يصدق بعضه بعضا لا تناقض فيه ولا اختلاف. وذلك دليل على صحته وانه من عند الله ولو كان من عند غير الله تواجدوا فيه اختلافا كثيرا. يقول تعالى قتل الخراسون اي قاتل الله الذين وقد وسع كل شيء علما فسلموا لحكمه. واشكروه على نعمته. قال لهم ابراهيم عليه السلام ايها المرسلون. اي ما شأنكم وما تريدون؟ لانه استشعر انهم رسل. ارسلهم الله لبعض الشؤون المكتبة السمعية للعلامة المفسر الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله. يسر فريق مشروع كبار العلماء ان يقدم فلكم قراءة تفسير السعدي. بسم الله الرحمن الرحيم. والذاريات ذرا فالحاملات الدين لواقع. هذا قسم من الله الصادق في قيله بهذه المخلوقات العظيمة التي جعل الله فيها من المصالح والمنافي ما جعل على ان وعده صدق وان الدين الذي هو يوم الجزاء والمحاسبة على الاعمال لواقع لا محالة ما له من دا فاذا اخبر به الصادق العظيم واقسم عليه واقام الادلة والبراهين عليه. فلما يكذب به المكذبون ويعرض عن العمل العاملون والمراد بالذاريات هي الرياح التي تذرو في هبوبها ذروا بلينها ولطفها وقوتها ازعاجها فالحاملات وقرا. السحاب تحمل الماء الكثير. الذي ينفع الله به البلاد والعباد. فالجاريات يسرا النجوم التي تجري على وجه اليسر والسهولة فتتزين بها السماوات. ويهتدى بها في ظلمات البر والبحر. وينتفع بالاعتبار بها المقسمات امرا الملائكة التي تقسم الامر وتدبره باذن الله. فكل منهم قد جعله الله على تدبير امر من امور الدنيا الاخرة لا يتعدى ما قدر له وما حد ورسم. ولا ينقص منه ايها السماء ذات الطرائق الحسنة التي تشبه حبك الرمال ومياه الغدران حين يحركها النسيم لفي قول مختلف. انكم ايها المكذبون لمحمد صلى الله عليه وسلم منكم من يقول ساحر ومنكم من يقول كاهن ومنكم من يقول مجنون. الى غير ذلك من الاقوال المختلفة. الدالة على حيرتهم وشكهم وان ما هم عليه باطل. اي يصرف عنه من صرف عن الايمان وانصرف قلبه عن ادلة الله اليقينية وبراهينه واختلاف قولهم دليل على فساده وبطلانه. كما ان الحق الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم متفق كذبوا على الله وجحدوا اياته وخاضوا بالباطل ليدحضوا به الحق. الذين يقولون على الله ما لا يعلمون الذين هم في غمرة في لجة من الكفر والجهل والضلال يسألون على وجه الشك والتكذيب ايان يبعثون اي متى يبعثون مستبعدين لذلك فلا تسأل عن حالهم وسوء مآلهم. اي يعذب بسبب من طووا عليه من خبث الباطن والظاهر. ويقال لهم ذوقوا فتنتكم اي العذاب والنار الذي هو اثر ما افتتنوا به. من الابتلاء الذي سيرهم الى الكفر ضلال. هذا العذاب الذي وصلتم اليه هو الذي كنتم به تستعجلون. فالان تمتعوا بانواع العقاب والنكال والسلام والاغلال والسخط والوبال. ان المتقين في جنات وعيون يقول تعالى في ذكر ثواب المتقين واعمالهم. التي اوصلتهم الى ذلك الجزاء. ان المتقين الذين كانت التقوى شعارهم وطاعة الله دثارهم. في جنات مشتملات على جميع اصناف الاشجار والفواكه التي يوجد لها نظير في الدنيا والتي لا يوجد لها نظير مما لم تنظر العيون الى مثله ولم تسمع الاذان ولم يخطر على قلوب العباد وعيون سارحة اشربوا منها البساتين ويشرب بها عباد الله يفجرونها تفجيرا. اخذين ما اتاهم ربهم اخذين ما اتاهم ربهم يحتمل ان المعنى ان اهل الجنة قد اعطاهم مولاهم جميع مناهم من جميع اصناف النعيم. فاخذوا ذلك راضين به. قد قرت به اعينهم فتحت به نفوسهم ولم يطلبوا منه بدلا ولا يبغون عنه حولا. وكل قد ناله من النعيم ما لا يطلب عليه المزيد. ويحتمل ان هذا هذا وصف المتقين في الدنيا وانهم اخذون ما اتاهم الله من الاوامر والنواهي. اي قد تلقوها بالرحب وانشراح الصدر. منقدين لما امر الله به بالامتثال على اكمل الوجوه. ولما نهى عنه من انزجار عنه لله على اكمل وجه. فان الذي اعطاهم الله من الاوامر والنواهي هو افضل العطايا التي حقها ان تتلقى بالشكر لله عليها والانقياد. والمعنى الاول الصق بسياق الكلام. لانه ذكر فهم في الدنيا واعمالهم بقوله انهم كانوا قبل ذلك الوقت الذي وصلوا به الى النعيم محسنين. وهذا شامل لاحسانهم بعبادة ربهم. بان يعبدوه كانهم يرونه. فان لم يكونوا ويرون فانه يراهم وللاحسان الى عباد الله ببذل النفع والاحسان من مال او علم او جاه او نصيحة او امر بمعروف او نهي عن منكر او غير ذلك من وجوه الاحسان وطرق الخيرات. حتى انه يدخل في ذلك الاحسان بالقول والكلام اللين الى المماليك والبهائم المملوكة وغير المملوكة. ومن افضل انواع الاحسان في عبادة الخالق. صلاة الليل. الدالة على الاخلاص وتواطؤ القلب واللسان. ولهذا قال كانوا قليلا من الليل ما يهجعون. كانوا اي المحسنون قليلا من الليل ما يهجعون. اي كان هجوعهم اي نومهم بالليل قليلا واما اكثر الليل فانهم قانتون لربهم ما بين صلاة وقراءة وذكر ودعاء وتضرع هم يستغفرون وبالاسحار التي هي قبيل الفجر هم يستغفرون الله تعالى فمدوا صلاتهم الى سحر ثم جلسوا في خاتمة قيامهم بالليل يستغفرون الله تعالى استغفار المذنب لذنبه والاستغفار بالاسحار فضيلة وخصيصة ليست لغيره كما قال تعالى في وصف اهل الايمان والطاعة والمستغفرين بالاسحار قل للسائل والمحروم. وفي اموالهم حق واجب ومستحب اي للمحتاجين الذين يطلبون من الناس والذين لا يطلبون منهم افلا تبصرون يقول تعالى داعيا عباده الى التفكر والاعتبار وذلك شامل لنفس الارض وما فيها من جبال وبحار وانهار واشجار ونبات. تدل المتفكر فيها المتأمل لمعانيها على عظمة خالقها وسعة سلطانه. وعميم احسانه واحاطة علمه بالظواهر والبواطن. وكذلك في نفس العبد من العبر والحكمة والرحمة ما يدل على انه الله وحده الاحد الفرد الصمد. وانه لم يخلق الخلق سدى. وقوله رزقكم وما توعدون. وفي السماء رزقكم اي مادة رزقكم من الامطار وصنوف الاقدار الرزق الديني والدنيوي. وما توعدون من الجزاء في الدنيا والاخرة. فانه من عند الله كسائر الاقدار. فلما بين الايات ونبه عليها تنبيها ينتبه به الذكي اللبيب. اقسم تعالى على ان وعده وجزاءه حق وشبه ذلك باظهار الاشياء لنا وهو النطق. فقال فكما لا تشكون في نطقكم فكذلك لا ينبغي الشك في البعث بعد الموت. هل اتاك حديث ضيف ابراهيم المكرمين يقول تعالى هل اتاك اي اما جاءك حديث ضيف ابراهيم المكرمين؟ ونبأهم الغريب العجيب وهم الملائكة الذين ارسلهم الله لاهلاك قوم لوط وامرهم بالمرور على ابراهيم فجاءوه في صورة اضياف قال مجيبا لهم سلام اي عليكم قوم منكرون اي انتم قوم منكرون فاحب ان تعرفوني بانفسكم ولم يعرفهم الا بعد ذلك. فراغ الى اهله ولهذا راغ الى اهله اي ذهب سريعا في خفية ليحضر لهم قراهم بعجل سمين فقربه اليهم. وعرض عليهم الاكل قال الا تأكلون فاوجس منهم خيفة قالوا لا تخف وبشروهم بغلام عليم. فاوجس منهم خيفة حين رأى ايديهم لا تصل اليه. قالوا لا تخف واخبروه بما جاءوا له وبشروه بغلام عليم. وهو اسحاق عليه السلام. فلما سمعت المرأة البشارة عجوز اقبلت فرحة في صرة اي صيحة فصكت وجهها وهذا من جنس ما يجري من النساء عند السرور ونحوه من الاقوال والافعال المخالفة للطبيعة والعادة. وقالت عجوز عقيم. اي ان لي الولد وانا عجوز قد بلغت من السن ما لا تلد معه النساء ومع ذلك فانا عقيم غير صالح الرحم للولادة اصلا. فثما مانعان كل منهما مانع من الولد وقد ذكرت المانعة الثالثة في سورة هود بقولها وهذا بعلي شيخا. ان هذا لشيء عجيب. قالوا كذلك قالوا كذلك قال ربك اي الله الذي قدر ذلك وامضى فلا عجب في قدرة الله تعالى. اي الذي يضع الاشياء مواضعها مهمة وهم قوم لوط قد اجرموا بالله وكذبوا رسولهم واتوا الفاحشة الشنعة التي ما سبقهم اليها احد من العالمين مسومة عند ربك للمسرفين. اي معلمة على الى كل حجر منها سمة صاحبه. لانهم اسرفوا وتجاوزوا الحد. وجعل ابراهيم يجادلهم في قوم لوط. لعل الله يدفع عنهم العذاب قال الله يا ابراهيم اعرض عن هذا انه قد جاء امر ربك وانهم اتهم عذاب غير مردود فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين وهم بيت لوط عليه السلام الا امرأته فانها من المهلكين. وتركنا فيها للذين يخافون العذاب الاليم. يعتبرون بها يعلمون ان الله شديد العقاب وان رسله صادقون مصدوقون. فصل في بعض ما تضمنته هذه القصة من الحكم والاحكام منها ان من الحكمة قص الله على عباده نبأ الاخيار والفجار. ليعتبروا بحالهم واين وصلت بهم الاحوال. ومنها فضل ابراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام حيث ابتدأ الله قصته بما يدل على الاهتمام بشأنها والاعتناء بها. ومنها مشروعية الضيافة وانها من سنن ابراهيم الخليل الذي امر الله هذا النبي وامته ان يتبعوا ملته. وساقها الله في هذا الموضع على وجه المدح له والثناء. ومنها ان الضيف يكرم بانواع الاكرام. بالقول والفعل. لان الله وصف الضيافة ابراهيم بانهم مكرمون اي اكرمهم ابراهيم ووصف الله ما صنع بهم من الضيافة قولا وفعلا ومكرمون ايضا عند الله تعالى ومنها ان ابراهيم السلام قد كان بيته مأوى للطارقين والاضياف. لانهم دخلوا عليه من غير استئذان. وانما سلكوا طريق الادب في الابتداء بالسلام رد عليهم ابراهيم سلاما اكمل من سلامهم واتم. لانه اتى به جملة اسمية دالة على الثبوت والاستقرار. ومنها مشروع تعرف من جاء الى الانسان او صار له فيه نوع اتصال لان في ذلك فوائد كثيرة. ومنها ادب ابراهيم ولطفه في الكلام حيث قال قوم منكرون ولم يقل انكرتكم وبين اللفظين من الفرق ما لا يخفى. ومنها المبادرة الى الضيافة الاسراع بها لان خير البر عاجله. ولهذا بادر ابراهيم باحضار قرى اضيافه. ومنها ان الذبيحة الحاضرة التي قد اعدت بغير الضيف الحاضر اذا جعلت له ليس فيها اقل اهانة بل ذلك من الاكرام كما فعل ابراهيم عليه السلام. واخبر الله ان ضيفه ومنها ما من الله به على خليله ابراهيم من الكرم الكثير وكون ذلك حاضرا عنده وفي بيته معدا لا يحتاج يحتاج الى ان يأتي به من السوق او الجيران ولا غير ذلك. ومنها ان ابراهيم هو الذي خدم اضيافه وهو خليل الرحمن وكبير من ضيف الضيفان ومنها انه قربه اليهم في المكان الذي هم فيه ولم يجعله في موضع ويقول لهم تفضلوا اوئتوا اليه لان هذا ايسر عليهم واحسن. ومنها حسن ملاطفة الضيف في الكلام اللين. خصوصا عند تقديم الطعام اليه. فان إبراهيم عرض عليهم عرضا لطيفا وقال ألا تأكلون ولم يقل كلوا ونحوه من الألفاظ التي غيرها أولى منها بل أتى بأداة فقال الا تأكلون؟ فينبغي للمقتدي به ان يستعمل من الالفاظ الحسنة؟ ما هو المناسب واللائق بالحال؟ كقوله لاطيافه الا تأكلون او الا تتفضلون علينا وتشرفوننا وتحسنون الينا ونحوه. ومنها ان من خاف من الانسان لسبب من الاسباب فان عليه ان يزيل عنه الخوف ويذكر له ما يؤمن روعه ويسكن جأشه. كما قالت الملائكة لابراهيم لما خافهم لا تخف واخبروه بتلك البشارة السارة بعد الخوف منهم ومنها شدة فرح سارة امرأة ابراهيم حتى جرى منها ما جرى صك وجهها وسرتها غير المعهودة. ومنها ما اكرم الله به ابراهيم وزوجته سارة. من البشارة بغلام عليم. وقال قوله تعالى وفي موسى اذ ارسلناه الى فرعون بسلطان مبين وفي موسى وما الله به الى فرعون وملائه بالايات البينات والمعجزات الظاهرات. اية للذين يخافون العذاب الاليم. فلما اتى موسى بذلك المبين. تتولى بركنه وقال ساحر او مجنون. فتولى فرعون بركنه اي اعرض بجانبه عن بالحق ولم يلتفت اليه وقدح فيه اعظم القدح. فقالوا اي ان موسى لا يخلو اما ان يكون ساحرا وما اتى به شعبذة ليس من الحق في شيء واما ان يكون مجنونا لا يؤاخذ بما صدر منه لعدم عقله. هذا وقد علموا خصوصا فرعون ان موسى صادق كما قال تعالى وجحدوا بها واستيقنتها انفسهم ظلما وعلوا. وقال موسى لفرعون لقد علمت ما انزل هؤلاء الا رب السماوات والارض بصائر اي مذنب طاغ عات على الله فاخذه الله اخذ عزيز مقتدر اي وفي عاد القبيلة المعروفة اية عظيمة. اي التي لا خير فيها كذبوا نبيهم هودا عليه السلام. اي فالذي اهلكهم على قوتهم وبطشهم دليل على كمال قوته واقتداره. الذي لا يعجزه شيء المنتقم ممن عصى وفي ثمود ان قيل لهم تمتعوا حتى حين امر ربهم فاخذتهم الصاعقة هي ارسل الله اليهم صالحا عليه السلام فكذبوه وعاندوه وبعث الله له الناقة اية مبصرة فلم يزدهم ذلك الا عتوا ونفوا فاخذتهم الصاعقة اي الصيحة العظيمة المهلكة وهم ينظرون الى عقوبتهم باعينهم فما استطاعوا من قيام ينجون به من العذاب وما كانوا لانفسهم اي وكذلك ما فعل الله بقوم نوح حين كذبوا نوحا عليه السلام وفسقوا عن امر الله. فارسل الله عليهم السماء والارض بالماء المنهمر. فاغرقهم الله تعالى عن اخرهم ولم يبق من الكافرين ديارا. وهذه عادة الله وسنته فيمن عصاه يقول تعالى مبينا لقدرته العظيمة والسماء بنيناها اي خلقناها واتقناها وجعلناها سقفا للارض وما عليها. بايد اي قوة وقدرة وانا لموسعون لارجائها وانحائها. وانا لموسعون ايضا على عبادنا بالرزق الذي ما ترك الله دابة في مهامه القفار البحار واقطار العالم العلوي والسفلي. الا واوصل اليها من الرزق ما يكفيها. وساق اليها من الاحسان ما يغنيها. فسبحان انا من عم بجوده جميع المخلوقات. وتبارك الذي وسعت رحمته جميع البريات. والارض فرشناها فنعم الماهر والارض فرشناها اي جعلناها فراشا للخلق يتمكنون فيها من كل ما تتعلق به مصالحهم من مساكن وغراس وزرع وحرث وجلوس وسلوك للطرق الموصلة الى مقاصدهم ومآربهم. ولما كان الفراش قد يكون صالحا للانتفاع من كل وجه وقد يكون من وجه دون وجه اخبر تعالى انه مهدها احسن مهاد على اكمل الوجوه واحسنها واثنى على نفسه بذلك فقال فنعم الماهلون الذي مهد لعباده ما اقتضته حكمته ورحمته واحسانه خلقنا زوجين لعلكم تذكرون. اي صنفين ذكر وانثى من كل نوع من انواع الحيوانات لعلكم تذكرون لنعم الله التي انعم بها عليكم. في تقدير ذلك وحكمته حيث جعل ما هو السبب لبقاء نوع الحيوانات كلها لتقوموا بتنميتها وخدمتها وتربيتها. فيحصل من ذلك ما يحصل من المنافع اني لكم منه نذير مبين فلما دعا العباد الى النظر لاياته الموجبة لخشيته والانابة اليه. امر بما هو المقصود من ذلك وهو الفرار اليه. اي الفرار من مما يكرهه الله ظاهرا وباطنا الى ما يحبه ظاهرا وباطنا. فرار من الجهل الى العلم ومن الكفر الى الايمان ومن المعصية الى الطاعة ومن الغفلة الى ذكر الله. فمن استكمل هذه الامور فقد استكمل الدين كله. وقد زال عنه المرهوب وحصل له نهاية المراد والمطلوب وسمى الله الرجوع اليه فرارا. لان في الرجوع لغيره انواع المخاوف والمكاره. وفي الرجوع اليه انواع المحاب والامن السرور والسعادة والفوز. فيفر العبد من قضائه وقدره الى قضائه وقدره. وكل من خفت منه فررت منه الا الله تعالى فانه بحسب الخوف منه يكون الفرار اليه. اني لكم منه نذير مبين. اي منذر لكم من عذاب الله ومخوف بين النذارة منه نذير مبين. هذا من الفرار الى الله بل هذا اصل الفرار اليه. ان يفر العبد من اتخاذ الهة غير الله من الاوثان والانداد والقبور وغيرها. مما عبد من دون الله ويخلص العبد لربه العبادة والخوف والرجاء. والدعاء والانابة كذلك ما اتى الذين من قبلهم من رسول الا قالوا ساحر او مجنون الا قالوا ساحر او مجنون اتواصوا به. بل هم قوم طاغون يقول الله مصليا لرسوله صلى الله عليه وسلم عن تكذيب المشركين بالله المكذبين له القائلين فيه من الاقوال الشنيعة ما هو منزل عنه وان هذه الاقوال ما زالت دأبا وعادة للمجرمين المكذبين للرسل. فما ارسل الله من رسول الا رماه قومه بالسحر او الجنون يقول الله تعالى هذه الاقوال التي صدرت منهم الاولين والاخرين هل هي اقوال تواصوا بها ولقن بعض وهم بعض بها فلا يستغرب بسبب ذلك اتفاقهم عليها. بل هم قوم طاغون. تشابهت قلوبنا قلوبهم واعمالهم بالكفر والطغيان. فتشابهت اقوالهم الناشئة عن طغيانهم. وهذا هو الواقع. كما قال تعالى وقال الذين لا يعلمون لولا يكلمنا الله او تأتينا اية كذلك قال الذين من قبلهم مثل قولهم تشابهت قلوبهم وكذلك المؤمنون تم تشابهت قلوبهم بالاذعان للحق وطلبه والسعي فيه. بادروا الى الايمان برسلهم وتعظيمهم وتوقيرهم. وخطابهم بالخطاب اللائق بهم فتول عنهم سماء يقول تعالى امرا رسوله بالاعراض عن المعرضين المكذبين تولى عنهم اي لا تبالي بهم ولا تؤاخذهم واقبل على شأنك. فليس عليك لوم في ذنبهم وانما عليك البلاغ. وقد اديت حملت وبلغت ما ارسلت به والتذكير نوعان. تذكير بما لا يعرف تفصيله. مما عرف مجمله بالفطر والعقول. فان الله فطر العقول على محبة الخير وايثاره وكراهة الشر والزهد فيه. وشرعه موافق لذلك. فكل ما امر به ونهي من الشرع فانه من التذكير. وتمام التذكير ان ما في المأمور به من الخير والحسن والمصالح. وما في المنهي عنه من المضار. والنوع الثاني من التذكير. تذكير بما هو معلوم للمؤمنين ولكن انسحبت عليه الغفلة والذهول. فيذكرون لذلك ويكرر عليهم ليرسخ في اذهانهم. وينتبهوا ويعملوا بما تذكروه من ذلك وليحدث لهم نشاطا وهمة توجب لهم الانتفاع والارتفاع. واخبر الله ان الذكرى تنفع المؤمنين. لان ما معهم من الايمان والخشية والانابة واتباع رضوان الله يوجب لهم ان تنفع فيهم الذكرى. وتقع منهم الموعظة موقعها. كما قال تعالى فذكر ان الذكرى سيذكر من يخشى ويتجنبها الاشقى. واما من ليس معه ايمان ولا استعداد لقبول التذكير. فهذا لا ينفع تذكيره بمنزلة الارض السبخة التي لا يفيدها المطر شيئا. وهؤلاء الصنف لو جاءتهم كل اية لم يؤمنوا حتى يروا العذاب الاليم وما خلقت الجن والانس الا ليعبدون. هذه الغاية التي خلق الله الجن والانس لها وبعث جميع الرسل يدعون اليها. وهي عبادته المتضمنة لمعرفته ومحبته. والانابة اليه والاقبال عليه. والاعراض عمن سواه وذلك يتضمن معرفته تعالى. فان تمام العبادة متوقف على المعرفة بالله. بل كلما ازداد العبد معرفة لربه كانت عبادته واكمل فهذا الذي خلق الله المكلفين لاجله. فما خلقهم لحاجة منه اليهم. ما اريد منهم الرزق وما اريد ان يطعمون. فما يريد منهم من رزق وما يريد ان يطعموه. تعالى الله الغني المغني عن الحاجة الى احد بوجه من الوجوه. وانما جميع الخلق فقراء اليه في جميع حوائجهم ومطالبهم الضرورية وغيرهم ولهذا قال ان الله هو الرزاق اي كثير الرزق الذي ما من دابة في الارض ولا في السماء الا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها. ذو القوة المتين اي الذي له القوة والقدرة كلها الذي اوجد بها الاجرام العظيمة السفلية والعلوية. وبها تصرف في الظواهر والبواطن. ونفذت مشيئته في جميع البريات فما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن ولا يعجزه هارب ولا يخرج عن سلطانه احد. ومن قوته انه اوصل الى جميع العالم ومن قدرته وقوته انه يبعث الاموات بعد ما مزقهم البلا وعصفت بترابهم الرياح وابتلعتهم الطيور والسباع وتفرقوا وتمزقوا في مهامه ولجج البحار. فلا يفوته منهم احد ويعلم ما تنقص الارض منهم فسبحانه القوي المتين ايوة ان للذين ظلموا وكذبوا محمدا صلى الله عليه وسلم من العذاب والنكال. ذنوبا اي نصيبا وقسطا مثل ما فعل باصحابهم من اهل الظلم والتكذيب. فلا يستعجلون بالعذاب فان سنة الله في الامم واحدة. وكل مكذب يدوم على من غير توبة وانابة فانه لا بد ان يقع عليه العذاب. ولو تأخر عنه مدة. ولهذا توعدهم الله بيوم القيامة. فقال قال فويل للذين كفروا من يومهم الذي يوعدون وهو يوم القيامة الذي قد وعدوا فيه بانواع العذاب والنكال والسلاسل والاغلال. فلا مغيث لهم ولا منقذ من عذاب الله تعالى الا نعوذ بالله منه