وبين حميم ان اي ماء حار جدا قد انتهى حره وزمهرير قد اشتد برده وقره ولما ذكر ما يفعل بالمجرمين ذكر جزاء المتقين خائفين فقال اي وللذي خاف ربه وقيامه عليه فيهن اي في الجنات كلها. خيرات اي خيرات حسان الا وجه فجمعنا بين جمال الظاهر والباطن وحسن الخلق والخلق اي محبوسات في خيام اللؤلؤ. قد تهيأنا واعددنا انفسهن لازواجهن. ولا ينفي ذلك المكتبة السمعية للعلامة المفسر الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله. يسر فريق مشروع كبار العلماء ان يقدم فلكم قراءة تفسير السعدي. بسم الله الرحمن الرحيم. الرحمن علم القرآن خلق الانسان علم البيان. هذه السورة الكريمة الجليلة افتتحها باسمه الرحمن الدال على سعة رحمته وعموم احسانه لبره وواسع فضله. ثم ذكر ما يدل على رحمته واثرها الذي اوصله الله الى عباده من النعم الدينية والدنيوية والاخروية وبعد كل جنس ونوع من نعمه ينبه الثقلين لشكره. ويقول فباي الاء ربكما تكذبان؟ فذكر انه علم القرآن اي علم عباده الفاظه ومعانيه. ويسره على عباده. وهذا اعظم منة ورحمة رحم بها عباده. حيث انزل عليهم قرآنا عربيا باحسن الفاظ واحسن تفسير مشتمل على كل خير زاجر عن كل شر. خلق الانسان في احسن تقويم كامل الاعضاء مستوفي الاجزاء محكم البناء. قد اتقن البديع تعالى خلقه اي اتقان. وميزه على سائر الحيوانات بان علمه البيان اي التبيين عما في ضميره. وهذا شامل للتعليم النطقي والتعليم الخطي. فالبيان الذي ميز الله به الادمي على غيره من اجل نعمه واكبرها عليه. اي خلق الله الشمس والقمر وسخرهما يجريان بحساب متقن وتقدير مقدر. رحمة بالعباد وعناية بهم. وليقوم بذلك من مصالحهم ما يقوم وليعرفوا عدد السنين والحساب. اي نجوم السماء اشجار الارض تعرف ربها وتسجد له وتطيع وتخضع. تنقاد لما سخرها له من مصالح عباده ارفعها ووضع الميزان. والسماء رفعها سقفها للمخلوقات الارضية ووضع الميزان. اي العدل بين في الاقوال والافعال وليس المراد به الميزان المعروف وحده. بل هو كما ذكرنا يدخل فيه الميزان المعروف. والمكيال الذي به تكال الاشجار والمقادير والمساحات التي تضبط بها المجهولات. والحقائق التي يفصل بها بين المخلوقات ويقام بها العدل بينهم. ولهذا قال الا تطغوا في الميزان. اي انزل الله الميزان لان لا تتجاوز الحد في الحقوق والامور. فان الامر لو كان الى عقولكم وارائكم لحصل من الخلل ما الله به عليم. ولفسدت السماوات والارض تخسر الميزان واقيموا الوزن بالقسط ايجعلوه قائما بالعدل الذي تصل اليه مقدرتكم وامكانكم ولا تخسروا الميزان. اي لا تنقصه وتعملوا بضده. وهو الجور والظلم والطغيان والارض وضعها للانام. والارض وضعها الله على ما كانت عليه من الكثافة والاستقرار. واختلاف اوصافها احوالها للانام اي للخلق لكي يستقروا عليها وتكون لهم مهادا وفراشا يبنون بها ويحرثون ويغرسون ويحفرون ويسلكون سبلها فجاجا وينتفعون بمعادنها. وجميع ما فيها مما تدعو اليه حاجتهم بل ضرورتهم ثم ذكر ما فيها من الاقوات الضرورية فقال فيها فاكهة وهي جميع الاشجار التي تثمر الثمرات. التي يتفكه بها العباد من العنب والتين والرمان والتفاح وغير ذلك والنخل ذات الاكمام اي ذات الوعاء الذي ينفلق عن القنوان التي تخرج شيئا فشيئا حتى تتم. فتكون قوتا سخروا ويأكل ويتزود منه المقيم والمسافر. وفاكهة لذيذة من احسن الفواكه والحب ذو العصر اي ذو الساق الذي يداس فينتفع بتبنه للانعام وغيرها ويدخل في ذلك حب البر والشعير والذرة والارز والدخن وغير ذلك والريحان يحتمل ان المراد بذلك جميع الارزاق التي يأكلها الادميون فيكون هذا من باب عطف العام الخاص ويكون الله قد امتن على عباده بالقوت والرزق عموما وخصوصا. ويحتمل ان المراد بالريحان الريحان المعروف. وان الله امتنا على عباده بما يسره في الارض من انواع الروائح الطيبة والمشام الفاخرة. التي تسر الارواح وتنشرح لها النفوس. ولما ذكر جملة كثيرة من نعمه التي تشاهد بالابصار والبصائر. وكان الخطاب للثقلين الانس والجن قررهم تعالى بنعمه فقال اي فباي نعم الله الدينية والدنيا الدنيوية تكذبان وما احسن جواب الجن حين تلا عليهم النبي صلى الله عليه وسلم هذه السورة. فكلما مر بقوله فباي الاء ربكما تكذبان. قالوا ولا بشيء من الائك ربنا نكذب. فلك الحمد. فهكذا ينبغي للعبد اذا تليت عليه نعم الله الاء ان يقر بها ويشكر ويحمد الله عليها. ثم قال وهذا من نعمه تعالى على عباده. حيث اراهم من اثار قدرته وبديع صنعته ان خلق ابا وهو ادم عليه السلام من صلصال كالفخار اي من طين مبلول. قد احكم بل له واتقن حتى جف. فصار له صلصلة وصوت يشبه صوت الفخار وهو الطين المشوي وخلق الجان اي ابا الجن وهو ابليس لعنه الله من مارج من نار. اي من لها بالنار الصافية او الذي قد خالطه الدخان. وهذا يدل على شرف عنصر الادمي المخلوق من الطين والتراب. الذي هو محل الرزانة والثقل والمنافع بخلاف عنصر الجان وهو النار التي هي محل الخفة والطيش والشر والفساد. ولما بين خلق الثقلين وما حدة ذلك وكان منة منه تعالى عليهم قال ربكم اي هو تعالى رب كل ما اشرقت عليه الشمس والقمر والكواكب النيرة وكل ما غربت عليه وكل ما كان فيه فهي تحت تدبيره وربوبيته. وثناهما هنا لارادة العموم. مشرقي الشمس شتاء وصيفا ومغربها كذلك يخرج منهما اللؤلؤ المرجع المراد بالبحرين البحر العذب والبحر المالح فهما يلتقيان فيصب العذب في البحر المالح ويختلطان ويمتزجان ولكن الله تعالى جعل بينهما زخم من الارض حتى لا يبغي احدهما على الاخر. ويحصل النفع بكل منهما. فالعذب منه يشربون وتشرب اشجارهم وزروعهم والمالح به يطيب الهواء ويتولد السمك والحوت. واللؤلؤ والمرجان ويكون مستقرا مسخرا للسفن والمراكب. ولهذا قال اي وسخر تعالى لعباده السفن الجواري التي تمخر البحر وتشقه باذن الله ينشأها الادميون فتكون من عظمها وكبرها كالاعلام. وهي الجبال العظيمة. فيركبها الناس ويحملون عليها امتعتهم وانواع تجارتهم وغير ذلك مما تدعو اليه حاجتهم وضرورتهم. وقد حفظها حافظ السماوات والارض. وهذه من نعم الله الجليلة ولهذا قال ويبقى وجه ربك اي كل من على الارض من انس وجن ودواب وسائر المخلوقات يفنى ويموت ويبيت ويبقى الحي الذي لا يموت. ذو الجلال والاكرام. اي ذو العظمة والكبرياء والمجد الذي يعظم ويبجل ويجل لاجله. والاكرام الذي هو سعة الفضل والجود. والداعي لان يكرم اولياءه وخواص خلقه بانواع الاكرام. الذي يكرمه او ويجلونه ويعظمونه ويحبونه وينيبون اليه ويعبدونه والارض كل يوم هو في شأن اي هو الغني بذاته عن جميع مخلوقاته. وهو واسع الجود والكرم. فكل الخلق مفتقرون اليه. يسألونه جميع حوائجهم بحالهم ومقالهم. ولا يستغنون عنه طرفة عين ولا اقل من ذلك. وهو تعالى يغني فقيرا ويجبر كسيرا ويعطي قوما ويمنع اخرين. ويميت ويحيي ويخفض ويرفع لا يشغله له شأن عن شأن ولا تغلطه المسائل. ولا يبرمه الحاح الملحين. ولطول مسألة السائلين. فسبحان الكريم الوهاب الذي عمت مواهبه اهل الارض والسماوات. وعم لطفه جميع الخلق في كل الانات واللحظات. وتعالى الذي لا يمنعه من الاعطاء معصية العاصين ولا استغناء الفقراء الجاهلين به وبكرمه. وهذه الشؤون التي اخبر انه كل يوم هو في شأن هي تقديره وتدابيره التي قدرها في الازل وقضاها لا يزال تعالى يمضيها وينفذها في اوقاتها التي اقتضتها حكمته. وهي احكامه الدينية التي هي الامر والنهي والقدرية التي يجريها على عباده مدة مقامهم في هذه الدار. حتى اذا تمت هذه الخليقة وافناهم الله تعالى واراد ان ينفذ فيهم احكام الجزاء ويريهم من عدله وفضله وكثرة احسانه. ما به يعرفونه ويوحدونه. نقل المكلفين من دار الابتلاء والامتحان الى دار الحيوان. وفرغ حينئذ لتنفيذ هذه الاحكام التي جاء وقتها. وهو المراد بقوله اي سنفرغ لحسابكم ومجازاتكم باعمالكم التي عملتموها في دار الدنيا. يا معشر الجن والانس ان استطعتم ان تنفذوا من اقطار السماوات والارض انفذوا فانفذوا لا تنفذون الا بسلطان. اي اذا جمعهم الله في موقف القيامة اخبرهم بعجزهم وضعفهم وكمال سلطانه ونفوذ مشيئته وقدرته. فقال معجزا لهم اي تجدون مسلكا ومنفذا تخرجون به عن ملك الله وسلطانه اي لا تخرجون عنه الا بقوة وتسلط منكم. وكمال قدرة وانى لهم ذلك. وهم لا يملكون لانفسهم نفعا ولا ضرا لا موتا ولا حياة ولا نشورا. ففي ذلك الموقف لا يتكلم احد الا باذنه. ولا تسمع الا همسا. وفي ذلك الموقف الملوك والمماليك والرؤساء والمرؤوسون والاغنياء والفقراء. ثم ذكر ما اعد لهم في ذلك الموقف العظيم. فقال يرسل عليكما شواظ من نار اي يرسل عليكما لهب صاف من النار ونحاس وهو اللهب الذي قد خالطه الدخان والمعنى ان هذين الامرين الفظيعين يرسلان عليكما يا معشر الجن والانس ويحيطان بك ما فلا تنتصر لا بناصر من انفسكم ولا باحد ينصركم من دون الله. ولما كان تخويفه لعباده نعمة منه عليهم وسوطا يسوقهم قم به الى اعلى المطالب واشرف المواهب ذكر منته بذلك فقال فاذا السماء آآ فاذا انشقت في السماء اي يوم القيامة من الاهوال وكثرة البلبال وترادف الاوجال. فانخسفت شمسها وقمرها وانتثرت نجومها كانت من شدة الخوف والانزعاج وردة كالدهان. اي كانت كالمهل والرصاص المذاب ونحوه فيومئذ لا يسأل عن ذنبه اي سؤال استعلام بما وقع. لانه تعالى عالم الغيب والشهادة. والماضي المستقبل ويريد ان يجازي العباد بما علمه من احوالهم. وقد جعل لاهل الخير والشر يوم القيامة علامات يعرفون بها كما قال تعالى يوم تبيض وجوه وتسود وجوه. وقال هنا يعرف المجرمون بسيماهم فيؤخذ بالنواص اي فيؤخذ بنواصي المجرمين واقدامهم فيلقون في النار ويسحبون فيها. وانما يسألهم تعالى سؤال توبيخ وتقرير بما وقع منهم. وهو اعلم به منهم. ولكنه تعالى يريد ان تظهر للخلق حجته البالغة. وحكمته الجليلة اي يقال للمكذبين بالوعد والوعيد حين تسعر الجحيم فليهنهم تكذيبهم بها. وليذوقوا من عذابها ونكالها وسعيرها واغلالها. ما هو جزاء لهم على تكذيبهم يطوفون بينها اي بين اطباق الجحيم ولهبها فترك ما نهى عنه وفعل ما امره به. له جنتان من ذهب انيتهما وحليتهما. وبنيانهما وما فيهما. احدى الجنتين جزاء على ترك المنهيات والاخرى على فعل الطاعات. ومن اوصاف تلك الجنتين انهما ذواتا افنى آآ اي فيهما من الوان النعيم المتنوعة. نعيم الظاهر والباطن. ما لا عين رأت ولا اذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ان فيهما الاشجار الكثيرة الزاهرة ذوات الغصون الناعمة التي فيها الثمار اليانعة الكثيرة اللذيذة اي ذوات انواع واصناف من جميع اصناف النعيم وانواعه جمع فن اي صنف. وفي تلك الجنتين فيهما عينان تجريان عينان تجريان يفجرونهما على ما يريدون ويشتهون فيهما من كل فاكهة من جميع اصناف الفواكه زوجان اي صنفان كل صنف له لذة ولون ليس للنوع الاخر هذه صفة فرش اهل الجنة وجلوسهم عليها. وانهم متكئون عليها اي جلوس تمكن واستقرار وراحة كجلوس الملوك على الاسرة وتلك الفرش لا يعلم وصفها وحسنها الا الله تعالى. حتى ان بطائنها التي تلي الارض منها من وهو احسن الحرير وافخره. فكيف بظواهرها التي يباشرون؟ الجنا هو الثمر المستوي اي وثمر هاتين الجنتين قريب التناول يناله القائم والقاعد والمضطجع فيهن قاصرات الطرف قد قصرن طرفهن على ازواجهن من حسنهن وجمالهم. وكمال محبتهن لهم. وقصرن ايضا طرف ازواجهن عليهن. من وجمالهن ولذة وصالهن اي لم ينلهن احد قبلهم من الانس والجن. بل هن ابكار عرب متحببات الى ازواجهن. بحسن التبعل والتغنج والملاحم والدلال ولهذا قال وذلك لصفائهن وجمال منظرهن وبهائهن ايه هل جزاء من احسن في عبادة الخالق ونفع عبيده الا ان يحسن اليه بالثواب الجزيل والفوز الكبير والنعيم مقيم والعيش السليم. فهاتان الجنتان العاليتان للمقربين من فضة بنيانهما وانيتهما وحليتهما وما فيهما. لاصحاب اليمين. وتلك الجنتان اي سوداوان من شدة الخضرة التي هي اثر الري فيهما اي فوارتان فيهما فاكهة من جميع اصناف الفواكه واخصها النخل والرمان واللذان فيهما من المنافع ما فيهما. فيهن خيرات حساب في البساتين ورياض الجنة كما جرت العادة لبنات ملوك المخدرات الخفيرات قبلهم ونجاهم فبأي ربك ما تكذبان متكئين على رفرف خضر وعبقري حسان متكئين على رفرف خضر. اي اصحاب هاتين الجنتين متكأهم على الرفرف الاخضر. وهي الفرش التي تحت المدارس العالية التي قد زادت على مجالسهم فصار لها رفرفة من وراء مجالسهم لزيادة البهاء وحسن المنظر العبقري نسبة لكل منسوج نسجا حسنا فاخرا. ولهذا وصفها بالحسن الشامل لحسن صنعة وحسن المنظر ونعومة الملمس. وهاتان الجنتان دون الجنتين الاوليين كما نص الله على ذلك بقوله ومن دونهما وكما وصف الاوليين بعدة اوصاف لم يصف بها الاخريين فقال في الاوليين فيهما عينان تجريان وفي الاخريين عينان ومن المعلوم الفرق بين الجارية والنضاخة. وقال في الاوليين ذواتا افنان. ولم يقل ذلك في الاخريين قال في الاوليين فيهما من كل فاكهة زوجان. وفي الاخريين فيهما فاكهة ونخل ورمان. وقد علم ما بين الوصفين من التفاوت وقال في الاوليين متكئين على فرش بطائنها من استبرق. وجنى الجنتين دان. ولم يقل ذلك في الاخريين. بل قال متكئين على رفرف خضر وعبقري حسان. وقال في الاوليين في وصف نسائهم وازواجهم فيهن قاصرات الطرف لم يطمثهن انس قبلهم ولا جان وفي الاخريين حور مقصورات في القيام. لقد علم التفاوت بين ذلك. وقال في الاوليين هل جزاء الاحسان الا الاحسان. فدل ذلك ان الاوليين جزاء المحسنين. ولم يقل ذلك في الاخيرتين. ومجرد تقديم الاوليين على الاخريين يدل على فضلهما فبهذه الاوجه يعرف فضل الاوليين على الاخريين وانهما معدتان للمقربين من الانبياء والصديقين خاص عباد الله الصالحين. وان الاخريين معدتان لعموم المؤمنين. وفي كل من الجنات المذكورات ما لا عين رأت ولا اذن سمعت ولا خطر على قلب بشر. وفيهن ما تشتهيه الانفس وتلذ الاعين. واهلها في غاية الراحة والرضا والطمأنينة وحسن المأوى حتى ان كلا منهم لا يرى احدا احسن حالا منه. ولا اعلى من نعيمه الذي هو فيه. ولما ذكر سعة فضله واحسانه. قال اي تعاظم وكثر خيره الذي له الجلال الباهر والمجد الكامل والاكرام لاولياءه