجبة واثاره ونتائجه الحاصلة فان كانت منافع ومصالح وخيرات وثمراتها طيبة. كان من قسم المباح او مأموري به. واذا كان بالعكس كانت بعكس ذلك. فطبق هذه المسألة على هذا الاصل وانظر اسبابها وثمراتها تجدها اسبابا لا محذورة فيها وثمراتها خير الثمرات. واذا قال الاولون اما ثمراتها فنحن نحن نوافق عليها ولا يمكننا الا الاعتراف بها. ولكن الاسباب محرمة كما ذكرنا ان الاصل في اجزاء الادمي التحريم. وان استعمال الدم استعمال للدواء الخبيث. فقد اجبنا عن ذلك بان العلة في تحريم الاجزاء اقامة حرمة الادمي ودفعا للانتهاك الفظيع وهذا مفقود هنا. واما الدم فليس عنه جوارح الا ان نقول ان مفسدته تنغمر في مصالحه الكثيرة. وايضا ربما ندعي ان هذا الدم الذي ينقل من بدن الى اخر. ليس من جنس الدم الخارج خبيث المطلوب بعده واجتنابه. وانما هذا الدم هو روح الانسان وقوته وغذاؤه فهو بمنزلة الاجزاء او دونها. ولم يخرجه الانسان رغبة وانما هو ايثار لغيره وبذل من قوته لقوة غيره وبهذا يخف خبثه في ذاته وتلطفه اثاره الحميدة. ولهذا وما الله الدم المسفوح وجعله خبيثا. فيدل على ان الدماء في اللحم والعروق وفي معدنها قبل بروزها ليست محكوما عليها بالتحريم والخبث. فقال الاول دون هذا من الدم المسفوح. فانه لا فرق بين استخراجه بسكين او ابرة او غيرها او ينجرح الجسد من نفسه فيخرج الدم. فكل ذلك دم مسفوح محرم خبيث. فكيف تجيزونه؟ ولا فرق بين سفحه لقتل الانسان والحيوان او سفحه لاكل او سفحه للتداوي به. فمن فرق بين هذه الامور فعليه دليل فقال هؤلاء المجيزون هبأنا عجزنا عن الجواب عن حل الدم المذكور فقد ذكرنا لكم من اصول الشريعة ومصالحها ما يدل على اباحة اخذ اجزاء الانسان لاصلاح غيره اذا لم يكن فيه ضرر. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا. ومثل المؤمنين في وتراحمهم وتعاطفهم كالجسد الواحد. فعموم هذا يدل على هذه المسألة وان ذلك جائز. فاذا قلتم ان هذا في التواد والتراحم والتعاطف. كما ذكره النبي صلى الله عليه وسلم. لا في وصل اعضائه باعضائه قلنا اذا لم يكن عليه ضرر ولاخيه فيه نفع. فما الذي يخرجه من هذا. وهل هذا الا فرد من افراده؟ كما انه داخل في الايثار واذا كان من اعظم خصال العبد الحميدة مدافعته عن نفس اخيه وماله. ولو حصل عليه ضرر في بدنه او ماله. فهذه المسألة من باب اولى واحرى وكذلك من فضائله تحصيل مصالح اخيه. وان طالت الشقة وعظمت المشقة هذه كذلك واولى. ونهاية الامر ان هذا الامر غير موجود في هذه الامة لخطره وضرره في ذلك الوقت. فحيث انتقلت الحال الى ضدها وزال الضرر والخطر لما لا يجوز ويختلف الحكم فيه الاختلاف العلة. ويلاحظ ايضا في هذه الاوقات التسهيل ومجاراة الاحوال. اذا لم يخالف نصا شرعيا. لان اكثر الناس الناس لا يستفتون ولا يبالون. وكثير ممن يستفتي اذا افتي بخلاف رغبته وهواه ترك التزام ذلك. فالتسهيل عند تكافؤ الاقوال يخفف الشر. ويوجب ان يتماسك الناس بعض التماسك لضعف الايمان وعدم الرغبة في الخير او نقصها. كما الاحظ ايضا ان يعرف الناس ان الدين الاسلامي لا يقف حاجزا دون المصالح الخالصة او الراجحة بل يجاري الاحوال والازمان. ويتتبع المنافع والمصالح الكلية والجزئية فان الملحدين يموهون على الجهال ان الدين الاسلامي لا اصلحوا لمجاراة الاحوال والتطورات الحديثة. وهم في ذلك مفترون. فان الدين الاسلامي به الصلاح المطلوب من كل وجه الكلي والجزئي. وهو حلال لكل مشكلة خاصة او عامة. وغيره قاصر من جميع الوجوه. الفائدة الرابعة والستون الدعاء لوازمه ومتمماته. الادعية القرآنية نبوية الامر بها او الثناء على الداعين بها يستتبع لوازمها ومتمماتها فسؤال الله الهداية يستدعي فعل جميع الاسباب التي تدرك بها الهداية العلمية والعملية وسؤال الله الرحمة والمغفرة يقتضي مع ذلك فعل الممكن من الاسباب التي تنال بها الرحمة والمغفرة. وهي معروفة في الكتاب والسنة. واذا قال الداعي اللهم اصلح لي ديني الذي هو عصمة امري واصلح لي دنياي التي فيها معاشي الى اخره. يقتضي في هذا الطلب والالتجاء الى الله. ان يسعى العبد في اصلاح دينه بمعرفة الحق واتباعه. ومعرفة الباطل واجتنابه ودفع فتن الشبهات والشهوات. ويقتضي ان يسعى ويقوم بالاسباب التي تصلح بها دنياه وهي متنوعة بحسب احوال الخلق. واذا قال الداعي ربي اوزعني ان اشكر نعمتك التي انعمت علي وعلى والدي وان اعمل. وان اعمل عمل صالحا ترضاه واصلح لي في ذريتي. اني تبت اليك واني من المسلمين. فمع هذا التضرع الى الله يسعى في شكر نعم الله عليه وعلى وجهه والديه اعترافا وثناء وحمدا واستعانة بها على طاعته. وتعرف اعمالي الصالحة التي ترضي الله والعمل بها. والسعي في تربية الذرية تربية اصلاحية دينية. وهكذا جميع الادعية صريحة في الاتكال والتضرع الى الله والالتجاء اليه في حصول المطالب المتنوعة. وصريحة في الاجتهاد في فعل كل سبب ينال به ذلك المقصود. فان الله تعالى جعل للمطالب كلها اسبابا بها تنال وامر بفعلها مع قوة الاعتماد على الله. والدعاء يعبر عن قوة الاعتماد على الله ولهذا كان رح العبادة ومخها. واذا سأل العبد ربه ان مسلما وان يتوفاه مع الابرار. كان سؤالا لحسن الخاتمة استدعي فعل الاسباب والتوفيق للاسباب. التي تنال بها الوفاة على الاسلام. ولهذا فيقول الله تعالى ولا تموتن الا وانتم مسلمون وذلك بفعل الاسباب والاعتماد على مسببها والله اعلم. الفائدة الخامسة والستون. العلوم قسمان. العلوم قسمان. علوم نافلة تزكي النفوس وتهذب الاخلاق وتصلح العقائد. وتكون بها الاعمال صالحة مثمرة للخيرات وهي العلوم الشرعية وما يتبعها مما يعين عليها من علوم العربية والنوع الثاني علوم لا يقصد بها تهذيب الاخلاق واصلاح العقائد الاعمال وانما يقصد بها المنافع الدنيوية فقط. فهذه صناعة من وتتفاوت بتفاوت منافعها الدنيوية. فان قصد بها الخير وبنيت عليه الايمان والدين صارت علوما دنيوية دينية. وان لم يقصد بها الدين صارت دنيوية محضة. لا غاية شريفة لها. بل غايتها دنية ناقصة جدا فانية. وربما ضرت اهلها من وجهين. احدهما قد تكون سببا لشقائهم الدنيوي وهلاكهم وحلول المثلات بهم. كما هو شاهد في هذه الاوقات. حيث صار ضرر العلوم التي احدثت المخترعات والاسلحة الفتة شرا عظيما على اهلها وغيرهم. والثاني ان اهلها يحدث لهم هم الزهو والكبر والاعجاب بها. وجعلها هي الغاية المقصودة من كل شيء. فيحترم غيرهم. وتأتيهم علوم الرسل التي هي العلوم النافعة فيدفعونها تكبرون عنها فرحين بعلومهم التي تميزوا بها عن كثير من الناس. فهؤلاء ينطبق عليهم اتم الانطلاق قوله تعالى فلما طولهم بالبينات فرحوا بما عندهم من العلم. فرحوا بما ما كانوا به يستهزئون. فنعوذ بالله من علم لا ينفع. الفائدة السادسة والستون الفرق بين البيع والاجارة وبين الاجارة والجعالة. يفرق بين البيع والاجارة تمور منها ان البيع واقع على الاعيان والمنافع تستتبعها. والاجارة واقعة على المنافع ومنها ما يتفرع على هذا ان الاجارة لا تقع الا على نفع عين تبقى والبيع يقع على ما يبقى وما يستهلك. ومنها جواز ايجارة الحر وايجاره زيارة الوقف بخلاف البيع. وكذلك الارض الخرجية تجوز اجارتها ولا يجوز بيعها فيها المشهور من المذهب. والصحيح جواز ذلك. ويفرق بين الاجارة والجعالة بفروع منها ان الاجارة لابد ان يكون العمل والزمن معلوما. والجعان قد يكونان معلومين وقد يكون ان مجهولين. ومنها الجعالة تجوز على فعل للقرب دون الاجارة. ومنها الاجارة عقد لازم والجعالة عقد جائز منها الاجارة تكون مع معين. والجعالة قد تكون مع معين ومع غير معين الفائدة السابعة والستون. الوقف على حجرة النبي صلى الله عليه وسلم قول صاحب الرعاية رحمه الله ويصح وقف عبده على حجرة صلى الله عليه وسلم لاخراج ترابها واشعال قناديلها واصلاحها لاشعالها وحده. وتعليق سطورها الحرير والتعليق وكنس الحائط ونحوه هذا فيه نظر بل الصواب الموافق للشريعة ولقاعدة المذهب المنع في الصورتين لانه لا يصح الوقف الا على جهة قربة. فكيف بالمعصية او ما اشتمل على معصية وكذلك قول صاحب الاقناع وغيره لا يصح الوقف على والديورة ونحوها. بل يصح على من ينزلها من مار ومجتاز فقط وعللوا ذلك بان الوقف عليهم لا على البقعة. ايضا فيه نظر. فانه اعانة طاهرة على عمارة بيوت الكفر. وما كان كذلك فهو ممنوع. والله اعلم الفائدة الثامنة والستون كلام لشيخ الاسلام ابن تيمية في اوقات سئلت عن معنى قول شيخ الاسلام ابن تيمية وفي اوقات الفترات وامكنة الفترات يثاب الرجل على ما معه من الايمان القليل. ويغفر الله فيه لمن لم يقم الحجة عليه ما لا يغفر به لمن قامت الحجة عليه. كما في حديث يأتي على الناس زمان لا يعرفون فيه صلاة ولا صياما ولا حجا ولا عمرة ان الشيخ الكبير والعجوز الكبيرة. ويقولون ادركنا ابائنا وهم يقولون لا اله الا الله. فقيل لحذيفة بن اليمان وما تغني عنهم لا اله الا الله. فقال تنجيهم من النار ثلاثا. قلت قد اجاب عنها بعدها بقوله واصل ذلك ان المقالة التي هي كفر بالكتاب او السنة او الاجماع يقال هي كفر قولا يطلق كما دل على ذلك الدليل الشرعي فان الايمان من الاحكام المتلقاة عن الله ورسوله. ليس ذلك مما يحكم الناس فيه بظنونهم واهوائهم. ولا يجب ان يحكم في كل شخص قال ذلك انه كافر. حتى يثبت في حقه شروط التكفير وتنتفي موانعه. مثل ومن قال ان الخمر او الربا حلال. لقرب عهده بالاسلام او لنشوءه في في بادية بعيدة. او سمع كلاما من القرآن او السنة. فانكره ولم يعتقد انه من القرآن او من احاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم. كما كان بعض خلفي ينكر اشياء حتى يثبت عنده ان النبي صلى الله عليه وسلم قالها وكما كان الصحابة يشكون في اشياء مثل رؤية الله وغير ذلك حتى يسألوا عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم. ومثل الذي قال اذا انا مت فاسحقوني وذروني في اليم لعلي اضل عن الله. ونحو ذلك فان هؤلاء لا يكفرون حتى تقوم عليهم الحجة بالرسالة. كما قال تعالى لان لا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل. وقد عفا الله الله لهذه الامة عن الخطأ والنسيان. وقد اشبعنا الكلام في القواعد في هذا الجواب في انتهى كلامه رحمه الله. الفائدة التاسعة والستون حديث الحقوا الفرائض باهلها. قوله صلى الله عليه وسلم الحقوا الفرائض باهلها. فما بقي فلاولى رجل ذكر. يدل هذا حديث على اصول مهمة في الفرائض. منها وجوب الحاق اهل الفروض قروضهم اذا كانوا وارثين. ومنها تقديم الفروض على العصبات. ومنها فيها دلالة على العول. فان الفروض اذا زادت عن اصل المسألة فقد امرنا النبي صلى الله عليه وسلم ان نلحقها باهلها. ولا سبيل الى ذلك الا بالعول الذي فيه العدل بين الجميع. ومنها ان العصبة لا يرثون مع استغراق الفروض حتى وفي الحمارية ومنها ان العاصب هو من ليس بذي فرض. وان حكمه ان ان يأخذ المال اذا انفرد. وما بقي بعد الفروض اذا بقي شيء ويسقط بالاستغراق وانه اذا اجتمع منهم اثنان فاكثر بلا تميز. اشتركوا في هذه الاحكام ذكر ومنها ان عصبات الاقارب هم الذكور المدنين انفسهم او بواسطة ذكور. وهم الفروع والاصول الذكور. وفروع الاصول الذكورة واما الزوج والاخ من الام فانهم من ذوي الفروض. ويؤخذ من هذا الحديث ايضا انه اذا اجتمع الاب والجد مع الابن او ابن الابن يلحق به فرضه وهو السدس والباقى لاقرب رجل. وهو الابن او ابن الابن. ومع الاناث يأخذ السدس. وان بقي شيء اخذه تعصيبا. فيدخل في قوله فلاولى رجل ذكر فانه مثلا اذا خلف بنتا وابا وعما والحقنا الفروض باهلها فاعطينا البنت النصف والابا السدس. بقي الثلث لاولى رجل ذكر. ومن من المعلوم ان الاب اقرب من العم ومن الاخوة وبنيهم. والله اعلم الفائدة السبعون. حفظ الامانة من التلف. من عنده امانة لغيره فعليه حفظها في حرز مثلها عن الضياع. هذا في كل امان ثم ان كانت حيوانا لزمه اعلافها وسقيها وحفظها عن الشديد والبرد والمتالف. وان كانت صوفا ونحوها مما يحتاج الى دفع الحرب منه لزمه ذلك. وان حدث خوف عليها لزمه دفع ذلك المخوف مع قدرته وان اخذت منه لزمه استخراجها في اخذها. ولو بمطالبته عند الحاكم ويرجع على صاحبها بمؤونة جميع ذلك. لانه مأمور به شرعا وعرفا. وكل هذا داخل في حفظ الامانة وادائها الفائدة الحادية والسبعون. محبة الاخيار والاتصال بهم كتبت الى بعض الفضلاء مكتوبا قلت فيه اخبرك يا اخي بما في قلبي لك من الود المبني على ما وصل الي من اخلاقكم الجميلة. وسيرتكم الحميدة والرغبة الاكيدة بالاتصال بامثالكم من الاخيار. فان في الاتصال بالاخيار فوائد عديدة اكبرها وافضلها ان هذا طاعة لله ورسوله. ومن ما يحبه الله ورسوله. ومنها ان هذا تابع لمحبة الله ورسوله فتمام محبة الله ورسوله محبة من يحبه الله ورسوله ومنها ما في ذلك من النصوص على هذه المحبة. منها حديث سبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل الا ظله. فذكر رجل ثاني تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه. ومنها انه ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم عدة ادعية في هذا الشأن منها ما قوله؟ اللهم اني اسألك حبك وحب من يحبك. وكن كل مطلوب مسئول كما عليك ان تسأله من الله. فعليك ان تسعى بجميع اسباب الجالبة له المحصلة له. فالمؤمن يدعو الله بحصول المطالب الدينية والدنيوية وفي دفع المكاره. ومن لازم ذلك السعي في تحصيل المطلوب وفي دفع المكروه. في جمع بين الدعاء والسعي في نيل المطلوب. فالدعاء وحده من دون سعي قليل الجدوى. ومنها انه من اعظم المكاسب واجل المغانم. كسب صداقة الاخيار واغتنام ادعيتهم في الحياة وبعد الممات ومنها انه بسبب ذلك ربما حصل افادة او استفادة من الطرفين او نصيحة من احد الجانبين ومنها انه بسبب ذلك يحصل من من جملتها الاجتماع في الجنة والمنازل العالية بمن يحبهم ويتصل بهم كما قال تعالى جنات عدن يدخلونها من صلح من ابائهم. ومن صلح من اباه ابائهم وازواجهم وذرياتهم. فالازواج هم النظراء في العمل والمحبة. وان دخل فيه الزوجات بوجه اخر. فبعض هذه الفوائد في في الترغيب في محبة الاخيار والاتصال بهم. الفائز الثانية والسبعون بيان مرتبة الرسول صلى الله عليه وعلى اله وسلم قال تعالى قل انما انا بشر يوحى الي في هذه الاية واشباهها بيان مرتبة الرسول صلى الله الله عليه وعلى اله وسلم. وان وصفه للرسول انه بشر مثل سائر البشر. يحتاج الى ما يحتاج اليه البشر. ويجري عليه من الامور ما يجري على البشر. وليس له من الامور شيء ولا من خصائص الرب ولا من حقوقه الخاصة شيء. وانه تميز عن غيره بالرسالة والوحي وما ترتب عليهما والفضائل والكمالات الانسانية وقد امتثل صلى الله عليه وعلى اله وسلم هذا الامر في عدة مناسبات في سهوه في الصلاة وفي المشاورات لاصحابه رجوعه الى قولهم في كثير من الامور. وفي الحكم بين الناس وفي غيرها من الامور ليحقق هذا الامر ويعرف الناس ما يلزمهم. وليكون قدوة للخلق ولهذا كان العلماء يقولون ان الواجب في حق الانبياء الصدق في كل ما يقولون. والعصمة في كل ما يبلغون. وان يكونوا على اكمل الصفات سالمين من كل رذيلة. متحلين بكل فضيلة ويستحيل في حقهم ضد ذلك. ويجوز عليهم الاعراض البشرية التي اشرنا لها والله اعلم. الفائدة الثالثة والسبعون. التحقق من دخول الاحكام الجزئية في الاحكام الكلية. من اراد الحكم على شيء الجزئيات فعليه ان يبين دخولها في الاحكام الكلية. وهذا اصل كبير نافع. من احكمه علما وعملا نجح. ومن لم يحكمه غلطا كبيرا او صغيرا. بحسب ما حكم به من الجزئيات. وجميع الحوائج وادي وجميع افعال المكلفين داخلة تحت هذا الاصل. ولنذكر لهذا نموذجا يفتح بابه ويستدل به على غيره. من ذلك ان الشارع مداح من اتصف بالايمان والتقوى والصلاح والعلم والعمل الصالح والاحسان في عبادة الخالق والاحسان الى الخلق بحسب احوالهم وذم من اتصف بضد ذلك. فمن اراد ان يمدح احدا من الناس شخصا او طائفة او يذم فعليه ان يبين دخول ما مدحه او قدح فيه. في الاسم الشرعي الذي علق عليه الشارع المدح او الذم. فان علقه بغير الاسماء الشرعية عظم غلطه وانحرف في حكمه. وكذلك امر الشارع بالعدل ونهى عن ظلم فمن اراد الحكم على شيء من الاشياء بانه عدل او ظلم او ان فاعله عادل او ظالم فعليه ان يبين دخوله في نص سارع الكلي. وكذلك امر باشهاد العدول وقبل شهادتهم بحسب الاحكام الشرعية. فمتى شهد احد بشيء من الاشياء على من يحكم بشهادته ان يتحقق دخوله في العدالة الشرعية المعتبرة وكذلك رد كثيرا من الامور الى العرف والمعروف. وامر بها ونهى عن المنكر الذي هو ضدها. وذلك كالامر بالمعروف والنهي عن المنكر والمعاشرة بالمعروف والقيام بالحقوق بالمعروف غير المنكر. فعلى من اراد ان يحكم بشيء من ذلك فعليه ان يبين دخول ذلك المحكوم فيه بالعرف والمعروف او المنكر. وكذلك نهى عن بيع الغرر ومعاملات الغرر فعلى من اراد ان يحكم في معاملة جزئية ان يحقق فيها هذا الوصف فان تحقق دخول الجزئي في الاصل الكلي فليحكم فيه. والا فليتوقف عن النهي عنه الا بدليل. وكذلك امور كثيرة جدا علق الشارع عليه فيها احكاما. فيشتبه الامر في جزئياتها وافرادها. هل فيها ذلك الوصف. فالطريق الى الحكم العلم بالواقع. ليتمكن من حكمي عليه وعند الاشتباه في الجزئيات يرجع فيه الى اهل الخبرة فيه الفائدة الرابعة والسبعون. نصيحة للولاة والامراء كتب رجل كتابا الى بعض الامراء فقال بعد افتتاح الكتاب بعده الداعي لهذا بذل النصيحة والتذاكر في امر اغلب الامراء والولاة في غفلة عنه اما جهلا واما تهاونا وعدم اعتناء. وذلك ان ولاية كبيرة كانت او صغيرة. من ضرورات الناس ومن الواجبات الشرعية لما يترتب عليها من المصالح الكثيرة ودفع المفاسد المتنوعة فيجب على من تولى على الناس ان يتخذ الولاية دينا وقربة يتقرب بها الى الله. ووسيلة يتوسل بها الى اقامة الشرع والعدل وان يجتهد في تحقيق هذه النية ويخلص لله فيها. ويستعين بالله على اقامة ما يتعلق بولايته من الواجبات العامة والخاصة فبذلك يعينه الله وبذلك تهون عليه المشاق المعترضة في اقامة العدل وبذلك تعلوا درجته عند الله ويعلو مقامه عند الخلق وبذلك يمكنه الله. ويدفع عنه الاعداء من الحاسدين وغيرهم. ولا يشتبه الموفق باغلب الناس. الذين لا غرق فضلهم من نيل الولاية امارة او غيرها. الا الترأس والتوسل الى المآكل الاطماع الضارة. فان هذا هبوط واهمال لما فرض على العبد طريق الى معاص كثيرة. واعتداء على الخلق لتحصيله اغراضه الفاسدة الضارة بالراحة. ومع ذلك فمن كانت هذه حاله الغالب ان تكون عاقبته واسوأ العواقب وطريقته شر الطرائق. فما اولى بالعبد ان ينظر الى الحاضر والى ما يقربه الى مولاه والى العواقب المتأخرة المترتبة على سلوك طريق العدل او على ضده. نسأل الله تعالى الا لنا واياكم الى انفسنا طرفة عين. وان يمدنا واياكم بمعونته توفيقه. الفائدة الخامسة والسبعون. تأييد الله لخواص عباده. قوله تعالى في حق خواص المؤمنين ايده بروح منه. هذا التأييد من الله لهم. من تأييد ايدهم بالاسباب التي نالوا بها مراتب الايمان. فايدهم بقوة نالوا بها العلم وبقوة نالوا بها اليقين والايمان. وبقوة نالوا بها الصبر هو التوكل والخوف والرجاء والانابة. وبقوة قاموا بها بالجهاد فالله تعالى هو المتفضل عليهم بالسبب وسبب السبب. كما انه المتفضل عليه بالجزاء على ذلك. فمنه الفضل السابق واللاحق. وبتأييده لهم من اسباب ومسبباتها تمت عليهم النعمة. كما قال تعالى ولا لكن الله حبب اليكم الايمان وزينه في قلوبكم وكره اليكم الكفر وكره اليكم الكفر والفسوق والعصيان اولئك هم الراشدون. فضلا من الله ونعمة والله عليم حكيم. وبهذا وبقوله تعالى يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام. تعرف حكمة الله في تأييده هؤلاء الخواص بمعالي الاخلاق ومحاسن الاعمال. كما ان مثل قوله تعالى قال فريقا هدى وفريقا حق عليهم الضلالة. انهم التق الشياطين اولياء من دون الله. الاية يعرف بها حكمة الله في عدم هداية الذين اختاروا الشقاء والضلالة. على السعادة هدى وولاية الشياطين على ولاية رب العالمين. فكان من الحكمة الربانية التي يحمد الله عليها اكمل حمد. انه ولى هؤلاء الاشقياء ما تولوه. واختاروه لانفسهم. وانهم حين جاءهم الهدى هدى والحق فردوه ولم يؤمنوا به. قلب الله قلوبهم وختم عليها فله الحمد على ذلك كما له الحمد على فضله واحسانه فائدة السادسة والسبعون. فوائد الجهاد. جهاد هذه الامة هو جهاد المشروع في الكتاب والسنة. وله فائدتان عظيمتان ضروريتان احداهما دفع عدوان المعتدين على الاسلام والمسلمين. الذي لولاه اولى ذهابات الاديان واضمحل الاسلام من عدوان الظالمين. ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع. لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا. اذن للذين قاتلون بانهم ظلموا. وان الله على نصرهم لقدير والفائدة الثانية الاحسان الى الخلق كلهم بنشر الدين الواجب على الخلق كله الذي لا تحصل سعادتهم وفلاحهم الا به دعوة المكلفين كلهم الى ما خلقوا له. من عبادة الله وحده لا شريك له وتركهم كل ما ينافي ذلك ويضاده. وهذا غاية نفع الخلق والاحسان اليهم. وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله. وهذا من اعظم محاسن الاسلام. فانه لم يكن الغرض من جهاد الدين مجرد السيطرة على الخلق ولا استعبادهم للمخلوقين ولا القصد الفناء والتدمير. ولا هو للظلم المتنوع باسم العدالة. كما هي مقاصد حروب المنحرفين عن الدين. ولذلك اختلفت اثارها فاثار جهاد الدين الاسلامي نشر العدل والرحمة خيرات والسعادة والفلاح والصلاح المتنوع. واثار غيره ثناء والتدمير. واستعباد الخلق وظلمهم في دمائهم واموالهم واخلاقهم الفائدة السابعة والسبعون. شجرة الايمان قال الله تعالى الم تر كيف ضرب الله مثلا كلمة طيبة طيبة كشجرة طيبة. كشجرة طيبة اصلها ثابت وفرعها في السماء. تؤتي اكلها كل حين باذن ربها اه ويضرب الله الامثال للناس لعلهم يتذكرون مثل الله كلمة التوحيد والايمان كمثل هذه الشجرة طيبة الموصوفة بان لها اصولا وفروعا وثمارا. فاصول وهذه الكلمة شهادة التوحيد والايمان باصول الدين كلها وفروعها القيام بشرائع الاسلام الظاهرة والباطنة. من حقوق الله وحقوق الخلق وثمارها ما يتحلى به صاحبها من كل خلق جميل وهدي حسن وصمت صالح واوصاف عالية جليلة. وثمار فلذلك من الثواب العاجل والاجل. فمتى تمت هذه الشجرة فروعها وتمت ثمارها ولذ جناها. ومتى نقصت او ضعفت تبعتها اهذه الامور فضعفت الفروع وقلت الثمار او عدمت فحقيق بكلمة هذه حالها ان يبلغ العبد من معرفتها والعمل بها غاية مقدوره. لتوقف سعادته وفلاحه عليها. والله اعلم الفائدة الثامنة والسبعون صور الوكالة في الزواج اذا وكل الولي الغائب وكيلا على نكاح موليته. فله ثلاث صور اما ان يعينه فيقول وكلتك تزوج فلانة فلانا فهذا لا يستفيد به الوكيل الا العقد الاول. فمتى حصلت فرقة فيه واريد تزويجها زوجا اخر احتيج توكيل غير التوكيل الاول. واما ان يفوض له الوكالة بان يوكله ان يزوجها متى شاء. على اي زوج شاء فهذا يستفيد به الوكيل العقد الاول وما بعده ثالث ان يوكله ويطلق لا يفوضه ولا يعين له زوجا. بل يقول مثلا وكلتك في تزويج موليتي فهل يستفيد به العقد الثاني وما بعده؟ ام لا به الا العقد الاول. لم ارى من صرح تصريحا يزيل الاشكال في هذا ويتوجه ان يرجع في ذلك الى قرائن الاحوال. فانهم قالوا ينعقد التوكيل بما دل عليه فان دلت قرائن الاحوال على انه وكيل لكل عقد تزوج به المرأة وصار غرض الولي اتصال موليته بالازواج والا يعطلها عن الزواج فجأة صار بمنزلة التفويض وان كان غرضه فقط هذا الزواج الخاص به والله اعلم. الفائدة التاسعة والسبعون. مناظرة مع بعض المتكلمين وقعت مناظرة بيني وبين رجل من الفضلاء ولكن انه يميل الى مذهب المتكلمين المنحرفين. الذين يقولون بان العقل يقدم على النصوص الشرعية اذا تعارضت. وانه يجب تأويل النصوص حتى تتفق مع العقل لا في مسألة الاستواء والنزول الالهي ونحوها تبعا لاسلافه. فقط قلت له حين اول بل حرف نصوص الشرع من جنس التحريفات التي يقولها المتكلمون من الجهمية ومن وافقهم من الاشعرية ولو في بعض الصفات وجهوا اليه الخطاب في هذا المقام احد رجلين. اما رجل لا يعترف بنبوة محمد صلى الله عليه وعلى اله وسلم وصدقه. فهذا يتكلم معه في الاصل في اثبات نبوة محمد صلى الله عليه وعلى اله وسلم. وبيان رهينها القوية الظاهرة الكثيرة. فاعيذك بالله ان تكون هذا الرجل. بل اعرف انك من اعظم من يكفره ولا يعتقد اسلامه. والرجل الثاني من يعلم ان محمدا رسول الله حقا. وانه صادق وما جاء به ثابت لا ريب فيه وانه اذا اخبرنا بشيء نجزم بثبوت ما اخبرنا به. وانت لا شك فتقول بهذا ومن قال بهذا فانه يمتنع عنده ان يجعل العقل مقدما على خبر الرسول الصحيح الثابت. فايمانك بالرسول وتصديقك له في كل كل ما اخبر به يوجب عليك ان تقدم قوله وخبره على كل شيء عقل او غير عقل. ثم اعلم يا اخي مع ذلك انه لا يمكن ان وجد معقول صحيح مسلم به عند عقلاء الناس. يعارض ما جاء به الرسول فمدلول كلام الرسول صدق في اخباره عدل في اوامره ونواهيه واذا اصررت ان العقل الذي تدعيه يناقض هذه النصوص. فهذه دعوة ويتمكن كل مبطل من قولها. ولا تغني شيئا باتفاق الناس ان عقول اهل الحق المثبتين ما اثبت الله ورسوله كلها. متفق ثقة على معنى ما قاله الله ورسوله خاضعة لذلك مهتدية به قد ازدادت عقولهم قوة وهداية حين استنارت بالوحي. فلا يرضى عاقل ان يقدم عليها اراء المتكلمين. المتهافتة المتناقضة المبنية على الخيال والتوهمات. فقال ليس عندي شك في صدق الرسول وثبوت خبره ولكني لا افهم من الاستواء الا من جنس استواء الملوك على عروشهم ولا من النزول الا نزول المخلوقين من اعلى الى اسفل الله تعالى منزه عن مشابهة المخلوقين. فقلت له اننا لم نثبت استواء مثل استواء المخلوق. ولا نزولا كنزوله. وانما نثبت ما اثبته الله منها ومن غيرها. على وجه يليق بعظمة الله ويناسب كماله مع اعتقادنا ان الله ليس كمثله شيء. وانه منزه عن النقص وعن مماثلة المخلوقين. فعلينا ان ننتهي الى الكتاب والسنة ولا تجاوز ذلك. فالاستواء معلوم والكيف مجهول. والنزول معلوم الكيف مجهول. فسكت هذا المتأول. وسكوته يدل على احد امرين اما رجوع الى الصواب واما عجز عن نصر باطله. ولكنه تعصب ورضي بالبقاء عليه وهو الظاهر. اذ لو رجع لصرح لمناظره بذلك واعلم ان التأويل الذي قبله اهل العلم هو الذي يقصد به بيان مراد المتكلم. فان لم يكن كذلك كان من باب بالتحريف لا من باب التفسير. وتأويلات اهل البدع لبدعهم هي من هذا الباب الفائدة الثمانون. تحريف المنقول والمكابرة في اقول اعظم الكذب والبهتان تحريف المنقول والمكابرة في المعقول التحريف نفي ما دل عليه الكتاب والسنة. من معاني في اسماء الله وصفاته وافعاله وامور الغيب. وجلب معان باطلة لا وغرور او اغترار. والواجب في المنقول تصديقه وتصديق ما دل عليه سواء ادركه الانسان بعقله او لم يدركه فان كثيرا من السمعيات فوق عقول العقلاء. لا تهتدي اليها ولا سبيل لها اليها. بل العقول تزداد قوة وكمالا في ادراكها والانقياد لها والواجب في الامور العقلية اثبات ما اتفق العقلاء على اثباته ونفي ما اتفقوا على نفيه. والتوقف فيما تضاربت فيه وتباينت فيه طرقهم. فمن وفق لهذه الطريقة فقد سلك الصراط صراط المستقيم. الفائدة الحادية والثمانون. الفرق بين الاخبار والانشاء. يجب التفريق بين الاخبار عن الله ورسوله ومخاطبته فاذا ناجينا ربنا ودعوناه لم ندعه الا وباسمائه الحسنى وصفاته. واذا اخبرنا عنه ببعض الالفاظ التي على معانيها باحكام متباينة. بحسب من هي له. فلا بأس سأنخبر عنه بلفظ غير موجود في الكتاب والسنة. اذا كان المعنى صحيحا فنقول الله واجب الوجود وما اشبه ذلك. واذا خاطبنا الرسول صلى الله عليه وعلى اله وسلم قلنا يا رسول الله يا نبي الله واذا اخبرنا عنه قلنا محمد رسول لله. ونشهد ان لا اله الا الله وان محمدا عبده ورسوله محمد افضل الرسل وخاتمهم وامامهم. محمد رحمة للعالمين ونظير ذلك الفرق بين الاخبار بالاسماء المعبدة لغير الله. توسع اهل العلم فيها فقالوا عبدالمطلب عبد شمس ونحو ذلك. وعند انشاء التسمية لا يحل ان يسمى بعبد لغير الله. فالاخبار اوسع من الانشاء والسبب ان المنشأ للاقوال والافعال عليه ان يتقيد بالشرع. فلا ينشئ قولا ولا فعلا الا اذا كان مباحا. واما المخبر فانه يخبر عن الامور والواقع يقع فيه الطيب والخبيث والصدق والكذب والحلال والحرام فالمنشئ ملتزم والمخبر مخبر فقط. الفائدة الثانية والثمانون. الامور الواقعة وغير الواقعة من حيث القدر الامور كلها الواقعة وغير الواقعة. لا تخلو من احد امور اربعة احدها الامور التي يقدرها الله ويحبها. وذلك ذلك الايمان وفروعه بالطاعات كلها. فهذه قد اجتمعت فيها الارادة القدرية والارادة الدينية. الثاني الامور التي لا يحبها ولا يقدرها. فهذه انتفت عنها الارادتان المذكورتان. وذلك الك كالمعاصي والمباحات التي لم يقدر الله وقوعها. الثالث الامور التي يقدرها ولا يحبها. مثل الكفر والفسوق والعصيان الواقع من الكفار والعصاة. فهذه وجدت فيها الارادة القدرية دون الارادة دينية. الرابع الامور التي يحبها الله لكنه لم يقدرها مثل الايمان والطاعات التي امر العباد بها ولم توجد ووقوع هذه الاشياء او عدم وقوعها تبع لحكمة الله وحده. فما وقع منها فهو لحكمة بالغة. وما لم يقع فكذلك الحكمة تقتضي عدم وقوعه فهذا امر عام. فهمنا الحكمة او بعضها في ذلك او لم نفهمها ولكن وقوف العبد على بعض الحكم والاسرار في ذلك. مما يزداد به علمه وايمانه. الفائدة الثالثة والثمانون درء المفاسد اولى من جلب المصالح. قوله تعالى ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات. الى قوله لو تزينوا لعذبنا الذين كفروا منهم عذابا اليما تدلوا بها على ان درء المفاسد اولى من جلب المصالح. ومثلها قصة قتل للخضر للغلام الذي خشي ان يرهق ابويه طغيانا وكفرا الفائدة الرابعة والثمانون. المجتهدون والمتأولون في مسائلهم للاحكام اجمع المسلمون على ان عوام الكفار من اهل الكتاب وغيرهم من المشركين. وجهالهم وضلالهم انهم كلهم كفار. وان جهلهم وضلالهم وتأويلهم لا يفيدهم شيئا كما دل على ذلك نصوص الكتاب والسنة. واجمعوا ايضا على ان مجتهدين والمتأولين في مسائل الاحكام. من المؤمنين غير اثمين بل قد عفا الله عن المؤمنين خطأهم. قال تعالى ربنا لا تؤاخذنا ان نسينا او اخطأنا. قال الله الله قد فعلت. وانما اختلف الناس في المتأول المخطئ في الاصول من المؤمنين فكثير من اهل الكلام والبدع فسقوه او كفروه. وتبعهم من اخذ بقولهم على علاته ومذهب جمهور الامة وسائر الائمة مقتضى بهم ان الخطأ في المسائل العلمية كالخطأ في المسائل العملية ان الله رفع المؤاخذة فيها عن المؤمنين المجتهدين. وان انما اللوم والاثم في ترك الواجب لغير عذر. او التجرؤ على المحرم الذي يعلم محرما. والله تعالى اعلم. الفائدة خامسة والثمانون. رد المتشابهات الى المحكمات الله اصول الايات المحكمات والمتشابهات قسمين. قال تعالى هو الذي انزل عليك الكتاب منه ايات محكمات هن هن ام الكتاب واخر متشابهات. فاما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله الا الله. والراسخون في العلم يقولون امنا به كل من عند ربنا اية فاخبر بالسبب والغاية في كل من القسمين. اما الذي في قلوبهم زيغة. فهم يتبعون المتشابه ويدعون المحكم. وذلك في زيغ قلوبهم وانحرافها وقصدها الفاسد. مالت الى هذا العمل المنحرف وغار غايتها اخس الغايات. ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله على غير المراد واما الراسخون في العلم فالسبب في استقامتهم رسوخهم في علمي في كماله وتحقيقه وايمانهم الصحيح. فالعلم والايمان هذه في قلوبهم اثمر لهم هذه الفائدة الحميدة. وهو الايمان بكل من المحكم والمتشابه. لعلمهم انهما من عند الله. ومن ما كان من عند الله فهو حق. والحق يصدق بعضه بعضا ولا تناقض فيردون المتشابه المحتمل للوجهين الى المحكم الواضح. فيصير الجميع محكما. ويزول الاشتباه اذا رد المتشابه الى المحكم ذلك امثلة كثيرة منها الاية التي بعدها في قولهم ربنا لا قلوبنا بعد اذ هديتنا. في القرآن عدة ايات فيها الاخبار بانه يضل من يشاء ويهدي من يشاء. فهي وحدها ربما يظن خالطوا ان هدايته لمن اهتدى واضلاله من ضل. لمجرد المشيئة ومحيا الارادة وانها غير مقرونة بالحكمة. وهذا ظن خاطئ فقد اخبر في ايات كثيرة ان الهداية لها اسباب وكذلك الاضلال كقوله. يهدي به الله من اتبع رضوانه وقوله فريقا هدى وفريقا حق عليهم الضلالة. ان انهم اتخذوا الشياطين اولياء من دون الله. فلما ازاغ الله قلوبهم. ونقلب افئدتهم وابصارهم اما لم يؤمنوا به اول مرة. الى غيرها من الايات الدال التي على ربط هدايته واضلاله بالحكمة البالغة. التي يحمد عليها او يثنى عليه بها. ويعلم انه ما وضع هدايته الا في محلها ولا اضل الا من اختار لنفسه طريق الغي والضلال. وان انه ولاه ما تولى لنفسه. ومثل ذلك الاخبار بانه يرزق من من يشاء ويبسط الرزق ويقدره على من يشاء. مع ذكر الاسباب التي صلوا بها هذا وهذا. ونحو ذلك والله اعلم الفائدة السادسة والثمانون. حكم ادخال الحج الصحيح على عمرة فاسدة سئلت عن قول اصحابنا الحنابلة. ان المتمتع اذا ما طاف لعمرته وسعى لها وتحلل منها. ثم وطئ بعد هذا الحل ثم قام بالحج وتممه. ثم تبين له ان طوافه للعمرة قد كان بغير قالوا لم يصح حجه. لانه ادخل حجا على عمرة فاسدة. وادخال الحج على العمرة غير جائز ولا منعقد فهل هذا القول صحيح وما الذي تختارونه فيها؟ الجواب وبالله التوفيق. الذي نراه في هذه المسألة المهمة. ان الحج صحيح حتى ولو حكمنا على العمرة بالفساد. وعندنا في هذا الرأي عدة مآخذ المأخذ الاول في اصل المسألة. وهو منع ادخال الحج على العمرة فاسدة لانه لم يرد المنع من ذلك. والقران الذي هو احد الانساب ثلاثة قد ثبت صحته اذا احرم بهما جميعا من الميقات كما ثبت ادخال الحج على العمرة الصحيحة فالفاسد كالصحيح مأخذ الثاني ان الوطأ في الحج انما يفسده اذا كان صاحبه وغير معذور على الصحيح. كما هو اختيار شيخ الاسلام. وكما كيف لي بالرجوع وانى لي وقد انحزت الى اولئك النجوع. فقال له صاحبه الم تعلم ان من اكبر فضائل الانسان ان يتبع الحق الذي تبين له. ويدع ما هو عليه ها هو ظاهر العمومات الرافعة للحرج عن الخطأ والنسيان. وهذا بلا شك جاهر بالحال. والجهل بالحال كالجهل بالحكم سواء فاذا كان الصحيح ان الوطأ من الناس والجاهل في الحج لا يضر ولا يفسده فكيف بهذا الوطأ الذي هو حل صحيح. او حل بين العمرة والحج يعتقده صاحبه صحيحا. فهذا من باب اولى واحرى. المأخذ الثالث اختلف العلماء في صحة طواف المحدث على ثلاثة اقوال الصحة وعدمها والتفصيل بين ترك الطهارة عمدا فلا يصح طوافه وبين تركها جهلا او نسيانا. فيصح كما قال به كثير من اهل العلم فعلى القولين قول من يقول بصحته مطلقا. ومن يقول بصحته للمعذور الحكم ظاهر واضح. انه وطئ بعد عمرة صحيحة تامة. وعلى القول بعدم الصحة مطلقا. نرجع الى المأخذين السابقين المأخذ الرابع ان نقول هب ان العمرة فاسدة بالوطء المذكور فلنخصها بالفساد ولا نعدي ذلك الى الحج وذلك ان الاصل ان اركان العمرة وواجباتها ومكملاتها. متعلقة بها وحدها صحة وفسادا او نقصا وكمالا. كما ان الحج كذلك وكلاهما نسك مستقل في ذاته. ومستقل في افعاله واقواله وبينهما حل برزخ لا من هذا ولا من هذا والعبادات المستقلة الاصل ان كل عبادة لا تفسد بفساد الاخرى قالوا هذه المسألة في هذا العموم اولى من اخراجها. بحجة ان العمرة والحج مرتبط بعضها ببعض. فالارتباط انما هو في وجوب الاتيان بالحج متع الذي لم يحج او الذي فسخ عمرته الى الحج. لا في افعالها بدليل استقلال كل منهما بما فيها. من طواف وسعي ووقوف وحلاق وغيرها. والله اعلم. الفائدة السابعة ثمانون عدة المطلقة المتوفى عنها زوجها. سئل قلت عن رجل طلق زوجته ثم مات عنها وهي في عدتها. هل تنتقل الى عدة وفاة وهل ترث منه ام لا؟ فاجبت وقلت في ذلك كتفصيل ان كان الطلاق رجعيا بان طلق في نكاح صحيح اقل من ثلاث على غير عوض انتقلت الى عدة الوفاة. وورثت ان لم يكن بها مانع من رق او اختلاف دين ونحوهما. لانها في حكم الزوجات. وان كان الطلاق بائنا وهو في الصحة لم تنتقل ولم ترث. بل تستمر على عدة لاق. وكذلك ان كان الطلاق بائنا في مرض موته. وبها مانع يمنع ميراث من رق او اختلاف دين. لم تنتقل ولم ترث. وان كان الطلاق في في مرض موته المخوف من غير سؤال منها. ومات قبل انقضاء العدة اعتدت اطول العدتين من عدة طلاق او وفاة. فان كانت عدة الطلاق اطولا انتقلت اليها هذا كله اذا لم تكن حاملا. فان كانت حاملا العدد كلها فيه. لان الحمل يقضي على العدات كلها. لانه عدة للمفارقة في الحياة والمفارقة في الوفاة. وللحرة والامة. ويتفق في فيه الاستبراء والعدد كلها. والله اعلم. الفائدة الثامنة والثمانون في النكاح. كيف تستأذن الامة المبعضة في النكاح وهل الحكم فيه لها او لمالك باقيها او لمعتق بعضها الجواب يحتاج ذلك الى جميع المذكورين. لا بد من اذن سيد المالك لبعضها. ومن اذنها او اذن معتق ما عتق منها الفائدة التاسعة والثمانون ولي امة الحرة في النكاح. من الذي يزوج امة الحرة. لانها لا تتولى المرأة زواج نفسها ولا زواج غيرها الجواب ان كانت الحرة المالكة غير رشيدة فولي امتها وليها في مالها كما هو مفصل في موضعه. وان كانت رشيدة فولي ولي سيدتها في النكاح. ولابد من اذن سيدتها هنا نطقا بكرا كانت سيدتها او ثيبا. الفائدة التسعون افصال والاستفهام عن كل احتمال. من اهم المهمات على المفتي والحاكم والمعلم الاستفصال عن كل احتمال. وخصوصا اذا قويت الاحتمالات فان الاطلاق في الجواب او التعليم يوجب الغلط والخلط لا محالة مثال ذلك في السرقة. اذا سئل المفتي عن السارق هل تقطع يده؟ فعلى عليه ان يستفصل عن السارق والمسروق والمسروق منه وصفة السرقة. فيقول هل السارق مكلف ام لا؟ فان لم يكن مكلفا فلا قطع عليه. وان كان مكلفا فهل له شبهة حق او شبهه؟ فان كان له شبهة فان الحدود تدرأ بالشبهات وقد فصل الفقهاء انواع الشبه التي تدرأ الحد. فان لم يكن له شبهة بوجه من الوجوه. فهل المسروق يبلغ نصاب السرقة ربع دينار فان لم يبلغ ذلك فلا قطع. وان بلغ نصابا فهل سرقته من حرز ومن ذلك قولهم ويدرأ الحد عن الزاني اذا قال انها امرأته. او ادعى السارق ان المسروق ملكه من غير بينة ولا اقرار يدل على شيء من ذلك. بل ولا قرينة ولا دعوة متقدمة مثل الذي يحرج به ام سرقة من غير حرز. فان كان من غير حرز فلا فقطع عليه. وان كان من حرز مثله فيسأل عن الطريق الذي ثبتت به السرقة فان شهد به عدلان او اقر به مرتين ولم يرجع عن اقراره ثبت الا لم يثبت واذا ثبت باحد الامرين فهل المسروق محترم؟ فان لم لم يكن المال محترما او كان المسروق منه غير محترم لم يحد. وان كان المال محترما والمسروق منه محترما مسلما او كافرا له عهد. فيقال هل طلب المسروق منه بالسرقة ام لا. فان لم يطالب لم يقطع. وان طال باب المسروق منه فهل تحققت السرقة التي هي اخذ مال الغير على وجه الاختفاء ام انها على وجه الاختلاس او الانتهاء. او الاغتصاب التي لا قطع على صدر فاذا توفرت هذه الشروط كلها قطعت يد السارق وكذلك جميع الاحكام. كلما كثرت شروطها تعين السؤال والاستفهام عن تحققها. حتى يقع الجواب صوابا. والله اعلم الفائدة الحادية والتسعون. فتوى في وصايا اهل نجد في الاضاحي وصايا اهل نجد كثير منها او اكثرها يصرف فعلها في ضحايا كل عام يعينها الموصون لمن يكون ثوابها من شخص او اشخاص. وقد تغير الوقت بغلاء الاضاحي. فصار كثير منهم يجمعون الريع السنتين ثلاث والسنين الكثيرة. حتى تستكمل الاضاحي. على حسب واذا اوفتاوى يتلقاها بعضهم من بعض. وكنت افتي ان الوصايا كلها يجب تنفيذها كل عام. سواء كفت او لم تكفي المقدر الذي كان يظن ان لغة فمن عنده مثلا وصيتان او ثلاث وقد عين فيها اضاحي وكل واحدة لا تكفي ولكنها اذا جمعت كفت تعين جمعها في ضحية واحدة تنوى عن جميع المشتركين فيها. وكذلك لو كانت وصية واحدة فيها عدة اضاحي. لا تكفيها كلها او لم يكن فيها ترتيب فانه يشتري واحدة او اكثر وتنوى عن جميع المعينين في ثوابها وكذلك لو كان عند الانسان وصية واحدة لا تكفي. واراد ان صدق على صاحبها بتكميلها من عنده. او يجعل معها لنفسه دراهم حتى تكفي وينويها عن نفسه وعن صاحب الوصية. فكل ذلك جائز بل واجب تنفيذ الوصايا بحسب الامكان. وسواء تفاوت الدراهم فعلها او وقد كتبت في هذه المسائل سابقا رسالة ولهذا القول مآخذ عديدة مبنية على اصول الشريعة. وعلى اصول مذهب الامام احمد. وعلى مقام الموصين والفاظهم وهي كثيرة جدا. منها انه لا يوجد ما يمنع ذلك من نص الشارع ولا من نصوص اصحاب الامام احمد. فاذا لم يكن في معي نص فمنع ذلك وحرمان اهل الوصايا من وصاياهم كل عام عين الضرر والفساد الثاني ان نصوص الشرع ونصوص المذهب وكلام الاصحاب تدل على ووجوب تنفيذ الوصايا الصحيحة بوقتها. وعدم تعطيلها او تأخيرها. قال تعالى فاتقوا الله ما استطعتم. وصح عنه صلى الله عليه وعلى اله وسلم انه قال اذا امرتكم بامر فاتوا منه ما استطعتم. ومن المعنى ان تنفيذ الوصايا من التقوى ومما امر به الشارع. فيتعين تنفيذها ولا يحل تأخيرها عن وقتها او تعطيلها. وقد ذكر صلى الله عليه وعلى اله وسلم من بر الوالدين بعد موتهما انفاذ عهدهما. ومن انفاذ اهدهما انفاذ الوصايا. التي يوصون بها كل عام بحسب الامكان اذا لم يقدر على الجميع وجب منه المقدور والمستطاع. والنصوص في هذا المعنى كثيرة وكذلك نصوص الاصحاب رحمهم الله. فانهم نصوا في الكتب المختصرة والمطولات. على وجوب تنفيذ الوصايا. وعلى وجوب العمل بنصوص الواقفين من الموصين. الموافقة لامر الله وشريعته. وان ذلك بحسب ان كان والموصون يقولون في وصاياهم قادم فيه كل عام كذا وكذا قادم في مغله كل عام كذا وكذا ضحية. وكذا وكذا امر صدقة او للصوام كذا وكذا بر او دراهم او نحو ذلك. فكما انه اذا حصل المغل ولم يكفي مقدار التمر او البر او الدراهم المقدرة تنفيذ الموجود فكذلك الاضاحي. واي فرق بينها وبين التمر والبر دراهم ونحوها. فهذه المسائل المذكورة كلها داخلة في نصوص الشارع نصوص العلماء. ومقاصد الموقفين والفاظهم. ولهذا اقول المأخذ الثالث ان الموصين في الفاظهم وعباراتهم وفي نياتهم ومقاصدهم كلها متفقة على ان تنفذ وصاياهم كل عام. يقولون قادم فيه كل عام كذا وكذا ضحية. كما يقولون قادم فيه كل عام كذا وكذا تمر او بر او نحوهما. ويقدرون في الغالب ما يظنون الريع يكفي فيه وقد يختلف الوقت فيقصر الريع فننظر الى الفاظهم ومقاصدهم الصريحة الصحيحة. وننفذها كل عام بحسب الامكان وبقدر المستطاع المأخذ الرابع ان وصايا الناس يقصد بها ان يتولاه هل مستحقون بحسب البطون وان يكون ريعها يرتفقون فيه ما داموا مستحقين ولكنهم عينوه بتمر او بر او ضحايا او غيرها فكونها تنفذ كل عام هو السبيل الوحيد الى وصولها لمستحقيها والا يتأخر تأخرا كثيرا. فانها اذا نفذت كل عام قناة يقينا الى مستحقيها من اهل الوقف. وانتفعوا بها وارتفقوا بها بحسبها فاذا كانت قليلة وجمعت السنين العديدة. فربما اذا اجتمعت صادفت بطنا حادثا غير البطن السابق. وربما مع قلتها وتأخير تنفيذها حتى تجتمع ان يتعذر او يتعسر استخراجها او نفوذها. فمن جمعها اسرته او مماطلته او موته او لغير ذلك من الاسباب. فلا طريق الى السلامة من هذه المفاسد المشاهدة. الا بتنفيذها كل عام بحسب المستطاع ويؤيد هذا المأخذ الخامس. ان الموتى يتشوفون كل عام الى فما يحصل لهم من صدقاتهم ووصاياهم بعد موتهم. فهم كالغريق الذي ما يغيثه وما ينفعه. وحاجتهم ماسة ضرورية لا تحتمل التأخير بكون وصاياهم تجري عليهم كل عام. كما نصوا وكما قصدوا وكما هو مقتضى احوالهم هو الواجب على من يريد نفعهم وبرهم ورحمتهم وكما انهم اذا من ريعها كل عام مقدارا معينا من تمر او او دراهم. ولم يحصل ذلك المقدار بل حصل ما دونه. ينفذ الموجود فلا ينتظر ويتأخر الى المفقود. فكذلك في الاضاحي من غير فرق فمتى فرق بين الاضاحي وغيرها فعليه الدليل. وانى له ذلك فان الشارع لا يفرق بين المتماثلات كما لا يجمع بين المختلفات المتباينات في احكام المأخذ السادس ان الاصحاب رحمهم الله على ان الدراهم التي تعينت للاضاحي انها اذا كفت واحدة وزاد منها زاد زيادة او صارت لا تكفي وحدها انه يشترى بها لحم يتصدق به في تحصيلا للمقصود بحسب الامكان. فالمشاركة فيها وكونها بسفك دمها عن من جميع المشترك اولى من شراء اللحم. وهذا ظاهر بين ولله الحمد حمد السابع ان الاصحاب ايضا نصوا على ان الوصايا اذا لم يمكن انفاذها كله كلها ان اهلها يتحاصون عليها كل على حسب ما قدر له ويدخل في هذه المقدرات من التمر والبر والدراهم والاضاحي وغيرها. كما يدخل فيها المتفرعات من صدقات على فقراء ومساكين. ومن اعطاء اقارب ومن جهات بر. كالمساجد والمدارس وغيرها. فالوصايا التي لا تكفي سواء كانت وصايا يفرغ منها دفعة واحدة بعد موت الموصي. او وصايا غل عقارات ونحوها كوصايا اهل نجد. فان مغلها قائم مقام اصلها. يحكم فيه ما يحكم في الجميع اذا كان صاحبه يريد تنفيذه واحدة. وهذه المآخذ لو بسطت لزادت على ما ذكرنا اوضح من ان يشتبه الانسان فيها. ولكن جريان العادة على امر من الامور المنتظرة قادة يحتاج الانسان الى ازالتها بزيادة توضيح. واقامة ادلة تنبيه كلام العلماء المعتبرين فيها. والله اعلم واحكم الفائدة الثانية والتسعون. ورود العدة على العدة وردت عدة على عدة فهل تدخل احداهما على الاخرى؟ ام يلزم اتمام كل واحدة منهما ام ماذا؟ الجواب في هذا تفصيل على مذهب الامام احمد رحمه الله وصورة ذلك ان تكون المرأة معتدة ثم توطأ في عدتها. فلا يخلو اما ان يكون الواطئ فيها صاحب العدة الاولى او يكون غيره. فان كان صاحب العدة الاولى وكان الوطء الواقع في العدة وطأ شبهة او نكاح فاسد فانها تبتدأ منه وتدخل فيها الاولى. لان النسب يلحق في الوطء الاول والاخر وان كان الوطأ الواقع منه زنا اتمت العدة الاولى. ثم استأنفت عدة للوطء الثاني لاختلاف الوطئين. لان الوطء الاول يلحق فيه الولد. ووطء الزنا لا يلحق فوجب تمييز العدتين وعدم تداخلهما. وان كان الواطئ غير صاحب العدة وجب لكل واحد من الاول والاخر عدة مستقلة. فتعتد الاول ثم تعتد للثاني. الا انه اذا وطئها الثاني فان من بطئه الى مفارقته لا تحتسب من العدة. فاذا فارقها بنت على عدة الاول ثم تعتد للثاني عدة كاملة. الا ان حملت من احدهما وولدت منه يقينا فانها تنقضي عدتها منه ثم تكمل عدة الاول. هذا كله بناء على المذهب واما على ما اختاره شيخ الاسلام ابن تيمية وهو ان الموطوءة بشبهة او زنا او نكاح فاسد ليس عليها الا الاستبراء. فان الامر في هذه الصور واضح وهو انه بعد الوطء الثاني سواء كان من صاحب العدة او غيره. تكتفي بقية العدة ان تضمنت الاستبراء او تستبرئ براءة معتبرة بعد الوطء الثاني فعدة الاول لابد منها. والوطء الثاني مطلقا يكتفى فيه باستبراء داخل في الاول والا فمستقل. والله اعلم. الفائدة الثالثة فتسعون فائدة جليلة في الفروق بين المسائل الفقهية والتقاصي الشرعية. سئلت عما يذكره الفقهاء رحمهم الله من الفروق بين من الاشياء المتشابهات. ويقع في النفس في كثير منها عدم الفرق. فاجبت وبالله التوفيق اصل هذه المسائل ان تعلم ان الشارع لا يفرق بين المتشابهات من كل وجه بل لابد من فارق معنوي موجب للفرق. فاذا وجد مسألتا قد فرق بينهما وحكم لكل واحدة بحكم مباين للاخرى. فان كان مفارق صحيح ومعنى موجب للفرق. والا فاعلم ان الفرق صوري. والفروق ضعيفة جدا. ولهذا امثلة كثيرة نفصل منها ما نستحضره فمنها ما ذكروه من الفروق بين النكاح وغيره من العقود. وهي فروق كثيرة تزيد على العشرين. قد فصلتها في الارشاد. فانظرها هناك تجد المعاني الصحيحة الموجبة للفرق بين النكاح وبين غيره. ومن الفروق الصحيحة ما ذكروه حين فرض الصلاة ونفلها. فان الاصل اشتراك الفرض والنفل منها في الاحكام وقد فرق بينها بفروق شرعية ثابتة. منها ان النفل يصح من الجالس القادر على القيام بخلاف الفرض. وانه يصح النفل على الراحلة في السفر الطويل والقصير. ويجوب الشرب في النفل دون الفرض. وذلك يعود الى سهولة النفل والترغيب في كثرته ومنها اشتراط ستر احد المنكبين في الفرض دون النفل للرجل البالغ. وهذا الفرق ضعيف لعدم ثبوت الفرق بينهما في هذا الموضع شرعا. فان الامر بستر احد المنكبين يعم الفرض والنفل في كل احد. والصواب ان ستر الرجل منكبه في الصلاة من باب الستر الكمالي. لا من باب ستر العورة. ومنها تجويز النفل داخل الكعبة دون الفرض وفيه نظر. فانما ثبت في النفل ثبت في الفرض. والفرق الذي ذكروه وتعليلهم ان الفرض لابد ان يستدبر شيئا من الكعبة موجود في النفل. ومن الضعيفة جدا منعه مؤتمام المتنفل بالمفترض. مع انه قد ثبت جواز ذلك ثبوته لا ريب فيه. وقصة معاذ وغيرها شاهدة بذلك. وتعليل وهم بالاختلاف بالنية موجود في ائتمام المفترض بالمتنفل. وهذا من علامات ضعف الدليل. والعلة انك اذا ادرتها وعكستها في القسم المقابل الامر نظير ما قالوه. فيكون هذا من الفروق الصورية التي لا تعتبر. فكيف مع خالفتها للنص. ومن الفروق الصحيحة تجويز قطع النفل لحضور الفرق اوروبا. وانه لا نافلة بعد اقامة الفريضة. وانه لا يجوز ان يشتغل قبل النافلة مع ضيق الوقت عن الفريضة. وانه لا تقضى النوافل ولو رواتب اذا كثرت الفوائت الفرائض. وما اشبه ذلك. فان القصد من ذلك واحد وهو الاهتمام في الفرائض. ومن الفروق الصحيحة ما ذكروه في الفرق بين صلاة الجمعة وصلاة عيدين وفرق بعضها عن بعض. وقد فصلناها في كتاب الارشاد ذلك راجع الى ثبوت الفروق المذكورة شرعا. وما ثبت عن الشارع فلابد من حكمة صحيحة ثابتة موجبة للفرق كما فصل ذلك. ومن الصحيحة بين صيام النفل وصيام الفرض. ان الفرض لابد له من نية موجودة في ليلة الصيام والنفل يصح ولو لم يحدث نية الا في اثناء النهار. بشرط الا يفعل قبل النية شيئا من المفطرات. وانه لا يصح النفل ممن عليه الفرض وانه يصح صيام ايام التشريق للمتمتع والقارن الذي تعذر عليه الهدي دون قضاء رمضان وغيره. لان الله تعالى عين الثلاثة ان تكون في الحج. وان انه يجوز قطع نفل الصلاة والصيام دون فرضها الا الحج والعمرة. وهذا فرق دل عليه قوله تعالى واتموا الحج والعمرة لله. فمن فرض فيه ان الحج. وذلك ان العبد اذا احرم بحج او عمرة فقد اوجب ذلك على نفسه بمنزلة من اوجب على نفسه نذرا. ولهذا قال تعالى ثم يقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم. فسماها نذورا بجامع ايجاب الانسان ذا ذلك على نفسه وهذا مما يبين لنا ضعف الفرق الذي في رمي الجمار. وان المتنفل يجوز له ان يوكل من يرمي عنه. ولو لم يكن كن له عذر بخلاف المفترض. والصواب استواء الفرض والنفل هنا. وانه لا يجوز التوكيل فيهما الا للمعذور. ومن الفروق الضعيفة تفريقهم بين الجاهل الناسي والمتعمد في اتلاف الشعر والاظفار. واللبس للمخيط وتغطية الرأس والطيب وان الاخيرات يعذر فيها المعذور. ولا يجب عليه فدية. وازالة الشعر وتقليم الاظفار لا يعذر بوجوب الفدية. لانه اتلاف. والذين لم يفرقوا قالوا المقصود من الجميع واحد. وهو حصول الترفه بالمذكورات. وهي كلها مستويات في ذلك والاظفار والشعور لا قيمة لها. وايضا انما الاتلاف الذي يستوي فيه فيه الاهل وغيره في حقوق الادميين كاتلاف النفوس والاموال وهذه الحق في لله متمحض. فاذا كان بالاجماع معذورا فكذلك الفدية. وبهذا ايضا تعرف ضعف الفرق بين جماع المعذور بجهل او نسيان وغير المعذور. كما هو المذهب والتفريق بين المعذور وغير المعذور هو الاولى. كما اختاره شيخ الاسلام ابن تيمية وغيره في مسألة فطر الصائم وافساد الحج والعمرة وغيرها. وبه ايضا يعرف ضعف عدم التفريق بين المتعمد وغير المتعمد في جزاء الصيد. وان الجميع واحد في ايجاد كما هو مذهب الجمهور. مع ان الاية الكريمة نصت على المتعمد نصا صريحا في قوله ومن قتله من متعمدا فجزاء وكذلك تجويز النبي صلى الله عليه وعلى اله وسلم لرعاة الابل وسقاة زمزم ان يجمعوا رمي ايام التشريق في اخر يوم. دليل على ان غيرهم لا يساويهم في ذلك. والاصحاب رحمهم الله جعلوا الجميع سواء وانه لا بأس ان يجمع الرمي في اخر يوم ولو لم يكن معذورا. واما قولهم ومن وجبت عليه بدنة اجزأته بقرة ولو في جزاء الصيد فالصواب في ذلك قول الاخر وان جزاء الصيد يتعين فيه المثل كما ذكره النص. لان فيه شائبة عقوبة بخلاف بقية الاحكام. فان معنى السهولة فيها بينة واضحة ومن الفروق الصحيحة الثابتة شرعا. الفرق بين تارك المأمور سهوا او جهلا فلا تبرأوا الذمة الا بفعله. وبين فاعل المحظور وهو معذور بجهل او نسيان انه يعذر وتصح عبادته. وذلك في الصلاة والصيام والحج وبقية العبادة كما اختاره شيخ الاسلام وطرده في كل المسائل. واما المشهور من المذهب فانهم لم يستقر لهم قرار. ويكفي هذا ان الشرطين في الاصول والفروع ويزداد في غيرهم ان يكون المنفق وارثا للمنفق عليه بفرظ او تعصيب. وهذه النفقات تبع العرف والكفاية. وكذلك نفقة المماليك من الادميين والبهائم والله اعلم. فهذه الفروق والتقاسيم التي استفدناها وتتبعناها من كلام اصحابنا الحنابلة غفر الله لهم ورحمهم. جمعت علما عظيما ونبهت على مآخذ الاقوال وعللها لا تجدها مجموعة في موضع واحد. ويحق ان تفرد برسالة يسر الله افرادها ونشرها. وعندما فرغنا منها خطر على القلب فائدة من جنس اخر من الفقه. وهي هذه. الفائدة الرابعة والتسعون فائدة جليلة. في مراتب الاحكام والتنقلات الفقهية. وجمهور مسائل هذه الفائدة مبنية على السهولة والانتقال من اصل الى بدله من مسألة الى نظيرها. فلنذكر من امثلتها ما يحضرنا مبتدئين في العبادات ثم في معاملات فمنها الطهارة. اوجب الله على المكلفين التطهر بالماء من والاخباث. فاذا تعذر استعماله بعدم او تضرر انتقل العبد من طهارة الى طهارة التيمم بالتراب في الاحداث. والى تخفيف النجاسات والبعد عنها ما امكن الامر. ومنها على وجه العموم على الانسان ان يقتصر على ما اباحه الله الله له مع القدرة على استعماله. فاذا تعذر واضطر الى المحرم فالضرورات تبيح المحظورات من الاواني والثياب المحرمة. والاطعمة والاشربة والاستعمالات وغيرها. لان الله تعالى لما حرم الميتة وما عطف عليها قال قال فمن اضطر في محمصة غير متجانس لاثم فان الله غفور غفور رحيم. وهي في الفقه مسائل لا تعد ولا تحصى. ويشبه ذلك ان المكروهات اذا احتيج اليها زالت الكراهة. لان الحاجة اكبر سبب للسهولة يسرا ولانها قد تتعارض مع واجب يتعين فعله او محرم يتعين تركه ولهذا قد يعرض من المصالح او من كف المفاسد للعمل المفضول. ما يصير مثل او افضل من العمل الفاضل. والله اعلم. ومنها وجوب تقديم الشروط على مشروطاتها فكل شرط لعبادة او تصرف او عقد او فسخ او تلف او اتلاف او غيرها لابد ان يتقدم على مشروطه. فان لم يتقدم عليه مع القدرة لم يصح المشروط. ويدخل في هذا ما لا يعد من المسائل الكبار والصغار وكذلك لا بد من وجود الاسباب لتترتب عليها مسبباتها. ومنها هذا العبادات المشترط فيها الترتيب كالطهارة والصلاة ونحوها. فاذا لم يحصل الترتيب وتقديم المقدم وتأخير المؤخر. لم تصح تلك العبادة. ومنها من كان على عشق عضو من اعضاء طهارته جرح او كسر ونحوه. وجب غسله بالماء. فان ضر وجب مسحه او مسح الحائل الذي عليه. يتيمم عنه. ومنها من عليه حدث وعلى بدنه وثوبه نجاسة. وعنده ماء لا يكفي الجميع قدم نجاسة الثوب لانه لا يتيمم عنه قولا واحدا. ثم نجاسة البدن للخلاف في صحة التيمم عنها ثم استعمله للحدث. ومنها المرأة المستحاضة يجب عليها ان سعادتها ان كان لها عادة مضبوطة. فان لم يكن جلست التمييز اذا كان بعضه اسود وبعضه احمر. او بعضه منتن وبعضه غير منتن. او بعضه ثخين وبعضه رقيق. جلست الاسود او المنتن او الثخين. فان لم يكن لها عادة ولا تمييز جلست غالب الحيض ستة ايام او سبعة. لورود الاحاديث في هذه المراتب الثلاث ومنها الصغير يؤمر بالصلاة لسبع سنين. ويضرب عليها لعشر. وكذلك بقية شروطها وكفه عن المفاسد. ومنها يصلي المريض قائما. فان ان عجز او شق عليه مشقة غير محتملة صلى قاعدا. فان لم يمكن فعلى جنبه برأسه بالركوع والسجود. فان عجز صلى مستلقيا. فان عجز برأسه او ما ابي طرفه واستحضر الفعل بقلبه. وكذلك القول ان عجز عن النطق. وعند شيخ الاسلام اخر المراتب الايماء بالرأس. والمذهب احوط واولى. ومنها اذا كان عنده سترة لا تكفي للصلاة سترى العورة المغلظة وهي الفرجان. فان لم يكف الا احدهما فالدبر اولى لانه ينفرج في الركوع والسجود. ومن الاقوال الضعيفة جدا قولهم الا اذا كفت كتفه وعجزه فقط. فيكون مقدما على ستر الفرجين وتعليلهم بقوله لان المنكب لا بدل له عجيب. وهل للقبل بدل والمنكب انما شرع ستره تكميلا مستحبا عند جمهور العلماء. وتكميلا واجبا عند الامام احمد فكيف يقدم التكميلي على الضروري؟ والله اعلم. ومنها من اشتبهت عليه القبلة اذا اراد الصلاة. فان امكنه اليقين والا صلى بالاجتهاد والنظر في ادلة القبلة فان تعذر ذلك قلد المجتهد كما في مسائل الافتاء وغيرها. ومن هالامامة في الصلاة الاولى الجامع بين القراءة والعلم ثم الاقرأ ثم الادين ثم حسن وقيل ايضا انه يقدم الاشرف وهو المشهور. ولكن لا دليل عليه واولى المساجد الاكثر جماعة ثم الابعد ثم المسجد العتيق. الا اذا ترتب في حضوره في المسجد المفضول مصلحة اخرى. ومنها المقدم من الصلوات فروض الاعيان ثم فروض الكفاية. ثم ما تسن له الجماعة. ثم الرواتب والوتر ثم النوافل المطلقة. واذا ضاق الوقت لزم تقديم الفرض على النفل. وكذلك الصيام المقدم قضاء رمضان. ثم الكفارات لوجوبها باصل الشرع. ثم النذور بان المكلف هو الذي اوجبها على نفسه. ولهذا قالوا لا يصح ان يصوم نفلا قبله لاداء فرضه. ومنها اذا تخلف الامام الراتب فان كان اذن لهم لو والا فان كان قريبا راسلوه. فان بعد او شق عليهم الانتظار صلوا. ومن انها افضل الصفوف الصف الاول ثم الذي يليه ثم الذي يليه. فان كان في صف واحد الايمن افضل. الا اذا كان في الايسر مصلحة لا تحصل بالايمن. فقد يفضل على الايمن ومنها يقدم الى الامام مع عدم المرجح الظاهر الرجال اولو الاحلام والنهى ثم الامثل فالامثل ثم الصبيان ثم النساء. وكذلك اذا صلي عليهم جميعا قدم الى الامام الرجال ثم الصبيان ثم النساء الافضل فالافضل. واذا دفن ان جماعة في قبر واحد للضرورة قدم الى القبلة الفاضل من الموتى من الرجال ثم الصبيان كانوا ثم النساء. ومنها اذا صلي في بلد جمعتان فاكثر لغير حاجة فالصحيحة ما اذن فيها الامام بقوله او مباشرته. فان استويا فالسابقة بتكبيرة الاحرام هي الصحيحة. والثانية باطلة. فان اشكل ايهما السابق اعاد الجميع على المذهب. وفيه قول قوي على انه وان كان لا يحل تعدد لغير حاجة. فالصلاة صحيحة من كل من الجمعات. لان التبعة في هذا على يا من لهم الامر. واما غيرهم فمعذورون. وهب انهم غير معذورين فهذا النهي يعود الى امر خارج عن نفس العبادة وشرطها. والله اعلم واولى الناس بغسل الميت والصلاة عليه وصيه في ذلك. ثم الاقرب فالاقرب ولي له مراتب ان كان للقنية ففيه زكاة النقدين ربع عشر وزنه. وان كان للتجارة فيه زكاة عروض وهي قيمته. وافقت قيمته او زادت او نقصت وان كان للتأجير ففيه الزكاة زكاة وزنه وفعله. وان كان للاستعمال او الاعارة لا زكاة فيه. ومنها اذا كان عنده مال يكفي لجميع من تجب عليه فطرتهم فانه يبدأ بنفسه فامرأته فرقيقه فامه فابيه. فولده فالاقرب في الاقرب في الميراث. وكذلك في باب النفقات على الزوجات والمماليك واقاربها المعسرين على هذا الترتيب. الا انهم هناك قدموا الاب على الام وهنا اوجب الفطرة على من تبرع بمؤونة شخص شهر رمضان. ولم يوجبوا نفقته والصواب عدم الوجوب على من تبرع بنفقته. لان الفطرة تبع النفقة وجوبا وعلى المذهب الواجب في الفطرة وفي الكفارات كلها من الاصناف الخمسة البر والشعير والتمر والزبيب والاقط. ثم ان تعذرت عدل الى قوت البلد من غيره وعند الشيخ تقي الدين يجزئ كل قوت وجدت الاصناف الخمسة او عشرة وعلى المذهب لا تنقل الزكاة مسافة قصر فاكثر. الا اذا لم يجد من اليه وعلى الصحيح يجوز ذلك. وهو ظاهر الادلة الشرعية ومنها كفارة الوطئ في نهار رمضان. وكفارة الظهار عتق رقبة مؤمنة سليمة من العيوب المضرة بالعمل. فان لم يجد فصيام شهرين متتابعين. وتشاركها في هذين الامرين كفارة القتل. فان لم يستطع فإطعام ستين مسكينا. ومن انها الافضل الفطر على رطب فان عدم فتمر فان عدم فماء. ومنها يتأكد اكدوا طلب ليلة القدر ليلة سبع وعشرين. ثم في افراد العشر الاواخر ثم في بقيتها ومنها من عين بنذره غير المساجد الثلاثة لم يتعين وان عين احد الثلاثة فان عين الفاضل وهو المسجد الحرام تعين ولم يجوز غيره. وان عين المفضول وهو المسجد الاقصى جاز فيه وفي المسجدين. وان عين متوسطة وهو مسجد المدينة جاز فيه وفي الفاضل لا في المفضول. ومنها افضل الانساك التمتع فالافراد فالقران. وقيل ان القران افضل من الافراد ما يحصل فيه من نسكين تامين. وان من ساق الهدي افضل له القران من التمتع وهو الصحيح الذي اختاره شيخ الاسلام. ومنها الهدي والفدية. فعلى متمتع قارن دم. فان عدمه او ثمنه صام عشرة ايام. ثلاثة في الحج وسبعة اذا رجع الى اهله. وكذلك في ترك الواجب. ومن وطأ في الحج قبل التحلل الاول فسد حجه وعليه بدنه. فان لم يجد صام كذلك عشرة ايام ثلاثة في الحج وسبعة اذا رجع. ويجب في فدية الاذى صيام ثلاثة ايام او اطعام ستة مساكين او سفك دم. وفي جزاء الصيد المثل من النعم او تقويمه بمحل التلف ويشتري به طعاما يجزئ في الفطرة. فيطعم كل مسكين مد بر او نصف صاع من غيره او يصوم عن اطعام كل مسكين يوما. ومنها الرهن اذا حل دين وامتنع الراهن من الوفاء. فان كان اذن في بيعه باعه المرتهن. او من بيده رهن ووفى الدين من ثمنه. والا اجبره الحاكم على الوفاء من اي جهة او بيع الرهن فان اصر على الامتناع باعه الحاكم ووفى الدين. ومنها من كان بيده حيوان امانة لغيره. فان كان رهنا محلوبا او مركوبا انفق عليه من هو بيده بقدر ركوبه ولبنه. متحريا للعدل ولو لم يستأذن صاحبه لاذن الشارع فيه وان كان غير ذلك فان كان صاحبه حاضرا وقد اذن له ان ينفق انفق عليه ورجع بنفقته على صاحبه. وان لم يكن حاضرا ولا اذن في ذلك انفق عليها ولو لم يستأذن الحاكم. ورجع بالنفقة. لان استئمانه اياها اذا بحفظها. وحفظها لا يتأتى الا بالانفاق. ومنها من حصل غصن شجرته في هواء غيره او قراره ولم يرضى الجار. امر بازالته. فان ابى لواه الجار ان امكن بلا قطع. والا فله قطعه ولا ضمان عليه. واختار بعض اهل العلم في هذه الاشياء ان الجار لا يلزم جاره ازالته اذا لم يكن عليه ضرر قال وهو اولى من الزامه بالتسقيف على جدار جاره. نعم لو كان على الجار ضرر فالضرر لا يزال بالضرر. ومنها من طولب بدين عليه فان كان معسرا امر صاحب الدين بانظاره وجوبا الى الميسرة. وان كان موسرا بحقه او بعضه امر والزم بوفائه. فان ابى حبس او عزر فان اصر ما مع ذلك ولم يبع ماله باعه الحاكم ووفى دينه. هذا اذا كان الدين حالا واما المؤجل فلا يطالب به ولا يحجر عليه قبل حلوله. ومنها من عنده وديعة واراد سفرا ردها الى صاحبها. فان غاب حملها معه ان كان احرز والا اودعها ثقة. والظاهر انه يبقيها عنده لدلالة العرف على ذلك ومنها اذا اجتمع عاصبان فاكثر. قدم منهم الاقرب جهة. ثم ان كان في جهة واحدة الاقرب منزلة. فان كانوا في منزلة واحدة قدم الاقوى وهو الشق ثم ان استووا من كل وجه اشتركوا. ومنها من نشذت امرأته وتركت الواجب عليها في حقه وعظها اولا وخوفها ورغبها ورهبها. فان اصرتها هجرها في المضجع. فان اصرت ضربها ضربا غير مبرح. ويمنع من ذلك ان كان مانع هذا ما يعلم انه ليس من الشبهة في شيء. ولو فتح هذا الباب لانفتح شر كثير. وتعطلت كثير من حدود الشرعية. فعلم ان هذا القول بعيد من الصواب بل يجزم بخطئه. والله اعلم. الفائدة لحقها الواجب لها عليه. الفائدة الخامسة والتسعون. حكم الموكل بعد تصرف الوكيل. اذا وكل وكيلا في تصرف عقد او فسخ او غيرهما فتصرف الوكيل ثم بعد التصرف ادعى الموكل انه رجع وفسخ توكيله قبل ان يتصرف فان كان ذلك ببينة صار تصرف الوكيل لاغيا وكذلك اذا صدق المتصرف معه. وان لم يكن ببينة لم يقبل قول الموكل لان الوكالة ثبتت والتصرف المأذون فيه حصل. والاصل عدم نقضه الا في مسألة اختلف فيها كلام الاصحاب. وهو ما اذا وكل زوجته في طلاق نفسها وطلقت نفسها وادعى انه رجع قبل ايقاعها. فقيل القول قول الزوج وقيل القول قول الزوجة. وهو الاظهر كغيرها من المسائل. بناء على هذا الاصل الذي ينبغي طرده. وكذلك لو وكل غير الزوجة فطلق الوكيل. وادعى الزوج انه رجع قبل الايقاع. والله اعلم. الفائدة السادسة والتسعون. الالفاظ الصريحة في الطلاق. يستفاد من كلام الاصحاب رحمهم الله. ان صريح الطلاق انواع منها لفظ الطلاق حيثما تصرفت تصاريفه اللفظية. الا الالفاظ التي تدل على على انها هي الموقعة للطلاق. كاسم الفاعل من قوله مطلقة. والامر كقوله والمضارع كقوله تطلقين. لان هذه الالفاظ نسب فيها التطليق اليها ومنها الجواب الصريح لاحد الالفاظ الصريحة. كمن قيل له اطلقت امرأتك فقال نعم لان نعم صريحة في الجواب. والجواب الصريح لللفظ الصريح صريح ومنها اذا عمل مع زوجته عملا اهانة مثل ان اخرجها من دارها او لطمها او عمل الاهانة قبل. مثل ان اطعمها او سقاها او البسها او دفع اليها شيئا وقال لها هذا طلاقك. ومنها اذا طلق زوجته ثم قال عقبه لضرتها انت او شريكتها. او شركتك معها. ولا فرق في ذلك بين ان يلفظ مذكورات من الالفاظ او يكتبها. الا انه في الكتابة اذا ادعى انه لم يقصد الطلاق بل قال اريد غم اهلي او تجويد خطي ونحوه فانه يقبل. ومنها الالفاظ الصريحة وفي اللغات الاخر اذا كان عارفا بمعناه. ومن نطق بشيء من هذه الشرائح ولم يعرف معناه لم يقع به طلاق. ومنها عند النجديين وفي عرفهم اذا قال الزوج لزوجته انت بالثلاث او روحي بالثلاث فانه صريح عندهم لا يحتمل غيره لان الثلاث صفة لموصوف محذوف معروف. والتقدير بالطلاق الثلاث. فهي ابلغ من نعم في الجواب عن صريح الطلاق. وحذف الموصوف شائع في اللغة والعرف ولهذا كان علماؤهم لا يتوقفون بوقوع الطلاق في ذلك. والله اعلم. والاشارة اشارة المفهومة من الاخرس في ذلك كالنطق. الفائدة السابعة والتسعون في عدم ذكر احكام الخنثى المشكل في الكتاب والسنة. اذا قيل كان الفقهاء رحمهم الله الله يذكرون احكام الخنث المشكل في جميع ابواب العلم المتعلقة بالذكور والاناث مع انك لا تجدها مذكورة في الكتاب ولا في السنة. مع ان الحال تقتضي على حسب ذكر الفقهاء لها ان تتكرر في الكتاب والسنة مرات. لانه على هذا الناس او اناث او خناثا. فيقتضي ان يكون القسم الاخير مساويا او مقاربا في ذكره لاحد في قسمين فالجواب مقصود الفقهاء رحمهم الله تحرير الاحكام الشرعية والتدقيق في الامور الفقهية. ولهذا يذكرون الامور النادرة بل الامور غير الواقعة اذا احتاجوا الى ادخالها في العمومات. او استثنائها منها او الذي يستوعب كل ممكن منها. فكون هذا مرادهم لا يرد ما ذكره السائل ثانيا عدم ذكر ذلك في الكتاب والسنة. اما لندرته كما هو الواقع انه من اندر النادر. ثم اشكاله عدم تمييزه اندر واندر. والكتاب والسنة انما يذكر ما يحتاج الناس اليه غالبا لا نادرا. ثالثا طريقة الكتاب والسنة السنة اذا كانت الامور على قسمين وربما تولد من بينهما قسم ثالث. ان تذكر احكام كل من القسمين المشتركة والمتميزة. ويكون من بينهما يؤخذ من علل احكامها. فانه من المتقرر ان الاشياء كثير منها يكون يكون فيه صفات متباينة. ويكون لكل صفة مقتضاها من الاحكام والثواب والعقاب وكذلك يذكر الله جزاء المؤمن الكامل وعقاب المجرم المحض كثيرا ويعرف منهما حكم من فيه ايمان واجرام وخير وشر. كما انه صرح بهذا القسم في مواضع لكثرة وجوده. فلو لم يصرح به لعرف حكمه من ذكر حكم القسمين المتباين جنين ولهذا نقول للخنثى حالتان حالة يطلب فيها فيها تمييزه هل هو ذكر او انثى؟ وقد ذكر الفقهاء الاشياء التي يحصل فيها التمييز وعلى هذا وغيره من المشتبهات دلت نصوص الكتاب والسنة على وجه العموم على الامر والارشاد الى تمييز الامور وتوضيحها بطرقها. وكل شيء له طريق يوصل الى تمييزه من غيره. فيدخل هذا في هذا العموم. الحالة الثانية اذا تعذر التمييز ووقع الاشكال وهو الخنث المشكل الذي لم تتضح ذكوريته ولا فهذا ان كانت الاحكام مشتركة بين الذكر والانثى كاكثر احكام مثلهما. وان كانت من الاحكام المختلفة التي للذكر فيها حال وللانثى حال اخرى جعل الخنث المشكل وسطا بين الطرفين. كما في المواريث يحويها هذا في الاحكام التي يمكن التوسط فيها. واما ما لا يمكن كنقضي الوقت الوضوء بمس المرأة وكالزواج ونحوه. بني في ذلك على الاصل. ففي نقض الوضوء اذا الخنث المشكل لا يحكم بنقض الوضوء. لان الاصل الطهارة. وقد شككنا بوجود الناقض هل هو ذكر او انثى؟ وفي مسألة التزويج ليس له ان يتزوج انثى ولا ذكرا ان الاصل في الاضلاع التحريم. فلا يقدم على زواج لا نعلم هل هو صحيح او باطل هذا الغالب على احكام الخنثى بعد التتبع لها ولمآخذها. والله اعلم الفائدة الثامنة والتسعون. مناظرة بين مؤمن موحد ومادي ملحد اذكر هنا محاورة بين مؤمن موحد ومادي ملحد. وذلك ان رجلين مسلمين كانا متصافيين على الاسلام وفي طلب العلم. فغاب احدهما عن صاحبه مدة طويلة انتم التقيا فاذا هذا الغائب قد تغيرت احواله واخلاقه فسأله صاحبه وبحث معه في تبين السبب الذي اوصله الى هذا التغير الذي لا يعهده منه اذا هو قد تغلبت عليه دعايات الملحدين. الذين يدعون لنبذ الدين ورفض ما جاء به سيدنا المرسلين فحاوره صاحبه وقلبه على كل وجه. لعله يرجع عن هذا الانقلاب الغريب الذي توجه به وجهة خبيثة. فلم يفد فيه النصح. فعرف ان هذا علته تفتقر الى استئصال اصل الداء ومقابلته بضده. وان ذلك متوقف على معرفة الاسباب التي حولته. والى تمحيصها وتوضيحها ومقابلتها بما يضادها ويقول وشرحها شرحا يبين مرتبتها من الحقيقة. فقال له مستكشفا له عن له على ذلك يا هذا ما هذه الاسباب التي حملتك على ما ارى؟ وما الذي دعاك الى فنبذ ما كنت عليه. فان كان خيرا كنت انا وانت شريكين فيه وتابعتك على ذلك. والا فانظر لنفسك وانظر من عقلك وادبك انك لا ترضى ان تقيم على ما يضرك. ويثمرك الثمرات رديئة فقال له لا اخفيك العلم اني رأيت حالة المسلمين حالة لا يرضاها عاقل رأيتهم في ذل وخمول وامورهم مدبرة واحوالهم سيئة. ورأيت في الجانب الاخر هو ان ان الاجانب قد ترقوا في هذه الحياة. وتفننوا في الفنون العجيبة. واخترعوا الاختراعات المدهشة والصناعات المتفوقة. وقد دانت لهم الامم. وصاروا يتحكمون في الامم الضعيفة بما شاءوا ويعتبرونهم كلعبيد لهم والاجراء وادنى من ذلك. فرأيت منهم العز الذي بهرني والتفنن الذي ادهشني فقلت في نفسي لولا ان هؤلاء القوم هم القوم وانهم على الحق والمسلمون على ضده ما كانوا على الوصف الذي ذكرت لك. فرأيت سلوكي سبيلهم خيرا لي واحمد عاقبه فهذا الذي صيرني الى ما رأيت. فقال له صاحبه حين ابدى له ما كان مستورا اذا كان هذا هو السبب الذي حولك الى ما ارى فهذا ليس من الاسباب والطرق والحقائق التي يبني عليها العقلاء واولو الالباب عقائدهم واخلاقهم واعمالهم. ويعلقون بها استقبلهم وامالهم. اما تأخر المسلمين فيما ذكرت فليس ذلك من دينهم. بل دينهم يضاد هذا اشد المضادة. وقد علمت وتيقنت ببعض ما عرفت ان دين الاسلام يدعو الى الصلاة والاصلاح من كل وجه. اصلاح العقائد والاخلاق والدين والدنيا. واصلاح الاحوال الداخلية والخارجية بكل وسيلة تصلح الامة وتكف عنها غاية الاعداء. والاستعداد لهم بكل قوة تستطاع. وها هو لا تزال تعاليمه وارشاداته قائمة لدينا نادي اهلها هلموا الى جميع الاسباب النافعة. التي تعليكم وترقيكم وتعزكم في دينكم ودنياكم اف بتفريط اهل الدين بل المنتسبين الى الدين تحتج على الدين وتوالي اعداءه اليس العاقل اذا رأى هذا التفريط منهم؟ اوجب له ان يكون نشاطه وجهاده متضاعفا لي في رقاته وشروطه السبعة. التي تأتي على كل نوع منه حتى الابواب التي يفردونها عنه. كباب السلم وباب بيع الاصول والثمار فشروط البيع السبعة مستصحبة معك في هذه الابواب. ولكن ذكروا وخصوا ينال المقامات العالية. وينتقد الهالكين من الهوة العميقة. اليس القيام التام لنصر الدين في هذه الحالة من افرظ الفروض واوجب الواجبات. فالجهاد في حالة قوة وكثرة المشاركين له فضل عظيم. يفوق سائر العبادات. فكيف اذا كانوا على هذا الوصف فان الجهاد في سبيله لا يمكن التعبير عن فضله وجليل ثمراته. ففي هذه الحال يكون جهاد قسمين. قسم جهاد لتقويم المسلمين وايقاظ هممهم وعزائمهم. وتعليمهم كل كل علم ينفعهم وارشادهم الى كل صلاح واصلاح. وتهذيبهم بالاخلاق الراقية ولعل هذا اشق النوعين وافضلهما. وقسم فيه مقاومة الاعداء واعداد العدة لهم من كل وجه افحين صار الامر على الوصف الذي ذكرت والحال التي شرحت وصار الموقف حريصا اذا تتخلى عن اخوانك المسلمين. وتتخلف مع الجبناء والمتخلفين. فكيف وانت منضم الى وحزب المحاربين لانك يا هذا ارذل ممن قال الله فيهم تعالوا قاتلوا في سبيل لله او ادفعوا. قاتلوا لاجل الدين او ادفعوا لاجل الرابطة القومية. فاعيذك من هذه التي لا يرضاها ذوو الديانات. ولا اهل النجدات والمودات. فهل ترضى ان تشارك قومك في حال عزهم وقوة عددهم وعديدهم. وتفارقهم في حال ذلهم ومصائبهم. وتخذل لهم في حالة اشتدت فيها الضرورة الى نصرة الاولياء وغيرهم. وقمع عدوان الاعداء فكيف مع هذا تظاهر الاعداء الارداء؟ فهل رأيت دينا خيرا من دينك؟ فقال فله هذا المنقلب. الامر كما ذكرت لك. ونفسي تتوق الى اولئك الاقوام الذين اتقنوا والصناعات والفوا السياسات الراقية والحضارات. فقال له صاحبه وهو يحاوره ارفضت دينا قيما كامل القواعد؟ نير البرهان يدعو الى الخيرات. ويحث على جميع طرق السعادة والفلاح. ويقول لاهله هلموا الى الفلاح والنجاح. هلموا الى دين عظيم مبني على الحضارات الصحيحة الراقية. التي بنيت على العدل والتوحيد. واسست على الرحمة والشفقة على والحكمة واداء الحقوق ومنع الظلم من جميع الوجوه والعقوق. دينا شمل بظله الظليل وخيره الكثير الطويل. واحسانه الشامل وبهائه الكامل ما بين المشارق والمغارب وبذلك الموافق والمنصف المخالف. اتتركه يا هذا لحضارات ومدنيات زائفة مبنية على الكفر والالحاد. مؤسسة على الجشع والطمع وظلم العباد. فاقدة لروح ايمان وروحه ورحمته حضارة ظاهرها مزخرف وباطنها خراب. وتظنها تعميرا وجود وهي حقيقة الهلاك والتدمير. الم تر اثارها وما جلبته للعباد من الهلاك والفناء فهل سمع الخلق منذ اوجدهم بمثل هذه المجازر البشرية والفوضى المادية. فهل عنهم مدنيتهم وحضارتهم من عذاب الله من شيء لما جاء امر ربك؟ وما زادتهم غير تتبيب فلا يخدعنك يا هذا ما ترى من المناظر والزخرفة والاقوال المموهة والدعاوى والدعايات الطويلة العريضة. التي اخذت بقلوب الرعاع الهمج. فانظر الى بواطن الاشياء ولا تغرنك الظواهر. وتأمل النتائج الوخيمة. فهل اسعدتهم هذه الحضارة في التي لا يرجون حياة غيرها. فضلا عن اخراهم. الم ترهم ينتقلون من شر الى شرور ولا يسكتون في وقت قليل الا وهم يتحفزون الى الطامات. ثم بانهم متعوا في حياتهم بالعز والرياست ومظاهر الحياة. فهل اذا انحزت اليهم وواليتهم يشركون ففي حياتهم ويجعلونك كاحدهم. كلا والله انهم اذا رضوا عنك بمظاهرتك اياهم جعلوك من اخس خدامهم واقذر اجرائهم. يقضون بك وترا ويجعلونك مصيدة انهم يصطادون بها كل من لا بصيرة عنده. فالله الله يا هذا في دينك. والله الله في مروءتك واخلاقك وادبك وفي بقية رمقك. فالانضمام الى هؤلاء هو والله الهلاك فلما سمع هذا الكلام وتأمل جميع الوسائل التي تنال بها الاغراض من اولئك الاقوام فاذا هي مسدودة فلا دين ولا دنيا ولا راحة قلب ولا بدن ولا سلامة. عرفت فانه من المغرورين. وان الواجب عليه متابعة الناصحين. وان الرجوع الى الحق الذي فيه سعادة الدنيا والاخرة. خير من التمادي على الباطل الذي يحتوي على الضرر العظيم. فقال لصاحبه ان الشارع لا يفرق بين المتماثلات من كل وجه. واذا تتبعت هذا النوع وجدت الامر كما ما ذكرنا من ذلك باب العاقلة. فان الاصل ان المتلف ضمان ما اتلفه عليه ولكن لما كان قتل الخطأ وشبهه يكثر. والقاتل لم يتعمد تعمدا محضا فيه من الباطل وان الموفق الحازم هو الذي اذا وقع في الهلاك سلك كل وسيلة توصله الى النجاة والفكاك. وتخلصه مما وقع فيه من الاشراك. واعلم انه كلما ذاق العبد مذهب المنحرفين وشاهد ما فيه من البغي والضلال ثم تراجع الى الحق الذي هو حل القلوب كان اعظم لوقعه واكبر لنفعه. فارجع الى الحق ثابتا. وثق بوعد الله ان ان الله لا يخلف الميعاد. فقال الحمدلله الذي انقذنا بلطفه وحسن عنايته من الهلاك والشقاء. ومن علينا بالسعادة والهدى. فنسأل الله ان يتم علينا نعمته ويثبتنا عليها. فقال له الناصح يا اخي وازيدك بيانا عما ذكرت لك. ان هذه مظاهر التي تراها من الكفار قد نبهنا الله عليها في كتابه. واخبر عنها وحذرنا ان اغتر بها. قال تعالى لا يغرنك تقلب الذين كفروا في البلاد متاع قليل ثم مأواهم جهنم وبئس المهاد فهذا الاغترار مصيدة لهم وللجاهرين باحوالهم. وقد ارانا الله من ايامه ووقائعه فيهم ما فيه عبرة للمعتبرين وموعظة للمتقين. والحمدلله رب العالمين الفائدة التاسعة والتسعون. اضرب غيبة الزوج عن زوجته غيبة الزوج عن زوجته على اضرب. ان كان قصده الاضرار بها ضربت له مدة كمدة لي اربعة اشهر. وان لم يقصد الاضرار ولم يكن سفره لضرورة او طلب رزق يحتاجه ضرب له مدة ستة اشهر. فان لم يقدم في هاتين الحالتين فلها الفسخ. وان كان سفره لطلب رزق يحتاجه او في امر واجب او كان مفقودا. فليس لها الفسخ الا اذا لم يخلف لها نفقة. فلها الفسخ لاجل تعذر النفقة. والله اعلم. الفائدة المئة حفظ المال يستفاد من ارشاد النبي صلى الله عليه وعلى اله وسلم الى دبغ لجلود الميتة واخباره بطهارتها. الامر بحفظ المال والنهي عن اضاعته. ومعالجة ما امكن جعله ما لم ينتفع به بالمعالجة التي لولاها لم يكن ما لم يصلح الانتفاع به الفائدة الواحدة والمئة. من احكام الرضاع يستفاد من كلام الاصحاب ان المرأة ذات اللبن من زوج سابق ثم تزوجت زوجا اخر فوطئها الزوج الثاني فبقيت هي لبنها بحاله او زاد انه للاول. وكذا لو حملت من الثاني في الصورتين الا انه اذا زاد في اوانه وهو كما قال بعضهم اربعون من حملها من الثاني وانه ان زاد لبنها من الذي حملت منه في اوانه او انقطع اللبن الاول ثم عاد بعده الحمل وقبل الوضع فللإثنين. او ولدت من الثاني ولم يزد لبنها ولم ينقص فلها. ولكن الصحيح انه اذا انقطع ثم عاد فللثاني خاصة كما صوبه في الانصاف. وكذلك الصحيح وانها اذا ولدت من الثاني ولم يزد كما اختاره الموفق وغيره. وهو قول الجمهور الفائدة الثانية والمئة من احكام الرضاع قد يكون صاحب اللبن ابا للراضع دون المرضعة وبالعكس. مثال ذلك ان يكون له زوجتان ترضع كل واحدة منه من رضيع ثلاث رضعات. فالزوج صار ابا للراظع لانه اجتمع من لبنه ست رضعات والزوجتان ليستا امين للراضع. لان كل واحدة لم ترضعه رضاعا محرما. لكن ان الطفل يكون ابنا لزوجها. فيكون محرما لهما من هذه الجهة. ومثال العكس ان ترضع المرأة من لبن زوج فلا فرضعات. ثم يفارقها وتتزوج اخر وتحمل منه ترضع بلبنه هذا الرضع الذي رضع منها اولا ثلاث رضعات. فالمرضعة صارت اما لوجود الشر اوروبا. وهو انها ارضعت الرضيع ست رضعات. ولم يكن زوجها الاول ولا الثاني ابا للرظيع لانها لم ترضع من لبن كل واحد منهما الا ثلاث رضعات. لكن يكون الطفل او الطفل ربيبا لكل منهما لثبوت الامومة من الزوجة. الفائدة الثالثة والمئة من احكام النفقة قول الاصحاب رحمهم الله في نفقة الزوجة ولا يعتاض من نفقة الماضية بريبوي كان عوضها عن الخبز بحنطة او دقيقها فلا يصح ولو يا عليه لانه ربا. انتهى فيه نظر وهذا القول يشبه الاقوال التي تقع غلط محضا لا وجه له من الدليل والتعليل. لان هذا ليس بمعاوضة حقيقة. فان شارع لم يعتبر الواجب باكثر من الكفاية. فباي شيء حصلت الكفاية كان ذلك هو الواجب ولهذا قال صلى الله عليه وعلى اله وسلم لهند بنت عتبة. خذي ما يكفيك من ماله يكفي ولدك فقدر ذلك بالكفاية. وانما صير الى ايجاب الخبز عند الاختلاف لترجحه بكونه القوت المعتاد. فالاصل ان الواجب للزوجة ما يكفيها. فاي ان كفاها من خبز او تمر او زبيب او ارز او شعير او ذرة. مما يتفق ويوافق العرف كان هذا هو الواجب وقت الوفاء. فالمسألة التي ذكروها ليست في الحقيقة عوضا من شيء معين مستقر في الذمة. والله اعلم. وهذا القول الذي ذكرته هو الذي الشيخ الموفق في المغني. وكذا قد ذكر الاصحاب وجها. انها اذا قبضت الكسوة ومات الزوج او وماتت انها تملكها ولا يرجع عليها بشيء منها وهو المختار. الفائدة والمئة توطين النفس على العمل. توطين النفس على العمل والعزم الذي لا تردد فيه اكبر عون على اتمامه واتقانه وسهولته على العامل. والسبب ظاهر فان النفس عزمت عزما اكيدا لا تردد فيه. لم يبقى لها التفات الى غيره. وانحصر الفكر والهمة والارادة فيه. وتوجهت الى اكماله واتقانه. ولا شك ان الاقبال بالكلية على العمل يحصر التوجه الباطن والظاهر اليه. مع ما يحصل من معونة الله للعبد الذي على هذا الوصف فاذا وطن نفسه على العمل عمل العبد جميع الاسباب التي تكمل له العمل التي من اعظمها الاستعانة بالله والتوكل عليه. قال تعالى فاذا عزمت فتوكل على الله ان الله يحب المتوكلين. ولهذا المتردد الذي يعمل العمل وليس من نيته الجازمة تكميله. بل يعلق تكميله على امور اخر. سريعا ما ينحل عزمه ويتوجه قلبه الى وجهة اخرى. ويضعف عمله لذلك. فالعزم والثبات هما السبب الاكبر لنيل المطالب المتنوعة. ومن دعاء النبي صلى الله عليه وعلى اله وسلم اللهم اني اسألك الثبات في الامر والعزيمة على الرشد. لان بالامرين يحصل الكمال للعبد العزيمة على الرشد التي هي امور الخير كلها. ثم الثبات على ذلك. والنقص اما من عدم العزيمة او العزيمة على ما ليس برشد. وهي الامور التي لا نفع فيها في الدين ولا في الدنيا او عدم الثبات الذي سببه التردد وعدم التصميم. فعلى من شرع في عمل رشد نافع ان يوطن نفسه على تكميله من كل وجه. ويوجه له وجهته الظاهرة والباطنة ولا يستبطئ النتيجة النافعة. بل يثابر عليه مثابرة الجازم الذي لا مثنوية عنده ولا وقل من جد في امر تطلبه واستصحب الصبر الا فاز بالظفر. فطالب العلم وسالك طريق خير. وطالب سبب من الاسباب الدنيوية النافعة كل هؤلاء محتاجون الى توطين نفوسهم على مطلوبهم. وان يستمروا على ما يسره الله له من الاسباب التي ينالون بها مطالبهم. ويثابروا على ذلك حتى يتم لهم ما ارادوه طلبوه ولا يتنقلوا في الاسباب قبل تمام ما قصدوه. فان التنقل في الاسباب وكثرة الطوارئ التي تطرأ على العبد مضيعة للوقت مذهبة للبركة. والتجربة والمشاهدة خير شاهد لذلك. والله الموفق. الفائدة الخامسة والمئة. الضمان وفي المتلف للنفوس والاموال. الاصل في المتلف للنفوس والاموال بغير حق. ان الضمان يكون عليه عامدا او ساهيا او جاهلا. الا في مسائل منها ما يتلفه العبد يكون في رقبته. ويفديه سيد بالاقل من ارش الجناية وقيمته. ومنها من ارسل صغيرا او مجنونا لا ولاية له على واحد منهما او استعمله في عمل فاتلف او تلف. فضمان ذلك على المرسل. ومنها الغاصب للعبد جميع لا فاتح وتلفه ضمانه عليه. ومنها العاقلة تحمل دية الخطأ وشبه العمد. فان تعذر وذلك فعلى بيت المال. ومنها خطأ الحاكم في حكمه والامام ونوابه في احكامه واعماله العامة فانها في بيت المال. ومنها خطأ الوكيل والوصي والناظر للوقف والولي. وما من اهل الولايات. اذا اخطأوا في تصرفاتهم واعمالهم. فالضمان ليس عليهم اذا لم يتعدوا او يفرطوا بل على تلك الجهات. وكذلك الامناء على الحيوانات والاموال ونحوها. لا ومان عليهم اذا لم يتعدوا او يفرطوا. ويشبه هذا من بعض الوجوه. ان البهائم جناياتها هدر الا ما تسبب صاحبها الى تفريط او تعد. او كان متصرفا فيها كما فصل ذلك في ابوابه. ونظير ذلك من اعطى الصغير او السفيه او المجنون من امواله ما لا يصلح ان يعطوا. فانه ضامن لاتلافهم في هذه الحال لاموالهم هم المباشرون للاتلاف. الفائدة السادسة والمئة. فائدة مهمة جدا الابواب والاحكام الغريبة. الابواب والاحكام الغريبة وهي التي انفردت بحكم خاص يخالف ما ثبت من الحكم للاصل الكلي. فهي كالمستثناة من الاصل. واعلم على الاجمال انه لا يوجد في الشرع مسألة واحدة. انفردت عن نظائرها بحكم خاص الا لسبب ووصف امتازت به. واوجب لها الخروج عن نظائرها. لان من اصول الشرع المطردة وحمله جميع الدية شاق متعذر او متعسر جدا. والعصبات كانوا يتعاونون ناصرون ويناقضون في كثير من الامور. فكان من الحكمة الشرعية حملهم عن القاتل الدية في هذه الحال تحقيقا للمناصرة وحثا على المعاونة وتسهيل الامر عليهم من وجوه. من من جهة تعميمهم فيها وتحميلهم بحسب حالهم. وتأجيلها عليهم ثلاث سنين كل عام ثلثها فحينئذ تخف عليهم ولا تهدر الدماء المعصومة. وايضا متى علمت العاقلة ان هم هم الحاملون لذلك. منعوا مجانينهم وصغارهم وسفهائهم من الاسباب التي يحصل بها القتل خوفا من التحمير وشفقة عليهم. فكان حملة العاقلة من المعاونات العرفية ومن المحاسن الشرعية ومن ذلك القسامة. فان الاصل المدعي عليه البينة. واليمين على المدعى عليه. واما القسامة فلما تعذرت البينة على المدعي وحصل اللوث الذي هو القرار خائن الظاهرة القوية قوية حينئذ جانب المدعين فصار القول قولهم. لكن على وجه لا يكاد يقدم عليه احد الا بعد التروي والتحقق واليقين. او شبهه ان دعا عليه هو القاتل. بان يقسم جميع رجال الاولياء خمسين يمينا على القاتل. فمع وجود قرائن الظاهرة ومع اقدام جميع الاولياء. ومع هذه الايمان المكررة المغلظة. يتضح وحينئذ ان قبول قول المدعين اقوام كثير من البينات. كما هو ظاهر لكل احد من ذلك باب النذر مخالف للاصل. الذي هو ان الوسائل لها احكام المقاصد. والنذر عقده ومكروه وهو الوسيلة. والوفاء به واجب وهو المقصود. فالشارع نهى عن النذر وقال انه يأتي بخير. وامر بالوفاء به ومدح الموفين والسبب ظاهر. فان ايجاب الانسان على نفسه شيئا من العبادات التي عافاه الله من وجوبها. تعرض للبلاء وتعرض للمعصية والانسان ينبغي له ان يسعى في اسباب العافية الدينية والدنيوية من كل وجه. فاذا فقد حمل نفسه امرا لا يدري هل يطيقه ام لا. هذا من جهة ومن جهة اخرى ان العبادة لله لا تتم ولا تكمل الا بالاخلاص التام لله. والنذر فيه اخلال من الاخلاص ونقص فانه اذا قال العبد لله علي نذر ان شفاني او شفى مريضي او اعطاني الشيء الفل لافعلن كذا وكذا من العبادات. ثم حصل له كان ذلك يشبه المعاوضة والمقابلة وانه لم يفعل العبادة التي عينها الا بالشرط الذي علقها عليه. والاخلاص المحظوظ ان يكون الداعي والحامل للعمل وجه الله خالصا. لا جزاء عاجلا. ومن جهة اخرى ان النادر جزم على الفعل ولم يعلقه بالمشيئة. وهو من هذا الوجه يشبه المتألي على الله ومن جهة اخرى كثير من الناس يظن ان النذر سبب لحصول الامر المنذور. وهذا كذب قص الشارع حيث قال انه لا يأتي بخير وانما يستخرج به من البخيل. فهو ليس من الاسباب التي نصبها الشارع لحصول مسبباتها. وفي قوله وانما يستخرج به من البخيل اشارة الى ضعف اخلاص الانسان. فان البخيل الذي لا داعي قوي عنده من الايمان يقضي على بخله وانما يستخرج منه بمثل النذر ونحوه. فكأن خيره الذي فيه خير ناقص ردي فبهذه الاسباب صار عقد النذر مكروها. والوفاء به واجبا. ومنها باب الشفعة فان الاصل ان مال الغير لا يتملكه الانسان الا باختياره ورضاه. فالمشتري للشقص الذي الذي تملكه بالشراء جعل الشارع للشريك ان يتملكه منه قهرا عليه لسبب ظاهر وهو ازالة ضرر الشركة من غير ضرر يكون على المشتري. فالمشتري يعود اليه الثمن الذي بذله ولم يكن قبل هذا مالكا متصرفا. فاباح الشائع للمالك الاصيل الذي له من التصرفات السابقة والحاضرة والمستقبلة والعمارات وتوابعها. ان يتملكه من هذا المشتري الحادث ازالة لضرره وتتميما لمقاصده. وحقق ذلك ان كانت الشفعة في العقارات التي لم تقسم بخلاف المنقولات ونحوها. لان ضرر العقارات اكثر وادوم من غيره. ومنها اباب الوقف. فان الاصل في الاموال جواز التصرفات المطلقة فيها من جميع الوجوه والوقف قد علمت احكامه الكثيرة الخاصة. المترتبة على انه تسبيل الاصل وتوقيف المنافع وذلك لما يترتب عليه من المصالح المتسلسلة. النافعة للحاضرين والمستقبلين. وللاحياء والاموات وللمصالح الخاصة والمصالح العامة. والله اعلم. ومنها احكام امهات الاولاد فان الاصل ان الامة يتصرف فيها سيدها في منافعها ورقبتها. وام الولد تختص باحكام تميزها عن سائر الاماء لانه لما تولد الولد الحر فيها من سيدها سرى منه شيء اقتضى ثبوت هذه الاحكام المتبعضة في حال حياة سيدها. وانه يتصرف في منافعها دون رقبة وبعد موته يثبت لها الخروج التام عن ملكه. فهذه الخواص لهذا السبب اوجبت اختصاصها باحكامها المعروفة. ومنها في العبادات الحج والعمرة. فان فيها اختصت بها من بين سائر العبادات. العبادات لا يجب اتمام نوافلها. والحج والعمرة اذا شرع فيهما يجب اتمامهما. لان الشروع في عقدهما بمنزلة ايجاب العبد على نفسه شيء من العبادات. ولذا قال تعالى فمن فرض فيهن الحج. اي او اوجبه على نفسه وليوفوا نذورهم. فسمى متعبدات كينوشك ندورا. لانه اوجبها على نفسه بعقد الاحرام. ومنها ان من عليه حجة الاسلام يصح ان يصرفها عن غيرها. ولا ان يحج عن غيره. فان فعل ذلك انقلبت الى نفسه عن الاسلام لان اول نسك بعد وجوبه على المكلف غير قابل لغير الفريضة الاسلامية التي هي فريضة العمر. فمهما نوى العبد بها من النيات المنافية لهذا المقصد لغت تلك النيات المعارضة وبقي الاصل سالما. ومنها ان المفرد والقارن اذا طاف للقدوم وسعى بعده سعيا الحج ثم قلب ذلك وفسخه الى العمرة كما هو المشروع والافضل ان ذلك الطواف الذي كان قدوم وذلك السعي الذي كان للحج ينقلبان للعمرة ركنين من اركانها. مع انه ادى الطواف خاف بنية النفل وهو طواف القدوم. وادى السعي بنية سعي الحج. ثم انقلبا كما ترى. وهذا فيعد من الغرائب. والسبب في ذلك كما قال النبي صلى الله عليه وعلى اله وسلم دخلت العمرة في الحج الى يوم القيامة. والعمرة ايضا هي الحج الاصغر. وايضا اذا فسخ القران افراد نويا التمتع فهو في الحقيقة لم ينقص ما سبق له من الاعمال والنيات. وانما اتى بها على على وجه اكمل. فهو لم يصرفها الى شيء اخر. وانما ادارها من صفة الى صفة احسن منها واتم كما امر به النبي صلى الله عليه وعلى اله وسلم اصحابه. بعدما طافوا وسعوا ان يجعلوها عمرة واكتفوا بذلك الطواف والسعي عنها. مع ان اكثرهم لم يفسخ الا بعد كمال السعي فللحج والعمرة من الارتباط الوثيق ما ليس لغيرهما من العبادات. فهذا الذي اوجب استغراب هذه المسألة مسائل التي لا نظير لها بل تخالف نظائرها. ومنها انه لو اراد المحرم الخروج منها احرامه قبل الفراغ من نسكه بدون عذر. حصر او نحوه لم يتمكن من ذلك فسخه غير معتبر وغير مبطل للنسك. لما ذكرنا من لزوم اتمام فرضها ونفلها. وعدم قبول النسك لشيء اخر. والله اعلم. ومن المسائل الغريبة على ما فيها من الخلاف مسألة منع الرجل من الماء الذي خلت فيه المرأة لطهارة الحدث دون الخبث. فهي غريبة من عدة وجوه والقائلون بها لا يعللون ذلك بل يقولون ان هذا تعبدي. لانهم لا يشاهدون لها وجيها. واما الذين يرون ضعفها فتخرج المسألة عندهم من هذا الباب وهو الصواب. لادلة كثيرة مذكورة في غير هذا الموضع. ومن المسائل الغريبة ان المسبوق في الصلاة اذا زاد امامه ركعة سهوا لا يعتد بها المسبوق. بل ياتي بركعة غيرها. ويقولون لما لغت في حق الامام في حقه وهذا تعليل فيه ضعف كثير. فان الامام انما لغت في حقه لكونها وقعت موصوفة بصفتين السهو والزيادة على ما يجب عليه. اما المأموم فلا وجه لالغائها اذا كان بركعة فاكثر. لانها اصيلة في حقه لا زائدة. وايضا فانه وقع الاجماع على ان من زاد في فريضة ركعة واحدة متعمدا فصلاته باطلة. ولم يستثنى من هذا العموم صورة واحدة فلم خرجت هذه الصورة عن هذا العموم؟ وعدم اعتبارها في حق الامام لا يوجب خروجها والله اعلم. ومن الغرائب ايضا بعض عيوب الاضاحي عند القائلين بها. مثل العضباء التي ذهب اكثر اذنها او قرنها. والعصماء التي انكسر غلاف قرنها من دون ان يحدث مرضا او جرحا اه ونحوهما فان هذا مخالف للمعهود المعقول من العيوب الضارة. وهي المريضة البينة مرضها والعرجاء البين عرجها. والعوراء البين عورها والهزيلة التي لا مخ فيها ما كان مثلها واولى منها. وكذلك العيوب في البيع والمعاوضات. وهو ما نقص قيمة العوض او فوض هذا معقول. وكذلك عيوب الرقبة في الكفارة وهو عيب واحد. وهو كل عيب يضر بالعمل ضررا بينا. فكل هذا مما ينافي المقصود. واما بعض عيوب الاضاحي المذكورة عند القائلين به يقولون هذا تعبدي. لان فقدها لا يضر باللحم ولا بالقيمة لغير هذا الغرض واما من يقول تجزئ وليست من العيوب المانعة. وانما هي من الكماليات. كما هو القول قوي فيزول هذا الاستغراب. ونظير ذلك العيوب في النكاح. عينوا منها عدة اشياء منها عيوبا في الحقيقة هي مثلها. او ربما كانت اعظم منها. فيعد هذا النفي من غرائب بالعلم عند القائلين به. مثل العمى والصمم وقطع اليدين والرجلين والخرس. وحيث ان القول ضعيف لا ايجيب القائلون به الا بجواب ضعيف. واما على القول الصحيح وهو ان هذه الامور من العيوب المثبتة للفسخ والخيار فيزول هذا الاستغراب. لان العيب الحقيقي ما نقض المعقود عليه وما منع حصول المقصود كله او بعضه. فاذا طردنا هذا ولم نستثني شيئا كنا اخذنا بما هو معقول مستحسن عرفا وشرعا. والله اعلم. ومن غرائب علمي الصحيحة امور اختص بها النكاح لاسباب قد ذكرناها في السؤال والجواب. وهي احكام متعددة ايه ده؟ ومن غرائب العلم عند القائلين به ان صلاة المأموم تبطل ببطلان صلاة مع انه اذا لم يعلم بالبطلان الا بعد الصلاة اعاد الامام ولم يعد المأموم. ووجه باستغراب ان الاصل الشرعي الفقهي ان كل مصل لا تبطل صلاته الا اذا ترك بعض الشروط او الاركان او الواجبات لغير عذر او فعل بعض المبطلات. وهذه المسألة عند القائلين بها بطلت صلاة المأموم بامر خارج عن فعله وعمله. بل ببطلان صلاة امامه. ويعللون هذا بان ان صلاة المأموم مرتبطة بصلاة امامه. فاذا بطلت صلاة الامام بطلت صلاة المأموم. والصواب قول الاخر وانها لا تبطل. فعلى هذا القول الصحيح لا تصير من الغرائب. بل هي جارية على الاصل والعبادة لا تبطل الا بالاشياء التي ابطلها الشارع بها. وهذه ليست منها ولهذا يا من لم يعلم الا بعد الصلاة فصلاة المأموم صحيحة. والارتباط الذي عللوا به انما هو وجوب تابعت لا غير. واما بقية الاحكام فكل مصل له ما كسب وعليه ما اكتسب. ومن منها بعض مسائل الاستبراء. فان الاستبراء الغرض به معرفة براءة الرحم من ولد الغير. لان لا اختلط المياه وتشتبه الانساب. وذلك عند الشك في اشتغال الرحم معقول. واما عند اليقين ببراءة الرحم فاذا ملك الامة من امرأة او من صبي او ممن يعلم انه استبرأها. فايجاب اه يا غريب. ولكن يعللون ذلك بالتعبد تارة وبالاحتياط وسد الذريعة تارة اخرى وطريق الاحتياط مطلوب شرعا وعرفا. ومن العلماء من قال انه في هذه المسائل التي يعلم يقينا قراءة الرحم لا يجب استبراء. كما قاله شيخ الاسلام ابن تيمية. فعلى قولهم لا غرابة في هذا هذه المسائل واما مسائل العدد فليس فيها شيء غريب. لانه ليس الغرض من علة واحدة وهي طلب براءة الرحم. بل له عدة علل اذا فقد بعضها فالبقية موجودة. فانه يقصد منها براءة الرحم واداء حق الزوج والزوجة. وتطويل العدة للتمكن من الرجعة. ولجريان نفقة وللاحتياط للولد. ولغير ذلك من الحكم الظاهرة للمتأمل. والله اعلم من ذلك انتقاض وضوء الماسح على الخفين. بتمام المدة وبخلع الممسوح عند القائلين به. فانها من النواقض الغريبة. لانه لم يحصل شيء من نواقض الوضوء لا حدث ولا هو مظنة الحدث لكنهم يعللون بان المسح ضرورة ولا يجتمع مع الغسل. وهي علة ضعيفة. ومن قال لا ينتقض الوضوء بالخلع ولا بتمام المدة فقوله اصح. ولم يأت دليل شرعي يدل على النقض بهما اصل عدم النقض وهذا القول هو الصواب. وبه تخرج المسألة عن الاستغراب. ولنقتصر من هذه الفائدة على هذه الامثلة التي يحصل بها التوضيح وفتح هذا الباب. والله الموفق. الفائدة السابعة السابعة والمئة الشبهة التي تدرأ الحد. الشبهة التي تدرأ الحد هي الاشتباه واعتقاد حل الموطود واه سواء كان الاعتقاد مصيبا او مخطئا. ويدخل في ذلك العقول الفاسدة والباطلة. اذا الواطئ صحتها. كما يدخل في ذلك الاشتباه لاعتقادي من دون عقد. كأن يطأ من ظنها زوجته او او سريته. ولكن قد توسع الاصحاب في مسائل الشبه. حتى عدوا ما يعلم انه ليس بشبهة اصلا الثامنة والمئة فائدة مهمة للمعتنين بكتب الفقه ومقاصد الابواب وبعض مناسبات تربط بعض الابواب ببعض. اعلم وفقك الله وعلمك ما لم تكن تعلم من العلوم النافعة ان الفقهاء الذين اعتنوا بكتب الاحكام والفقه وتأليفها وترتيبها احسنوا على الناس احسانا عظيما بما رتبوه وقربوه لهم من العلم. حيث حصروا اجناس المسائل الدينية وانواعها بابواب وفصول تجمع شملها وتضم متفرقاتها وتقرب بعيدها. وتسهلها على المعلمين والمتعلمات يمين وتكفيهم المؤونة الشديدة في تتبعها من مظانها. التي لا يكاد يصل اليها الافراد من المبرزين في العلم. فاعتنى الفقهاء فجمعوا مثلا احكام الصلاة في ابواب وفصول. كل باب وفصل جمعوا فيه من الاحكام المتفرقة. في نصوص الكتاب والسنة والاقيسة الصحيحة. وهكذا الزكاة والصيام وبقية العبادات وابواب المعاملات والتبرعات. والمواريث والانكحة وبيعها والجنايات وتوابعها. فقربوا البعيد وجمعوا المتفرقات وسهلوا الشديد. فلهم بذلك فالفضل الاكبر واليد البيضاء والشكر. والدعاء من جميع المنتفعين بهذا التعليم. الذي يسره الله الله على ايديهم وبمساعيهم المشكورة واياديهم المبرورة. فجزاهم الله عن الاسلام والمسلمين افضل الجزاء ورفع الله درجاتهم. وضاعف لهم الاجور وغفر لهم القصور. وعلى المنتفعين ان اذكروا الله على هذا التيسير. الذي اجراه الله على ايديهم وبسببهم. ويحمدوه على هذه النعمة كبرى وغيرها. فانه اهل الثناء والحمد والنعم كلها منه اسبابها ومسبباتها فهذا التنبيه يفيدنا معرفة اقدار اهل العلم. وشكرهم على ما عملوا مع الامة. والعناية بهذه تعاليم الجميلة. والتقريبات التي كفت طالب العلم عن عناء ومجهود كبير. اذا علمت ما سبق من الاجمال فها هنا اجمال اخر وهو ان الفقهاء رحمهم الله بدأوا بما الناس اليه واكثر اضطرارا اليه ومنفعة. قدموا العبادات على غيرها. لان العبادات لازمة للمكلف سين وهي المقصود وما سواها وسائل وتوابع. وقدموا منها الصلاة ثم الزكاة ثم الصيام ثم الحج لانها في مراتب الحاجة والاضطرار اليها على هذا الترتيب. كما هو معلوم. ثم ثنوا بالمعاملات اتي لكثرة نفعها وتقدمها على المواريث والانكحة والتبرعات. ثم الوصايا والمواريث وتوابعها لانها تتعقب الحياة وتتصل بها. ثم الانكحة وتوابعها لانها دون المعاملات في الكثرة والحاجة ولكن حاجتها ضرورية ونفعها كبير. ولما كانت الجنايات انما تقع متفرعة عن معاملات او انكحة او نحوها اخروها على هذه الابواب. واخروا عن الجميع ابواب الاقضية والشهادات والاقرارات. لانها تقع فرعا عن المعاملات وحقوق الزوجية. ويقع فيها فمن التخاصم والاشتباه شيء كثير. فيحتاج بعد وجوده الى ما يبينه ويبين الحكم فيه فهذه المناسبات الجميلة بين هذه الابواب يغلب على الظن انها او بعضها مقصودة للفقهاء غفر الله لهم ورحمهم. الفائدة التاسعة المئة فصل تابع اذا علمت هذه المقدمة فلنعد الى ما بيانه فنقول فقهاؤنا واصحابنا الحنابلة وكذلك جمهور العلماء وغيرهم بدأوا بالطهارة قبل الصلاة. لانها مفتاحها وسابقة لها مقدمة عليها. ولما كانت الطهارة نوعين اصلية وهي الطهارة قدموها وبدلية وهي التيمم اخروها عنها. فكتاب باب الطهارة يبحث فيه عما يتطهر به من المياه وما لا يتطهر. وعما تستعمل من الانية وما لا يستعمل. ثم باب الاستنجاء الذي هو مقدمة الطهارة وشرط من شروطها. ويفرعون احكامه. ثم السواك وسنن الفطرة لتقدمه على الوضوء ثم الوضوء وشروطه وفروضه وصفاته وسننه والحقوه بباب المسح على الخفين. لانه في الحقيقة تميم للوضوء. فان اعضاء الوضوء لها حالة يباشرها الماء. وحالة امسحوا ما عليها من الحوائل. فاحتيج الى الحاقه. ثم بما ينقص الطهارة وما يرجع اليه عن الشك والاشتباه. ثم ما يمتنع على المحدث من العبادات ثم الحقوا ذلك بالطهارة الكبرى. وصنعوا فيها كما صنعوا بالطهارة الكبرى ثم بعد ذلك تكلموا عن التيمم. ومتى يشرع وما ينوب عن طهارة الماء فيه عند التعذر وهل هو في كل شيء او في شيء دون شيء؟ وذكروا مكملات ومفسداته. ثم لما كانت الطهارة قسمين احداثا ترفع ونجاسات تزال ذكروا باب ازالة النجاسة. وذكروا فيه انواعها وكيفية تطهيرها وذكروا في هذا الباب اصولا كبيرة تتعلق بالطهارة والنجاسة الحلال والتحريم من الحيوانات وغيرها. ولما كان الحيض والنفاس والاستحاضة قسما من اقسام النجاسات ولكن لها خواص واحكام تخصها خدوها بباب ذكروا فيه كل احكامها. وختموا بذلك باب الطهارة كتاب الصلاة. ذكروا اولا في مقدمة هذا الكتاب احكام الصلاة في الجملة ومن تجب عليه ومن لا تجب وحكم تاركها. وثواب ذلك من ما تستصحبه معك في ابواب الصلاة كلها. ولا يخفى مناسبة تقديم الاذان لانه اعلام بدخول وقتها. ثم قدموا الشروط لانها تتقدم المشروط وتستمر معه الى الفراغ. ثم ذكروا صفة الصلاة ما يلزم فيها وما يستحب على ترتيبها. ثم ميزوا ما فيها من الاركان والواجبات ست حبات بذكر ما يختص به كل واحد منها. ثم بعد ذكر المكملات ذكروا المنقصات لها. من مكروهات تنقص ثوابها ومقصودها ومن مبطلات تفسدها وتلغيها. ثم لما كان السهو متأخرا عنها اخروه وفصلوه في باب ذكروا اسبابه الثلاثة. الزيادة والنقصان والشك وحكم كل واحد ثم عقبوا بصلاة التطوع. لانها تكمي للفرائض وتتميم. وذكروا مراتبها ودرجاتها. ولما كان صلاة الجماعة والواجبات للصلاة في حق بعض المصلين. لا من الواجبات فيها اخروها على هذه الابواب. وذكروا حكمها والامام وصفاته اللازمة والمستحبة. ودرجات الائمة وكيفية الائتمام. ثم ذكروا الاعذار التي تسقط وجوب الجمعة والجماعة. وعقبوه بباب صلاة اهل الاعمال حذاري من جميع المصلين. وقسموا الاعذار الى امراض ونحوها وسفر وخوف وذكروا لكل سبب ما يناسبه. ثم اخروا صلاة الجمعة والعيدين لانها تتكرر في الاسبوع وفي العام. ثم ذكروا صلاة الكسوف والاستسقاء لانها عوارض تعرض بحسب وجود اسبابها. ثم ختم كتاب الصلاة بصلاة الجنائز. لان اهم ما يفعل بالميت الصلاة وقد ذكروا فيه جميع احكام الميت واهل المصيبة وزيارة القبور وتوابعها. وبهذه الابواب لم يبقوا من متعلقات الصلاة شيئا الا ذكروه. فجزاهم الله خير الجزاء. بجمعهم وحسن بهم وتقسيمهم. كتاب الزكاة. ذكروا في مقدمته نظير ما ما ذكروه في الصلاة. ذكروا الاحكام الكلية التي تشترك فيها جميع الاموال الزكوية وشروطها وما يمنعها ويتعلق بذلك. ثم فصلوا كل نوع من انواع الاموال المزكاة بشروطه واحكامه الخاصة ومقادير انصبائه ونحو ذلك. ثم ذكروا زكاة الابدان وهي زكاة الفطر. وذكروا اهل الزكاة ومن تدفع اليه. وموانع ذلك الاخراج. وختموه بصدقة التطوع لانها تكميل وتتميم للفريضة كتاب الصيام. ذكروا في مقدمته من يجب عليه صيام وحقيقة الصيام والصيام الواجب والمندوب. ثم ذكروا المفطرات التي تفسده. والمنقصات التي تنقص اجره وثوابه والايام التي يكره صيامها او يحرم. وختموه بذكر ليلة القدر وبالاعتكاف لانها خاتمة الصيام. كتاب الحج. ذكروا في مقدمته شروط الوجوب. ثم المواقيت ثم الانساك الثلاثة. وما فيه وما يتميز به كل واحد منها. ثم محظورات الاحرام ثم صفة الحج والعمرة من اولها الى اخرها. وميزوا اركانها من واجبات من مستحباتها وما يختص به كل واحد ثم ذكروا الدماء الواجبة مستحبة وجزاء الصيد وتوابع ذلك. وذكروا بعده زيارة النبي صلى الله عليه وعلى اله وسلم ومسجده. وحين ذكروا الهدي ناس ان يذكروا بعده ابواب الاضاحي والعقيقة. لان هذه دماء دماء قربان الى الله. فالهدي كمال النسك وزينته. والفدية ترقق خلله. والاضاحي قربة عامة لجميع المسلمين والعقيقة شكرا بنعمة الله بوجود الاولاد وهبتهم. ولهذا كانت على قدر النعمة. فالذكر عقيقتان والانثى لها واحدة كما كانت الانثى نصف الذكر في الميراث والوصية والهبة. والشهادة والعتق عتق النفلة وبعد ان ذكروا اركان الاسلام الاربعة وفروعها ومتعلقاتها وكان الجهاد في سبيل الله ذروة سنام الدين وبه قيامه ولا تتم العبادات المذكورة والايمان لاهلها الا به. ذكروا احكام الجهاد الكثيرة. وحيث كان من احكامه حكم الاسلام على الكفار ولهم ذكروا بعده احكامهم من اهل والمستأمنين واهل الحرب. وما به كل قسم وبه ختم العبادات. كتاب البيوع والمعاملات تقدم ان البيوع بعد العبادات في المرتبة الاولى. من الحاجة كثرة وضرورة العباد اليه. لهذا قدموه. فذكروا حده الجامع لمتفرج هذه الابواب لانفرادها باحكام تميزت به. فشروط السلم السبعة خير الشروط السبعة الاصلية. وبشروطه الخاصة افردوه. وكذلك تبيع الاصول والثمار. حيث كان للعقارات وللثمار احكام خاصة في حل للبيع وعدمه. وفي الذي يدخل في مسمى ما عقد عليه وما لا لا يدخل افردت بباب. وذكروا بعد البيع وشروطه الاصلية التي لا بد منها الى الشروط فيه الذي يشرطها احد المتعاقدين على الاخر لمصلحته او مصلحتها. وما يحل منها وما لا يحل. كما ذكروا هذا النوع في كثيرة لان كل متعاقدين يكون لهما او لاحدهما اغراض ومقاصد يضطر او يحتاج الى شرطها على الاخر. فيحتاج الى تمييز ما يحل منها. وهي الاصل التي لا تنافي مقتضى ذلك العقد ولا تدخلوا في محرم ولا تخرجوا من واجب مما لا يحل. كاحد الاقسام الثلاث ثم لما كان للبيع موانع ومفسدات غير الاخلال بشروطه ذكروا بعده البيوع التي يستعان بها على الاثم والعدوان عدم حلها لغايةها الضارة. وذكروا ايضا ابواب الربا الذي حرمه الشارع تحريما بليغا وحده بحدوده. فذكروه وذكروا متعلقاته ثم لما كانت البيوع حقيقتها دفع عوض واخذ معوض. على وجه التحرير والكسب والنظر الى المبيعات والى اجالها وتفريع ذلك وكان الناس مضطرين في اوقات كثيرة الى استقراض بعضهم من بعض لا على وجه المعاوضة. بل على وجه الاحسان والرفق. هذا يربح الانتفاع الدنيوي والمقرض يربح الانتفاع الاخروي والمعروف الحاضر باب القرظ واحكامه. ثم لما كانت المعاوضات قد يتأخر تسليم احد العوضين او لا يتأخر. وكانت تحتاج الى توثيق الحقوق لحفظها اطمئنان للوفاء وسرعته. فاتبعوا هذه الابواب بابواب الرهن والضمان التي تحفظ به الحقوق ويستوفى منها عند التعذر ولما كانت التوثيقة الرابعة لا يستوفى منها الحق. بل يستوفى بها وكانت شاملة لجميع ابواب الفقه. اخروها الى ابواب القضاء مناسباتها الاقضية. ثم لما كانت عقول المعاوضات بعضها واقع على الاعيان بمنافعها وهي البيوع قدموها. وبعضها واقع على من نافع الابدان ومنافع الاعيان وهي الاجارة. ذكروا احكام الاجارة وحيث كانت المعاملات تارة يستقل بها الانسان وهي الاصل وهي الاكثر وتارة يشارك فيها غيره. اتبعوا هذه الابواب بابواب الشركة المزارعة والمساقاة والمغارسة. لانها كلها من باب واحد ثم انه لما كان الانسان الاصل فيه والاكثر ان يكون مباشرا للتصرف في ماله. لا مانع له ولا حجر عليه. قدموا هذه الابواب وتارة تحتاج الى منعه عن التصرف في ما له. اما لمصلحته كالصلاة والمجنون والسفيه. لان لا تضيع اموالهم التي جعلها الله قياما للعباد واما لمصلحة المعاملين كالمفلس. ذكروا بعد هذا ابواب الحج واحكامه. ثم لما كانت الحقوق والمعاملات يقع فيها من الاشتباه والتنازع والتخاصم ما هو معلوم معروف. ذكروا ما حل هذا التنازع ويزيل الاشتباه. وهي ابواب الصلح بانواعه واتبعوه بحقوق الجيران لكثرة هذا النوع فيهم. والحاجة الى حله بالصلح ثم لما ذكروا المعاملات المتبادلة بين الاثنين فاكثر. على وجه العدل والرضا ذكروا قسما واقعا كثيرا. وهو الاستيلاء بغير حق اموال الناس وحقوقهم بغير حق. اتبعوا ذلك بابواب الغصب واحكامه ولما كان الناس محتاجين بل مضطرين الى ابقاء اموالهم عند غيره ليحفظوها نيابة عنهم ذكروا باب الوديعة والامانات واحكام وهنا قسم اخر من الاموال تضيع عن اهلها ويجدها غيره فاحتاجوا الى ذكر اللقطة واللقيط. وبذلك ختموا ابواب معاملات باب التبرعات. ثم اتبعوا هذه غاب بابواب التبرعات. التي يبذلها صاحبها احسانا ومعروفا وتقربا الى الله وهي الاوقاف والهبات والوصايا. وذكروا احكامها لكن لما كان من التبرعات القرض والعارية. ذكروا هذين البابين في تضاعيف ابواب المعاملة. لانها تشارك التبرعات بالاحسان والرفق وتشارك المعاوضة برد العين او عوضها الى ربها. فهي يرجع عوضه الى الانسان. ثم لما كانت التبرعات قسمين قسم يبذله صاحبه طوعا واختيارا. وهي المذكورات. ونوع عنيا حاجوا الى غيره قهرا واضطرارا وهي المواريث ذكروها بعدها وذكروا احكامها وفروعها. واتبعوها بابا من وبمناسبة ذكر الولاء وتفريعه. وبيان انه احد اسباب ارث الثلاثة. ذكروا بعده العتق واحكامه. لان الولاء يتفرع عليه وذكروا فيه احكام العبيد. فانظر الى هذا الارتباط الوثيق بين هذه الابواب والى هذا الترتيب المناسب غاية المناسبة. فجزاهم الله عن في الامة خير الجزاء. وبعده انتقلوا الى احكام الانكحة. كتاب النكاح هذا الكتاب اكثر ابواب الفقه احكاما. لكثرة العلاقات بين الزوجين. فذكروا حده وحكمه والخطبة. واتبعوه واركانه التي لابد منها. وبعده بالمحرمات وهي موانعه ولو وجدت شروطه واركانه. واتبعوا ذلك بالشروط التي احد الزوجين على الاخر. ما يصح منها وما لا يصح. وحكم العيون فيه ثم الصداق والوليمة وعشرة النساء. وذكروا في في ضمن ذلك احكاما كثيرة. ولما كان النكاح هو المقصود والخلع والطلاق غير مقصود اخروا احكام هذين البابين. وايضا هما متفرعان عن النكاح. والحقوا بهما ابواب الايلاء والظهار واللعان ثم اتبع ذلك بابواب العدد. لترتبها على الفراق في الحياة وبعد الممات وذكروا في ضمن هذه الابواب فسوخا كثيرة فيها لاحدهما اذا لم يحصل من صاحبه القيام بالواجب وتعذر ذلك ثم ذكر الرضاعة وبعده النفقات. لان الرضاع يشبه ابواب الانكحة لتعلق التحريمات والمحرمية ويشبه النفقات. واخروا النفقات عن خشوخك الطلاق ونحوه. وان كانت سابقة لذلك. لان النفقات لا تخسر باحكام الزوجية. بل ذكروا معها النفقة على الاقارب والمماليك كما اخروا الصداق والوليمة عن احكام النكاح الكثيرة. لانها وسائل والنكاح مقصود. وهذا من باب تقديم المقصود المهم على غيره اتبع الحضانة بالنفقات لارتباط البابين. لانها واجبة على من عليه النفقة على انه قد يكون غيره احق منه بها. لذلك جعلوا له بابا مستقلا. وبه ختموا كتاب الانكحة ومتعلقات الزوجين. وادخلوا وفي ضمن ذلك مما يتعلق بغيرهما احكاما كثيرة على وجه الاستطراد المناسبات كتاب الجنايات والحدود. اخروها وقوعها غالبا بعد الانكحة. ولقلتها بالنسبة الى غيرها. فذكر قتل النفوس والجناية على الاطراف والجروح. وفصلوا احكام العمد المحض والخطأ وشدة به العمد. والقصاص في الاول وشروطه والدية واحكامها في الاخيرين وما عليه وان الاول على القاتل والاخيرين على العاقلة ففصلوا احكام العاقلة. وذكروا بعدها القسامة. لانها من طرق اثبات القتل او نفيه. ثم اعقبوا ذلك بالحدود على المعاصي بدأوا بالاثقل فالاثقل. وفصلوا احكامها واحكام المرتدين وما به تحصل الردة وبه ختم الجنايات والحدود. كتاب الاطعمة. ذكروا في فيها اصولا محيطة بما يحل من الاطعمة والاشربة. وما يحرم منها. واما ملاكسية فمحلها ذكروها في شروط الصلاة. في باب السترة لتلك المناسبة ولما كانت الاطعمة اجناسا ثلاثة حيوانات بحرية وخارج من الارض من حبوب وثمار ونحوها. وهذان القسمان اصلح حلهما الا ما استثني من ذلك لضرورة. وحيوانات برية وكان الحلال منها اي من البرية مشروطا بذكاته. اتبعوه باب الذكر لانه له. وكذلك الصيد له احكام خاصة افردوا بباب. فهما في الحقيقة من باب الاطعمة. ثم ذكروا بعد ذلك الايمان والنذور لانها اجابات جديدة يوجبها المكلف على نفسه تتفرع عليها احكام شرعية كثيرة. كتاب القضاء والاقرار لما كانت جميع الابواب السابقة يقع فيها بين الناس اشتباهات مرتية باقات وحقوق ومخاصمات. عقبوها بباب القضاء الذي يوضح هذه الاشتباه ويحل هذه المنازعات. وذكروا اصوله وطرقه واحكامه وذكروا في ضمنه الشهادات وشروطها وموانعها لان اكثر ما يعتمد القضاة عليها في حل المشكلات والنزاع كما هو مشاهد وختم الفقه بباب الاقرار. لان الاقرار اوسع البينات واشملها وهو يأتي على كل باب من ابواب الفقه. ويقع من البر والفاجر والمسلم سافر في العبادات والمعاملات والحقوق وغيرها. وكل كتاب وباب من ما ذكروه رتبوا اجناس مسائله وانواعها وافرادها. بابواب وفصول ان يعين طالب العلم اعانة ظاهرة. فلله الحمد حيث حفظ دينه باسباب يعلمها العباد. واسباب لا يعلمونها. ومن جملة الاسباب تعاليم اهل العلم المحققين وارشاداتهم. وهدايتهم هداية ينتفعون بها وينفعون غيرهم فغفر الله لهم ورحمهم وكمل نواقصهم. واوصلهم الى ما املوه ورجوه انه جواد كريم. الفائدة العاشرة والمئة. الفرق وبين من يفرح بالنعم لهواه. ومن يفرح بالنعم لتساعده على طاعة الله ما اعظم الفروق والتفاوت بين من يفرح بالنعم لموافقة طبعه وهواه. ومن يفرح بها لانها تعينه وتساعده على طاعة الله. فهذا الاخير قد استعمل النعم ووضعها موضعها الذي قصدت له. توسل بها الى نعم عاجلة واجلة ودخل في قوله تعالى قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا اوه هو خير مما يجمعون. وهذا الذي كانت نعم الله عليه سبب للسعادة الابدية والمغنم الرابح. ينبغي للعبد اذا انعم الله عليه بعافية بدن وسعة رزق وحصول ولد ونحوه. ان يجتهد ويعمل كل سبب من ظاهر وباطن. في ان تكون هذه الامور معينة له على الخير. وزادا الى ما يحبه الله ويرضاه. ويقول اللهم ما رزقتني مما احب احب فاجعله قوة لي فيما تحب. وما زويت عني مما احب فاجعله فراغا لي فيما تحب. وهذا اعظم بركة النعم. فان نعم الله عطاياه ان لم يبارك للعبد فيها. كانت ناقصة وقليلة الجدوى على العبد كل اللوم عليه. ولهذا من فرح بالنعم لموافقة طبعه وهواه. وحزن على اخواتي لمخالفتها لذلك. لم يكن له غاية حميدة ولا عاقبة حسنة بل قد يجد هذه النعم محشوة بالنكد والالام القلبية. ولهذا يحق للعبد ان يقول بقوة ايمان وصدق. اللهم بارك لي فيما اعطيت. فيكون داعي لله بدوام النعم وبركتها والمزيد منها. والله اعلم فائدة الحادية عشرة والمئة. ما الواجب سلوكه مع علمائنا سألني سائل من اهل العلم ما الواجب علي سلوكه مع علماء نجد وهل لهم ميزة على سائر المؤمنين؟ فقلت للسائل لم ضيقت دائرة السؤال هلا سألت عن علماء المملكة كلها بل عن علماء الاقطار كلها فقال السائل لم يخفى علي ما ذكرته. ولكني التخفيف عنك في الجواب. وايضا هم الذين اعرفهم غالبا حق المعرفة. وايضا اذا حصل الجواب عنهم فسائر علماء المسلمين طريقهم طريق هؤلاء. فان الاسئلة لا يلزم ان تكون كلية. بل كثير من الاسئلة الجزئية يكون جوابها اوضح واب من جواب الاسئلة الكلية. وبالجزئيات نتعرف الكليات حين عرفت مراده بل حين عرفني بمراده قلت الجواب وبالله التوفيق اسألوه الاعانة. اعلم يا اخي ان الواجب عليك موالاة جميع علماء نجد محبتهم والتقرب الى الله بذلك. وان تميزهم عن جميع المؤمنين بما حصهم الله به من العلم والايمان والتعليم والدعوة. والقيام بفروض كفايات نابوا فيها عن جميع المؤمنين. وهي كثيرة جدا. وان تجعلها هذه الفواضل والفضائل نصب عينيك. وتعلم مع ذلك انهم كسائر الناس بشر يجري منهم ما يجري من البشر. فاجعل ما يبلغك مما ينتقد عليه ان صح ذلك واكثره غير صحيح. اجعل ذلك مقابلا لما لهم من المحاسن والفضائل تجد ذلك مضمحلا. وجاهد نفسك ان وجدت في نفسك على احد منهم موجدة ان تداويها بالمحبة والثناء والدعاء. تقربا الى الله وقياما بالواجب وارتقاء الى الكمال الممكن. واعلم انهم لله الحمد كلهم على المذهب السلفي. متفقون على اثبات ما اثبته الله ورسوله من صفات الله جل جلاله. من غير استثناء على الوجه اللائق بعظمة الله وكبريائه. ونفي ما نفاه الله ورسوله من النقص والكفء والند والمثيل ومتفقون ايضا على الدعوة الى الشهادتين التوحيد الخالص والاتباع الخالص. واذا فرض خطأ واحد منهم في بعض المسائل وهو معتقد هذا الاصل. فخطؤه قد غفره الله وتجاوز عنه بعد الاجتهاد وهو المظنون بل هو المعلوم من حالهم. فانهم يعتقدون ما ذكرنا من من صميم قلوبهم ويدعون اليه ويقررونه وينكرون على جميع المعطلين النفاة. كما ينكرون على المعطلين لتوحيد الالهية والعبادة وهم كلهم متفقون على ان من صرف نوعا من انواع العبادة لغير الله من اي مخلوق يكون فهو مشرك كافر. لان هذا حد الشرك الاكبر عن دائرة الاسلام. فاذا عرفت ما ذكرته لك عنهم وان شككت في في ذلك فاسأل العارفين. الذين ليس لهم هوى ولا اغراض. عرفت ان الواجب عليهم تمييزهم بالموالاة والمحبة والثناء. ونشر فضائلهم وقمع من ونصيحة من يظن بهم خلاف ما ذكرناه. واجعل هذا طريقك الذي فانه الطريق المستقيم الموافق للكتاب والسنة. ولقواعد الشريعة اصولها ثم اعلم ان في هذا القطر المسئول عنه اربعة من اهل العلم الذين برزوا على غيرهم وتميزوا بعلمهم وتعليمهم ودعايتهم ونفعهم وحصل بهم وعلى ايديهم خير كثير ونفع كبير. فميزهم يا اخي بمحبتك واعرف قدرهم واكثر من الدعاء لهم. والثناء عليهم ونشر محاسنهم تقرب الى الله بذلك. وهؤلاء تعرفهم ويعرفهم غيرك. وذكر صفاتهم يغني عن ذكر اسمائهم. وضم اليهم خامسا جعل الله فيه بركة فهو وان كان دونهم في العلم. فقد حصل على يديه من النفع التعليمي والديني ما لم يحصل على يد غيره. وقد انحاز الى بعض اقطار المملكة. فهدى الله في ذلك القطر وانتقلوا الى مذهب السلف وكثر فيهم اهل العلم. فالعلم اذا جعل الله فيه بركة ترتب عليه خير كثير وهذا الخامس من اكبر الدعاة الى الله والى دينه. فتجب مؤازرته ومناصرته والثناء عليه والذب عنه. كما يجب ذلك لهؤلاء الاربعة ولغيرهم من علماء المسلمين ثم اياك يا اخي ان تسمع باحد منهم قدحا او انتقادا انا رددته ونصحت المعترض وبينت له مقاماتهم العالية. ولا غرنك ترك اكثر الناس لمراعاة هذا الحق. الذي هو اكد حقوق المسلمين وبه يحصل للعبد من الخير والثواب. ويحصل به من المصالح الخاصة والعامة شيء كثير وهذا الجواب الذي ذكرته وان كان موضوعه هذا القطر الذي وقع عليه سؤال وهذا الوقت الذي لاجله سيق السؤال فهو شامل لجميع علماء الاقطار ممن عرفوا بالعلم والدين. وشامل ايضا لجميع الازمنة. واول واولى من ما يدخل في هذا الدعاء ربنا اغفر لنا ولاخواننا الذين سبقونا بالايمان ولا لا تجعل ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين امنوا ربنا انك رؤوف رحيم وقوله واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات اول واولى من يدخل في ذلك علماء المسلمين في كل زمان ومكان. كما ان اوصاف الخير والكمال واحكام الثواب. اولى من يدخل فيها وتنطبق على اهل العلم والايمان فهم الغاية في كل فضيلة. وهم الهداة المرشدون الى كل خير الفائدة الثانية عشرة والمئة. معنى حديث اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل. دعاء النبي صلى الله عليه وعلى اله وسلم لابن عباس رضي الله عنهما اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل يظن كثير من الناس انهما مترادفان معناهما واحد. وليس الامر كذلك. فان الفقه في الدين التفقه في اصوله وفروعه واحكامه المتنوعة. ومعرفة الشرائع الكلية واما معرفة التأويل فهي اخص من ذلك. فهي التمكن من ادخال وقائع والجزئيات والمعينات في الشرعيات الكلية. وتطبيقها عليها فاذا اخبر الله ورسوله بخبر عن وقوع بعض الحوادث. فالفقه في الدين معرفة ذلك واعتقاد مدلوله. وعلم التأويل اذا وقع ذلك الحادث. تمكن العالم من ادخاله في ذلك الخبر. وعلم انه هو المراد. فيزداد بذلك علما وايمانا وكذلك اذا حكم الله ورسوله بحكم امر او نهي او اباحة فالفقه في الدين هو معرفة ذلك الحكم ومعرفة المراد منه. والتأويل الجزئيات والاعيان على الكليات. ومعرفة تفاصيل الاعيان. وانها مراد الله ورسوله بذلك الحكم. فكم من فقيه في الدين ولكنه يخفى عليه ادخاله كثير من الحوادث والمعينات في الاحكام الكلية. ولا يشعر بها ولهذا ينبغي للمعلم والواعظ ان ينبه على الوقائع والحوادث والمعينة بنات وانها هي المراد وهي داخلة في ذلك الامر او النهي او الاباحة او الخبر فما اعظم نفع ذلك! وهذا التطبيق ايضا يقوي تلك المعرفة الكلية فكل منهما يمد الاخر. الحوادث والوقائع لابد ان ترجع وتربط بالكليات والكليات لا تتضح تماما الا بالتفصيل وتعيين الجزئيات الفائدة الثالثة عشرة والمئة. التحذير من الوقوع في اعراض الناس اياك والوقوع في اعراض الناس. فان في ذلك الهلاك وذهاب الحسنات وزيادة التبعات ونقص الايمان والمروءة والاعتبار. والنزول من اعالي الاخلاق الى اسافلها. ومن القى نظرة صحيحة على المبتلى بالوقوع في اعراض الناس اخذه العجب الكثير. فان الانسان لا يعاني امرا من الامور الا لما يرى له من المنفعة الدينية والدنيوية. او المروءة الانسانية او اللذة الحقيقية. وهذا فاقد لهذه الامور كلها. فالمضرة الدينية لا محالة. وفيها تلك المضار المنبه عليها. واما المصلحة الدنيوية فاي مصلحة يصيبها من ذم من يبغضه والوقوع فيه. بل هذا يعبر عن نقصه وظعف عقله وحمقه. فان العقل انما يدعو الى الاشتغال بما يحصل به نفعك ديني او دنيوي. وهذا ضرر فيهما وهو حمق. اذ هو يذهب الى اعز شيء عنده واغلى مدخر وهو الحسنات. فيهديها الى ابغض الناس اليه وحمق من اخرى. فانه يخيل له انه يأخذ بثأره من عدوه وينتصر ممن يبغضه بكلامه فيه وقدحه فيه. وهو في الحقيقة انتصار العاجزين وسلاح الجبناء. فانه اكبر معبر عن نقص القادح وعجزه عجبه بنفسه فمن عنده مسكة من عقل وشيء من حزم يربأ نفسه من هذا المرفع الوخيم والمورد الذميم. مع ما يجلب عليه من تبعات اللسان ورجوع ضرره عليه. فانه معين لصاحبه عليه. فكما من باغ على غيره بالكلام او غيره. صرعه بغيه وعاجلته جرأته وكم من حافر لغيره حفرة هلاك وقع هو فيها. فيا عجبا للمبتلى في هذا الامر وهو يرى بعض هذه المضار ويعلم هو وغيره انه اكبر خزي عليه وعاق وكذلك امة عملهم فيا من عوفي من هذا البلاء الفتاك. احمد ربك على هذه النعمة العظمى ولتهنك العافية والسلامة والراحة. والغبطة والخير العاجل والاجل الفائدة الرابعة عشرة والمئة في صورة ارشاد والد لابنيه. وجواب كل منهما. كان رجل من اهل اهل العلم والصلاح له ابنان اصابهما مرض اضطر الى بعثهما للمستشفى فبعث كل واحد منهما الى مستشفى غير مستشفى اخيه. ووصاهما عند ذلك بوصية نافعة. وصاهما بقوة التوكل على الله تعالى اعانتي به مع مباشرة العلاج. فان لذلك نفعه واثره الطيب وقال لهما ان التوكل لا ينافي القيام على ما بك ما من المرض ومشقته وصعوبة العلاج وطول محبسكما هناك. بقوة الرجاء والطمع في فضل الله وحده اصول الشفاء. واجعل الرجاء نصب اعينكما كل وقت. واياكم ان يملككما اليأس او يخالطكما خوف من المستقبل. فان هذا هو من اقوى الاسباب لحصول النفع بالعلاج. وحصول العافية. وخصوصا اذا انضم الى ذلك احتساب الاجر والثواب. فان الاحتساب يهون المصائب ويسهل المشاق ويسهل الامور العسيرة. ويقابل بحلاوته مرارة الالام. ثم اشتغلا في مدة احتباسكما بالخير الذي ينفعك في الدين والدنيا من كثرة ذكر الله الذي يسلي الحزين ويؤمن الخائف وحسن الخلق مع من يتصل بكما. ودعوة كل من تعاشرونه وتجتمعون به الى الخير والاشتغال به. والبحث عن مسائل العلم النافع. والبحث في كثرة نعم الله عليكما وعلى الناس. فانكما بذلك تكسبان خيرا واياكما من الضجر والسآمة والملل وسوء الخلق. وكثرة الهم والافكار التي لا تسمن ولا تغني من جوع. فانكما اذا حفظتما وراعيتموها. لا بد ان تروا اثارها الحميدة وعواقبها الطيبة ثم ودعهما الله الذي لا تضيع ودائعه. بعد ان بعث معهما من يخدمهما ويقوم بما يلزمهما. وجعل يتضرع الى الله في توفيقهما ونجاحهما. فدخل كل واحد مستشفى غير مستشفى اخيه وبعد مدة لم تدعه الاشواق حتى زارهما وعادهما فبدأ باحدهما فوجده كاسف البال ضعيف الحال. قد ملكته الاحزان وطالت به الالام ولم يزل مرضه الذي كان يعهد بل زاد. فلم يملك الاب الرحيم في من نفسه من البكاء والحزن على ما شاهد من ابنه فقال يا بني من الم اتخير لك احسن ما عرفت من المستشفيات الراقية الم اصحبك من يقوم بجميع ما يلزم ويتعاهد فقال يا ابتي هو ما رأيت ما هو الا ان فارقتك ونسيت ما قلت لي واوصيتني به واشغلني مرضي. وكثرت مخاوفي وافكاري الضارة وزاد مرضي اني مع قوم وبين اناس قد قضوا اوقاتهم بالغفلة. والاعراض عن الله وعن ذكره فابتلوا بالهموم وجعلوا يتسلون عن ذلك كما زعموا بالألعاب الضارة الشطرنج والنرد ونحوهما. فلم تزدهم الا مرضا الى اراضيهم وهما الى همهم. فسلكت مسلكهم واصابني يا ابتي ما اصابهم فيا اسفا يا ابتي قد اجتمع علي مرض قلبي. ومرضي الذي ذهبت لعلاجه ودب اليأس الى قلبي حتى كاد يغمره. فالان يا ابتي قد بقي في يا بقية رمق. ونوع رجاء ان اخرجتني منهم وصحبتني. فاني مع ذلك لم اجد عند المباشرين لعلاجي. الا شراسة الاخلاق وصعوبة العلاج وعدم النجاح والهلع والطمع المتجاوز للحد استصحبني يا ابتي ما دام في بقية صحبك الله بكل خير. فرق له والداه فاجاب سؤاله. ورث لسوء مصيره وحاله. وعرف الابن التعس ان اكبر الاسباب لوصوله لهذه الحالة. نبذه نصائح ابيه العالم المشفق الحكيم وجعل يلقي سمعه وبصره وقلبه لنصائح والده لعله يفلح بعد ذلك. ثم ان هذا الاب الحنون انطلق الى ابنه اخر فاذا هو في مستشفى جميل. وحوله اصحاب وعشراء اخواني المتصافين المتصاحبين المتحابين. يتبادلون الاحاديث الطيبة واثر السرور والبشر باد على وجوههم. وقد اضمحل مرضه وتم شفاؤه وعاد على احسن من حاله قبل مرضه. فقال يا بني ما الذي حبسك عني وانت ولله الحمد في عافية. ونعمة سابغة وانا اعد الايام بل الساعات شوقا الى لقياك. فقال يا ابتي ما هو الا اني لما انصرفت منك كانت وصيتك نصب عيني. واهم عندي من علاج مرضي لما عرفته منك من الخبرة التامة والنصح. فوجدتها اكبر لي على كل حالة من احوالي. فاني ما زلت معتمدا متوكلا على الله وما زلت راجيا منه الشفاء. ولا زلت محتسبا ما يصيبني من الم وعيد علاج شاق. وطول محبس مرتقبا اجره وثوابه عند الله. فرأى بيت الذي يصيبني لا نسبة له الى الخير الذي ارجوه من ربي. فيقوى ذلك قلبي وتطمئن لذلك نفسي. وتقوى الطبيعة مع ذلك على دفع الامراض التي معي ثم في اخر امري صار الطبيب يتعجب من سرعة زوال مرضي وطمأنينة قلبي. ومع ذلك يا ابتي لا زلت مع هؤلاء الذين حولي وامراضهم تشبه مرضي. اعاشرهم معاشرة الصاحب الشفيق لصاحبه وادعوهم واحثهم على التعاون على الخير. واذكرهم وصيتك النافعة واذكرهم ما حصل لي منها من النفع. وارغبهم في العمل بها ترأوا من اثارها ما رأيت. وازدادت محبتي لهم ومحبتهم لي فصرنا نتخوف من خروجنا من هذا الموضع. الذي لم نصل اليه الا اضطرارا نتخوف من الفراق الذي يحول بين كل واحد والاجتماع بحبيبه. لان ان كل واحد منا له بلد وقطر غير بلد الاخر. وحصلت بيننا هذه الالفة التي تشاهد وكلنا ولله الحمد. لنا زمان ونحن غافلون في اثواب العافية. وصار لك يا ابتي بذلك علينا جميعا المنة الكبرى والمعروف الاعظم حيث كانت نصائحك الثمينة قد شاهدنا اثارها وجنينا ثمارها فجزاك الله يا ابتي من اب رحيم عني وعن زملائي افضل الجزاء ثم اني اخبرك يا ابتي بخبر يسرك جدا. انا لم نستفد من هذا المستشفى مجرد الشفاء والنجاح من امراضنا فقط. بل استفدنا منه اكبر من ذلك. استفدنا اننا حصلنا خيرا كثيرا. لا تحسبن ان اوقاتنا تمضي علينا غفلة وسبهللا. بل اكثرها في قراءة وذكر لله ومباحثة في العلوم النافعة ونعم الله السابغة. وتعداد ما لله علينا من فضل واحسان. مع من ضم الى ذلك من قوة التوكل الرجاء والطمع في فضل الله واحسانه. والرغبة في الخير والرهبة من ضده فلما تم كلام هذا الابن الموفق ظهر على الاب من السرور والاستبشار ما لا يمكن التعبير عنه. وذلك من اثار المساعي المشكورة والاعمال المبرورة انساه هذا السرور ما حصل معه من الحزن على ابنه السابق. فانظر الى هذا التفاوت والفرق العظيم بين الابنين. وذلك راجع الى قبول النصائح والعمل النافع والله اعلم. الفائدة الخامسة عشرة والمئة. فائدة قصة اخرى رجل له ابنان بلغ سن التمييز. وكان ابوهما اذ ذاك نعم المرء في ملاحظة اخلاقهما وخلائقهما على صغر سنهما اراد تكميل ذلك بالتعليم الذي لا تتم الا بالتعليم النافع. ولكن ما كل مجتهد مصيب اراد من اجتهاده ان يبعث كل واحد منهما الى مدرسة مغايرة للمدرسة الاخرى في اصلها وغايتها وثمراتها لم يشاور في اختيار الاصلح احدا من الناصحين العارفين. وكان يسمع ان كل واحدة من المدارس راقية. ولكن الاسماء لا تغر اللبيب والاشتراك في المسميات لا تدل على الاستواء في الصفات. اما احدهما فادخله في مدرسة فيها من الفنون العصرية شيء كثير. ولكنها فاقدة للتعاليم الدينية. التي هي جوهر العلوم وروحها والثاني ادخله في مدرسة دونها في الشهرة عند الناس. ولا بأس بها في الفنون العصرية. ولكنها مؤسسة على العناية العظيمة بالتعاليم الدينية عملك في حضرته يفوق عملك في غيبته. فان راعيت وصيتي نلت رضاي مخدومك وتسابق الناس عليك. وازددت رفعة وحسن سمعة واديت واجبك واما انت يا محمد فقد عرفت ميلك الى التجارة. فاذهب في ارض الله وتهذيب الاخلاق والحث على كمالاتها. ولكن عند الصباح يحمد القوم الصرى. وعند النتائج وحصول الثمرات يعرف الفرق العظيم والتفاوت الكثير مكث فيهما مدة الدراسة وترقى كل واحد منهما في وتروى من معينهما. واخذ كل منهما الشهادة بنجاحه المناسب لحاله. فماذا صار كل واحد منهما؟ وماذا اثمرت قتله المدرسة. وهل ارتفع بها او انخفض؟ لان العلم ليس هو مجرد معرفة الفاظ وفصاحة اللسان. ولا مجرد معرفة الصنائع. وان كانت هذه من الوسائل النافعة. ولكن العلم هو المرقي للارواح مع الاجساد. الجامع وبين مصالح الدين والدنيا. الموجه صاحبه وغيره لكل صفة حميدة وخصلة سديدة. اما الاول فانه خرج من مدرسته فصيح اللسان ان ينشئ الكلام. وربما احسن انتاج بعض الصنائع. ولكن التعالي الروحية قد فقدها. قد اخذه العجب والزهو والغرور. وصار معجبا متكبرا على ابناء جنسه. بل قد رأى والده من معاملته المذكورة لهما شيئا كثيرا. رأى نفسه انه يعرف اشياء لا يعرفها العوام وتخلق باخلاق الاجانب اعدائه في الدين. قد فقد الفضيلة واتصف بالرذيلة فيا ليت تعاليمه السابقة كانت لاغية هباء منثورا. لكنها مع ذلك زادته عتوا كبيرا ونفورا. فلما رأى والده ابنه بهذه الحال التي اسقط في يده. ورأى انه قد خسر ولده. لانه لا سبيل في الغالي الى تلافيه. واستدراك نقصه المضطرد. بعدما غذته هذه المدرسة شقومها وسمومها. ولم يقتصر هذا الابن القعر على احتقار الناس هل اوصلته الجرأة على احتقار علوم الرسل واديانهم. فاصبح ابوه من الخاسرين واضحى لبن تعس ملحدا من الملحدين. اما الاخ الثاني فانه حين لنتخرج من مدرسته ونظرنا الى ما جناه منها فاذا هو قد ملئ عقل ودينا وخلقا وتواضعا. لان الدين بطبيعته هذه اثاره. رأينا قد تمسك غاية التمسك بدين الاسلام. وبدت عليه انواره وهدايته وارشاده وتوجيهاته الشديدة المستقيمة. واذا هو الرجل الحقيقي بمعنى الكلمة. قد تسربل بالدين. وانبعث يدعو الى الله على بصيرة وينصر دينه وقومه النصر الصحيح. ويحثهم على كل خلق جميل. وينهاه هم عن كل خلق رذيل. فاضحى على من يأتم به المهتدون. ونورا يقتبس منه والمؤمنون واصبح رجلا دينيا ودنيويا. قد استصحب تعاليم الدين التي جمعت جميع المصالح. وزادت عن جميع القبائح مع الصدق الكامل والنصح الصادق والاصابة في القول والعمل. فانجبرت به مصيبة ابيه. وظهر الفرق قل عظيم والتفاوت بينه وبين اخيه. واخفاق الاول ونجاح الثاني راجع الى اختيار الوالد. فيا ايها الاباء المشفقون. الله الله في اولادكم وافلاد اكبادكم. الذين يخلفونكم وانتم احياء واموات انظروا لهم ما اختاروا لهم ما ينفعهم وينفعكم. والا فلا تلوموا والا انفسكم الفائدة السادسة عشرة والمئة فائدة قصة اخرى رجل له ابناء قد رباهم وابدى مجهوده في معاملة الاب الشفيق لابنائه. الذين ملكوا قلبه محبة ورحمة وحنان انا فلما بلغوا رشدهم وان وقت كسبهم ونفعهم. قال لهم يا لا اخفيكم امركم. قد قمت بواجباتكم وربيتكم احسن ما اقدر عليه من التربية. والان قد ملكتم امركم وعرفتم مصلحتكم. واحببت لكم الاستقلال في حياتكم. وان توجهوا جهودكم المقدرة ومعارفكم ومدارككم اريد يا ابنائي ان ابعث كل واحد منكم في عمل من الاعمال الدنيوية واوصيه بوصية تناسب عمله المذكور. اما انت يا خالد فقد عرفت منك انك قد مهرت في الصناعة الفلانية. فاذهب يا بني وافتح لك محلا لي هذه الصنعة. واعلن عنها اعلانا صحيحا صادقا لا مجاوزة فيه واستعمل يا بني النصح مع كل احد. واياك والغش والظلم واخلاف المواعيد واقبل على صنعتك بجد واجتهاد. ولا تجعل نفسك لعمل لا تعرفه او تتقنه. ولا تكثر من الاعمال التي لا تتمكن منها كلها. وهي تتزاحم عليك فتعجز قوتك وتبوء بالفشل. فانك ان حفظت وصيتي حصل لك الاعتبار ونلت الشرف. وصرت مقصودا في صنعتك محمودا في اعمالك واما انت يا جعفر فاذهب خادما عند فلان. لاني لا ارى لك انسب من خدمة ولكن قم يا بني باوامره بجد ونشاط. واياك والكسل فان الكسلان ضعيف القوة. ضعيف الارادة مع ما يكسبه من الذل الطرد والمهانة. وملازمة الامانة في خدمتك لمخدومك. ولا يكن واطلب لنفسك التجارة التي تناسب حالك. وتقوم باودك وترى نفسك قادرة عليها. ولكن يا بني عليك بالسعي الجميل والطمأنينة والثبات. واذا فبورك لك في مكسب فالزمه. ولتكن المعاملة الطيبة منك على بال. واعلم ان المعاملة وحسنها هي روح التجارة. والغش والخداع هو سوس التجارة وداؤها وبه يهبط التاجر الى اسفل سافلين. واوصيكم يا بني بوصية اوصيكم بالنية الصالحة والاحتساب. وان تقوموا بمكاسبكم المذكورة قصد الاداء الواجب. والقيام على النفس والعائلة. والاستعانة برزق الله على على طاعته. فانه بذلك تكونون مشتغلين بالامور الدينية والدنيوية ويسهل الله لكم اموركم. فهذه وصيتي لكم وارجو الله ان على مقاصدكم. فان دعاء الوالد لاولاده مرجو الاجابة. وهو في الحقيقة دعاء لنفسه. لان صلاح اولاده يعود عليه منه خير كثير اعلموا ان الامور باخرها والاعمال بخواتيمها. ولابد بعد مدة طويلة يظهر نجاحكم وفلاحكم. او اخفاقكم وافلاسكم. فاذهبوا على بركة الله ثم ذهب كل واحد الى العمل الذي وجه اليه واستصحب كل واحد نصائح في حوالده الرحيم. فما مضى على خالد مدة حتى مهر في صناعته. وقصده الناس من كل جانب وحمدوه على نصحه. واتقانه وحسن معاملته حيث لم يكن له التفات اخر الى غير صنعته. وحصر فكره وظاهره وباطنه عليها فاق فيها ابناء جنسه. وحصل له رزق يكفيه ويكفي عائلته ويرد الفضل منه على والديه واقاربه. فاغتبط والده بنجاحه واما جعفر فانه حافظ على وصية ابيه. ولازم مخدومه ما شاء الله ميول عزيمة. وصار عنده امينا معتبرا. واحتفظ به لعلمه انه لو ذهب عنه لتسابق اليه الناس. لما علموه من نصحه وقيامه بواجبه. فنجد في مقصوده. ولكن مثل هذا يأتيه النقص من جهتين. اذ فرضنا كما له في مهنته اولا ان الخدمة نهايتها ان تكون كافية لمعاش الانسان ليس فيها زيادة الا ان وفق للاقتصاد في النفقة. فربما زاد شيئا يسيرا والنقص الثاني ان الخادم المستعد للخدمة الذي لا عمل له ولا له سواها يبقى فكره خامدا وقريحته جامدة ومعارفه ضئيلة لانه قد اعتاد ان يكون مدبرا لا مدبرا. ومأمورا لا امرا وارادته واعماله تبع لارادة غيره وعمله. رقيقا لا حرا ومقلدا لا مستقلا. وهذا نقص واي نقص. فانه اذا تمرن الخدمة ولازمها مدة طويلة. تعذر عليه بعد ذلك عمل غيرها بنا يصير له رغبة في سواها. وغايته ان يكون له شرف كشرف رقيق ومع ذلك فالخدمة والتعيش خير من سؤال الناس والذل لهم. ولكل مقام فقال واما محمد فانه كاخويه حفظ وصية ابيه. ثم جعل يكسب شيئا فشيئا لا يحتقر القليل ولا يأنف من الشيء الحقير. وترقى شيئا فشيئا حتى فتح له محل تجارة ووسع تجارته وفرعها. واوعز لاصحابه وعملائه انه مستعد لما يرد عليه من الاموال تصريفا وتحويلا تدبيرا. فانفتحت في اصناف المعاملات افكاره. وتوسعت حين اعمل افكاره في الطرق المتنوعة. والمعاملات المتباينة معارفه. وكلما ازدادت اعماله استعمل الاجراء الامناء الذين قد عرفت كفائتهم. ولم يبالي بكثرة اجور من جمع بين الامانة التامة والكفاءة التامة. فانما يحصل له به من المنافذ والخيرات ما لا يعد ولا يحصى. وصار مرجوعا اليه في امور التجارة ولوازمه معتبرا عند الناس كلهم اذا قال سمعوا لقوله واذا ابدى رأيه من ظهر للناس اصابته. وهو مع ذلك قائم اشد القيام بملاحظة اموال الناس حفظا وتصريفا وتدبيرا وتنجيزا. وحيث كانت تجارته مبنية على ما فاوصاه به والده من النية الطيبة. في كل ما يأتي وما يذر. جعل فيرمق بنظره السديد وفكره الصائب اصحاب المروءات. الذين اخفقت اسبابهم وضعفت اعمالهم. فيحرص على ان يجعل منهم كل انسان في عمل يليق به ويتعيش به. وهو في ذلك لا يصيبه نقص. بل الخير يزيد والاجر حاصل. ثم هو في تجارته يستعمل ما ذكره النبي صلى الله عليه وعلى على آله وسلم. رحم الله عبدا سمحا اذا باع سمحا اذا اشترى. سمحا ان اذا قضى سمحا اذا اقتضى ييسر على الموسرين وينظر المعسرين يعين على نوائب الحق. وهو مع ذلك قائم بحقوق المال كلها. من الزكاة والنفقات الواجبة والمستحبة. وصلة الارحام والهدية للاخوان تعاهد الفقراء والمساكين. ونال من الشرف والسمعة والثناء الحسن. ما لا يكاد يصل اليه احد. فتبارك الله الذي فارق بين عباده في الاشتغال في الاعمال الدنيوية والاخروية. وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء. والله ذو الفضل العظيم. الفائدة السابعة عشرة والمئة في قصة الاخوين كان اخوان قد ورثا من ابيهما مالا كثيرا نقودا واثاثا وعقارا. وانفرد كل منهما بماله. وكانوا في الرأي والعقل فيما يبدو له الناس متقاربين. ولكن هذا لا يدل ولا يعطي الحكم. انما يحكم على الناس وعلى ارائهم وعقولهم بعد الاختبار وظهور النتائج. اما احد الاخوين فتلقى ما ورثه من ابيه بهلع وجشع وشح وامساك عظيم حتى بخل عن القيام بالواجبات. وطبعا من كان على هذا الوصف تكون المال اكبر همه. ومع تلقيه بالشح والامساك عن الامور اللازمة. فقد اعتمد بقلبه عليه. وقال بلسان الحال ان لم يقل بلسان المقال انه قادر عليه. وانه سيغتبط في ما له في حياته. وانه سبيل الى نقصه وفنائه. ولو قدر شيء من ذلك ففي بقيته ما يقوم به وبمن يتصل به. فحيث تلقاه على هذا الوصف الرذيل حلت بماله الافات المتنوعات. اولا نزع الله منه البركة. لان كل مال به صاحبه واتكل عليه ومنع منه الواجبات. فليرتقب صاحبه النقص من جميع الجوانب ثانيا قيض له معاشرة اناس لم يعاشروه على اساس الصداقة الصحيحة. وانما هم مترصدون. مترقبون فيه وفي ما له الفرصة والاطماع الضارة. فلم يزالوا به يزينون اليه معاملتهم في ديون ومضاربات وقروض. ومنهم من هو دون ذلك. يزينون اليه الاسراف في الدعوة ومجاراة اهل الربا. والعقول الناقصة في بذل الاموال في طرق التبذير وانفاقه في السبل الضارة غير النافعة. فلم يزالوا به كذلك حتى تقطعت مجاريه ونضب معينه ومادته. وبقي صفر اليدين. بل تراكم عليه الدين فانظر الى هذا الرأي الافن الذي لم يستطع ان ينتفع بماله لا في دنياه ولا في اخراه. اما الاخ الاخر فانه حين وصل اليه هذا الجزيل حمد الله اولا على هذه النعمة العظيمة. وعلى حصول اكبر سائل التي يتوسل بها الى سعادة الدنيا وسعادة الدين. اذا عرف صاحب كيف يدبرها. فاطال فكره الصحيح فيما يدبر به هذا المال. وعلم ان ان الدنيا وان بلغت ما بلغت فمآلها الزوال والاضمحلال. فاستعان بربي وسأله ان يبارك له فيه. وان يجعله معونة له على امور الدنيا امور الدين. والا يكله الى نفسه وتدبيره. وان ييسر له الاسباب النافعة ويصرف عنه بلطفه كل سبب ضار. فاخذه بحكمة ونية صالحة عزم عزما جازما على ان يؤدي فيه الواجبات الدينية والمستحبات. ان يقوم فيه بواجب نفسه وعائلته. ومن يتصل به بحكمة واقتصاد. وجعل يسعى في الاسباب التي تنميه. ويشاور على ذلك اهل الرأي والخبرة والمعرفة. وكل سبب يباشره فهو مستصحب للاعتماد على الله. سائلا من ربه ان ييسره له ويسهلها. فحيث كان على هذا الاساس الطيب. بارك الله في امواله ونمات فتضاعفت امواله ونفذ ما كان نواه. علم ان اول واجب عليه اخراج الواجبات فيه. فاحصى كل نوع من المال على حدته فاخرج زكاته معتقدا ان افضل ما انفقت فيه الاموال ما يعود الى صلاح الدين ويستتبع ذلك صلاح الدنيا. وتعاهد مع ذلك الصدقة والانفاق في كل مشروع حسب الحال والمناسبات. ووصل ارحامه وقام بحق الجيران والاصحاب والمعاملين وهو مع ذلك مغتبط في دنياه. ولم يقصر عليه من مصالح شيء لم يذهب مع المسرفين في تبذيرهم. ولا مع البخلاء واهل الشح في امساكهم بل كما دبر الكسب والتجارة بحكمة. كذلك دبر التصريف والانفاق بحكمة النور واقتصاد وسلك اولاده مسلكه وقت فوطريقه. واقر الله عينه بهم صلاحهم وكفائتهم وتوفيقهم. فعاش حميدا وخرج من الدنيا سعيدا سبحان من فاوت بين العباد هذا التفاوت العظيم. وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم. الفائدة الثامنة عشرة والمئة تخلف الفرع مع ثبوتها الاصل اذا ثبت الفرع كان الاصل ثابتا. واذا ثبت التابع كان المتبوع ثابتا هذا هو الاصل. وقد يتخلف ذلك لعلة في مسائل. من ذلك قول اولو الاصحاب من ادعى على اخر انه ضرب اخاه بسهم عمدا فقتله. ونفذ الى اخيه الاخر فقتله خطأ. واقام بذلك رجلا وامرأتين او رجلا وحلف معه ثبت قتل الثاني لانه خطأ موجب للمال. وقد تم نصابه دون الاول لانه عمد ونصاب شهادته رجلان فقط. ومنها اذا ادعى خلع امرأته ثبت العوض اذا اقام رجلا وامرأتين او رجلا حلف معه لتمام نصابه دون الخلع بشيء شهادة وانما تبين امرأته باقراره بالبينونة. ومنها اذا اقام رجلا وامرأتين على رجل بتزويجها بمهر عينته. ثبت المهر دون النكاح ومنها من حلف بطلاق ما سرق او ما غصب او ما عقد العقد الفلاني المالي فثبت في علوه برجل وامرأتين او رجل ويمين. ثبت المال ولم تطلق زوجته وما اشبه ذلك مما يعلل بمثل هذه العلة ونحوها الفائدة التاسعة عشرة والمئة الاحسان. قال الله تعالى ان رحمة الله قريب من المحسنين. هذه الاية الكريمة جمعت اسباب الرحمة وابوابها وطرقها. بلفظ واضح مختصر. وهو الاحسان كانوا في عبادة الخالق وايقاعها على اكمل الوجوه المستطاعة للعبد كما قال صلى الله عليه وعلى اله وسلم الاحسان ان تعبد الله كأنك تراه فان لم تكن تراه فانه يراك. والاحسان الى المخلوقين بالايصال اليهم ما يستطيعه العبد من نفع مالي او بدني. قولي او فعلي. والدين وكله داخل في هذا. لان الدين هو القيام بحقوق الله والقيام بحقوق الخلق قياما بالواجب وقياما بالمستحب. وقال تعالى للذين احسنوا حسنى وزيادة. فالحسنى والزيادة التي وعدها الله للذين احسنوا. هي رحمة التي ذكر الله انها قريب من المحسنين. فالحسنى تفسر بالحالة الحسنة في الدنيا والاخرة. وتفسر بالجنة. والزيادة النظر الى وجه الله الكريم او الحسنى جزاؤهم على احسانهم. والزيادة ما زاد على ذلك مما لم يقابل بشيء من اعمالهم. بل زيادة من فضل الله وكرمه. لم تبلغهم اعمالهم ويدخل في هذا التفسير الاول. وقال تعالى هل جزاء الاحسان الا احسان وهذا استفهام بمعنى التقرير. ايه هل جزاء من احسن في عبادة الله والى عباد الله الا ان يحسن الله جزاءه وثوابه باعلى انواع النعيم. فبين انه حصل لهم هذا الثواب الكامل من جميع الوجوه باحسانهم. وبين مع ذلك ان هذا جزاء لكل محسن. وقال تعالى ان الله يحب محسنين فمحبة الله للعبد هي اعلى ما تمناه المؤمنون وافضل ما سأله السائلون وسببها من العبد ان يكون من المحسنين في عبادته الى عباده فينال من محبة الله ورحمته بحسب ما قام به من الاحسان وقال تعالى انا لا نضيع اجر من احسن عملا. انا جعلنا ما على الارض زينة لها لنبلوهم ايهم احسن عملا. وهو العمل الخالص لله المتبع فيه رسول الله. المجتهد صاحبه في اكماله واتمام واجبه ذاته ومستحباته. فالعمل الذي على هذا الوصف لا يضيعه الله. بل يضاعف للعبد اضعافا كثيرة بحسب درجاته. وبحسب ما صدر منه من ايمان. وبحسب بنفعه وغايته وثمراته الجليلة. وقال صلى الله عليه وعلى اله وسلم في الحديث في الصحيح ان الله كتب الاحسان على كل شيء. فعمم الامور كلها وان الله تعالى كتب الاحسان في كل عمل ومعاملة للخلق حتى في الحالة التي تزهق فيها النفوس. ولهذا قال فاذا قتلتم فاحسنوا القتل واذا ذبحتم فاحسنوا الذبحة. وليحد احدكم شفرته وليرح ذبيحته والدين كله احسان. حتى ما فيه من الحدود والعقوبات. فانها رحمة باهلها وبغيرها لما فيها من الردع والمنع من المعاصي والمضار. وهذا الاحسان الشامل للدين كله هو الاصل الذي قال الله فيه انا لا نضيع اجر المصلحين. كما قال انا لا نضيع اجر من احسن عملا. فالاصلاح يشمل اصلاح القلوب بالعقل قائدي الصحيحة والاخلاق الطيبة الجميلة واصلاح الاعمال. وهي جميع الاعمال الصالحة والاقوال الصالحة. من واجب ومستحب من حقوق الله وحقوق عباده واصلاح ما يعود الى الفرد وما يعود الى الجماعة. وما يعود الى الدين وما يعود الى فان اصلاح الاحوال الدنيوية الاصلاح الصحيح داخل في اصلاح الدين فكما امر الله ورسوله بالقيام بالعبادات. فقد اباح الله ورسوله كله كطيب حلال نافع. واباح كل طريق يوصل اليه من الاسباب الدنيوية. من تجارة وصناعات واصناف المكاسب على اختلاف انواعها واصنافها. وكما امر الشارب باصلاح ما يعود الى نفس الانسان. فقد امر باصلاح ما يعود الى الخلق. فالصالح حقيقة هو المصلح. ووصف الله جميع طرق الخيرات انها من الصالحات. لانها اصلاح للامور وهذه طريقة الانبياء عليهم السلام واتباعهم. قال تعالى عن شعيب ان اريد الا الاصلاح ما استطعت. وضد الاصلاح الافساد. قال تعالى ان الله الا يصلح عمل المفسدين؟ فالامور كلها اما اصلاح يحبه الله ويأمر به ويثيبه عليه ويصلح لصاحبه ثمراته ونتائجه. واما فساد يبغضه الله عنه ويعاقب عليه. ولا يصلح لاهله اعمالهم. فكل امر فيه جلب للمنازل ودفع للمضار فهو اصلاح. وضده الافساد. والصالح المصلح يتولاه الله بلطفه وييسره لليسرى ويجنبه العسرى. ويحفظه في نفسه وذريته ان وليي الله الذي نزل الكتاب وهو يتولى الصالحين وقال يوسف صلى الله عليه وسلم ربي قد اتيتني من الملك وعلمته علمتني من تأويل الاحاديث. فاطر السماوات والارض انت وليي في الدنيا والاخرة. توفني مسلما والحقني بالصالحين. واخبر انه حفظ للغلامين اليتيمين كنزهما. بالاسباب التي ذكرها بصلاح ابيهما قوله تعالى وكان ابوهما صالحا. واخبر ان الصلاح والفساد متضادان متناقضان. لقول موسى لاخيه واصلح ولا تتبع سبيل المفسدين والفائدة العشرون والمئة. العقول تدرك ما يجب لله ويمتنع على الاجمال لا على سبيل التفصيل. العقول لا تهتدي الى معرفة تفاصيل اسماء الله وصفاته ولا تفاصيل اليوم الاخر. ولا تفاصيل الاحكام الشرعية الظاهرة والباطنة. وهذه اعظم الامور والمعارف. وقد يكون في العقول معرفة وهمية فداء الى اصول ذلك وجمله. كما ان العقول عند التفكر الصحيح تهتدي الى معرفة ان الكمال المطلق والعظمة والاقتدار والخلق والوحدانية ثابتة لله وحده وكذلك تهتدي الى حكمة الله. وانه لا يليق بحكمته ان يخلق الخلق لا يؤمرون ولا ينهون ولا يثابون ولا يعاقبون هذه الجمل المركوزة في الفطر والعقول يذكر الله بها عباده. ويبين لهم ان تفاصيل هذه الجمل توافق الاصول الثابتة في العقول. ولهذا سمى الله كتابه وشرعه تذكيرا وذكرا. يتذكرون به ما ركز في عقولهم من وجوب تعظيم والاعتراف بوحدانيته وكمال حكمته وشمول رحمته الفائدة الحادية والعشرون والمئة. العلم النافع والعمل الصالح الله خلق الخلق وانزل الامر والشرائع. ليعرفوه ويعبدوه وحده فمعرفة الحق والعمل به هي للعلم النافع والعمل الصالح. لقوله تعالى الله الذي خلق سبع سماوات ومن الارض مثلهن يتنزل الامر بينهن يتنزل الامر بينهن لتعلموا ان الله على كل كل شيء قدير وان الله. وان الله قد احاط بكل شيء علما. مع قوله تعالى وما حلقة الجن والانس الا ليعبدون. وقد جمع بين الامرين في قوله فيه تعالى انا انزلنا اليك الكتاب بالحق فاعبد الله مخلصا له الدين. فالاول العلم النافع والثاني العمل الصالح وهذان الامران هما دعوة الحق المذكورة في قوله. له دعوة الحق الذين يدعون من دونه لا يستجيبون لهم بشيء. فدعوة الحق هي اخلاص العمل لله. المتضمن معرفته ومعرفة دينه وشرعه وهذان الامران هما الطريق الوحيد للسعادة والفلاح. وهما اعلى ما يكون وارفع هو اكمل. قال تعالى ومن احسن قولا ممن دعا الى الله وعمل صالحا وقال وقال انني من المسلمين والدعوة الى الله ملازمة ومتضمنة للعلم. لان من شروط الدعوة العلم بما يدعو اليه الداعي. الفائدة الثانية والعشرون والمئة. تفسير خير قوله تعالى والذين استجابوا لربهم واقاموا الصلاة وامرهم شورى وبينهم الايات قوله تعالى والذين استجابوا ربهم واقاموا الصلاة وامرهم شورى بينهم. وامرهم شورى بين ومما رزقناهم ينفقون. والذين اذا اصابهم البغي هم ينتصرون. جمعت هاتان الايتان مدح المسلمين الذين قاموا بهذه الاوصاف المتضمنة للقيام بحقوق الله وحقوق العباد وبالصلاح الديني والدنيوي الداخلي والخارجي. وبمقابلة الباغين بكل طريق يتم به الانتصار. لان قوله والذين استجابوا لربهم يشمل القيام باصول الايمان وشرائع الاحسان. وامتثال الاوامر واجتناب النواهي فيكون ذكر الصلاة والنفقة من باب عطف الخاص على العام. لان من قال بالصلاة والنفقات الواجبة والمستحبة. كان قيامه بغيرها من باب اولى ولان اقامة الصلاة فيها الاخلاص للمعبود. والنفقة فيها الاحسان الى الخلق المخلصون المحسنون هم خيار الخلق. واما قوله وامرهم شورى بينهم فانه يشمل التشاور في امور الدين. عند اشتباه المسائل والبحث عن الدلائل وفي امور الدنيا وفي الامور التي تتعلق بالافراد والجماعات الداخلية والخارجية في الامور المشتبهة التي يراد السعي في تحصيلها او في دفعها. وكيفية طريقي الى ذلك. وخصوصا اذا بغى عليهم الاعداء. فانهم لا يصبرون على بغي الباغين واستعمار المستعمرين وجشع الظالمين. بل يدفعون ذلك بكل وسيلة ما مادية او معنوية. الفائدة الثالثة والعشرون والمئة الوقوف على الاسباب دون الغاية. الوقوف على الاسباب والاقتصار على معرفتها دون ما جعلت غاية له قد يكون سببا للهلاك. وهذا هو كثيرا. قال تعالى كلا ان الانسان ليطغى ان رآه استغنى. فالغنى نعمة كبرى من الله. وظيفتها القيام بشكر نعمة الله. والاعتراف بها والاستعانة بها على طاعة المنعم وبذلك يتوسل بالسبب الى غايته ومقصوده. ولكن الانسان من جهله وظلمه تكون هذه النعمة سببا لطغيانه. لانه وقف مع السبب ورأى ان انه استغنى عن ربه. وظن ان النعمة لا تزول واسكرته الشهوات وصرفته الرئاسة فبغى وطغى. وقال فرعون مغترا برئاسته وما اوتيه من دنيا يا قومي اليس لي ملك مصر وهذه الانهار تجري من تحت افلا تبصرون؟ فانظر كيف اغتر بهذه النعمة؟ واستمر كفره وتمرده. ورد ما جاء به رسول الله موسى صلى الله عليه وسلم وقال تعالى عن قارون حين نصحه قومه وحثوه على القيام بحقوق الغنى والنعمة. قال انما اوتيته على علم اي عندي من علوم المكاسب والمعرفة بطرقها ما يوجب استمرار ما انا فيه فيه من الغنى. سواء اطعت او عصيت. فاعترف بعلمه بوجوه المكاسب فانقطع بالاسباب عن مسببها. وبالنعم عن المنعم بها. وهكذا تجد كثيرا من اصحاب العافية والغنى. قد اعترفوا بعافيتهم وغناهم. ولم يكن كن لهم غاية يستعملون غايتهم ونعم الله التوسل لها. وكذلك تجد ممن له معرفة وعلم ببعض الاسباب الكونية. من طب او صناعة ونحو قد اغتروا بمهارتهم فيها. وظنوا انهم بلغوا الغاية وهم منقطعون في الوسيلة. وهذا من اخطر ما يكون من الانحراف فان الماديين والطبيعيين ما زالت بهم علومهم. حتى جحدوا علوم الرسل وانكر الرب العظيم. فضلا عن انكارهم الاخرة والغيوب الاخر فلما جاءتهم رسلهم بالبينات فرحوا بما عندهم من العلم فرحوا بما عندهم من العلم وحاق بهم ما كانوا وبه يستهزئون. الفائدة الرابعة والعشرون والمئة انواع الناس في ارتكاب الذنوب. ثلاثة اشخاص ارتكبوا جريمة عظيمة وقد تفاوتت احكامهم في الدنيا والاخرة. احدهم جاهل بحكمها مع ايمانه. فهذا لا عقوبة عليه ولا مأثم. والثاني عالم بتحريمها معترف بذنبه. فهذا آثم ظالم. وعليه ما رتب على هذه الجريمة من عقوبات الدنيا والاخرة. والثالث عالم بذلك ولكنه غير معترف بتحريمها ولا ملتزم تحريمها. فهذا ليس فبمؤمن بل هو محكوم بكفره. والله اعلم. الفائدة الخامسة والعشرون والمئة. انواع القلوب. القلوب ثلاثة. صحيح لين وقاس وضعيف. فالذي ينقاد للحق ويثبت عليه هو القوي اللين الصحيح والذي ينقاد لكنه لا يثبت عليه هو الضعيف. والذي لا تنقادوا له بالكلية هو القلب القاسي. والله اعلم الفائدة السادسة والعشرون والمئة. بيان قول شيخ الاسلام ابن تيمية في وجوب عمارة الوقف. سؤال ما معنى قول شيخ الاسلام تجب عمارة الوقف بحسب البطون. والجمع بين عمارة الوقف وارباب الوظائف بالامكان اولى. بل قد تجب. الجواب هذا الكلام الذي قاله الشيخ ونقله الفقهاء عنهم مرتضين له. تضمن امرين احدهما وجوب عمارة الوقف. وان لم يشترط الواقف تعميره. لان هذا العرف المضطرب في الاوقاف لانه لا تحفظ مالية ولا يتم استغلالها الا بالتعمير. فالواقف وان لم يشرطه بلفظه فهذا مقتضى العرف الذي عليه المطلقات. لكن هذا التعمير يوزع على حسب البطون. فلا اجعل على البطن الاول فيكون عليه ظرر. وهو المقدم في القصد والاستحقاق فانه اذا عمر من فعله الحاضر فربما استوعب المغل جميعه عدة سنين فيحرم منه البطن الاول. ويكون اذا خلص من نفقة التعمير للبطون المتأخرة خالصا معمرا. فهذا ليس من الانصاف. بل العدل الواجب ان توزع النفقة او يوزع التعمير على البطون كلها. فاذا فرضنا انه يستوجب من النفقة تعمير ثلاثة الاف. وامكن استدانتها اجالا كثيرة. كل عام يحل منها قسط يؤخذ من الريع وتبقى البقية من المغلل اهل البطن المستحق. حتى ستكمل الاجال. واما ان يعمر شيئا فشيئا. فمثلا اذا كان المغل كله عام الف درهم عمر منه ما يساوي او يقابل مئتين او ثلاث او اقل او اكثر بحسب الاجتهاد ثم كل عام كذلك. فينظر الاصلح للجميع من احد الامرين الاصلح للوقف ولاهل الوقف. وهذا معنى قوله بين العمارة وارباب الوظائف حسب اولى. بل قد يجب فيكون في ذلك مراعاة للوقف ولاهل الوقف واستمرار لنفعه. واما قول الاصحاب انه لا اتجب عمارة الوقف اذا لم يشرطه الواقف. فهذا ضعيف مخالف لمقاصد الموقفين ومناف للعرف. واضرار في الحال والمآل. وتسليط للمستحقين الاولين على استغلاله استغلالا يتلف اصله. كما هو معروف. وكلام الشيخ هذا عدل. وهو الطريق الوحيد لاصلاح الاوقاف واستمرار نفعها. والله اعلم اعلم الفائدة السابعة والعشرون والمئة تفسير قوله تعالى لقد ارسلنا رسلنا بالبينات وانزلنا معهم الكتاب الميزان الاية قال الله تعالى لقد ارسلنا رسلنا بالبينات وانزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس القسط وانزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع وليعلم الله وليعلم الله من ينصره ورسله وبالغيب. ان الله قوي عزيز. ما اعظم هذه الاية واجمعها فان الله ذكر فيها اكبر نعمة انعم بها على الخلق. وهو الرسل وان الله ايدهم بالايات البينات والبراهين القاطعات وانه اقام الدين على ايديهم بالكتاب والميزان والحديد فالكتاب به يقوم العلم والدين. وتتضح الحقائق وتستنير الطريق ويتبين الهدى من الضلال والغي من الرشاد. والميزان الذي هو العدل وما يعرف به العدل تقوم به الحقوق والعقود. والمعاملات والتشريعات المتنوعة والحديد يحصل به النصر وقمع المعتدين. من الكفار والمنافقين والظالمين فالرسل صلوات الله وسلامه عليهم. اشتركوا في ان الله ارسلهم وانعم بهم على العباد نعمة لا يصلح دينهم ودنياهم واخرتهم الا بها وان كل واحد منهم ايد بايات بينات. تدل دلالة قطعية انه رسول الله. وان ما جاء به حق. واشتركوا ايضا في ان الدين واحد واحد اصله الذي يدعون اليه. من توحيد الله والايمان به ومن العدل بين العباد على اختلاف الاحوال. بحسب الازمنة والامكنة والاحوال. وان قمع المعتدين مشروع ايضا. في كل شريعة شرعها الله على السنة رسله هذا من اعظم البراهين على صدقهم. فانهم اتوا كلهم باصول الخير والعدل وثواب المحسنين وعقوبة المعتدين. فدعوتهم واحدة ودينهم واحد وكلهم يصدق بعضهم بعضا. ويوافق بعضهم بعضا. ثم ذكر ما في الحديث من المنافع العمومية والخصوصية. فان منافع الحديد لا يمكن تعدادها ولا فحصروها وخصوصا في هذه الاوقات. فانه ما قامت مخترعات والصناعات العظيمة الا بالحديد. وذلك من اكبر نعم الله على عباده التي يجب عليهم شكرها. ولكن اكثر الخلق كافرون بها غير معترفين بها. ومن كانت هذه حاله فالمنافع التي حصلت له استدراج من الله وحجة عليه. وقوله وليعلم الله ومن ينصره ورسله بالغيب. هذا بيان لكمال حكمته في ابتلاء العباد بعضهم ببعض. وانه مع قوته وقدرته على نصر المؤمنين نصرا اقتضت الحكمة ان يبلو بعضهم ببعض. ويتضح حال المؤمن الصالح الذي ينصر الله ورسوله بالغيب. ممن ينقلب على عقبيه. ويعبد الله على حرف ان اصابه خير اطمأن به. وان اصابته فتنة انقلب على وجهه خسر الدنيا والاخرة. الفائدة الثامنة والعشرون والمئة الفائدة التي تستفيدها من العلوم نوعان. الفائدة التي تستفيدها من العلوم نوعان. احدهما مسائل لم تكن تعرفها قبل ذلك. فتستفيدها بعد جهلك بها. ثانيهما مسائل قد علمتها ثم نسيتها. فيحصل لك تذكرها. ولهذا ذكر الله هذين النوعين في قوله تبصرة وذكرى لكل عبد منيب. يتبصر بها الاعمى الجاهل فيحصل له العلم بعد الجهل وذكرى يتذكرها من كان علمها ثم نسيها. وهنا نوع ثان من التذكرة وهو ان يعرفها جملة ثم يفصل له ما كان في علمه مجملا فيكون للتفصيل بعد الاجمال موقع عظيم. ثم الطريق الى هذين امرين التبصرة والذكرى التفكر والتأمل في حدود الاشياء. وتصورها تصور الذي يميزها عن غيرها. ثم الاستدلال بالدليل والبرهان عليها فالنظر والتدبر مبتدأ العلم ومفتاحه. ثم ينتقل منه الى تصور الاشهر ثم الحكم عليها حكما صحيحا. يحصل به تبصرة للمجهول وتذكرة للمنسي ولكن الذي ينتفع بذلك حقيقة هو العبد المنيب الى الله. الذي وجه وجهه لله. وقصد اتباع الحق والبحث عن طريقه. فاما من اعرض عن الله او كان غرضه غير الحق. فانه لا ينتفع بالايات والعلوم قد جمع بين وصوله بنفسه والسعي في ايصال غيره الى هذا النسك. محتسبا اجره راجيا ثوابه فكان من المناسب غاية المناسبة ان يرجعوا وقد ظفروا بعدة عبادات. وحصل لهم كثير من بل تكون حجة عليه. والله اعلم. الفائدة التاسعة والعشرون والمئة. انواع التوسل. التوسل والوسيلة به احد امور اربعة. احدها لا يتم الايمان الا به وهو التوسل الى الله بالايمان به وبرسوله. وطاعته وطاعة رسوله وهذا هو المراد بقوله يا ايها الذين امنوا اتقوا الله ابتغوا اليه الوسيلة. والثاني التوسل الى الله بطلب دعاء الرسول صلى الله عليه وعلى اله وسلم في حياته وطلب المؤمنين بعضهم من بعض ان يدعوا لهم فهذا تابع للاول ومرغب فيه الثالث التوسل بجاه المخلوق وذواتهم. مثل قوله اللهم اني اتوجه اليك بجاه نبيك او نحوه. فهذا قد اجازه بعد بعض العلماء ولكنه ضعيف. والصواب الجزم بتحريمه. لانه لا وسلوا الى الله في الدعاء الا باسمائه وصفاته. الرابع التوسل في عرفك كثير من المتأخرين وهو دعاء النبي صلى الله عليه وعلى اله وسلم والاستغاثة به. فهذا من الشرك الاكبر. لان الدعاء والاستغاثة فيما لا يقدر عليه الا الله عبادة. فتوجيهها لغير الله شرك اكبر. والله اعلم الفائدة الثلاثون والمئة. اثار الشبه والمقالات الباطلة على الخلق. الشبه الباطلة والمقالات الفاسدة تختلف نتائجها وثمراتها باختلاف الناس. فتحدث لاناس الجهل والضلال. ولاناس الشك والارتياب. ولاناس زيادة العلم واليقين. اما الذين تلتبس عليهم ويعتقدونها على علاتها او يقللون فيها غيرهم من غير معرفة بها بل يأخذونها مسلمة. فهؤلاء يضلون ويبقون في جهلهم يعمهون وهم يظنون انهم يعلمون ويتبعون الحق. وما اكثر هذا الصنف فدهماء اهل الباطل كلهم من هذا الباب. ضلال مقلدون. واما الذين يحدث لهم الشك فهم الحذاق ممن عرف الشبه. وميز ما هي عليه من التناقض والفساد ولم يكن عنده من البصيرة في الحق ما يرجع اليه. انهم يبقون في شك واضطراب يرون فسادها وتناقضها ولا يدرون اين يوجهون واما الذين عندهم بصيرة وعلم بالحق. فهؤلاء يزدادون علما ويقينا بصيرة اذا رأوا ما عارض الحق من الشبه واتضح لهم فسادها ورأوا الحق محكما منتظما فان الضد يظهر حسنه بضده. ولهذا كانت قضاة اعداء الرسل للرسل واتباعهم من اهل العلم والبصيرة. لا تزيد الحق الا يقينا وبصيرة ويشبه هذا الابتلاء والامتحان الذي يعرض للعباد. عند الاوامر الشرعية او عند ترك النواهي. فانه يحدث الشك والاضطراب او الجهل الضلال لامثال المنافقين وضعفاء الايمان. كما قال الله عنهم واذ يقول المنافقون والذين في قلوبهن مرض ما وعدنا ما وعدنا الله ورسوله الا غرورا. حين اشتد الامر وتكالبت الاحزاب وظنوا بالله ودينه الظنون الخاطئة. كما تحدث لاناس زيادة اليقين والايمان. ولما رأى المؤمنون الاحزاب قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله. وما زادهم الا لا ايمانا وتسليما. فالشبهات والمحن والابتلاء لهؤلاء فقين تخليص لايمانهم. وزيادة لايقانهم وتأسيس لصدقهم هؤلاء الاقلون عددا. الاعظمون عند الله قدرا فائدة الحادية والثلاثون والمئة. من اشهر الاصول النافعة. الاصل ان المتشابهة من نصوص الكتاب والسنة يرد الى المحكم. وان الخفي الغامض يوضح ويشبه بالجلي الواضح. وان مسائل النزاع ترد الى مسائل الاجماع وان العام يخصص بالخاص والمطلق يقيد بالمقيد والشك يرجع الى اليقين والفروع تنبني على الاصول. والتابع على اسمه لا يستقل الا تبعا لغيره وهنا اصول اخر تشبه هذه الاصول النافعة كثيرة الفوائد. هذه اشهر الفائدة الثانية والثلاثون والمئة. معرفة مقاصد الشريعة من اعظم الطرق التي يعرف بها كمال الشريعة. وانها مشتملة على على مصالح العباد في دينهم ودنياهم ومعاشهم ومعادهم. معرفة مقاصده سيدي الشارع والصفات التي رتب عليها الاحكام الكلية والجزئية معرفة الحكم والاسرار في العبادات. والمعاملات والحقوق وتوابع ذلك فكلما كان العبد بذلك اعرف عرف بذلك من جلالة الشريعة الاسلامية وهيمنتها وشمولها للخيرات والبركات والعدل والاحسان ونهيها عن كل ما ينافي ذلك ويضاده. الفائز الثالثة والثلاثون والمئة. تفسير قوله تعالى وما كنت انت تتلو من قبله من كتاب. الاية قوله تعالى وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بي يمينك. اذا نرتاب المبطلون. قيد الله الارتياب بالمبطلين في هذه الحال لان المبطل يتشبث بكل شبهة. ويغتنم الفرصة بوجود سبب يتكلم به. ولو كان سببا منهارا. فمفهوم الاية الكريمة ان غير المبطلين وهم المحقون الذين قصدهم اتباع الحق. انهم لا يحصلون وعندهم ادنى ريبة ولا شك. ولو فرض ان الرسول صلى الله عليه وعلى اله وسلم كان يتلو قبل نزوله كتابا من الكتب السابقة او كان يكتب لان المحقين ينظرون ويتأملون في الكلام. وما دل عليه بقطع النظر عن حاله الشخص ولا ريب ان كل محق اذا نظر ادنى نظر صحيح؟ في هذا الذي جاء به محمد صلى الله عليه وعلى اله وسلم. علم انه الحق الذي يهدي الى كل خير ورشد وصلاح واصلاح. فالله تعالى لقطع كل شبهة يتعلق بها حتى المبطلون. فالاحوال المختصة بالنبي صلى الله عليه وعلى اله وسلم. كلها متوفرة على صحة رسالته وعلى نفي الشبهات القريبة والبعيدة. وهذا من رحمة الله بعباده لان جمهور الخلق يخشى عليهم من كل شبهة تنال. او توجه لرد دعوة الرسول لعدم بصيرتهم. فلذلك رحمهم. ولم يبق لاحد اعتراضا على الرسول بوجه من الوجوه. الا المكابرين المباهتين فهؤلاء لا يضر الحق اعتراضهم وقدحهم. بل يزيد وضوحا. وتكون ابرتهم من اكبر الدلائل على بطلان ما يدعون اليه. ويؤيد هذا المعنى الجليل الذي نبهنا عليه قوله بعدها بل هو ايات بينات وفي صدور الذين اوتوا العلم. الاية الفائدة الرابعة والثلاثون والمئة. سؤال في اشتراط جعل الوقف في جهة بر. سؤال لما اشترط اهل العلم في الاوقاف ونحوها ان تكون في جهة بر مع ان الانسان كان يجوز له بذل ما له في الامور المباحة. الجواب وبالله التوفيق السبب في ذلك ان الاموال جعلها الله قياما للناس قوموا بها امور دينهم وامور دنياهم. فما دام العبد في قيد الحياة فانه يجوز له بذلها في المباحات والمنافع المتنوعة. كما في الطاعات. فاذا مات العبد انقطعت عنه المنافع الدنيوية لم يبق الا المنافع الاخروية. فهذا هو السبب وهو ظاهر كما ترى ولهذا من كان عنده مال لغيره وقد جهل صاحبه وتعذر عليه معرفة او معرفة وارثه. صرفه فيما ينفع صاحبه في الاخرة. فتصدق وبه عنه او صرفه في المصالح الدينية. لانه لما تعذر عليه انتفاع في ماله في حياته ومنافعه الدنيوية. تعينت المصالح الاخروية ولهذا ايضا كان الجزاء في الاخرة من الاعمال حين تعذب نرى الوفاء من المال. والله اعلم. الفائدة الخامسة والثلاثون والمئة الظنيات لا تعارض القطعيات. الامر اليقيني ايعارضه الشك ولا يدفعه. والامور القطعية لا تعارضها الامور الظنية فضلا عن الشبهات التي لا حظ لها من العلم. فمن اعظم الامور اليقينية المسائل القطعية ان كل مؤمن يقطع ويتيقن يقينا لا شك فيه ان محمدا صلى الله عليه وعلى اله وسلم رسول الله حقا وانه صادق في كل ما قاله. وان جميع ما جاء به حق فمتى حصلت له شبهة او ورد عليه شيء يناقض ما قاله الرسول علم ان ذلك باطل. وان لم يفهم او يعرف وجه بطلانه على وجه الخصوص. لان انما ناقض الحق باطل وضلال. فماذا بعد الحق الا الضلال وهذا الاصل النافع ينتفع به كل مؤمن. ترد عليه الشبهات او تورد عليه فاذا علم وتحقق انها خلاف ما جاء به الرسول. عرف بطلانها قطعا لانها مناقضة للصدق والحق. فاذا حصل له حلها بطريق خاص فهو نور على نور. والا فيكفيه هذا العموم والله اعلم وكذلك اهل العلم والايمان. يعلمون ان الرسول لا يأمر الا بما فيه فيه خير وصلاح. خالص او راجح. ولا ينهى الا عما فيه ضرر فساد خالص او راجح. فان اتضح لهم وجه ذلك. فهو نور على نور ان علم بالاصل وبما عليه. وان لم يتضح لهم وجهه كفاهم اصل العام الجامع. وعلموا ان فيه من موجبات الامر او النهي ما خفي عليهم قال تعالى ويرى الذين اوتوا العلم الذي انزل اليك من ربك فهو الحق. الحميد الفائدة السادسة والثلاثون والمئة. انواع لذات الدنيا لذات الدنيا ثلاثة اقسام. احدها لذة تعقب الما اعظم منها او تفوت لذة اكبر منها. وهذه لذات العصاة على اختلاف طبقاتهم. وهم الذين يقال لهم اذهبتم اعترف بها وقد اقتديت في هذا السبيل. بكثير من فلاسفة العلم الموجودين والمفقودين فلي فيهم اسوة وهم عندي نعم القدوة. لشهرتهم وذكائهم وكمال معلوماتهم ومعقولاتهم. واما غايتي في هذا فاريد الراحة في حياتكم الدنيا واستمتعتم بها. الاية الثانية لذة لا تعقب الما اكبر منها. ولا تفوت لذة اكبر منها وهي لذات الغافلين المباحة. التي لا يستعينون بها على الخير ولا يرون القيام بالواجب. الثالثة لذة يثاب العبد عليها. وهي خواص المؤمنين. الذين يتمتعون بها على وجه القيام بواجب النفس وعلى وجه الاستعانة بها على طاعة الله. وعلى وجه الانكفاف بها عن معاصي الله وبهذه المقاصد الجليلة تكون من قسم الطاعات. وهي التي قال فيها النبي صلى الله عليه وعلى اله وسلم ان الله ليرضى عن العبد يأكل الاكلة فيحمده عليها ويشرب الشربة فيحمده عليها. وقال فيها وفي بضع احدكم صدقة. قالوا يا رسول الله ايأتي احدنا شهوته ويكون له فيها اجر؟ قال ارأيتم لو وضعها في حرام اكان عليه وزر فكذلك اذا وضعها في الحلال كان له اجر. فبين في الحديث التمتع بهذه الشهوات على وجه الحمد لله. والاعتراف بفضله. وقصد بها عن الحرام اجر وثواب عند الله. فلله الحمد على منته الفائدة السابعة والثلاثون والمئة. انواع الاحتجاج بالقدر الاحتجاج بالقدر على الشرك والكفر وانواع المعاصي احتجاج باطل لانه يدفع به امر الله ورسوله. ويعتذر به عن معاصيه لله كذلك اكبر الظلم والجهل والضلال. وكذلك احتجاج العبد بعد وقوع ما يكره بان يقول قل لو اني فعلت كذا كان كذا وكذا. فانه قال على الله وتكذيب لقدره كره الواقع لا محالة. واما الاحتجاج بالقدر على وجه الايمان به. والتوحيد لله والتوكل عليه والنظر الى سبق قضائه وقدره فهو محمود مأمور به. وكذلك الاحتجاج به على نعم الله الدينية والدنيوية فانه يوجب للعبد شهود منة الله عليه. بسبق قدره واحسانه وكذلك اذا فعل العبد ما يقدر عليه من الاسباب النافعة في دينه ودنياه ثم لم يحصل له مراده بعد اجتهاده فانه اذا اطمئن في في هذه الحال الى قضاء الله وقدره. كان محمودا نافعا للعبد مريحا لقلبه كما قال صلى الله عليه وعلى اله وسلم واذا غلبك امر فقل قدر الله وما شاء فعل. وكذلك اذا احتج به بعد التوبة من الذنب ومغفرة الله له على وجه الايمان به كان حسنا. كما حج ادم موسى ان الله عليهما وسلم. وكذلك ينفع النظر الى القضاء والقدر ليبعث العبد على الجد والاجتهاد في الاعمال النافعة الدينية والدنيوية فانه اذا علم ان الله قدر الوصول الى المطالب والمقاصد بالاسباب المأمور بها جد واجتهد. عكس ما يظنه كثير من الغالطين. ان اثبات القدر يثبت بل ينشط العاملين ابلغ مما لو كان الامر انفا لم يقدر له غاية وكذلك ينفع النظر الى القدر عند وجود المخاوف المزعجة فان من علم ان ما اصابه لم يكن ليخطئه. وما اخطأه لم يكن ليصيبه ان قلبه وسكنت نفسه ولم ينزعج للاسباب المخوفة. بل يتلقاه وها بسكينة وطمأنينة. ويقوم بما امر بالقيام به عندها كذلك نفعه في المصائب وحلول المحن عظيم. فانه من يؤمن بالله يهد قلبه فاذا اصيب بمصيبة فعلم انها من عند الله. رضي وسلم لامر الله وحكمه واحتسب اجره وثوابه. فهذا التفصيل في مسألة النظر الى والقدر والاحتجاج به. يأتي على جميع الاحوال تبين ان منه محمودا ومذموما. والله اعلم الفائدة الثامنة والثلاثون والمئة. محاورة بين مؤمن وملحد جرت صورة محاورة بين مؤمن وملحد فقال المؤمن للملحد يجب علينا ان نتفاهم. ويخبر كل منا عن عقيدته وغايتها الذي اداه اليها. والادلة التي تؤيدها والاشكالات التي ترد عليها فقال الاخر لا بأس. هذا هو اللازم على من يريد الوقوف على الحقائق واتباع باعها ويريد الانصاف. وهذه الطريقة العلمية التي اتفق عليها فجميع العقلاء ودعني ابين لك معتقدي. والاسباب التي اليه والغايات التي اريدها باعمالي. فقال هات ما عندك. فقال قال الملحد اما معتقدي فاني اعتقد بوجود جميع المحسوسات التي ينال الحس وتدرك بالحواس. واعترف بها واتبع النافع منها وما سوى ذلك فاني لا اعترف به. بل انكره غاية الانكار فلا اعترف بالخالق ووحدانيته. فضلا عن اعترافي بالوحي والرسل والمعاني فكلها حيث لم يدركها حسي ولم تدخل تحت معلوماتي. كيف تامة في هذه الحياة التي لا حياة بعدها. والانطلاق وراء مختارات النفوس اغراضها. وعدم التقيد الذي هو غل للقلب وللجوارح. فقصدي ان تكون كلها حرة وشهواتي كلها حاصلة. والاديان تمنع من هذا. وتجعل الانسان في حبس وتغل اعماله. وتشل حركاته كما ذكره علماؤنا وقدوتنا في هذا السبيل واما برهاني على ذلك فكما ذكرت لك ان هذا الرأي عليه من اكابر فلاسفة العالم واساطين العلماء. ما هم نعم القدوة لي ولامثالي وبرهان ذلك ما تشاهده من وابداعهم في في الحياة وسيطرتهم على العالم. بفضل علمهم ونتائج افكارهم. وترى اهل الى الدين بعكس هذه الحال. ليس لهم تقدم في هذه الحياة ولا رقي وانتاج لها هذه المخترعات فهذه عقيدتي القيتها اليك صريحة موضحة بحقيقتك وبراهينها. فهات ما عندك. فقال الموحد المؤمن اما عقيدتي فاني اذا شرحتها وابديتها عرفت وعرف غيرك. ان حق والمنافع التي ذكرتها انت في عقيدتك تدخل في ضمنها. وتحتضن جميع الحقائق الصادقة وتنبذ ما في عقيدتك من الشر والضرر الاجل بل والعاجل اما انا فاؤمن بالرب العظيم الذي تضاءلت عظمة الموجودات كلها عند عظمته وصغرت العوالم كلها عند كبريائه وقدرته. وواسع علمه وحكمته عميم رحمته اشهد انه الرب الذي اوجد العالم العلوي والسفلي. وابدع على غير مثال سبق. بل في غاية الاحكام والانتظام. الذي عجزت مدارك العلا الاولين منهم والاخرين. عن ادراك بعض حكم مخلوقاته ومعقولاته الذي له التصرف المطلق والحكم المطلق. حكم بتدبيره فدبر المخلوقات واعطى كل مخلوق خلقه اللائق به. وهداها الى مصالحها المتنوعة ولم يخلقها سدى وعبثا. بل خلقها بالحق وللحق. فحكم على المكلفين في شرعه فارسل اليهم الرسل الذين هم اجمع الناس لكل خلق جميل ووصف حميد واعلاهم علوما وعقولا. واكملهم في جميع صفات الكمال وانزل عليهم الكتب المحكمة الممتعة. محتوية على شرائعه الكاملة وضح الله فيها لعباده اصدق الاخبار. واصدق العقائد وانفع الاحكام وتمت كلمات ربك صدقا وعدلا. وفيها تبيان لكل شيء يحتاجه العباد في معاشهم ومعادهم في دينهم ودنياهم. لم يبق خيرا الا امر به وبين طرقه. ولا شرا الا حذر عنه وعن سلوك سبيله بكل طريق فجميع المنافع الدينية والدنيوية قد اشتمل عليها دين الاسلام الذي هو دين جميع الرسل واتباعهم. فخلق الله الخلق لعبادته ومعرفته وسلوك كل طريق فيه مرضات الله. وفيه سعادة العبد ونجاته وادر عليهم الارزاق. ليستعينوا بها على هذا المقصد الاعظم توسلوا بذلك الى تمام نعم ونيل كرامته في دار الخلود. فالدنيا كلها من اولها الى اخرها بالنسبة الى تلك الدار لا نسبة لها بوجه من الوجوه فلهذا انست بهذا الرب العظيم المدبر للعوالم كلها الذي وسعت رحمته كل شيء. وشمل بجوده البر والفاجر. ولم يخلو مخلوق من احسانه طرفة عين. وتيقنت ان للعباد دارا غير هذه الدار فيها باعمالهم التي عملوها في هذه الدار. فغايتي من عقيدة السعادة العاجلة والسعادة الاجلة. والفوز الابدي والنعيم السرمدي. عكس غايتك الحقيرة الدنيئة الساقطة التافهة وبرهاني على ذلك اعظم البراهين واوضحها واصدقها واكبر برهان على ذلك اكبر الشهادات كلها. وهي شهادة الله اودعها كتبه السماوية. وفطر الخليقة عليها الا من فسدت فطرته بما طرأ عليها من العقائد الفاسدة والاراء الساقطة. وبرهان ذلك شهادة الكتب التي انزلها الله على رسله. وخصوصا القرآن الكريم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه. تنزيل من حكيم حميد. الذي اعجز الانس والجن عنان يأتوا بمثله في البلاغة والفصائل والاسلوب البديع والاخبار الصادقة النافعة. والاحكام المحكمة الشاملة وغير ذلك من وجوه اعجازه. وبرهاني على ذلك شهادة اعلى طبقات الخلق. وهم الرسل الكرام من اولهم الى خاتمهم. كلهم متفقون على هذا الايمان بالرب العظيم. واقداره وشرائعه واحكامه قدرية والشرعية والجزائية. فهؤلاء الرسل جمع الفلاسفة من اولهم الى اخرهم لم يبلغوا عشر معشار اعطية واحد من هؤلاء الصفوة الذين تضمحل علوم الفلاسفة اذا نسبت الى علومهم. ثم بعد ذلك هداة الانام ومصابيح الظلام. وائمة الهدى في جميع طبقات القرون الذين هم اعلى الناس واوسعهم علوما. واكملهم عقولا وفضائل واجمعهم للمحبة كلهم على هذا الدين الحق. فكيف يفضل ذو عقل على هذا هؤلاء زنادقة الفلاسفة. المعروفين بانحراف المعارف. والجهل العظيم عارف الالهية. وان كان لهم معرفة في بعض امور الطبيعة. فهم في الدين والاله من اعظم الجهل واسفل الضلال. كيف يختار عاقل السير خلف هؤلاء المنحرفين في علومهم ومقاصدهم. ان هذا لهو الضلال المبين. وبرهان انا ذلك ايضا النظر في الموجودات والتأمل في المخلوقات. فانها كلها ادلة وبراهين على مبدعها وخالقها. وعلى كمال علمه وقدرته وشكره رحمته وحكمته. وعلى تفرده بالوحدانية والكمال المطلق من جميع الوجوه وعلى صدقه وصدق رسله. واما ما ذكرته من غايتك فانها تعبر احسن تعبير عن غايات البهائم. التي لا هم لها الا ماوى فقهها من الاكل والشرب وتوابعه. فالغاية التي شرحتها عن نفسك هي الفوضى بعينها وهي اعطاء النفوس مناها ضر او نفع. وعدم تقيدها احكام الشرعية. فان الاحكام الشرعية في اباحتها وتحريمها وفي واقها ومنعها هي الغاية الكاملة في صلاح الخلق. فانها اباحت كل طي من نافع للعباد. من مآكل ومشارب وملابس ومناكح وغيرها. ووسع للعباد في ذلك غاية التوسيع. ونهت عن كل خبيث ضار للعباد فهي الغذاء للعباد. وهي الدواء والشفاء. نهتهم عن انطلاق النفوس في اراضيها الخسيسة. التي تعود بضررها وضرر ابناء جنسها الضرر العاجل والآجل ومن محاسنها انها ما نهت عن شر تشتهيه النفوس. الا جعلت للعبادة هذه من المباحات ما يغني عن ذلك. وتتبع ذلك في كل الامور. فان انها اغنت العباد بالحلال عن الحرام. وبالنافع عن الضار. فهذه القيود التي قيدت المكلفين من اعظم الادلة على حقها وخيرها. وانها حوت من المحاسن ما لا يحيط به الوصف. واما ما ذكرت من المخترعات والصناعات فليست متأثرة عن الالحاد والزندقة. انما تأثرت عن العلوم الصناعية كون كثير من اهلها عقيدتهم الحادية. ليس للعقيدة فيها اثر بوجه من الوجوه بل الدين الاسلامي يأمر ويحث على جميع الصناعات النافعة الكبيرة صغيرة فاذا فرض تقصير اهله عن مجاراة الامم الاخرى في هذا لم يضر الدين شيء. وهذه شبه لا يزال دعاة الالحاد يبدونها ويذكرون تقصير المسلمين عن مجاراة الامم في هذا المضمار. وهم لم ينصفوا في هذا هذا فلو انصفوا لعرفوا ان دين الاسلام اعظم ما يحث على كل الامور النافعة الدينية والدنيوية. ولكن الاعداء يتشبثون بكل شبهة. ربنا لا تجعلنا فتنة للذين كفروا واغفر لنا. والواجب ان ينظر الى في حال قيامهم بالدين. وكيف كانوا هم سادة الامم. وقد خضعت لهم اقوى دول الارض. حينما كانوا قائمين بدينهم حق القيام. فمن استدل بحالة المسلمين الحاضرة على القدح في دينهم فهو ظالم مفتر قصده التلبيس والتغرير. وان اردت زيادة البيان لهذا الامر. فانظر الى ما دعا اليه الدين في اصوله وفروعه اصلا اصلا. وشريعة شريعة تجدها كلها في غاية الاحكام والحسن. والحث على كل فعل جميل وكمال انساني. ورقي روحي ومادي. وجمع بين مصالح الدين والدنيا لا يقوم غيرها مقامها في اصلاح الامور كلها. وما سواه اهى من النظم فهي وان نفعت من وجه. فرت من وجوه اخر. وشر اكثر من نفعها. وان العلماء المحققين العارفين لحقيقة النظم اسلامية والنظم الاخرى ونتائجها وثمراتها. ليتحدون جميع الطوائف المنحرفين عن الدين ويبرهنون على ذلك ببراهين عقلية وواقعية واني بصفتي واعترافي بقصوري اتحداك ايها الرجل الذي الالحاد على دين رب العباد. واتحدى غيرك ان يأتوا بمثال واحد. فاقت في فيه النظم الالحادية على النظام الاسلامي. ولن يستطيعوا الا بالمكابرة يسقط معها الكلام. فهات ما عندك من الانتقادات. فلم يتمكن الملحد من جواب هذا السؤال وبقي اما ان يبقى على الحاده بعدما تبين له الحق يصير مكابرا ينكر ما لا ينكر او ينقاد للحق ويتبع طريق الانصاف الذي تبين ووضح كل الوضوح. الفائدة التاسعة والثلاثون والمئة الحكمة من الاستعاذة من فتنة المسيح الدجال في كل زمان ومكان قال شيخ الاسلام ابن تيمية في السبعينية ولما كانت دعوى الدجال الربوبية ممتنعة في نفسها لم يكن ما معه من الخوارق حجة على صدقه بل كانت محنة وفتنة يضل الله بها من يشاء ويهدي من يشاء. كالعجل وغيره لكنه اعظم فتنة. وفتنته لا تختص بالموجودين في زمانه بل حقيقة فتنته الباطل المخالف للشريعة المقرون بالخوارق. فمن اقر بما لا يخالف الشريعة لخارق. فقد اصابه نوع من هذه الفتنة. وهذا كثير في كل زمان ومكان. لكن هذا المعين فتنته اعظم الفتن. فاذا عصم الله عبده منها سواء ادركه او لم يدركه. كان معصوما مما دونها هذه الفتنة الى اخر ما قال رحمه الله. قلت وهذه الفائدة التي ذكرها الشيخ تبين غاية البيان ان النبي صلى الله عليه وعلى اله وسلم يأمر امته ان يستعيذوا بالله من فتنة الدجال. لان كل احد الى هذا كما يحتاج ان يعيذه الله من عذاب القبر. وعذاب النار وفتنة المحيا والممات. وفتنة المسيح الدجال اسم جنس. فيعود العبد بالله من كل فتنة تكون من جنس فتنته. وهي فتن الباطل. والشبه المقرونة بالشبهات والخوارق التي يحصل بها الضلال الكثير من الخلق. كفتنة الالحاد والمادي الذين اغتر بهم خلق كثير. لما شاهدوه من صناعاتهم القوية واختراعاتهم اله وتوابع ذلك حتى ظنوهم على الحق. وبهرتهم هذه المدنية الزائفة التي ظاهرها مزوق وباطنها خراب. فالاستعاذة بالله من فتنة الدجال يدخل فيها انواع هذه الفتن وما يشبهها. وبما ذكره الشيخ اندفع ايراد من اورد كيف يأمر النبي صلى الله عليه وعلى اله وسلم امته ان يدعو بالوقاية من فتنة المسيح الدجال. وقد انطوت قرون عديدة لم يدركها شخصه المعين. وجواب ذلك ان كل احد محتاج الى وقاية الله من فتنة المسيح الدجال. في كل زمان ومكان. والله اعلم الفائدة الاربعون والمئة. حكم من ترك ركنا من الصلاة. قول الاصحاب رحمه الله من ترك ركنا فذكره بعد شروعه في قراءة الركعة التي بعد ركعة لغت الركعة التي ترك منها الركن. وقامت هذه مقامها. واذا ذكره قبل الشروع في القراءة. رجع فاتى بالمتروك وبما بعده وتمت ركعته واستدلوا على هذا بان في قراءة الركعة التي بعدها شروع في ركن من مقصود فاذا شرع فيه سقط الاتيان بما ترك. ولغي ما قبلها صارت الركعة السابقة كلها لاغية. بوجوب الترتيب بين الاركان القول الثاني في المذهب انه لا فرق بين الصورتين. وانه اذا نسي ركنا فذكره لزمه ان يعود اليه فيأتي به وبما بعده. يأتي به لانه متروك يخرج من العهدة الا بفعله. ويأتي بما بعده لوجوب الترتيب. فيقع ما بعد وحده لا غيا. لانه من شرطه فعل ما قبله. وسواء ذكر ذلك قبل الشكر الفروع في القراءة او بعدها. وهذا القول اصح. وهو الموافق للقاعدة الشرعية ولقاعدة المذهب. والتفريق بين الشروع في القراءة وعدمه. بان القراءة ركن مقصود غير صحيح. فان جميع اركان الصلاة مقصودة. ركوعها وسجودها وقيامها وقعودها القولية والفعلية. ثم في كونه بعد الشروع في القراءة تلغى الركعة السابقة فيه مفسدتان شرعيتان. احداهما اهدار ما ما وقع صحيحا مرتبا. وهو ما قبل الركن المتروك. فباي دليل يهدر والشارع قد اعتبره والمصلي قد فعله. ثانيتهما زيادة افعال في الصلاة على وجه العمد وهو القيام وما بعده الى الركن المتروك. فمثلا اذا كان قد ترك السجدة الاخيرة من الركعة الاولى. ولم يذكرها الا بعد شروعه في قراءة الفاتحة. لزمنا ان الغي قيام الاولى وركعتها. والقيام بعد الركوع والسجود الاول والقيام منه والجلوس بين السجدتين. وكله واقع على وجه الصحة اعتبروا قيام الثانية وما بعده الى السجدة الثانية منها. وهذا عند تأمله يجزم بغاية ضعفه ومنافاته للاحوال الشرعية. فتبين ان الصواب المقطوعة ان من نسي ركنا فذكره يأتي به وبما بعده مطلقا. سواء شرف وقع في القراءة ام لا. وسواء في نفس الصلاة او بعدها. وهذا القول هو ظاهر عموم من ادلة في الصلاة خاصة وفي غيرها عامة. مما اعتبر له الترتيب. فان ان من ترك ترتيب الوضوء او الطواف او السعي او رمي الجمار او نحوها. فانه يأتي بالمترو للعادة وهذا ظن خطأ. فان الله تبارك وتعالى حثنا على معرفة اسمائه وصفاته. واثنى على من عرفها وتفقه فيها. ودعا الله يا دعاء عبادة وتعبد ودعاء مسألة. ولا ريب ان الاسم الاعظم منها اولاها بهذا الامر وبما بعده فقط. ولا يأتي بالفعل الواقع صحيحا. ويؤيد هذا التعليل الصحيح ان يقال اشتمل هذا الامر على ثلاثة امور. امر قد وقع صحيحا مرتبا قبل ترك الركن والثاني الركن المتروك. والثالث الاركان المفعولة بعد المتروك فالاتيان بالمتروك لازم لانه متروك. والركن لا يسقط لا عمدا ولا سهوا ولا جهلا والاتيان بما بعده من الاركان المفعولة لازم الاتيان بها. لانها وقعت لم تطبيقها ما هو شرط لها. وهو الركن المتروك لوجوب الترتيب. واما الاتيان بالواقع صحيحا مرتبا والغاؤه. فهو خلاف الاصل وخلاف الواجب. والله اعلم الفائدة الحادية والاربعون والمئة. امور يحتاجها السلطان يحتاج السلطان ومن يقوم مقامه الى ثلاثة امور. بها يتم المقصود الجود والشجاعة والحكمة. لان الامور التي يدبرها كثيرة جدا وكل واحد منها على كثرتها يحتاج الى اصلاحه وتنميته. ودفع الفساد والضرر من جهة وذلك يكون بالبذل والعطاء الجاري مجرى الترغيب وبالقوة والشجاعة والتنفيذ الجاري مجرى الترهيب. وسلوك طريق الحكمة في من يعطي ويمنع وفي من يخفض ويرفع وفي من يثيب ويعاقب. فمتى تمت هذه الامور ثلاثة استقامت الامور. وصلحت دنيا العباد ودينهم. ومتى اختل واحد من منها وقع من الخلل بحسبه. فمتى حصل البخل والامساك؟ او كان العطاء بغير حكمة. ورعاية للمصالح الدينية والدنيوية. حصل الخلل الكثير ومتى لم يكن بالوالي قوة بل كان ضعيف الارادة او ضعيف القدرة. او كان كان قويا ولكنه يصرف قوته في غير حكمة في تدبيراته. اختلت الامور فعلى الوالي ان يجعل هذه الامور الثلاثة اساسه الاكبر. الذي ينبني عليه جميع تدبيراته وتنفيذاته. فيكون عطاؤه بحكمة ولحكمة ومنعه لحكمة بان يكون ذلك جلبا للمصالح الكلية او الجزئية. ودفعا للمفاسد الكلية والجزئية. ويكون ثوابه وعقوبته لحكمة. لتتم بذلك الامور والاحوال والله الموفق لا رب غيره ولا اله سواه الفائدة الثانية والاربعون والمئة. وصية رسول الله صلى الله عليه على اله وسلم لامير الجيش عند الغزو. في حديث بريدة ان ان النبي صلى الله عليه وعلى اله وسلم اذا بعث اميرا على جيش اوصاه بتقوى الله اه ومن معه من المسلمين خيرا وقال اغزوا بسم الله في لله. قاتلوا من كفر بالله. اغزوا ولا تغلوا ولا تغدروا ولا تمثلوا ولا لا تقتلوا وليدا. الحديث في الصحيح. جمع صلى الله عليه على آله وسلم في هذا الحديث الجليل. جميع ما يلزم لامير الجهاد واداب الجهاد وحدوده وشروطه ومكملاته. ونهى عن كل ما يخل به او ينقصه فاوصى الامير بامرين لزوم تقوى الله التي هي النجاة. والعصمة في الدنيا والاخرة. وهي السبب في حصول الخيرات وفي دفع الشرور والافات. وفي النجاة من المكاره والهلكات. والثاني وصاه بمن معه من المسلمين خيرا. وذلك شامل لبذل كل ما يستطيع من نفعهم في دينهم ودنياهم. والرفق بهم والاحسان اليهم والحنو عليهم. فان الامير متى اجتمع له الامران تم امره وصلاحه واستقامت له الامور. ويسره الله لليسرى وجنبه العسرى. واما قوله اغزوا بسم الله في سبيل الله. قاتلوا من كفر بالله فهو وصية للجيش كله امرهم ومأمورهم. بالاستعانة بالله والاخلاص والمتابعة والاصابة وبهذه الامور الاربعة تكمل هذه العبادة. فقول بسم الله اي استعينوا بربكم كن معتمدوا عليه. وتوكلوا على حوله وقوته في غزوكم وجهادكم. وقول في سبيل الله هذا هو الاخلاص. وسبيل الله هو الطريق الموصل اليه وهو القتال لتكون كلمة الله هي العليا. ويتضمن ايضا المتابعة. ثم قوله قاتلوا من كفر بالله. اي قاتلوا الكفار لا المسلمين. لاجل كفرهم وحرابهم وصدهم عن سبيل الله ثم نهاهم عما يضاد ذلك. وهو قوله لا تغلوا الى الى اخر ذلك فان هذه المذكورات من اكبر القوادح في الجهاد. ومن اسباب الضعف وفشل المسلمين واسباب انتصار العدو عليهم. فهذا الحديث الشريف محتو على اسباب نافعة والحث عليها وبيانها. وعلى التحذير من الموانع الضارة والله اعلم. الفائدة الثالثة والاربعون والمئة. اسم الله الاعظم سئلت عن الاسم الاعظم من اسماء الله الحسنى. هل هو اسم معين معروف او اسم غير معين ولا معروف. الجواب بعض الناس يظن ان الاسم ما الاعظم من اسماء الله الحسنى اسم لا يعرفه الا من خصه الله بكرامة خارقة عمرو فانه تعالى هو الجواد المطلق. الذي لا منتهى لجوده وكرمه. وهو يحب الجود على عباده. ومن اعظم ما جاد به عليهم تعرفه لهم باسمائه الحسنى وصفاته صفاته العليا. فالصواب ان الاسماء الحسنى كلها حسنى. وكل واحد منها عظيم ولكن الاسم الاعظم منها كل اسم مفرد او مقرون مع غيره. اذا دل على جميع صفاته الذاتية والفعلية. او دل على معاني جميع الصفات. مثل الله فانه اسم الجامع لمعاني الالوهية كلها. وهي جميع اوصاف الكمال. ومثل الحميد المجيد فان الحميد الاسم الذي دل على جميع المحامد والكمالات لله تعالى والمجيد الذي دل على اوصاف العظمة والجلال. ويقرب من ذلك الجليل الجميل. الغني الكريم. ومثل الحي القيوم. فان الحي من له الحياة الكاملة العظيمة الجامعة لجميع معاني الذات. والقيوم الذي قام بنفسه واستغنى عن جميع خلقه وقام بجميع الموجودات. فهو الاسم الذي تدخل فيه صفات الافعال كلها ومثل اسمه العظيم الكبير الذي له جميع معاني العظمة والكبرياء في ذاته وصفاته وله جميع معاني التعظيم من خواص خلقه. ومثل قولك يا ذا الجلال والاكرام. فان الجلال صفات العظمة والكبرياء والكمالات المتنوعة. والاكرام رام استحقاقه على عباده غاية الحب وغاية الذل. وما اشبه ذلك فعلم بذلك ان الاسم الاعظم اسم جنس. وهذا هو الذي تدل عليه الادلة الشرعية والاشتقاء كما في السنن انه صلى الله عليه وعلى اله وسلم سمع رجلا يقول اللهم اني اسألك باني اشهد انك انت الله لا اله الا انت. الاحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد. ولم يكن له كفوا احد. فقال والذي نفسي بيده لقد سأل الله باسمه الاعظم. الذي اذا دعي به اجاب. واذا سئل به اعطى وكذلك الحديث الاخر حين دعا الرجل فقال اللهم اني اسألك بان لك حمد لا اله الا انت المنان. بديع السماوات والارض. ذو الجلال والاكرام يا حي يا قيوم. فقال صلى الله عليه وعلى اله وسلم والذي نفسي بيده لقد دعا الله باسمه الاعظم. الذي اذا دعي به اجاب. واذا سئل به اعطى وكذلك قوله صلى الله عليه وعلى اله وسلم اسم الله اعظم في هاتين الايتين. والهكم اله واحد. لا اله هو الرحمن الرحيم. الله لا اله الا هو الحي القيوم رواه ابو داوود والترمذي. فمتى دعا الله العبد باسم من هذه الاسماء العظيمة بحضور قلب ورقة وانكسار. لم تكد ترد له دعوة. والله الله الموفق. الفائدة الرابعة والاربعون والمئة. النفس اللوامة اقسم الله بالنفس اللوامة وهي على الصحيح نفس المؤمن وذلك لكمال هذه النفس وعظمتها. فان الايمان الذي تأوي اليه وتعتقد انه هو الاصل لسعادتها وفلاحها. لا تزال تلوم نفسها على التقصير في ومكملاته. ويظهر هذا كل الظهور ان من عرف حالة البشر وان جمهورهم لا يعترفون بالايمان الصحيح. وانما ينظرون الى الطبيعة المجردة والانسانية وحدها. وعدم استنادها في اصلها وكمالها الى خالقها تجدوهم لا يلومون انفسهم. بل حتى المجرمون منهم ينفون اللوم عن انفسهم ويبررون مواقفهم. والله اعلم. الفائدة الخامسة اربعون والمئة. العلم والعمل. قوله تعالى يا ايها الذين امنوا لم تقولون ما لا تفعلون. الايات كما تدل على ذم من يأمر الناس بما لا يأتمر به. وينهاهم عما كان يرتكب. فانها ايضا تهدي الى طريقة نافعة في التعلم والتعليم. وهي انك اذا تعلمت او علمت فلا يكن ذلك مجرد تعليم الفاظ ومعان. لا تتصف بها ولا يتصف بها من تعلمه. بل طبق العمل على العلم. واستعن بالعمل على قوة العلم عودته وكماله. الفائدة السادسة والاربعون والمئة البشاشة المخلصة. قوله صلى الله عليه وعلى اله وسلم في ذكره الاحسان ولو ان تلقى اخاك بوجه طلق. وذلك ان البشاشة المخلصة الصادرة من القلب على الوجه. تعبر عما يكنه من محبة ووداد وسرور برؤية اخيه واجتماعه به. وهي جذابة للقلوب كما هو مشاه واي احسان ابلغ من هذا؟ واما مجرد البشاشة الخالية من الوجه عن القلب فانها قليلة الجدوى. الفائدة السابعة اربعون والمئة. الامر باللين والقول الحسن. قوله تعالى فقولا له قولا لينا لعله يتذكر او يخشى. وقوله وقولوا للناس حسنا. وقول النبي صلى الله عليه وعلى اله وسلم ما كان الرفق في شيء الا زانه وما كان العنف في شيء الا ما اعظم فوائد هذه الارشادات الحكيمة. والامر باللين والقول حسن لعموم الناس والرفق. فان لها التأثير العظيم. في حصول وادي المطلوب من اقوال وافعال. ولها الوقع الاكبر في التحبب الى الناس. وايزاء التي ما في قلوبهم من بغض وغل وحقد. وجلب خواطرهم الى مطلوبك الديني والدنيوي الفائدة الثامنة والاربعون والمئة. المجادلة بالتي هي احسن. قوله تعالى ولا تجادلوا اهل الكتاب احسن الا الذين ظلموا منهم. وقولوا امنا بالذي انزل الينا وانزل اليكم والهنا والهكم واحد والهنا والهكم واحد ونحن له مسلمون. في النهي عن المجادلة الا بالطريقة المثلى والحكمة العليا. وفيها انه ينبغي لمن ناظر غيره ان يؤسس الاسس التي يتفق عليها المتناظران. ثم اذا حصل الاتفاق وتم الالتئام انتقل منه الى المواضع المختلف فيها بلطف ولين وهدوء. الفائدة التاسعة والاربعون والمئة. الطمع في في رحمة الله قال تعالى ومن يقنط من رحمة ربه ان الضالون انه لا ييأس من روح الله الا قوم الكافرون. جميع ما ينال من الخيرات في الدنيا والاخرة من رحمة الله وروحه. من اعمال وثواب واسباب ومسببات. فعلى العبد ان يعمل وعليه ان يرجو ويطمع. فبالعمل والطمع يحصل له النجاح الفائدة الخمسون والمئة اسباب حفظ الله العبد من الشرور الباطنة والظاهرة قال تعالى كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء انه من عبادنا المخلصين. وقال تعالى فاستجاب ابله ربه فصرف عنه كيدهن. انه هو السميع العليم هذان الامران من الطاف حفظ الباري لخواص انبيائه واصفيائه صرف اسباب السوء والفحشاء الداخلية. وصرف الاسباب الخارجية. ومن اراد الله الله به خيرا صرف عنه الامرين اللذين هما مجموع الفتن. وذكر الله لهذا الصرف الذي هو من اجل نعمه سببين. احدهما قوة الاخلاص من العبد واستخلاصه والله له والثاني اللهج بالتضرع والدعاء. فمن اخلص لله استخلصه الله ووفقه لفعل الخيرات. وصرف عنه السوء والمكروهات. ومن تضرع له والح بالدعاء. استجاب الله له فصرف عنه شر شياطين الانس والجن وكفاه كيد الكائدين ومكر الماكرين. فيوسف صلى الله عليه وسلم لما فكمل الامرين الاخلاص لله والتضرع له والالتجاء اليه والاعتصام به حفظه الله حفظا كاملا من الشرور الباطنة والظاهرة. الداخلية والخارجية والله تعالى يقص علينا قصص انبيائه. ليكون ذلك عبرة لنا العبرة هنا ان كل من له حظ من الاخلاص والدعاء والتضرع فله حظ من الله وصيانته. بحسب ما قام به من قوة الامرين او ضعفهما ومن فاته الامران وكل الى نفسه. ولم يحصل له حفظ ولا صيانة. ووقع في الشهوات والشبهات. فنسأل الله العصمة والا يكلنا الى قولنا وقوتنا طرفة عين. انه جواد كريم. وقد تضمن هذه المعاني الجليلة الدعاء الذي ارشد النبي صلى الله عليه وعلى اله وسلم اليه امته بفعله وقوله وهو اللهم فاطر السماوات والارض عالم الغيب والشهادة رب كل شيء ومليكه. اشهد ان لا اله الا انت. اعوذ اعوذ بك من شر نفسي ومن شر الشيطان وشركه. وان اقترف على نفسي سوءا او اجره الى مسلم فتضمن الاستعاذة من الشر الداخلي وهو شر النفس. والشر الخارجي وهو شر الشيطان وحبائله واشراكه. ومن غايتي الشر وهما ان يقترف العبد سوءا يجره الى نفسه. او يجره الى اخيه المسلم. فمن اعاذه الله من هذه الشرور فقد اعاذه من اسباب الشرور ومن غاياتها البسه ملابس العافية والسلامة والتوفيق. الفائدة الحادية والخمسون والمئة قميص يوسف قوله تعالى اذهبوا قميصي هذا فالقوه على وجه ابي يأت بصيرا. تحصيص القميص الاشارة اليه بقوله هذا يدل على ان لهذا القميص مزية واختصاصا وانه هو الذي يلي جسد يوسف. والظاهر ان هذا الاختصاص هو وجود رائحة يوسف بدليل ما بعده وهو قول يعقوب عليه السلام اني فيكون في هذه الرائحة مع ملامسة جسد يوسف. مع انه كان يوسف قد دعا ان يجعل في هذا القميص شفاء لابيه. مع قوة السرور والفرح. الذي حصل ليعقوب من مجموع الجميع جعل الله فيه هذه المزية. وهذا اولى من قول كثير من المفسرين ان هذا خميص من الجنة. وانه الذي البسه جبريل لابراهيم. حين القي في النار ليس هنا دليل يدل عليه. وانما هي اخبار اسرائيلية. لا يمكن تصديقها بغيره برهان. وايضا امور الجنة والاخرة من حكمة الله. انه جعلها غيبا لا شهادة والله قادر على رد بصر يعقوب من دون سبب. لكن جعل الله الاسباب محل حكمته وموضع ومجرى اقداره. ونظير ذلك قول الله في حق ايوب وسبب شفائه اركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب. والله الله اعلم. الفائدة الثانية والخمسون والمئة. فوائد اشارة الى الارشادات النافعة. ينبغي للانسان ان يحب للناس ما يحب لنفسه. ويعمل لهم كما يعمل لنفسه. وينبغي ان يستخير الله في اموره المشتبهة. في نفعها وفي ايها تقدم فاذا بان له الصواب فليتوكل على الله وينجزها بهمة صادقة هزيمة جازمة مستمرة. فبذلك ينجح وتتم الامور. وينبغي ان يكون عمل العبد الديني والدنيوي منظما محكما. يأتيه في طمأنينة وتأن. وان يكون معتدلا لا يميل اليه الى احد الطرفين الناقصين. الغلو او التقصير. الاسراف او البخل. وينبغي ان يكون مستمعا اكثر مما يكون متكلما. الا اذا ترجحت المصلحة في ان يكون لمن لتعليم ونحوه. وينبغي ان يعود نفسه على الصبر والحلم. وكظم الغيظ والعفو عن الناس ليحصل له الثواب ويستريح باله. واياك والغل والحقد والحسد. واكثر من الدعاء والتحقق بمعنى هذا الدعاء. ربنا اغفر لنا ولاخواننا الذين سبقونا الايمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين امنوا. ولا تجعل في في قلوبنا غلا للذين امنوا ربنا انك رؤوف رحيم وعليك ان تصغي الى الناصحين. وتبدي لهم الشكر اصابوا او اخطأوا. وتكون سريع الرجوع جوعي عن اخطائك. فان هذا عنوان الاخلاص والفضل. واياك ان تثني على نفسك وتقدح في لغيرك فان هذا عنوان النقص والحمق. واذا عانيت عملا من الاعمال فالزم الثبات عليه. واياك والملل والضجر فان هذا عنوان الفشل والخيبة. واحذر من الكبر والغرور واحتقار الخلق. وعليك بالتواضع والاهتمام بالخلق. ورؤية فضل ذي الفضل منهم واللين والبشاشة لكل احد. مع الاخلاص لله وارادة ادخال السرور عليهم. ففي ذلك من المصالح والفوائد ما لا يعد ولا يحصى. واذا غلبت في امر من الامور فلا يستولي عليك الفشل. بل لا تزال قويا الارادة الى كل ما ينفعك. في حالة الانتصار وحالة ضده واياك والتحسر على الامور الماضية. التي لم تقدر لك من فقد صحة او مال او عمل دنيوي ونحوها. وليكن همك في اصلاح عمل يومك. فان انا ابن يومه لا يحزن لما مضى. ولا يتطلع للمستقبل حيث لا ينفعه التطلع. وعليك بالصدق والوفاء بالعهد والوعد. والانصاف في المعاملات كلها. واداء الحقوق كاملة موفرة بنفس مطمئنة وايمان صادق خالص. واشتغل بعيوبك وشؤونك عن عيوب الناس وعامل كل احد بحسب ما يليق بحاله. من كبير وصغير وذكر وانثى ومرؤوس وكن رقيقا رحيما لكل احد حتى للحيوان البهيم. فانما يرحم الله من عباده الرحماء. وكن مقتصدا في امورك كلها. وافتح ذهنك لكل فائدة دين نية او دنيوية. واياك والتعصب الذميم. وسوء الظن الذي لا يبنى على اساس وحاسب نفسك وسدد نقصك. واستغفر الله من تقصيرك وافراطك. الفائدة الثالثة والخمسون والمئة الفرق بين قصة الرجل الذي مر على قرية وقصة ابراهيم عليه السلام الفرق بين قصة الرجل الذي مر على قرية وهي خاوية على عروش فيها وبين قصة ابراهيم عليه السلام حيث سأل ربه ان يريه كيف يحيي الموتى من وجهين احدهما ان ابراهيم طلب الوصول الى عين اليقين والرجل جاءه ذلك بغير سؤال. الثاني ان ابراهيم انتقل من علم اليقين الى عين اليقين والرجل انتقل من الشك الى عين اليقين. لان الصحيح بل الصواب انه رجل شاك في بعث كما يدل عليه لفظ الاية الكريمة. الفائدة الرابعة والخمسون والمئة حكم بيع العقار الذي بعضه وقف وبعضه طلق. اذا كان العقار بعضه وقف وبعضه طلق وهو لا ينقسم الا بضرر هل يجوز بيعه في هذه الحال في مذهب احمد ام لا الجواب اذا نظرنا الى عموم كلام الاصحاب ان الوقف لا يجوز بيعه الا ان تتعطل نافعه كانت هذه الصورة المسؤول عنها داخلة في العموم. وانه لا يجوز بيعه لكن في هذه الحال صاحب الملك اذا منع من بيعه تضرر ضررا كثيرا. وان بقيت الحال على ما هي عليه صارت حالته حالة اهل الوقف. فيكون بمنزلة الممنوع من التصرف في الرقبة وهذا لا نظير له في الاملاك. وان قسمنا له تضرر الوقف والملك. فالاولى في هذه الحال جواز البيع. دفعا للضرر وتنزيله على كلام الاصحاب من قولهم في الوقف الذي اعتراه خراب. ويجوز بيع بعضه لاصلاح باقيه اذا كان عينا واحدة. ولم تنقص القيمة بالتشقيص. فان نقصت بالتشقيص جاز بيعه جميعه. فها هنا اجازوا بيع الجميع مع امكان ان يباع بعضه لتعمير باقيه. فالمسألة المسؤول عنها مثل هذه وهو ان بيع الملك وحده فيه ضرر بالتشقيص. اذا لم يبع معه الوقف ولا فرق بين المسألتين والله اعلم. سؤال عن الحكمة في كون الحج يخالف سائر العبادات سؤال عن الحكمة في كون الحج يخالف سائر العبادات. لان فعل واحد وجنس واحد. في زمان واحد او مكان واحد. والحج افعال متعددة في امكنة متعددة. على كيفيات وهيئات متنوعة. الجواب التوفيق والاعانة في ذلك حكم عظيمة واسرار يتضح بعضها ويخفى بعضها فلو لم يكن فيها من الحكم الا ان حقيقة الحج هو استزارة الرب لاحبابه ووفود بيته وانه اوفدهم الى كرامته ودعاهم الى فضله واحسانه. ليسبغ عليه من النعم والكرامات واصناف الهبات. ما لا تدركه العبارة ولا يحيط به الوصف فنوع لهم الانساك والمشاعر لينوع لهم الاحسان. ونقلهم من كرامة الى كرامة ومن مائدة من موائد فضله الى مائدة من موائد كرمه. ولهذا كل نوع من هذه العبادات سادات له خاصية وسر وزيادة فضل وايمان. وتحقيق احسان ليس للاخر وكل واحد منها مضطر اليه الوافد لهذا البيت. فتارة يطوف على بيت ربه ويكرر ذلك يترضى ربه ويتملق له ويطوف بفنائه ويخضع لعظمته. وتارة يسعى بين الصف والمروة يتردد بين هذين المشعرين العظيمين. اللذين كم تردد بينهما من رسول ونبي وكم سعى بينهما من ولي لله وصفي؟ وتارة يقف بالمشعر الحلال وهو عرفة. وتارة بالمشرق الحرام وهو مزدلفة. يبدي ما في وسعه من خشية وخضوع. وخشوع وانابة وانجذاب تام امن الى ربه وشدة نزوع يتضرع فيها الى مولاه. ويسأله مصالح دينه ودنياه يقف فيها موقف السائل المسكين الذليل. ويطمع غاية الطمع في كرم المولى الجليل. وتارة على ربه ويسبحه ويهلله. وتارة يذكر من منن مولاه ما اصبغه وحباه وجلله وتارة يسأل ربه ان يصلح قلبه بالمحبة والانابة والاخلاص والنصيحة. ويعيذه ومن مساوئ الاخلاق والاعمال القبيحة. فكل مطلوب ومقصود يخطر بباله. يعلم انه لا غنى له عن ربه ونواله. وتارة يرمي الجمرات تنبيها واشارة الى رمي الخطايا ومراغمة العدو المبين. ويقف عندها طالبا الرحمة والغفران من الملك الحق المبين تارة يذبح قربانه. تقربا الى الله بالذبح الذي هو افضل واولى ما دخل في قوله. فصل فكما انه لا يستغني عن الصلاة فليس له غنا عن شقيقها اه وقارينها جامعا فيه بين تقربه الى الله بهذا النسك. وبين الاحسان الى اخوانه باطعام البائس الفقير وبين قبول ضيافة الله وكرامته له. حيث امره بالاكل منها ثم شرع له الشروع والتحلل من محظورات الاحرام. بالحلق بعد الرمي. فكان ذلك جاريا مجرسا سلام من الصلاة التي تحريمها التكبير وتحليلها التسليم. فتنحل عنه المحظورات التي كان ممنوع نوعا منها وقت الاحرام. اظهارا للذل والخضوع والتعظيم. وشعارا وهيئة لهذا النسك الكريم ويتفائل على فضل الله بانحلاله عن الخطايا والذنوب. وانه قد ادرك من ربه غاية المنى والمطلوب. فافعال الحج واقواله كلها اسرار وحكم. المقصود منها القيام عبودية المتنوعة والاخلاص للمعبود. فالحج مبناه على الحب والاخلاص والتوحيد والثناء الذكر للحميد المجيد. فانما شرعت المناسك لاقامة ذكر الله. ومن الحكم في ذلك ان هذه عبادات في محل واحد. ينتابه المسلمون من اقطار الارض. بعد المشقات نفائس النفقات. فكانت عبادة واحدة محتوية على جملة عبادات. وطاعة وقربة هي عدة طاعات وقربات. فالذين جاءوا اليها من كل فج عميق. متحملين ما شاء اسأل الله ان يتحملوا من وسائلها وطرقها وما لا تتم الا به. وربما كان بعضهم قد وانواع المغانم والمكاسب والتجارات الرابحات. فيا لها من عبادة جمعت من العمل فنونا ومن الخير انواعا. وكان من حكمة الله ايضا في تعدد عباداتها ومواضعها ان المقيمين في مكة ونواحيها يشاركون في المشقة وبذل النفقات من كان عنها بعيدا ولهذا يستعدون للازواج والمراكب. وان كان الموضع قريبا. فكأنه من تحمله له واستعدادهم له سفر بعيد. فيحصل لهم ما حصل للنائيين. ومن الحكم في ذلك ان تعدد المشاعر والمناسك وتنقلات الحجاج فيها موضعا بعد موضع فيه راحة واجمام وسبب لتكميل كل نسك منها كانه عبادة مستقلة. ولا شك ان التنقلات من اكبر الاسباب قابل تكميل العبادات. ولا ريب ان البرازخ والفصول بين الاعمال سبب كبير نشاط العمال واعتبر ذلك لو كانت افعال الحج عملا واحدا. في موضع واحد يتصل بعضه بعض حتى يتم هل يوجد فيها هذا النشاط والرغبة؟ واستقبال كل مشعر برغبة تامة وعزيمة صادقة ومن الحكم العظيمة في ذلك ان اجتماع المسلمين في هذه المواضع والمشاعر توجب تعارفهم وتعاطفهم واتفاقهم وقيام الالفة. لان المسلمين اخوة ومصالحهم العاقة والخاصة مرتبط بعضها ببعض. فلو كان كل قطر وبلد لا يتصلون بالاخرين ضاعت مصالحهم وفاتت كثير من منافعهم. وتنافرت قلوبهم وتشتت شملهم. ولكن الله له الحمد من عليهم بهذا النسك وهذه العبادة العظيمة. التي تجمعهم وتضم قاصيهم ليقع التعارف ويحصل التآلف. وينتفع كل منهم بالاخر. ويتفاهمون فيما يمكنهم من امور دينهم ودنياهم. فكم كسب الانسان بسبب هذا النسك من ملاقاة اجلاء فضلاء وكم تشرف بمقابلة النبلاء. وكم حصل في ذلك من علوم نافعة واداب صالحة. وكم ربح فيه من اخلاء ومن اخوان واصحاب كرام واخدان. لولاها هذه الامكنة لم يحصلوا. ولولا هذه المجامع لم يدركوا. فهذا من بركات الحج. حيث كان مباركا وهدى للعالمين. ومن الحكم في ذلك ان الله قال ليشهدوا فذكر للحج مقصودين عظيمين. ذكر اسمه والثناء عليه عليه وانواع عبادته. كما تقدمت الاشارة اليه. وشهود المنافع التي لا تتم الا بتعدد هذه المواضع والعبادات. وتنقلها من موضع الى اخر ومن عبادة الى اخرى ام حصل بهذا التعدد من انواع المكاسب الدنيوية والتجارات واصناف الارباح كل موضع منها يقوم فيه سوق كبير من اسواق التجارة المتنوعة. التي لا يمكن احصاء صالحها ومنافعها. كل هذا من بركات هذا النسك. ومن الحكم في ذلك انه قد جرت عادات الامم بقيام التذكار لعظمائهم وكبرائهم. احياء لذكراهم وتعظيما لهم واشادة بمجدهم ومآثرهم. وتنشيطا للاقتداء باعمالهم. واعظم الخلق على الاطلاق انبياء الله ورسله. فهم الرجال العظماء في الحقيقة. واعظمهم مطلقا الخليلان ابراهيم ومحمد صلى الله عليه وعلى اله وسلم. والحج من اوله الى اخره تذكرة مقاماتهم السامية. واحوالهم الزاكية واعمالهم العالية. فكل مشعر مذكر باحواله اهلهم وما كانوا عليه. حاث على الايمان بهم وتصديقهم واجلالهم. واكرامهم وشدة محبتهم وقوة الاتصال بهم. الذي هو اصل الايمان واساس اليقين وطريق الفلاح والسعادة وقد اشار الباري الى ذلك في قوله واتخذوا من مقام ابراهيم ابراهيم مصلى. والمراد بذلك على اصح القولين جميع مقاماته في الحج بجميع مشاعره ومصلى معبدا وتذكارا. وقد وضح ذلك النبي صلى الله عليه وعلى اله سلم اتم التوضيح بقوله عند كل فعل ومشعر من تلك المشاعر خذوا عني مناسككم ففيها عبودية لله من جهة الامر والترغيب. وفيها ايمان بالرسل وتعظيم واحترام وحث على الاقتداء بهم ومحبتهم. وذلك اعلى الخصال واكمل الاحوال. حتى ان فيها تذكيرا لمن يتصل بهؤلاء الرسل العظام. كما ذكر النبي صلى الله عليه وعلى اله وسلم في السعي بين الصفا والمروة. حيث ذكر قصتها هاجر ام اسماعيل قال فلذلك سعى الناس بينهما وكما رمله هو واصحابه في طواف القدوم. فكان سنة الى يوم القيامة لهذا المعنى فكم بين احتفالات الامم بكبرائهم ورؤسائهم وزعمائهم واقامة التذكار لهم الذي لا يسمن ولا يغني من جوع. من هذه الاحتفالات الجليلة العظيمة. التي تملأ القلوب امنا وايمانا وطمأنينة وانشراحا وايقانا وتعظيما. وتوقيرا لمن تعظيمهم غاية الفوز والفلاح. والاقتداء بهم هو الاصل والطريق في ادراك كل نجاح. فالمسلمون اذا وصلوا وحصلوا في كل مشعر من هذه المشاعر جعلوا افعال نبيهم واحواله وشخصه الكريم اعينهم عالمين انه لا تتم امورهم كلها. ولا تكمل الا بتمام الاسرة والقدوة به. فمن انواع الكرامات التي يفيضها الله عليهم بل من اجلها. زيادة سعادة الايمان بنبيهم. وقوة المحبة والشوق اليه. التي هي من اعظم واجبات الايمان شروطه. فصلى الله وسلم عليه وعلى اخوانه من الانبياء والمرسلين. وعلى اتباعهم الى يوم الدين وسلم تسليما. تمت في الثالث من ذي الحجة. سنة ثلاث واربعين ثلاثمائة والف