المكتبة السمعية للعلامة المفسر الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله. يسر فريق مشروع كبار العلماء ان يقدم فلكم قراءة تفسير السعدي. بسم الله الرحمن الرحيم. والنجم اذا هوى ما ضل صاحبكم وما غوى يقسم تعالى باب النجم عند هوية اي سقوطه في الافق في اخر الليل عند ادبار الليل واقبال النهار. لان في ذلك من ايات الله العظيمة ما اوجب ان اقسم به والصحيح ان النجم اسم جنس شامل للنجوم كلها. واقسم بالنجوم على صحة ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم من الوحي الالهي لان في ذلك مناسبة عجيبة. فان الله تعالى جعل النجوم زينة للسماء. فكذلك الوحي زينة للارض. فلولا العلم الموروث عن الانبياء لكان الناس في ظلمة اشد من الليل البهيم. والمقسم عليه تنزيه الرسول صلى الله عليه وسلم عن الضلال في علمه. والغي في قصده ويلزم من ذلك ان يكون مهتديا في علمه. هاديا حسن ناصحا للامة بعكس ما عليه اهل الضلال من فساد العلم وفساد القصد وقال صاحبكم لينبههم على ما يعرفونه منه من الصدق والهداية. وانه لا يخفى عليهم امره. وما ينطق عن الهوى اي ليس نطقه صادرا عن هوى نفسه ان هو الا وحي يوحى علمه شديد القوى. اي لا يتبع الا ما اوحى الله اليه من الهدى الهدى والتقوى في نفسه وفي غيره. ودل هذا على ان السنة وحي من الله لرسوله صلى الله عليه وسلم. كما قال تعالى وانزل الله عليك الكتاب والحكمة. وانه معصوم فيما يخبر به عن الله تعالى وعن شرعه. لان كلامه لا يصدر عن هوى. وانما يصدر عن وحي يوحى ثم ذكر المعلم للرسول صلى الله عليه وسلم وهو جبريل عليه السلام افضل الملائكة الكرام واقواه واكملهم فقال اي نزل بالوحي عن الرسول صلى الله عليه وسلم جبريل عليه السلام شديد القوى اي شديد القوة الظاهرة والباطنة. قوي على تنفيذ ما امره الله بتنفيذه. قوي على ايصال الوحي الى الرسول صلى الله وعليه وسلم ومنعه من اختلاس الشياطين له او ادخالهم فيه ما ليس منه. وهذا من حفظ الله لوحيه ان ارسله مع هذا الرسول القوي الامين ذو مرة فاستوى وهو بالافق الاعلى ثم دنا فتدلى فكان قاب قوسين او ادنى. ذو مرة اي قوة وخلق حسن وجمال ظاهر وباطن. فاستوى جبريل عليه السلام وهو بالافق الاعلى اي افق السماء الذي هو اعلى من الارض فهو من الارواح العلوية التي لا تنالها الشياطين ولا من الوصول اليها. ثم دنا جبريل من من النبي صلى الله عليه وسلم لايصال الوحي اليه فتدلى عليه من الافق الاعلى فكان في قربه منه قاب قوسين اي قدر قوسين والقوس معروف او ادنى اي اقرب من القوسين وهذا يدل على كمال المباشرة للرسول صلى الله عليه وسلم بالرسالة. وانه لا واسطة بينه وبين جبريل عليه السلام عبده ما اوحى ما كذب الفؤاد ما رأى. فاوحى الله بواسطة جبريل عليه السلام الى عبده محمد صلى الله الله عليه وسلم ما اوحى اي الذي اوحاه اليه من الشرع العظيم والنبأ المستقيم اي اتفق فؤاد الرسول صلى الله عليه وسلم ورؤيته على الوحي الذي اوحاه الله اليه وتواطأ عليه سمعه وقلبه وبصره. وهذا دليل على كمال الوحي الذي اوحاه الله اليه. وانه تلقاه منه تلقيا لا شك فيه ولا شبهة ولا ريب. فلم يكذب فؤاده ما رأى بصره ولم يشك بذلك. ويحتمل ان المراد بذلك ما رأى صلى الله عليه وسلم ليلة اسري به. من ايات الله العظيمة وانه تيقنه حق بقلبه ورؤيته هذا هو الصحيح في تأويل الاية الكريمة. وقيل ان المراد بذلك رؤية الرسول صلى الله عليه وسلم لربه ليلة الاسراء وتكليمه اياه. وهذا اختيار كثير من العلماء رحمهم الله. فاثبتوا بهذا رؤية الرسول صلى الله عليه وسلم لربه في الدنيا ولكن الصحيح القول الاول وان المراد به جبريل عليه السلام كما يدل عليه السياق وان محمدا صلى الله عليه وسلم رأى جبريل في صورته الاصلية التي هو عليها مرتين. مرة في الافق الاعلى تحت السماء الدنيا كما تقدم. والمرة الثانية فوق السماء ليلة اسري برسول الله صلى الله عليه وسلم. ولهذا قال نزلة اخرى عند سدرة المنتهى. ولقد رآه نزلة اخرى. اي رأى محمد جبريل مرة اخرى نازلا اليه عند سدرة المنتهى وهي شجرة عظيمة جدا فوق السماء السابعة سميت سدرة المنتهى لانه ينتهي اليها ما يعرج من الارض وينزل اليها ما ينزل من الله من الوحي وغيره او الانتهاء علم الخلق اليها اي لكونها فوق السماوات والارض فهي المنتهى في علوها او لغير ذلك. والله اعلم فرأى محمد صلى الله عليه وسلم جبريل في ذلك الوقت مكان الذي هو محل الارواح العلوية الزاكية الجميلة التي لا يقربها شيطان ولا غيره من الارواح الخبيثة عند تلك الشجرة جنة المأوى اي الجنة الجامعة لكل نعيم. بحيث كانت محلا تنتهي اليه الاماني وترغب فيه الارادات وتأوي اليها الرغبات. وهذا دليل على ان الجنة في اعلى الاماكن وفوق السماء السابعة اذ يغشى السدرة ما يغشى ما زاغ البصر وما طغى اذ يغشى السدرة ما يغشى اي يغشاها من امر الله شيء عظيم لا يعلم وصفه الا الله عز وجل. اي ما زاغ يمنة يسرة عن مقصوده وما طغى. اي وما تجاوز البصر. وهذا كمال الادب منه صلوات الله وسلامه عليه. ان قام مقاما اقام الله فيه ولم يقصر عنه ولا تجاوزه ولا حاد عنه. وهذا اكمل ما يكون من الادب العظيم. الذي فاق فيه الاولين والاخرين فان الاخلال يكون باحد هذه الامور. اما الا يقوم العبد بما امر به. او يقوم به على وجه التفريط. او على وجه الافراط او على وجه الحيدة يمينا وشمالا وهذه الامور كلها منتفية عنه صلى الله عليه وسلم من الجنة والنار وغير ذلك من الامور التي رآها صلى الله عليه وسلم ليلة اسري به والعزى ومناة الثالثة الاخرى. لما زكى تعالى ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم من الهدى ودين الحق والامر بعبادة الله وتوحيده. ذكر بطلان ما عليه المشركون من عبادة من ليس له من اوصاف الكمال شيء لا تنفع ولا تضر وانما هي اسماء فارغة من المعنى. سماها المشركون هم واباؤهم الجهال الضلال. ابتدعوا لها من الاسماء الباطلة التي لا تستحقها فخدعوا بها انفسهم وغيرهم من الضلال. فالالهة التي بهذه الحال لا تستحق مثقال ذرة من العبادة عن سبيله وهو اعلم بمن اهتدى. فيضع فضله حيث يعلم المحل اللائق به بما عملوا ويجزي الذين يخبر تعالى انه ما لك الملك المتفرد بملك الدنيا والاخرة وان جميع من في السماوات وهذه الانداد التي سموها بهذه الاسماء. زعموا انها مشتقة من اوصاف هي متصفة بها. فسموا اللات من الاله المستحق العبادة والعزى من العزيز ومن اه من المنان. الحادا في اسماء الله وتجريا على الشرك به. وهذه اسماء متجردة عن المعاني. فكل من له ادنى مسكة من عقل. يعلم بطلان هذه الاوصاف فيها اي اتجعلون لله البنات بزعمكم؟ ولكم المنون. اي ظالمة جائرة. واي ظلم اعظم من قسمة تقتضي تفضيل العبد المخلوق على الخالق. تعالى الله عن قولهم علوا كبيرا. وقوله ما ان يتبعون ما انزل الله بها من سلطان اي من حجة وبرهان على صحة مذهبكم. وكل امر ما انزل الله به من سلطان فهو باطل فاسد. لا يتخذ دينا وهم في ليسوا بمتبعين لبرهان يتيقنون به ما ذهبوا اليه. وانما دلهم على قولهم الظن الفاسد والجهل الكاسد. وما تهواه انفسهم من الشرك والبدع الموافقة لاهويتهم. والحال انه لا موجب لهم يقتضي اتباعهم الظن. من فقد العلم والهدى ولهذا قال تعالى ولقد جاءهم من ربهم الهدى اي الذي يرشدهم في باب التوحيد والنبوة وجميع المطالب التي يحتاج اليها العباد. فكلها قد بينها الله اكمل بيان واوضحه. وادله على المقصود واقره قام عليه من الادلة والبراهين ما يوجب لهم ولغيرهم اتباعه. فلم يبق لاحد عذر ولا حجة من بعد البيان والبرهان. واذا ما هم عليه غايته اتباع الظن. ونهايته الشقاء الابدي والعذاب السرمدي. فالبقاء على هذه الحال من اسفه السفه واظلم الظلم ومع ذلك يتمنون الاماني ويغترون بانفسهم. ولهذا انكر تعالى على من زعم انه يحصل له ما تمنى وهو وكذب في ذلك فقال فيعطي منهما من يشاء ويمنع من يشاء. فليس الامر تابعا لامانيهم ولا موافقا لاهوائهم. يقول تعالى منكرا على من عبد غيره من الملائكة وغيرهم. وزعم انها تنفعه وتشفع له عند الله يوم القيامة ان يأذن الله لمن يشاء ويرضى. وكم من ملك في السماوات من الملائكة المقربين وكرام الملائكة لا تغني شفاعتهم شيئا. اي لا تفيد من دعاها وتعلق بها ورجاها اي لابد من اجتماع الشرطين اذنه تعالى في الشفاعة ورضاه عن المشفوع له. ومن المعلوم المتقرر انه لا يقبل من العمل الا ما كان خالصا لوجه الله. موافقا فيه صاحبه الشريعة فالمشركون اذا لا نصيب لهم من شفاعة الشافعين. وقد سدوا على انفسهم رحمة ارحم الراحمين يؤمنون بالاخرة ليسن الملائكة تسمية الانثى. يعني ان المشركين بالله مكذبين لرسله الذين لا يؤمنون بالاخرة وبسبب عدم ايمانهم بالاخرة تجرأوا على ما تجرأوا عليه من الاقوال والافعال لله ولرسوله. من قولهم الملائكة بنات الله فلم ينزهوا ربهم عن الولادة ولم يكرموا الملائكة ويجلوهم عن تسميتهم اياهم اناثا. والحال انه ليس لهم بذلك علم لا عن الله ولا عن رسوله. ولا دلت على ذلك الفطر والعقوق بل العلم كله دال على نقيض قولهم. وان الله منزه عن الاولاد والصاحبة. لانه الواحد الاحد الفرد الصمد. الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا احد. وان الملائكة كرام مقربون الى الله قائمون بخدمته. لا يعصون الله ما امرهم ويفعلون ما يؤمرون والمشركون انما يتبعون في ذلك القول القبيح وهو الظن الذي لا يغني من الحق شيئا. فان الحق لابد فيه من اليقين المستفاد من الادلة القاطعة. والبراهين الساطعة من تولى عن ذكرنا ولم يرد الا الحياة الدنيا. ولما كان هذا دأب هؤلاء المذكورين انهم لا عرض لهم في اتباع الحق. وانما غرضهم ومقصودهم ما تهواه نفوسهم. امر الله رسوله بالاعراض عن من تولى عن ذكره. الذي هو الذكر الحكيم والقرآن العظيم والنبأ الكريم. فاعرض عن العلوم النافعة ولم يرد الا الحياة الدنيا. فهذا منتهى ارادته ومن المعلوم ان العبد لا يعمل الا للشيء الذي يريده. فسعيهم مقصور على الدنيا ولذاتها وشهواتها. كيف حصلت حصلوها اي طريق سنحت ابتدروها سبيله وهو اعلم بمن اهتدى. ذلك مبلغهم من العلم اي هذا منتهى علمهم وغايته. واما المؤمنون بالاخرة المصدقون بها اولي الالباب والعقول. فهمتهم وارادتهم للدار الاخرة. وعلومهم افضل العلوم واجلها. وهو علم مأخوذ من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. والله تعالى اعلم بمن يستحق الهداية فيهديه. ممن لا يستحق ذلك يكله الى نفسه ويخذله فيضل عن سبيل الله. ولهذا قال تعالى ان ربك هو اعلم بمن ضل والارض ملك لله. يتصرف فيهم تصرف الملك العظيم. في عبيده ومماليكه. ينفذ فيهم قدره ويجري عليهم شرعه. ويأمرهم وينهاهم ويجزيهم على ما امرهم به ونهاهم عنه. فيثيب المطيع ويعاقب العاصي ليجزي الذين اساءوا العمل السيئات من الكفر فما دونه. لما عملوا من اعمال الشر بالعقوبة البليغة. ويجزي الذين احسنوا بالحسنى ويجزي الذين احسنوا في عبادة الله واحسنوا الى خلق الله بانواع المنافع بالحسنى اي بالحالة الحسنة في الدنيا والاخرة واكبر ذلك واجله رضا ربهم والفوز بنعيم الجنة. ثم ذكر وصفهم فقال الذين يجتنبونك ان ربك واسع المغفرة من الارض واذ انتم اجنة في بطون امهاتكم فلا تزكوا انفسكم هو اعلم بما الذين يجتنبون كبائر الاثم والفواحش اي يفعلون ما امرهم الله به من الواجبات التي يكون تركها من كبائر الذنوب ويتركون المحرمات الكبار كالزنا وشرب الخمر واكل الربا والقتل ونحو ذلك من الذنوب العظيمة الا وهي الذنوب والصغار التي لا يصر صاحبها عليها. او التي يلم بها العبد المرة بعد المرة على وجه الندرة والقلة فهذه ليس مجرد الاقدام عليها مخرجا للعبد من ان يكون من المحسنين. فان هذه مع الاتيان بالواجبات وترك المحرمات. تدخل تحت مغفرة الله التي وسعت كل شيء. ولهذا قال ان ربك واسع المغفرة. فلولا مغفرته لهلكت البلاد والعباد. ولولا عفوه وحلمه لسقطت السماء على الارض. ولما ترك على ظهرها من دابة. ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم الصلوات الخمس والجمعة الى الجمعة ورمضان الى رمضان مكفرات لما بينهن ما اجتنبت وقوله في بطون امهاتكم. هو تعالى اعلم باحوالكم كلها. وما جبلكم عليه من الضعف والخور عن كثير مما امركم الله به. ومن كثرة الدواعي الى بعض المحرمات. وكثرة الجواذب اليها وعدم الموانع القوية والضعف موجود مشاهد منكم حين انشأكم الله من الارض. واذ كنتم في بطون امهاتكم. ولم يزل موجودا فيكم. وان كان الله تعالى قد اوجد فيكم قوة على ما امركم به. ولكن الضعف لم يزل فلعلمه تعالى باحوالكم هذه ناسبت الحكمة الالهية والجود الرب الثاني ان يتغمدكم برحمته ومغفرته وعفوه. ويغمركم باحسانه ويزيل عنكم الجرائم والمآثم. خصوصا اذا كان العبد يقصده مرضاة ربه في جميع الاوقات. وسعيه فيما يقرب اليه في اكثر الانات. وفراره من الذنوب التي يتمقت بها عند مولاه ثم تقع منه الفلتة بعد الفلتة. فان الله تعالى اكرم الاكرمين وارحم الراحمين. ارحم بعباده من الوالدة بولد فلابد لمثل هذا ان يكون من مغفرة ربه قريبا. وان يكون الله له في جميع احواله مجيبا. ولهذا قال فلا تزكوا انفسكم هو اعلم بمن اتقى. فلا تزكوا انفسكم اي تخبرون الناس بطهارتها على وجه التمدح. فان التقوى محلها القلب والله هو المطلع عليه. المجازي على ما فيه من بر وتقوى. واما الناس فلا يغنون عنكم من الله شيئا الذي تولى واعطى قليلا يقول تعالى افرأيت قبح حالة من امر بعبادة ربه وتوحيده فتولى عن ذلك واعرض عنه. فان سمحت نفسه ببعض الشيء القليل فانه لا يستمر عليه. بل يبخل ويكدى ويمنع فان المعروف ليس سجية له وطبيعة. بل طبعه التولي عن الطاعة وعدم الثبوت على فعل المعروف. ومع هذا فهو يزكي نفسه وينزلها غير منزلتها التي انزلها الله بها. اع عنده علم الغيب فهو يرى. اعنده علم الغيب فهو يرى الغيب ويخبر به؟ ام هو متقول على الله؟ متجرأ على الجمع بين الاساءة والتزكية كما هو الواقع. لانه قد علم انه ليس عنده علم من الغيب وانه لو قدر انه ادعى ذلك فالاخبارات القاطعة عن علم الغيب التي على يد النبي المعصوم تدل على نقيض قوله وذلك دليل على بطلانه. اما لم ينبأ هذا المدعي بما في صحف موسى وابراهيم الذي وفى. اي قام بجميع ما ابتلاه الله به وامره به من الشرائع واصول الدين وفروعه. وفي تلك الصحف احكام كثيرة من اهمها ما ذكره الله بقوله وزر اخرى. وان ليس اي كل عامل له عمله الحسن والسيء فليس له من عمل غيره وسعيهم شيء. ولا يتحمل احد عن احد ذنبا. وان ليس للانس الا ما سعى وان سعيه سوف يرى. سوف يرى في الاخرة فيميز حسنه من سيئه اي المستكمل لجميع العمل الحسن الخالص بالحسنى والسيء الخالص بالسوء والمشوب بحسبه. جزاء تقرب عدله واحسانه الخليقة كلها. وتحمد الله عليه ان اهل النار لا يدخلون النار. وان قلوبهم مملوءة من حمد ربهم. والاقرار له بكمال الحكمة ومقت انفسهم. وانهم الذين انفسهم واوردوها شر الموارد. وقد استدل بقوله تعالى وان ليس للانسان الا ما سعى. من يرى ان القرب لا اهداؤها للاحياء وللاموات. قالوا لان الله قال وان ليس للانسان الا ما سعى. فوصول سعي غيره اليه مناف لذلك وفي هذا الاستدلال نظر فان الاية انما تدل على انه ليس للانسان الا ما سعى بنفسه. وهذا حق لا خلاف فيه. وليس فيها ما يدل على انه لا ينتفع بسعي غيره. اذا اهداه ذلك الغير له. كما انه ليس للانسان من المال الا ما هو في ملكه وتحت يده. ولا فيلزم من ذلك الا يملك ما وهبه له الغير من ما له الذي يملكه. وقوله اي اليه تنتهي الامور. واليه تصير الاشياء والخلائق بالبعث والنشور. والى الله المنتهى في كل حال فاليه ينتهي العلم والحكم والرحمة وسائر الكمالات. اي هو الذي اوجد اسباب الضحك والبكاء وهو الخير والشر. والفرح والسرور والهم والحزن. وهو سبحانه له الحكمة البالغة في ذلك اي هو المنفرد بالايجاد والاعدام. والذي اوجد الخلق وامرهم سيعيدهم بعد موتهم. ويجازيهم بتلك الاعمال التي عملوها في دار الدنيا وانه خلق الزوجين فسر الزوجين بقوله بتقول ايه؟ الذكر والانثى. وهذا اسم جنس شامل لجميع الحيوانات. ناطقها وبهيمها فهو المنفرد بخلقها وهذا من اعظم الادلة على كمال قدرته. وانفراده بالعزة العظيمة حيث اوجدت كالحيوانات صغيرها وكبيرها من نطفة ضعيفة من ماء مهين. ثم نماها وكملها حتى بالغت ما بلغت. ثم صار الادمي منها اما الى ارفع المقامات في اعلى عليين. واما الى ادنى الحالات في اسفل السافلين. ولهذا استدل بالبداءة على الاعادة فيعيد العباد من الاجداد ويجمعهم ليوم الميقات يجازيهم على الحسنات والسيئات. اي اغنى العبادة بتيسير في امر معاشهم من التجارات وانواع المكاسب من الحرف وغيرها واقنى. اي افاد عباده من الاموال بجميع انواعها. ما يصيرون به مقتنين لها ومالكين لكثير من الاعيان. وهذا من نعمه على عباده ان جميع النعم منه تعالى. وهذا يوجب للعباد ان يشكروه ويعبدوه وحده لا شريك له. وانه هو رب الشعراء وهو النجم المعروف بالشعر العبور. المسماة بالمرزم. وخصها الله بالذكر. وان كان رب كل شيء. لان هذا نجم مما عبد في الجاهلية. فاخبر تعالى ان جنس ما يعبده المشركون مربوب مدبر مخلوق. فكيف تتخذ الها مع الله وانه اهلك عاد للاولى وهم قوم هود عليه السلام حين كذبوا هودا فاهلكهم الله بريح صرصر عاتية وثمود قوم صالح عليه السلام ارسله الله الى ثمود فكذبوه فبعث الله اليهم الناقة اية فعقروها وكذبوه فاهلكهم الله تعالى. فما ما ابقى منهم احدا بل اهلكهم الله عن اخرهم. وقوم نوح من قبل انهم كانوا هم اظلم انهم كانوا هم اظلم واطغى من هؤلاء الامم. فاهلكهم الله واغرقهم في اليم والمؤتفكة وهم قوم لوط عليه السلام اهوى اي اصابهم الله بعذاب ما عذب به احدا من العالمين قلب اسفل ديارهم اعلاها وامطر عليهم حجارة من سجيل. ولهذا قال اي غشيها من العذاب الاليم الوخيم ما غش اي شيء عظيم لا يمكن وصفه اي فباي نعم الله وفضله تشك ايها الانسان فان نعم الله ظاهرة لا تقبل الشك بوجه من الوجوه. فما بالعباد من نعمة الا منه تعالى ولا يدفع النقم الا هو هذا نذير من النذر الاولى. اي هذا الرسول القرشي الهاشمي محمد بن عبدالله ليس ببدع من الرسل بل قد تقدمه من الرسل السابقين. ودعوا الى ما دعا اليه. فلاي شيء تنكر رسالته؟ وباي حجة تبطل دعوته اليس اخلاقه اعلى اخلاق الرسل الكرام؟ اليست دعوته الى كل خير؟ والنهي عن كل شر؟ الم يأتي بالقرآن الكريم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه. تنزيل من حكيم حميد. الم يهلك الله من كذب من قبله من الرسل الكرام؟ فما الذي يمنعوا العذاب عن المكذبين لمحمد سيد المرسلين. وامام المتقين وقائد الغر المحجلين. ازفت الازفة اي قربت القيامة ودنا وقتها وبانت علاماتها اي اذا اتت القيامة وجاءهم العذاب الموعود به. ثم توعد المنكرين لرسالة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم. المكذبين فجاء به من القرآن الكريم فقال اي افمن هذا الحديث الذي هو خير الكلام وافضله واشرفه تتعجبون منه وتجعلونه من الامور المخالفة للعادة الخارقة للامور والحقائق المعروفة هذا من جهلهم وضلالهم وعنادهم. والا فهو الحديث الذي اذا حدث صدق. واذا قال قولا فهو القول الفصل الذي ليس بالهزل هو القرآن العظيم الذي لو انزل على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله. الذي يزيد ذوي الاحلام رأيا وعقلا. وتسديد وثباتا وايمانا ويقينا. والذي ينبغي العجب من عقل من تعجب منه. وسفهه وضلاله لا تبكون. اي تستعملون الضحك والاستهزاء به. مع ان الذي ينبغي ان تتأثر منه النفوس. وتلين له القلوب وتبكي له العيون سماعا لامره ونهيه. واصغاء لوعده ووعيده والتفاتا لاخباره الحسنة الصادقة اتبكون وانتم سامدون. اي غافلون عنه. لاهون عن تدبره. وهذا من قلة عقولكم واديانكم فلو عبدتم الله وطلبتم رضاه في جميع الاحوال لما كنتم بهذه المثابة التي يأنف منها اولو الالباب. ولهذا قال تعالى الامر بالسجود لله خصوصا ليدل ذلك على فضله وانه سر العبادة ولبها فان لبها الخشوع لله والخضوع له. والسجود هو اعظم حالة يخضع بها العبد. فانه يخضع قلبه وبدنه ويجعل اشرف اعضائه على الارض المهينة موضع وطأ الاقدام ثم امر بالعبادة عموما الشاملة لجميع ما يحبه الله ويرضاه من اعمال والاقوال الظاهرة والباطنة