عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من بنى مسجدا لله تعالى يبتغي به وجه الله بنى الله له بيتا في الجنة متفق عليه وفي رواية لمسلم بنى الله له بيتا مثله في الجنة كيف تبني بيتا في الجنة ومع سبب جديد من اسباب بناء بيت في الجنان رفيع العماد الا وهو بناء المساجد وهو السبب الخامس ويدل لهذا السبب حديث عثمان رضي الله تعالى عنه الحمد لله الكريم الماجد والصلاة والسلام على رسولنا خير عابد وساجد صلى الله عليه وعلى اله وصحبه الاماجد وبعد فحيا الله المستمعين والمستمعات ارحب بكم في حلقة جديدة من حلقات برنامجكم اليومي قال الحافظ النووي رحمه الله تعالى قوله صلى الله عليه وسلم مثله يحتمل امرين احدهما ان يكون معناه بنى الله تعالى له مثله في مسمى البيت واما صفته في الساعة وغيرها فمعلوم فظلها انها مما لا عين رأت ولا اذن سمعت ولا خطر على قلب بشر الثاني ان معناه ان فضله على بيوت الجنة كفضل المسجد على بيوت الدنيا وعن عبيد الله الخولاني قال سمعت عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه يقول عند قول الناس فيه حين بنى مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم انكم ما اكثرتم واني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فذكر الحديث من بنى مسجدا لله تعالى يبتغي به وجه الله بنى الله له بيتا في الجنة وهذا يبين سبب ذكره وورود هذا الحديث ويفيد بان المشاركة في بناء المساجد سبب لتحصيل بيت في الجنة ايها الاخ الكريم والاخت الكريمة وفي صحيح الامام مسلم من حديث محمود بن لبيد رضي الله عنه ان عثمان بن عفان رضي الله عنه اراد بناء المسجد فكره الناس ذلك فاحبوا ان يدعه على هيئته فقال رضي الله عنه سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من بنى مسجدا لله بنى الله له في الجنة مثله قال الحافظ ابن رجب رحمه الله وروى ابن لهيعة قال حدثني يزيد ابن عمرو المعافري قال سمعت ابا ثور الفهمي قال دخلت على عثمان فقال قد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من يشتري هذه الربعة ويزيدها في المسجد وله بيت في الجنة. قال عثمان ان رضي الله عنه فاشتريتها وزدتها في المسجد. اخرجه البزار في مسنده وهذا يرجع الى قاعدة الجزاء على العمل من جنسه فكما ان من اعتق رقبة اعتق الله بكل عضو منه عضوا منها من النار. فكما ان من اعتق رقبة اعتقه الله بكل عضو منه عضوا منها من النار ومن نفس عن مسلم كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب الاخرة ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والاخرة ومن ستر مسلما في الدنيا ستره الله في الاخرة. والراحمون يرحمهم الرحمن ومثل هذا كثير ان الجزاء من جنس العمل فمن بنى لله مسجدا يذكر فيه اسم الله في الدنيا. بنى الله تبارك وتعالى له في الجنة بيتا. وليس في قوله صلى الله عليه وسلم بنى الله له مثله ان المراد به انه على قدره. ولا على صفته في بنيانه. ولكن مراد والله اعلم انه يوسع بنيانه بحسب توسعته ويحكم بنيانه بحسب احكامه لا من جهة الزخرفة ولا من جهة الكبر ولا من جهة اختلاف البنيان والمادة. ويكمل انتفاعه بما يبنى له في الجنة بحسب كمال انتفاع الناس بما بناه لهم في الدنيا ويشرف على سائر بنيان الجنة. كما تشرف المساجد في الدنيا على سائر البنيان وان كان لا نسبة لما في الدنيا الى ما في الاخرة كما قال النبي صلى الله عليه وسلم ما الدنيا في الاخرة الا كما يجعل احدكم اصبعه في اليم فلينظر بما ترجع وقد دل على ما قلناه ما خرجه الامام احمد من حديث اسماء بنت يزيد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من بنى لله مسجدا في الدنيا فان الله عز وجل يبني له بيتا اوسع منه في الجنة وخرجه بمعناه من حديث حجاج عن عمرو بن شعيب عن به عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم ومن حديث واثلة بن الاسقع رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم من بنى مسجدا يصلى فيه بنى الله له في الجنة افضل من وخرج البزار والطبراني من حديث ابي هريرة مرفوعا من بنى لله بيتا يعبد الله فيه من حلال بنى الله له بيتا في الجنة من در وياقوت قال العقيلي بعد ان رواه باسانيده اما المتن فقد روي باسانيد صالحة من غير هذا الوجه وقيل ان الصحيح وقفه على ابي هريرة واما قوله صلى الله عليه وسلم يبتغي به وجه الله. فهذا الشرط لا بد منه. ولكن قد يستفاد من قوله من بنى مسجدا لله انه اريد به من بنى مسجد اذا خالصا لله وقد روى المثنى بن الصباح عن عطاء عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من بنى مسجدا لا يريد به رياء ولا سمعة بنى الله له بيتا في الجنة خرجه الطبراني والمثنى فيه ضعف وبكل حال فالاخلاص شرط لحصول الثواب في جميع الاعمال فان الاعمال بالنيات وانما لامرئ ما نوى وبناء المساجد من جملة الاعمال. فان كان الباعث على عمله ابتغاء وجه الله حصل له هذا الاجر الا وهو بناء او بيت في الجنة وان كان الباعث عليه الرياء والسمعة او المباهاة فصاحبه متعرض لمقت الله وعقابه. كسائر من عمل شيئا من اعمال البر يريد به الدنيا كمن صلى يرائي او حج يرائي او تصدق يرائي. ومن بنى المساجد من غير رياء ولا سمعة. ولم يستحضر فيه نية الاخلاص فهل يثاب على ذلك ام لا؟ فيه قولان للسلف وقد روي عن الحسن البصري وابن سيرين انه يثاب على اعمال البر والمعروف وقد روي عن الحسن البصري وابن سيرين ان الانسان يثاب على اعمال البر والمعروف بغير نية لما من النفع المتعدي الله اعلم انتهى كلام الحافظ ابن رجب رحمه الله قال الترمذي رحمه الله بعد ان اورد حديث عثمان المتفق عليه وفي الباب عن ابي بكر وعمر وعلي وعبد الله بن عمر وانس وابن عباس وعائشة وام حبيبة وابي ذر وعمرو بن عبسة وواثلة بن الاسقع وابي هريرة وجابر بن عبدالله رضي الله عنهم قال المباركفوري في شرحه على الترمذي قوله من بنى لله مسجدا التنكير فيه للشيوع قوله من بنى لله مسجدا التنكير فيه للشيوع فيدخل في كلمة المسجد في كلمة فيدخل في كلمة مسجد الكبير والصغير. كما في الرواية الاتية صغيرا كان او كبيرا. وقوله لله ان يبتغي به وجه الله قال ابن الجوزي رحمه الله من كتب اسمه على المسجد الذي يبنيه كان بعيدا من الاخلاص انتهى الا ان الانسان قد يبني مسجدا لله ويكتب اسمه عليه رجاء يدعو الناس له ومن بناه بالاجرة ومن بنى المسجد بالاجرة فكان عاملا فيها لا يحصل له هذا الوعد المخصوص لعدم الاخلاص وان كان يؤجر في الجملة كذا في الفتح وفي الباب ايضا عن ابي قرصافة ونبيط بن شريط وعمر بن مالك واسماء بنت يزيد ومعاذ وابي امامة وعبدالله بن ابي اوف وابي موسى وعبدالله بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهم اجمعين. انتهى كلام المباركفوري رحمه الله. قلت ومن هنا قال بعض اهل العلم ان حديث من بنى لله مسجدا بنى الله له بيتا في الجنة من الاحاديث المتواترة وعند الترمذي ايضا بلفظ من بنى لله مسجدا صغيرا كان او كبيرا بنى الله له بيتا في الجنة. قال المبارك فوري رحمه الله في رواية ابن ابي شيبة من حديث عثمان من بنى مسجدا ولو كمفحص قطاة. وهذه الزيادة ايضا عند ابن حبان والبزار. من حديث ابي ذر. وعند ابي مسلم الكجي من حديث ابن عباس رضي الله عنهما. وعند الطبراني في الاوسط من حديث انس وابن عمر وعند ابي نعيم في الحلية من حديث ابي بكر الصديق وحمل اكثر العلماء ذلك على المبالغة لان المكان الذي تفحص القطاة عنه لتضع فيه بيضها وترقد عليها لا يكفي مقداره للصلاة فيه كذا في الفتح قال المباركفوري رحمه الله قلت للعلماء في توجيه قوله صلى الله عليه وسلم ولو كمفحص قطاة قولان الاول انه محمول على المبالغة وهو قول الاكثر وقال اخرون هو على ظاهره بل معنى على هذا ان يزيد في مسجد قدرا يحتاج اليه. وتكون هذه الزيادة على هذا القدر او يشترك جماعة في بناء المسجد فتقع حصة كل واحد فتقع حصة كل واحد منهم ذلك القدر انتهى كلامه رحمه الله قال المناوي رحمه الله في فيض القدير قوله بنى الله له بيتا في الجنة يعني ان هذا البيت سعته كسعة المسجد عشر مرات فاكثر وذلك مفاد من التنكير الدال على التعظيم وفي القرآن الكريم. من جاء بالحسنة فله عشر امثالها وقال المناوي ايضا قوله من بنى اي بنفسه او بني له بامره. لله مسجدا اي محلا للصلاة يعني لذلك فخرج الباني بالاجرة كما يرشد اليه السياق ونكره ليشيع فيشمل الكبير والصغير. وبه صرحت رواية الترمذي واطلاق البناء غالبي فلو ملك بقعة لا بناء بها او كان يملكه بناء فوقفه مسجدا صحا بنى الله له بيتا في الجنة. نظرا لمعنى قوله صلى الله عليه وسلم بنى الله له وابرز الفاعل تعظيما وافتخارا بنى الله له. فذكر ان الباني للبيت في الجنة هو الله. للدلالة على ان ان البناء هناك معظم عظيم ويحق للانسان ان يفتخر فيه. قال بيتا في الجنة قال المناوي متعلق ببنى وفيه ان فاعل ذلك يدخل الجنة. اذ القصد ببنيانه له اسكانه اياه وقال الحافظ العراقي رحمه الله ولابد لحصول هذا الثواب من اسم البناء. فلا يكفي جعل الارض مسجدا بدونه. ولا نحو تحويطه بطين او تراب ولا يتوقف حصوله على بنائه بنفسه. بل امره كاف والاوجه عدم دخول الباني لغيره باجرة وقضية اناطة الحكم بالبناء عدم حصول عدم حصوله لمن اشترى بناء ووقفه مسجدا. والظاهر خلافه اعتبارا من معنى انتهى ايها الاخوة والاخوات البناء في الجنة لهذا العبد المعين وان البيت في الجنة بناء على بنائه المسجد في الدنيا. لهذا العبد الباني من اعظم انواع العظام والاكرام لايذانه بان ذاك البيت في الجنة مقره ومسكنه قد اعد له وهيئ له وبني له. وانه عند الله بمكان جليل مختلف عن بيوتات الجنة. وذلك لانه انا في دار الدنيا بيتا للقهار. فبنى الله له في دار القرار بيتا بجوار الغفار. قال الزركشي رحمه الله خص القطاة بالذكر دون غيرها لان العرب تضرب به المثل في الصدق ففيه رمز للمحافظة على الاخلاص في بناء والصدق في انشائه كايدة من بنى المسجد بالاجرة لا يحصل له هذا الوعد المخصوص لعدم الاخلاص وان كان يؤجر في الجملة. كما اشار اليه الحديث ان الله يدخل بالسهم الواحد الحديث. وبحث بعضهم انه يدخل في الثواب المذكور من حوط على بعضه جعله مسجدا بغير بناء. ومن يملك نحو بيت فوقفه مسجدا. نظرا للمعنى قال ملا عن القارئ الحنفي رحمه الله في المرقاء قوله من بنى لله مسجدا انما قال لله لاخراج ما بني للرياء والسمعة. قال علي القارئ الحنفي رحمه الله في الملقاة في باب مناقب عثمان رضي الله عنه واخرج ابو الخير القزويني الحاكمي عن سالم بن عبدالله ابن عمر انه كان من شأن عثمان ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لرجل من اهل مكة يا فلان الا تبيعني دارك ازيدوها في مسجد الكعبة ببيت اضمنه في الجنة. فقال الرجل يا رسول الله ما لي بيت غيره؟ فان انا بعتك داري لا يؤويني بمكة شيء. قال الا بل بعني دارك ازيدها في مسجد الكعبة ببيت اظمنه لك في الجنة. فقال الرجل والله ما الى ذلك حاجة فبلغ ذلك عثمان. وكان الرجل صديقا له في الجاهلية. فاتاه فلم يزل به عثمان رضي الله عنه حتى اشترى منه داره بعشرة الاف دينار. فقال يا رسول الله بلغني انك اردت من فلان داره لتجدها في مسجد الكعبة ببيت تضمنه له في الجنة. وانما هي داري فهل انت اخذها ببيت تظمنه لي في الجنة؟ فاخذها منه وظمن له في الجنة واشهد له على ذلك المؤمنين. فنسأل الله عز وجل ان يعيننا واياكم على بناء المساجد. حتى يبني الله لنا فتن في الجنان تتميز وتتمايز عن بيوتات الناس كما تتميز المساجد عن بيوتات الناس والله اعلم. وصلي اللهم وسلم وبارك وانعم على نبينا محمد وعلى اله واصحابه اجمعين. والحمد لله رب العالمين