ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض ان تحبط اعمالكم وانتم لا وهذا ادب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في خطابه. اي لا يرفع المخاطب له صوته معه فوق صوته. ولا المكتبة السمعية للعلامة المفسر الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله. يسر فريق مشروع كبار العلماء ان يقدم فلكم قراءة تفسير السعدي. بسم الله الرحمن الرحيم. يا ايها الذين امنوا لا تقدموا بين يدي الله هذا متضمن للادب مع الله تعالى ومع رسول صلى الله عليه وسلم والتعظيم له واحترامه واكرامه. فامر الله عباده المؤمنين بما يقتضيه الايمان بالله وبرسوله بتقول ايه؟ من امتثال اوامر الله واجتناب نواهيه. وان يكونوا ماشيين خلف اوامر الله. متبعين لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في جميع امورهم وان لا يتقدموا بين يدي الله ورسوله ولا يقولوا حتى يقول ولا يأمروا حتى يأمر فان هذا حقيقة الادب الواجب مع الله ورسوله. وهو عنوان سعادة العبد وفلاحه. وبفواته تفوته السعادة الابدية والنعيم السرمدي وفي هذا النهي الشديد عن تقديم قول غير الرسول صلى الله عليه وسلم على قوله فانه متى استبانت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وجب اتباعها وتقديمها على غيرها كائنا ما كان. واتقوا الله ان الله سميع ثم امر الله بتقواه عموما وهي كما قال طلق بن حبيب ان تعمل بطاعة الله على نور من الله ثواب الله وان تترك معصية الله على نور من الله تخشى عقاب الله وقوله ان الله سميع. اي لجميع الاصوات في جميع الاوقات في خفي المواضع والجهات. عليم بالظواهر والبواطن والسوابق واللواحق والواجبات والمستحيلات والممكنات. وفي ذكر الاسمين الكريمين بعد النهي عن التقدم بين يدي الله ورسوله والامر بتقواه حث على امتثال تلك الاوامر الحسنة والاداب المستحسنة وترهيب عن عدم الامتثال. ثم قال تعالى يا ايها الذين امنوا لا ترفعوا اصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهل يظهر له بالقول بل يغض الصوت ويخاطبه بادب ولين. وتعظيم وتكريم واجلال واعظام. ولا يكون الرسول كاحدهم ليميزوه في خطابهم كما تميز عن غيره في وجوب حقه على الامة ووجوب الايمان به. والحب الذي لا يتم الايمان الا به. فان في عدم القيام بذلك محظورا. وخشية ان يحبط عمل العبد وهو لا يشعر. كما ان الادب معه من اسباب حصول الثواب وقبول الاعمال الذين يغضون اصواتهم عند رسول الله اولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى لهم مغفرة واجر عظيم. ثم مدح من غض صوته عند رسول الله صلى الله عليه وسلم. بان الله امتحن قلوبهم للتقوى اي ابتلاها واختبرها فظهرت نتيجة ذلك بان صلحت قلوبهم للتقوى ثم وعدهم المغفرة لذنوبهم المتضمنة لزوال الشر والمكروه. والاجر العظيم الذي لا يعلم وصفه الا الله تعالى. وفي الاجر العظيم وجود المحبوب. وفي في هذا دليل على ان الله يمتحن القلوب بالامر والنهي والمحن. فمن لازم امر الله واتبع رضاه وسارع الى ذلك. وقدمه على وتمحض وتمحص للتقوى وصار قلبه صالحا لها. ومن لم يكن كذلك علم انه لا يصلح للتقوى الذين ينادونك من وراء الحجرات اكثرهم لا يعقلون. نزلت هذه الايات الكريمة اناس من الاعراب الذين وصفهم الله تعالى بالجفاء وانهم اجدروا الا يعلموا حدود ما انزل الله على رسوله. قدموا وافدين على رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجدوه في بيته وحجرات نسائه. فلم يصبروا ويتأدبوا حتى يخرج. بل نادوه يا محمد يا محمد ايخرج الينا فذمهم الله بعدم العقل. حيث لم يعقلوا عن الله الادب مع رسوله واحترامه. كما ان من العقل وعلامته استعمال الادب فادب العبد عنوان عقله. وان الله مريد به الخير. ولهذا قال تخرج اليهم لكان خيرا لهم. والله غفور رحيم. اي غفور لما صدر عن عباده من الذنوب والاخلال بالاداب رحيم بهم. حيث لم يعاجلهم بذنوبهم بالعقوبات والمثلات فتصبحوا على ما فعلتم وهذا ايضا من الاداب التي على اولي الالباب التأدب بها واستعمالها. وهو انه اذا اخبرهم فاسق بخبر يتثبتوا في خبره ولا يأخذوه مجردا. فان في ذلك خطرا كبيرا ووقوعا في الاثم. فان خبره اذا جعل بمنزلة خبر الصادق العدل حكم بموجب ذلك ومقتضاه. فحصل من تلف النفوس والاموال بغير حق. بسبب ذلك الخبر ما يكون سببا للندامة. بل الواجب عند خبر الفاسق التثبت والتبين. فان دلت الدلائل والقرائن على صدقه عمل به وصدق. وان دلت على كذبه كذب فلم يعمل به ففيه دليل على ان خبر الصادق مقبول. وخبر الكاذب مردود. وخبر الفاسق متوقف فيه كما ذكرنا. ولهذا كان السلف يقبلون روايات كثير من الخوارج المعروفين بالصدق ولو كانوا فساقا لو يطيعكم في كثير من الامر لعنتم. ولكن الله حبب اليك اليكم الايمان وزينه في قلوبكم. وكره اليكم الكفر والفسوق والعصيان اولئك هم الراشدون. اي ليكن لديكم معلوما ان رسول الله صلى الله عليه وسلم بين اظهركم. وهو الرسول الكريم البار الراشد الذي يريد بكم الخير وينصح لكم وتريدون لانفسكم من الشر والمضرة ما لا يوافقكم الرسول عليه. ولو يطيعكم في كثير من الامر لا شق عليكم واعنتكم. ولكن الرسول يرشدكم. والله تعالى يحبب اليكم الايمان ويزينه في قلوبكم بما اودع الله في قلوبكم من محبة الحق وايثاره. وبما ينصب على الحق من الشواهد والادلة الدالة على صحته. وقبول القلوب وبما يفعله تعالى بكم من توفيقه للانابة اليه. ويكره اليكم الكفر والفسوق اي الذنوب الكبار والعصيان هي ما دون ذلك من الذنوب بما اودع في قلوبكم من كراهة الشر وعدم ارادة فعله. وبما نصبه من الادلة والشواهد على فساده عدم قبول الفطر له. وبما يجعله الله من الكراهة في القلوب له. اولئك هم الراشدون. اولئك اي الذين زين الله الايمان في قلوبهم وحببه اليهم. وكره اليهم الكفر والفسوق والعصيان. هم الراشدون. اي الذين صلحت علومهم واعمالهم واستقاموا على الدين القويم والصراط المستقيم. وضدهم الغاوون الذين حبب اليهم الكفر والفسوق والعصيان وكره اليهم الايمان. والذنب ذنبهم فانهم لما فسقوا طبع الله على قلوبهم. ولما زاغوا ازاغ الله تم الاخ المؤمن نفسا لاخيه لان المؤمنين ينبغي ان يكون هكذا حالهم كالجسد الواحد. ولانه اذا همز غيره اوجب للغير ان يهمزه فيكون هو المتسبب لذلك. اي لا يعير احدكم اخاه ويلقبه بلقب قلوبهم ولما لم يؤمنوا بالحق لما جاءهم اول مرة قلب الله افئدتهم. وقوله ونعمة اي ذلك الخير الذي حصل لهم هو بفضل الله عليهم واحسانه. لا بحولهم وقوتهم اي عليم بمن يشكر النعمة فيوفقه لها. ممن لا يشكرها ولا تليق به. فيضع فضله حيث تقتضيه حكمته وان طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فاصلحوا بينهما فان بغت احداهما على الاخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء الى امر الله فان ان الله يحب المقسطين. هذا متضمن لنهي المؤمنين عن ان يبغي بعضهم على بعض ويقاتل بعضهم بعضا. وانه اذا اقتتل الطائفتان من المؤمنين فان على غيرهم من المؤمنين ان يتلافوا هذا الشر الكبير بالاصلاح بينهم والتوسط بذلك على اكمل وجه يقع به الصلح. ويسلك الطريق الموصلة الى ذلك. فان صلحتا فبها ونعمة اي ترجع الى ما حد الله ورسوله من فعل الخير وترك الشر. الذي من اعظمه الاقتتال. وقوله هذا امر بالصلح وبالعدل في الصلح. فان الصلح قد يوجد ولكن فيكون بالعدل بل بالظلم والحيف على احد الخصمين فهذا ليس هو الصلح المأمور به. فيجب الا يراعى احدهما لقرابة او وطن او غير ذلك من المقاصد والاغراظ التي توجب العدول عن العدل. اي العادلين في حكمهم بين الناس وفي جميع الولايات التي تولوها. حتى انه قد يدخل في ذلك عدل الرجل في اهله وعياله في ادائه حقوقهم وفي الحديث الصحيح المقسطون عند الله على منابر من نور. الذين يعدلون في حكمهم واهليهم وما ولوا المؤمنون اخوة فاصلحوا بين اخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون انما المؤمنون اخوة هذا عقد عقده الله بين المؤمنين انه اذا وجد من اي شخص كان في مشرق الارض ومغربها الايمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الاخر. فانه اخ للمؤمنين اخوة توجب ان يحب له المؤمنون ما يحبون لانفسهم رهون له ما يكرهون لانفسهم. ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم امرا بحقوق الاخوة الايمانية. لا تحاسدوا ولا تناجشوا ولا تباغضوا ولا يبع احدكم على بيع بعض. وكونوا عباد الله اخوانا. المؤمن اخو المؤمن لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره. وقال صلى الله عليه وسلم المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا. وشبك صلى الله عليه وسلم بين اصابعه. ولقد امر الله ورسوله بالقيام بحقوق المؤمنين بعضهم لبعض. وبما به يحصل التآلف والتوادد والتواصل بينهم كل هذا تأييد لحقوق بعضهم على بعض. فمن ذلك اذا وقع الاقتتال بينهم الموجب لتفرق القلوب وتباغضها وتدابرها كره فليصلح المؤمنون بين اخوانهم وليسعوا فيما به يزول شنآنهم. ثم امر بالتقوى عموما ورتب على القيام بحقوق مؤمنين وبتقوى الله الرحمة. فقال لعلكم ترحمون. واذا حصلت الرحمة حصل خير الدنيا والاخرة. ودل ذلك على ان ان عدم القيام بحقوق المؤمنين من اعظم حواجب الرحمة. وفي هاتين الايتين من الفوائد غير ما تقدم ان الاقتتال بين المؤمنين منافق للاخوة الايمانية. ولهذا كان من اكبر الكبائر وان الايمان والاخوة الايمانية لا تزول مع وجود القتال كغيره من الذنوب الكبار التي دون الشرك. وعلى ذلك مذهب اهل السنة والجماعة. وعلى وجوب الاصلاح بين المؤمنين بالعدل. وعلى وجوب قتال البغاة حتى يرجعوا الى امر الله وعلى انهم لو رجعوا لغير امر الله لرجعوا على وجه لا يجوز الاقرار عليه والتزامه انه لا يجوز ذلك وان اموالهم معصومة. لان الله اباح دماءهم وقت استمرارهم على بغيهم خاصة. دون اموالهم. يا ايها الذين امنوا ولا نساء من نساء ولا تلمزوا انفسكم ولا تنابزوا بالالقاب وهذا هذا ايضا من حقوق المؤمنين بعضهم على بعض. الا يسخر قوم من قوم بكل كلام وقول وفعل دال على تحقير الاخ المسلم. فان ذلك حرام لا يجوز. وهو دال على اعجاب الساخر بنفسه. وعسى ان يكون المسخور به خيرا من الساخر. كما هو الغالب والواقع. فان السخرية لا تقع الا من قلب ممتلئ من مساوئ الاخلاق. متحل بكل خلق ذميم. ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم بحسب لامرئ من الشر ان يحقر اخاه المسلم ثم قال ولا تلمزوا انفسكم اي لا يعب بعضكم على بعض واللمز بالقول والهمز بالفعل وكلاهما منهي عنه حرام. متوعد عليه بالنار. كما قال تعالى ويل لكل همزة لمزة ذنب يكره ان يطلق عليه وهذا هو التنابز. واما الالقاب غير المذمومة فلا تدخل في هذا اي بئس ما تبدلتم عن الايمان والعمل بشرائعه تقتضيه بالاعراض عن اوامره ونواهيه باسم الفسوق والعصيان الذي هو التنابز بالالقاب اولئك هم الظالمون. فهذا هو الواجب على العبد ان يتوب الى الله تعالى. ويخرج من حق اخيه المسلم باستحلاله والاستغفار والمدح له مقابلة على ذمه. فالناس قسمان ظالم لنفسه غير تائب وتائب مفلح ولا ثم قسم ثالث غيرهما ولا تجسسوا ولا يغتب واتقوا الله فان الله تواب رحيم. نهى تعالى عن كثير من الظن السوء بالمؤمنين. فان بعض الظن اثم. وذلك الظن الخالي من الحقيقة والقرينة. وكظن السوء الذي يقترن به كثير من الاقوال والافعال المحرمة. فان بقاء ظن السوء بالقلب لا يقتصر صاحبه على مجرد ذلك. بل لا يزال به حتى يقول ما لا ينبغي. ويفعل ما لا ينبغي. وفي ذلك ايضا اساءة الظن بالمسلم وبغضه وعداوته المأمور بخلاف ذلك منه. اي لا تفتشوا عن عورات المسلمين ولا تتبعوها واتركوا المسلم على حاله. واستعملوا التغافل عن احواله. التي اذا فتشت ظهر منها ما لا ينبغي. ولا يغتب بعضكم بعضا الغيبة كما قال النبي صلى الله عليه وسلم ذكرك اخاك بما يكره ولو كان فيه. ثم ذكر مثلا منفرا عن الغيبة فقال ايحب احدكم ان يأكل لحم اخيه ميتا فكرهتموه شبه اكل لحمه ميتا المكروه في النفوس غاية الكراهة باغتيابه. فكما انكم تكرهون اكل لحمه وخصوصا اذا كان ميتا. فاقد الروح فكذلك فلتكرهوا وغيبته واكل لحمه حيا. واتقوا الله ان الله تواب رحيم. والتواب الذي يأذن بتوبة عبده فيوفقه لها ثم يتوب عليه بقبول توبته. رحيم بعباده. حيث دعاهم الى ما ينفعهم. وقبل منهم التوبة. وفي هذه في الاية دليل على التحذير الشديد من الغيبة. وان الغيبة من الكبائر. لان الله شبهها باكل لحم الميت. وذلك من الكبائر يا ايها الناس انا خلقناكم من ذكر وانثى وجعلناكم شعوبا. وجعلنا لكم شعوبا وقبائل لتعارفوا. ان اكرمكم عند الله يخبر تعالى انه خلق بني ادم من اصل واحد وجنس واحد وكلهم من ذكر وانثى ويرجعون جميعهم الى ادم وحواء ولكن الله تعالى بث منهما رجالا كثيرا ونساء وجعلهم شعوبا وقبائل اي قبائل صغارا وكبارا وذلك لاجل ان يتعارفوا. فانهم لو استقل كل واحد منهم في نفسه لم يحصل بذلك التعارف الذي يترتب عليه التناصر والتعاون والتوارث. والقيام بحقوق الاقارب ولكن الله جعلهم شعوبا وقبائل لاجل ان تحصل هذه الامور وغيرها مما يتوقف على التعارف ولحوق الانساب. ولكن الكرم بالتقوى فاكرمه هم عند الله اتقاهم. وهو اكثرهم طاعة وانكفافا عن المعاصي. لا اكثرهم قرابة وقوما ولا اشرفهم نسبا. ولكن الله تعالى عليم خبير. يعلم من يقوم منهم بتقوى الله ظاهرا وباطنا. ممن يقوم بذلك ظاهرا لا باطنا. فيجازي كلا بما يستحق وفي هذه الاية دليل على ان معرفة الانساب مطلوبة مشروعة. لان الله جعلهم شعوبا وقبائل لاجل ذلك ولما يدخل الايمان يخبر تعالى عن مقالة الاعراب الذين دخلوا في الاسلام في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم دخولا من غير بصيرة ولا قيام بما يجب يقتضيه الايمان. وانهم ادعوا مع هذا وقالوا امنا اي ايمانا كاملا. مستوفيا اموره هذا موجب هذا الكلام. فامر الله رسوله ان يرد عليهم. فقال اسلمنا ولما يدخل الايمان في قلوبكم. قل لم تؤمنوا اي لا تدعوا لانفسكم مقام الايمان قاهرا وباطنا كاملا. ولكن قولوا اسلمنا اي دخلنا في الاسلام واقتصروا على ذلك. والسبب في ذلك انه لما يدخلن للايمان في قلوبكم. وانما امنتم خوفا او رجاء او نحو ذلك. مما هو السبب في ايمانكم. فلذلك لم تدخل بشاشة الايمان في قلوبكم وفي قوله ولما يدخل الايمان في قلوبكم اي وقت هذا الكلام الذي صدر منكم فكان فيه اشارة الى احوالهم بعد كذلك فان كثيرا منهم من الله عليهم بالايمان الحقيقي والجهاد في سبيل الله وان تطيعوا الله ورسوله بفعل خير او ترك شر لا يلدكم من اعمالكم شيئا. اي لا ينقصكم منها مثقال ذرة. بل يوفيكم اياها اكمل ما تكون لا تفقدون منها صغيرا ولا كبيرا. ان الله غفور رحيم. غفور لمن تاب اليه واناب رحيم به حيث قبل توبته الم يرتابوا وجاهدوا باموالهم وجاهدوا باموالهم في سبيل هم الصادقون. انما المؤمنون على الحقيقة الذين امنوا بالله ورسوله وجاهدوا في سبيل الله. اي من جمعوا بين الايمان والجهاد في سبيل الله. فان من جاهد الكفار دل ذلك على الايمان التام في القلب لان من جاهد غيره على الاسلام والقيام بشرائعه. فجهاده لنفسه على ذلك من باب اولى واحرى. ولان من لم يقوى على الجهاد فان ذلك دليل على ضعف ايمانه. وشرط تعالى في الايمان عدم الريب وهو الشك. لان الايمان النافع هو الجزم اليقيني بما امر الله وبالايمان به الذي لا يعتريه شك بوجه من الوجوه وقوله اولئك هم الصادقون اي الذين صدقوا ايمانهم باعمالهم الجميلة. فان الصدق دعوة كبيرة في كل شيء يدعى. يحتاج صاحبه الى حجة وبرهان واعظم ذلك دعوى الايمان الذي هو مدار السعادة. والفوز الابدي والفلاح السرمدي. فمن ادعاه وقام بواجباته ولوازمه فهو الصادق المؤمن حقا. ومن لم يكن كذلك علم انه ليس بصادق في دعواه. وليس لدعواه فائدة فان الايمان في القلب ايطلع عليه الا الله تعالى فاثباته ونفيه من باب تعليم الله بما في القلب. وهذا سوء ادب وظن بالله ولهذا قال والله بكل شيء عليم. وهذا شامل للاشياء كلها التي من جملتها ما في القلوب من الايمان والكفران والبر والفجور فانه تعالى يعلم ذلك كله ويجازي عليه. ان خيرا فخير وان شرا فشر. يمنون عليك ان نسلم قل لا تمنوا علي اسلامكم. بل الله يمن عليكم بل الله يمن عليكم من هداكم هذه حالة من احوال من ادعى لنفسه الايمان وليس به فانه اما ان يكون ذلك تعليما لله. وقد علم انه عالم بكل شيء. واما ان يكون قصدهم بهذا الكلام المنة على رسوله. وانه هم قد بذلوا له وتبرعوا بما ليس من مصالحهم. بل هو من حظوظه الدنيوية وهذا تجمل بما لا يجمل. وفخر بما لا ينبغي لهم ان يفتخروا على رسوله به فان المنة لله تعالى عليهم. فكما انه تعالى يمن عليهم بالخلق والرزق والنعم الظاهرة والباطنة. فمنته عليهم بهدايتهم الى الاسلام. ومنته عليهم بالايمان اعظم من كل شيء. ولهذا قال تعالى كأن اسلموا قل لا تمنوا علي اسلامكم بل الله يمن عليكم ان هديت بل الله يمن عليكم من هداكم لي الايمان ان كنتم صادقين. ان الله يعلم غيب السماوات والارض الارض والله بصير بما تعملون. اي الامور الخفية فيهما التي الخلق كالذي في لجج البحار ومهامه القفار وما جنه الليل او وراه النهار يعلم قطرات الامطار وحبات ومكنونات الصدور وخبايا الامور. وما تسقط من ورقة الا يعلمها. ولا حبة في ظلمات الارض ولا رطب ولا يابس الا في كتاب مبين. يحصي عليكم اعمال ما لكم ويوفيكم اياها ويجازيكم عليها بما تقتضيه رحمته الواسعة. وحكمته البالغة