المكتبة السمعية للعلامة المفسر الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله. يسر فريق مشروع كبار العلماء ان يقدم فلكم قراءة تفسير السعدي. بسم الله الرحمن الرحيم يخبر تعالى عن عظمته وجلاله وسعة سلطانه ان جميع ما في السماوات والارض من الحيوانات الناطقة والصامتة غيرها والجوامد تسبح بحمد ربها وتنزهه عما لا يليق بجلاله. وانها قانتة لربها منقادة قد ظهرت فيها اثار حكمته. ولهذا قال فهذا فيه بيان عموم افتقار المخلوق العلوية والسفلية لربها. في جميع احوالها وعموم عزته وقهره للاشياء كلها. وعموم حكمته في خلقه وامره ثم اخبر عن عموم ملكه فقال له ملك السماوات والارض يحيي ويميت. اي هو الخالق لذلك. الرازق المدبر لها بقدرته. وهو على كل شيء قدير هو الاول والاخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم. هو الاول الذي ليس قبله شيء والاخر والانفاق ما دامت الاموال في ايديكم. وانتهزوا الفرصة. ثم ذكر تعالى تفاضل الاعمال بحسب الاحوال والحكمة الالهية. فقال لا يستوي منكم من انفق من قبر الفتح وقاتل اولئك اعظم درجة من الذين الذي ليس بعده شيء والظاهر الذي ليس فوقه شيء. والباطن الذي ليس دونه شيء علمه بالظواهر والبواطن والسرائر والخفايا والامور المتقدمة والمتأخرة ستة ايام ثم استوى على العرش يعلم ما يرد في الارض وما يخرج منها وما ينزل من السماء والله بما تعملون بصير. هو الذي خلق السماوات والارض في ستة ايام. اولها يوم الاحد واخرها يوم الجمعة. ثم استوى على العرش استواء يليق بجلاله فوق جميع خلقه. يعلم ما يلج في الارض من حب وحيوان ومطر. وغير ذلك وما يخرج منها من نبات وشجر حيوان وغير ذلك. وما ينزل من السماء من الملائكة والأقدار والأرزاق. وما يعرج فيها من الملائكة والأرواح والأدعية والاعمال وغير ذلك. كقوله ما يكون من نجوى ثلاثة الا هو رابعهم. ولا خمسة الا هو سادسهم. ولا ادنى من ذلك ولا اكثر الا هو معهم اينما كانوا. وهذه المعية معية العلم والاطلاع لهذا توعد ووعد على المجازاة بالاعمال بقوله والله بما تعملون بصير. اي هو تعالى بصير بما يصدر منكم من من الاعمال وما صدرت عنه تلك الاعمال من بر وفجور. فمجازيكم عليها وحافظها عليكم له ملك السماوات والارض ملكا وخلقا وعبيدا يتصرف فيهم بما شاءه من اوامره القدرية والشرعية الجارية على الحكمة الربانية. والى الله ترجع الامور من الاعمال والعمال. في عرض عليه العباد فيميز الخبيث من الطيب ويجازي المحسن باحسانه والمسيء باساءته. يولد الليل في النهار ويولد النهار في الليل وهو عليم بذات الصدور. يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل. اي يدخل الليل على النهار فيغشيهم الليل بظلامه فيسكنون ويهدأون ثم يدخل النهار على الليل فيزول ما على الارض من الظلام ويضيء الكون فيتحرك عباد ويقومون الى مصالحهم ومعايشهم. ولا يزال الله يكور الليل على النهار. والنهار على الليل ويداول بينهما في الزيادة والنقص والطول والقصر حتى تقوم بذلك الفصول وتستقيم الازمنة. ويحصل من المصالح ما يحصل بذلك. فتبارك الله رب العالمين وتعالى الكريم الجواد الذي انعم على عباده بالنعم الظاهرة والباطنة. اي بما في صدور العالمين فيوفق من يعلم انه اهل لذلك. ويخذل من يعلم انه لا يصلح لهدايته فالذين امنوا منكم وانفقوا لهم اجر كبير. يأمر تعالى عباده بالايمان به وبرسوله وبما جاء به. وبالنفقة في سبيله من الاموال التي جعلها الله في ايديهم واستخلفهم عليها لينظر كيف يعملون. ثم لما امرهم بذلك رغبهم وحثهم عليه بذكر ما رتب عليه من الثواب فقال فالذين امنوا من ثم انفقوا اي جمعوا بين الايمان بالله ورسوله والنفقة في سبيله لهم اجر كبير اعظمه واجله رضا ربهم. والفوز دار كرامته وما فيها من النعيم المقيم. الذي اعده الله للمؤمنين والمجاهدين. ثم ذكر السبب الداعي لهم الى الايمان وعدم منه فقال وما لكم لا تؤمنون بالله والرسول يدعوكم لتؤمنوا بربكم وقد اخذ ميثاقكم ايهما الذي يمنعكم من الايمان؟ والحال ان الرسول محمدا صلى الله عليه وسلم افضل الرسل واكرم داع دعا الى الله يدعوكم. فهذا مما يوجب المبادرة الى اجابة دعوته. والتلبية والاجابة للحق الذي جاء جاء به وقد اخذ عليكم العهد والميثاق بالايمان ان كنتم مؤمنين. ومع ذلك من لطفه وعنايته بكم انه لم يكتفي بمجرد دعوة الرسول الذي هو اشرف العالم بل ايده بالمعجزات. ودلكم على صدق ما جاء به بالايات البينات. فلهذا قال على عبده ايات بينات ليخرجكم من الظلمات الى النور. وان الله بكم لرؤوف رحيم هو الذي ينزل على عبده ايات بينات. اي ظاهرات تدل اهل العقول على صدق كل ما جاء به. وانه حق اليقين ليخرجكم بارسال الرسول اليكم وما انزله الله على يده من الكتاب والحكمة من الظلمات الى النور اي من ظلمات الجهل والكفر الى نور العلم والايمان. وهذا من رحمته بكم ورأفته. حيث كان ارحم بعباده من الوالدة بولدها. وان الله بكم ايوة ما الذي يمنعكم من النفقة في سبيل الله وهو طرق الخير كلها ويوجب لكم ان تبخلوا والحال انه ليس لكم شيء بل لله ميراث السماوات والارض. فجميع الاموال ستنتقل من ايديكم او تنقلون عنها. ثم يعود الملك الى مالكه تبارك وتعالى. فاغتنموا المراد بالفتح هنا هو فتح الحديبية حين جرى من الصلح بين الرسول وبين قريش مما هو اعظم الفتوحات التي حصل بها نشر الاسلام واختلاف المسلمين بالكافرين. والدعوة الى الدين من غير معارض. فدخل الناس من ذلك الوقت في دين الله افواجا. واعتز الاسلام عزا عظيما. وكان كان المسلمون قبل هذا الفتح لا يقدرون على الدعوة الى الدين في غير البقعة التي اسلم اهلها كالمدينة وتوابعها. وكان من اسلم من اهل مكة وغيرها من ديار المشركين يؤذى ويخاف. فلذلك كان من اسلم قبل الفتح وانفق وقاتل. اعظم درجة واجرا وثوابا ممن لم يسلم يقاتل وينفق الا بعد ذلك. كما هو مقتضى الحكمة. ولذلك كان السابقون وفضلاء الصحابة غالبهم اسلم قبل الفتح. ولما كان بين الامور قد يتوهم منه نقص وقدح في المفضول. احترز تعالى من هذا بقوله وعد الله الحسنى الله بما تعملون خبير. وكلا وعد الله الحسنى. اي الذين اسلموا وقاتلوا وانفقوا من قبل الفتح وبعده. كلهم اعاده الله الجنة. وهذا يدل على فضل الصحابة كلهم. رضي الله عنهم حيث شهد الله لهم بالايمان ووعدهم الجنة. والله بما تعملون خبير. فيجازي كلا منكم على ما يعلمه من عمله. ثم حث على النفقة في سبيله. لان الجهاد متوقف على فيه وبذل الاموال في التجهز له فقال وله اجر كريم. من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا؟ وهي النفقة الطيبة التي تكون خالصة لوجه الله موافقة لمرضاة الله من مال حلال طيب. طيبة به نفسه. وهذا من كرم الله تعالى. حيث سماه قرضا والمال ماله والعبد عبده ووعد بالمضاعفة عليه اضعافا كثيرة وهو الكريم الوهاب. وتلك المضاعفة محلها وموضعها يوم القيامة قوم كل يتبين فقره ويحتاج الى اقل شيء من الجزاء الحسن. ولذلك قال يسعى نورهم بين ايديهم وبايمانهم بشراكم اليوم جنات تجري من تحتها الانهار خالدين فيها ذلك هو الفوز العظيم. يقول تعالى مبينا لفضل الايمان واغتباط لاهله به يوم القيامة. يوم ترى المؤمنين والمؤمنات يسعى نورهم بين ايديهم وبايمانهم. اي اذا كان يوم القيامة وكورت الشمس وخسف القمر وصار الناس في الظلمة ونصب الصراط على متن جهنم. فحينئذ ترى المؤمنين والمؤمنات يسعى نورهم بين ايديهم بايمانهم فيمشون بايمانهم ونورهم في ذلك الموقف الهائل الصعب. كل على قدر ايمانه ويبشرون عند ذلك باعظم بشارة فيقال بشراكم اليوم جنات تجري من تحتها الانهار خالدين فيها ذلك هو الفوز العظيم. فالله ما احلى هذه البشارة بقلوبهم والذها لنفوسهم. حيث حصل لهم كل محبوب ونجوا من كل شر ومرهوب فالتمسوا نورا. فضرب وظاهره من قبله العذاب فاذا رأى المنافقون نور المؤمنين يمشون به وهم قد طفئ نورهم وبقوا في الظلمات حائرين. قالوا للمؤمنين انظرونا بسم نوركم اي امهلونا لننال من نوركم ما نمشي به لننجو من العذاب فالتمسوا نورا. فقيل لهم ارجعوا وراءكم فالتمسوا نورا. اي ان كان ذلك ممكنا. والحال ان ذلك غير ممكن بل هو من المحالات فضرب بين المؤمنين والمنافقين بسور اي حائط منيع وحصن حصين له باب فيه الرحمة وهو الذي يلي المؤمنين. وظاهره من قبله العذاب وهو الذي يلي المنافقين. في نادي المنافقون المؤمنين فيقولون لهم تضرعا وترحما انفسكم وتربصتم مرتبتم. الم نكن معكم في الدنيا نقول لا اله الا الله ونصلي ونصوم ونجاهد ونعمل مثل عملكم. قالوا بلى كنتم معنا في الدنيا وعملتم في الظاهر مثل عملنا. ولكن اعمالكم اعمال المنافقين من غير ايمان ولا نية صادقة صالحة. بل فتنتم انفسكم وتربصتم وارتبتم. اي شككتم في خبر الله الذي لا يقبل لا شك الاماني وغرتكم الاماني الباطلة حيث تمنيتم ان تنالوا من ال المؤمنين وانتم غير موقنين حتى جاء امر الله اي حتى جاءكم الموت وانتم بتلك الحال الذميمة. وغركم بالله الغرور وهو الشيطان الذي زين لكم الكفر والريب فاطمأننتم به ووثقتم بوعده وصدقتم خبره ولا من الذين كفروا مأواكم النار مأواكم النار هي مولاكم وبئس المصير. فاليوم لا يؤخذ منكم فدية ولا من الذين كفروا. فلو افتديتم بمثل الارض ذهبا مثله معه لما تقبل منكم مأواكم النار اي مستقركم هي مولاكم التي تتولاكم وتضمكم اليها وبئس المصير النار. قال تعالى واما من خفت موازينه فامه هاوية. وما ادراك ما هي؟ نار حامية ولا يكونوا كالذين اوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الامد فقست قلوبهم فقست قلوبهم وكثير منهم فاسقون لما ذكر حال المؤمنين والمؤمنات والمنافقين المنافقات في الدار الاخرة كان ذلك مما يدعو القلوب الى الخشوع لربها والاستكانة لعظمته. فعاتب الله المؤمنين على عدم ذلك قال الم يأن للذين امنوا ان تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق. اي الم يجيء الوقت الذي تلين به قلوبهم وتخشى لذكر الله الذي هو القرآن وتنقاد لاوامره وزواجره. وما نزل من الحق الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم. وهذا فيه الحث على الاجتهاد على خشوع القلب لله تعالى. ولما انزله من الكتاب والحكمة. وان يتذكر المؤمنون المواعظ الالهية والاحكام الشرعية كل وقت ويحاسبوا انفسهم على ذلك. ولا يكونوا كالذين اوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الامد فقست قلوبهم. اي ولا يكونوا كالذين انزل الله عليهم الكتاب الموجب لخشوع القلب والانقياد التام. ثم لم يدوموا عليه ولا ثبتوا بل طال عليهم الزمان واستمرت بهم الغفلة فاضمحل ايمانهم وزال ايقانهم فالقلوب تحتاج في كل وقت الى ان تذكر بما انزله الله. وتناطق بالحكمة. ولا ينبغي عن ذلك فان ذلك سبب لقسوة القلب وجمود العين. اعلموا ان الله يحيي الارض بعد موتها فان الايات تدل العقول على العلم بالمطالب الالهية والذي احيا الارض بعد موتها قادر على ان يحيي الاموات بعد موتهم. فيجازيهم باعمالهم. والذي احيا الارض بعد موتها بماء المطر قادر على ان يحيي القلوب الميتة بما انزله من الحق على رسوله. وهذه الاية تدل على انه لا عقل لمن لم يهتدي بايات الله. ولم من قتل شرائع الله ان المصدقين والمصدقات بالتشديد اي الذين اكثروا من الصدقات الشرعية والنفقات المرضية. واقرضوا الله قرضا حسنا بان قدموا من اموالهم في طرق الخيرات ما يكون مدخرا لهم عند ربهم يضاعف لهم ما لهم اجرا كريم. يضاعف لهم الحسنة بعشر امثالها تليها الى سبعمائة ضعف الى اضعاف كثيرة ولهم اجر كريم. وهو ما اعده الله لهم في الجنة. مما لا تعلمه النفوس والذين امنوا بالله ورسله اولئك هم الصديقون والشهداء والذين كفروا وكذبوا باياتنا هؤلاء اصحاب الجحيم. والذين امنوا بالله ورسله والايمان عند اهل سنة هو ما دل عليه الكتاب والسنة هو قول القلب واللسان وعمل القلب واللسان والجوارح. فيشمل ذلك جميع شرائع الدين الظاهرة والباطنة فالذين جمعوا بين هذه الامور هم الصديقون اي الذين مرتبتهم فوق مرتبة عموم المؤمنين ودون مرتبة الانبياء وقوله والشهداء عند ربهم لهم اجرهم منورهم كما ورد في الحديث الصحيح ان في الجنة مائة درجة ما بين الدرجتين كما بين السماء والارض. اعدها الله للمجاهدين في سبيله. وهذا يقتضي شدة علوهم ورفعتهم وقربهم الى الله تعالى. والذين كفروا وكذبوا باياتنا اولئك اصحاب فهذه الايات جمعت اصناف الخلق المتصدقين والصديقين والشهداء واصحاب الجحيم فالمتصدقون الذين كان جل عملهم الاحسان الى الخلق وبذل النفع اليهم بغاية ما يمكنهم خصوصا بالنفع بالمال في سبيل سبيل الله والصديقون هم الذين كملوا مراتب الايمان والعمل الصالح والعلم النافع واليقين الصادق والشهداء هم الذين قاتلوا في لله لاعلاء كلمة الله وبذلوا انفسهم واموالهم فقتلوا. واصحاب الجحيم هم الكفار الذين كذبوا بايات الله. وبقي من ذكرهم الله في سورة فاطر وهم المقتصدون الذين ادوا الواجبات وتركوا المحرمات. الا انهم حصل منهم تقصير ببعض حقوق الله حقوق عباده فهؤلاء مآلهم الجنة. وان حصل لهم عقوبة ببعض ما فعل كمثل غيث اعجب الكفار نباته ثم يهيج فتراه مصفرا ثم يكون حطاما. وفي الاخرة عذاب وما الحياة الدنيا الا متاع الغرور يخبر تعالى عن حقيقة الدنيا وما هي عليه. ويبين غايتها وغاية اهلها. لانها لعب ولهو. تلعب بها الابدان. وتلهو بها القلوب وهذا مصداقه ما هو موجود وواقع من ابناء الدنيا. فانك تجدهم قد قطعوا اوقات اعمارهم بلهو القلوب والغفلة عن ذكر الله وعما امامهم من الوعد والوعيد. وتراهم قد اتخذوا دينهم لعبا ولهوا. بخلاف اهل اليقظة وعمال الاخرة. فان قلوبهم معمورة بذكر الله ومعرفته ومحبته. وقد اشغلوا اوقاتهم بالاعمال التي تقربهم الى الله. من النفع القاصر والمتعدي. وقوله اي تزين في اللباس والطعام والشراب. والمراكب والدور والقصور والجاه وغير ذلك وتفاخر بينكم. اي كل واحد من اهلها يريد مفاخرة الاخر. وان يكون هو الغالب في امور والذي له الشهرة في احوالها وتكاثر في الاموال والاولاد اي كل يريد ان يكون هو الكافر لغيره في المال والولد وهذا مصداقه وقوعه من محبي الدنيا والمطمئنين اليها. بخلاف من عرف الدنيا وحقيقتها فجعلها معبرا. ولم الها مستقرا فنافس فيما يقربه الى الله واتخذ الوسائل التي توصله الى الله. واذا رأى من يكاثره وينافسه بالاموال والاولاد نافسه بالاعمال الصالحة. ثم ضرب للدنيا مثلا بغيث نزل على الارض فاختلط به نبات الارض مما يأكل الناس والانعام. حتى اذا اخذ الارض زخرفها واعجب نباته الكفار. الذين قصروا هممهم ونظرهم الى الدنيا. جاءها من امر الله ما اتلفها. فهاجر ويبست فعادت على حالها الاولى كانه لم ينبت فيها خضراء ولا رؤيا لها مرأى انيق. كذلك الدنيا بينما هي زاهية لصاحبها فيها زاهرة مهما اراد من مطالبها حصل. ومهما توجه لامر من امورها وجد ابوابه مفتحة. اذ اصابها القدر بما اذهبها من يده وازال تسلطه عليها او جهب به عنها فرحل منها صفر اليدين. لم يتزود منها سوى الكفن. فتبا لمن اضحى هي غاية امنيته ولها عمله وسعيه. واما العمل للاخرة فهو الذي ينفع ويدخر لصاحبه. ويصحب العبد على الابد. ولهذا قال تعالى وفي الاخرة عذاب شديد ومغفرة من الله اي حال الاخرة ما يخلو من هذين الامرين اما العذاب الشديد في نار جهنم واغلالها وسلاسلها واهوالها لمن كانت الدنيا هي غايته ومنتهى مطلبه فتجرأ على معاصي الله وكذب بايات الله وكفر بانعم الله. واما مغفرة من الله للسيئات وازالة للعقوبات اخوان من الله يحل من احله به دار الرضوان لمن عرف الدنيا وسعى للاخرة سعيها. فهذا كله مما يدعو الى الزهد في الدنيا والرغبة في الاخرة. ولهذا قال وما الحياة الدنيا الا متاع الغرور. اي الا متاع يتمتع به يرتفع به ويستدفع به الحاجات لا يغتر به ويطمئن اليه الا اهل العقول الضعيفة. الذين يغرهم بالله الغرور. سابقوا الى مغفرة من ربكم وجنة عرضها كعرض السماء والارض اعدت الذين امنوا اعدت للذين امنوا بالله ورسله ذلك فضل الله يؤتيه من من يشاء والله ذو الفضل العظيم. ثم امر بالمسابقة الى مغفرة الله رضوانه وجنته. وذلك يكون بالسعي باسباب المغفرة. من التوبة النصوح والاستغفار النافع والبعد عن الذنوب ومظانها. والمسابقة الى رضوان الله بالعمل الصالح. والحرص على ما يرضي الله على الدوام. من الاحسان في عبادة الخالق. والاحسان الى الخلق بجميع وجوه النفع ولهذا ذكر الله الاعمال الموجبة لذلك. فقال والايمان بالله ورسله يدخل فيه اصول الدين وفروعها ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء. اي هذا الذي بيناه لكم وذكرنا لكم فيه الطرق الموصلة الى الجنة. والطرق الموصلة الى النار وان فضل الله بالثواب الجزيل والاجر العظيم. من اعظم منته على عباده وفضله. والله ذو الفضل العظيم الذي لا يحصى ثناء عليه بل هو كما اثنى على نفسه وفوق ما يثني عليه عباده يقول تعالى مخبرا عن عموم قضائه وقدره ما اصاب من مصيبة في الارض ولا في انفسكم. وهذا شامل لعموم المصائب التي تصيب الخلق من خير وشر فكلها قد كتبت في اللوح المحفوظ. صغيرها وكبيرها وهذا امر عظيم لا تحيط به العقول. بل تذهل عنده افئدة اولي الالباب ولكنه على الله يسير وكل مختال فخور. واخبر الله عباده بذلك لاجل ان تتقرر هذه القاعدة عندهم. ويبنوا عليها ما اصابهم من الخير والشر. فلا يأسوا ويحزنوا على ما فاتهم مما طمحت له انفسهم وتشوفوا اليه. لعلمهم ان يكون ذلك مكتوب في اللوح المحفوظ. لابد من نفوذه ووقوعه فلا سبيل الى دفعه. ولا يفرحوا بما اتاهم الله فرح بطر واشر. لعلمهم انهم ما ادركوه بحولهم وقوتهم وانما ادركوه بفضل الله ومنه فيشتغل بشكر من اولى النعم ودفع النقم. ولهذا قال اي متكبر فظ غليظ. معجب بنفسه فخور بنعم الله. ينسبها الى نفسه وتطغيه وتلهيه كما قال تعالى ثم اذا خولناه نعمة منا قال انما اوتيته على علم نسابين البخل ومن يتولى فان الله هو الغني الحميد. الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل. اي يجمعون بين الامرين الذميمين الذين كل منهما كاف في الشر. البخل وهو منع الحقوق الواجبة. ويأمرون الناس بذلك. فلم يكفهم حتى امروا الناس بذلك وحثوهم على هذا الخلق الذميم بقولهم وفعلهم. وهذا من اعراضهم عن طاعة ربهم وتوليهم عنها ومن يتولى عن طاعة الله فلا يضر الا نفسه ولن يضر الله شيئا الذي غناه من لوازم ذاته الذي له ملك السماوات والارض وهو الذي اغنى عباده هو اقناهم الحميد الذي له كل اسم حسن. ووصف كامل وفعل جميل. يستحق ان يحمد عليه ويثنى ويعظم. لقد والميزان ليقوم الناس بالقسط. وانزل وليعلم الله من ينصر ورسله بالغيب ان الله قوي عزيز يقول تعالى لقد ارسلنا لنا بالبينات وهي الادلة والشواهد والعلامات الدالة على صدق ما جاءوا به واحقيته. وانزلنا معهم الكتاب وهو اسم جنس يشمل الكتب التي انزلها الله لهداية الخلق وارشادهم. ما ينفعهم في دينهم ودنياهم. والميزان وهو العدل في الاقوال والافعال والدين الذي جاءت به الرسل كله عدل وقسط في الاوامر والنواهي وفي معاملات الخلق وفي الجنايات والقصاص والحدود والمواريث وغير ذلك وذلك ليقوم الناس بالقسط قياما بدين الله وتحصينا لمصالحهم التي لا يمكن حصرها وعدها. وهذا دليل على ان الرسل متفق في قاعدة الشرع وهو القيام بالقسط. وان اختلفت انواع العدل بحسب الازمنة والاحوال وانزلنا الحديد فيه بأس شديد من الات الحرب كالسلاح والدروع وغيرها لذلك ومنافع للناس وهو ما يشاهد من نفعه في انواع الصناعات والحرف والاواني والات الحرث حتى انه قل ان يوجد شيء الا وهو تحتاج الى الحديد. اي ليقيم تعالى سوق الامتحان بما انزله من الكتاب والحديد. فيتبين من ينصره وينصر رسله في حال الغيب. التي ينفع فيها الايمان قبل الشهادة التي لا فائدة الايمان فيها لانه حينئذ يكون ضروريا. ان الله قوي عزيز اي لا يعجزه شيء ولا يفوته هارب. ومن قوته وعزته ان انزل الحديد الذي منه الالات القوية. ومن قوته وعزته انه قادر على الانتصار من اجله اعدائه ولكنه يبتلي اولياءه باعدائه ليعلم من ينصره بالغيب. وقرن تعالى في هذا الموضع بين الكتاب والحديد. لان بهذين الامرين ينصر الله دينه ويعلي كلمته بالكتاب الذي فيه الحجة والبرهان والسيف الناصر باذن الله. وكلاهما قيامه بالعدل والقسط الذي يستدل به على حكمة الباري وكماله. وكمال شريعته التي شرعها على السنة رسله وجعلنا في ذريتهما النبوة والكتاب. فمنهم مهتد وكثير منهم هم فاسقون. ولما ذكر نبوة الانبياء عموما ذكر من خواصهم النبيين الكريمين نوحا وابراهيم الذين جعل الله النبوة والكتابة في ذريتهما. فقال والكتابة. اي الانبياء المتقدمين والمتأخرين. كلهم من ذرية نوح وابراهيم عليهما السلام. وكذلك الكتب كلها نزلت على ذرية هذين النبيين الكريمين فمنهم اي ممن ارسلنا اليهم الرسل مهتد بدعوتهم منقاد لامرهم مسترشد بهداهم. وكثير منهم فاسقون خارجون عن طاعة الله وطاعة الرسل والانبياء. كما قال تعالى وما اكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين الذين اتبعوه رأفة ورحمة ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم الا فما رعوها حق رعايتها فاتينا الذين امنوا منهم اجرهم كثير منهم فاسقون. ثم قفينا اي اتبعنا على اثارهم برسلنا وقفينا بعيسى ابن مريم خص الله عيسى عليه السلام لان السياق مع النصارى الذين يزعمون اتباع عيسى عليه السلام واتيناه الانجيل الذي هو من كل بالله الفاضلة واجعلنا في قلوب الذين اتبعوه رأفة ورحمة. كما قال تعالى لتجدن اشد الناس عداوة للذين امنوا اليهود والذين اشركوا ولتجدن اقربهم مودة للذين امنوا الذين قالوا انا نصارى. ذلك بان منهم قسيسين ورهبانا وانهم لا يستكبرون. ولهذا كان النصارى الين من غيرهم قلوبا. حين كانوا على شريعة عيسى عليه السلام. ورهبانية ابتدعوها. والرهبانية العبادة فهم ابتدعوا من عند انفسهم عبادة ووظفوها على انفسهم. والتزموا لوازم ما كتبها الله عليهم ولفرظها. بل هم والذين التزموا بها من تلقاء انفسهم قصدهم بذلك رضا الله تعالى ومع ذلك فما رعوها حق رعايتها. اي ما قاموا بها ولا ادوا فقصروا من وجهين. من جهة ابتداعهم ومن جهة عدم قيامهم بما فرضوه على انفسهم. فهذه الحال هي الغالب من احوالهم ومنهم من هو مستقيم على امر الله. ولهذا قال فاتينا الذين امنوا منهم اجرهم اي الذين امنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم مع ايمانهم بعيسى اعطاه الله على حسب ايمانه. وكثير منهم فاسقون يؤتكم كفلين من رحمته ويجعل لكم نورا. ويجعل لكم نورا تمشون به يغفر لكم والله غفور رحيم. وهذا الخطاب يحتمل انه خطاب لاهل الكتاب الذين امنوا بموسى وعيسى عليه السلام يأمرهم ان يعملوا بمقتضى ايمانهم. بان يتقوا الله فيتركوا معاصيه. ويؤمنوا برسوله محمد صلى الله عليه وسلم. وانهم ان فعلوا ذلك اعطاهم الله كفلين من رحمته. اي نصيبين من الاجر. نصيب على ايمانهم بالانبياء الاقدمين. ونصيب على ايمانهم بمحمد صلى الله عليه وسلم ويحتمل ان يكون الامر عاما يدخل فيه اهل الكتاب وغيرهم. وهذا الظاهر وان الله امرهم بالايمان والتقوى الذي يدخل فيه جميع الدين ظاهره وباطنه اصوله وفروعه وانهم ان امتثلوا هذا الامر العظيم اعطاهم الله كفلين من رحمته لا يعلم وقدرهما الا الله تعالى اجر على الايمان واجر على التقوى. او اجر على امتثال الاوامر واجر على اجتناب النواهي. او ان المراد بها تكرار الايتاء مرة بعد اخرى ويجعل لكم نورا تمشون به ان يعطيكم علما وهدى ونورا تمشون به في ظلمات الجهل ويغفر لكم والسيئات والله ذو الفضل العظيم. فلا يستكثر هذا الثواب على فضل ذي الفضل العظيم. الذي عم فضله اهل السماوات والارض فلا يخلو مخلوق ومن فضله طرفة عين ولا اقل من ذلك. وقوله والله اي بينا لكم فضلنا واحساننا لمن امن ايمانا عاما. واتقى الله وامن برسوله لاجل ان اهل الكتاب يكونوا لديهم علم بانهم لا يقدرون على شيء من فضل الله. اي لا يحجرون على الله بحسب اهوائهم وعقولهم الفاسدة فيقولون لن يدخل الجنة الا من كان هودا او نصارى. ويتمنون على الله الاماني الفاسدة. فاخبر الله تعالى ان المؤمنين برسوله به محمد صلى الله عليه وسلم المتقين لله لهم كفلان من رحمته. ونور ومغفرة رغما على انوف اهل الكتاب وليعلموا ان الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء. ممن اقتضت حكمته تعالى ان يؤتيه من فضله الذي لا يقادر قدره