وخلفهم ويأتم بهداهم. ولهذا ذكر الله من اللاحقين من هو مؤتم بهم. وسائر خلفهم فقال ربنا اغفر لنا ولاخواننا الذين سبقوا هنا بالايمان. ربنا اغفر لنا ولاخواننا الذين سبقونا بالايمان وهم الخزي في الحياة الدنيا وعدم نصر من وعدهم بالمعاونة. كمثل الذين من قبلهم قريبا ذاقوا وبال امر ولهم عذاب اليم. كمثل الذين من قبلهم قريبا وهم كفار قريش الذين زين لهم الشيطان اعمالهم المكتبة السمعية للعلامة المفسر الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله. يسر فريق مشروع كبار العلماء ان يقدم فلكم قراءة تفسير السعدي. بسم الله الرحمن الرحيم. سبح لله ما في السماوات وما في الارض وهو العزيز هو الذي اخرج الذين كفروا من اهل الكتاب من ديارهم لاول الحشر هذه السورة تسمى سورة بني النضير. وهم طائفة كبيرة من اليهود في جانب المدينة. وقت بعثة النبي صلى الله عليه وسلم. فلما بعث النبي صلى الله عليه وسلم وهاجر الى المدينة كفروا به في جملة من كفر من اليهود. فلما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم الى المدينة سائر طوائف اليهود الذين هم جيرانه في المدينة. فلما كان بعد وقعة بدر بستة اشهر او نحوها. خرج اليهم النبي صلى الله عليه وسلم وكلمهم ان يعينوه في دية الكلابيين الذين قتلهم عمرو ابن امية الضمري فقالوا نفعل يا ابا القاسم اجلس ها هنا حتى حتى نقضي حاجتك فخلى بعضهم ببعض وسول لهم الشيطان الشقاء الذي كتب عليهم. فتآمروا بقتله صلى الله عليه وسلم. وقال الو ايكم يأخذ هذه الرحى فيصعد فيلقيها على رأسه يشتخه بها. فقال اشقاهم عمرو بن جحاش انا. فقال لهم سلام ابن مشكم. لا تفعلوا فوالله ليخبرن بما هممتم به. وانه لينقض العهد الذي بيننا وبينه. وجاء الوحي على الفور فيه من ربه بما هموا به. فنهض مسرعا فتوجه الى المدينة ولحقه اصحابه. فقالوا نهضت ولم نشعر بك. فاخبرهم لمهمة يهود به وبعث اليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ان يخرجوا من المدينة ولا تساكنوني بها وقد اجلتكم عشرا فمن وجدت بعد ذلك بها ضربت عنقه فاقاموا اياما يتجهزون وارسل اليهم المنافق عبدالله ابن ابي ابن سلول الا تخرجوا من ديار فان معي الفين يدخلون معكم حصنكم فيموتون دونكم. وتنصركم قريظة وحلفاؤكم من غطفان. وطمع رئيسهم حيي ابن واخطب فيما قال له وبعث الى رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول انا لا نخرج من ديارنا فاصنع ما بدا لك. فكبر رسول الله صلى الله عليه وسلم واصحابه. ونهضوا اليهم. وعلي بن ابي طالب يحمل اللواء. فاقاموا على حصونهم يرمون بالنبل والحجارة نزلتهم قريظة وخانهم ابن ابي وحلفاؤهم من غطفان. فحاصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقطع نخله وحرق فارسل اليه. نحن نخرج من المدينة فانزلهم على ان يخرجوا منها بنفوسهم وذراريهم. وان لهم ما حملت ابلهم الا السلاح. وقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم الاموال والسلاح. وكانت بنو النضير خالصة لرسوله صلى الله عليه وسلم. لنوائبه ومصالح المسلمين. ولم غمسها لان الله افاءها عليه ولم يوجف المسلمون عليها بخيل ولا ركاب واجلاهم الى خيبر وفيهم حيي بن اخطب كبيرهم واستو على ارضهم وديارهم وقبض السلاح فوجد من السلاح خمسين درعا وخمسين بيضة وثلاثمائة واربعين سيفا. هذا حاصل قصة كما ذكرها اهل السير. سبح لله ما في السماوات وما في الارض وهو العزيز الحكيم فافتتحت على هذه السورة بالاخبار ان جميع من في السماوات والارض تسبح بحمد ربها وتنزهه عما لا يليق بجلاله وتعبده لجلاله لانه العزيز الذي قد قهر كل شيء فلا يمتنع عليه شيء ولا يستعصي عليه مستعصي. الحكيم في خلقه وامره لا يخلق شيئا عبثا ولا يشرع ما لا مصلحة فيه. ولا يفعل الا ما هو مقتضى حكمته. ومن ذلك نصر الله لرسوله صلى الله عليه وسلم للذين كفروا من اهل الكتاب من ديارهم اتاهم الله من حيث لم يحتسبوا وقذف في قلوبهم الرعب. يخربون بيوتهم من بني النضير حين غدروا برسوله فاخرجهم من ديارهم واوطانهم التي الفوها واحبوها. وكان اخراجهم منها اول حشر وجلاء كتبه الله عليهم. على يد رسوله محمد صلى الله الله عليه وسلم فجلوا الى خيبر ودلت الاية الكريمة ان لهم حشرا وجلاء غير هذا فقد وقع حين اجلاهم النبي صلى الله عليه وسلم من خيبر ثم عمر رضي الله عنه اخرج بقيتهم منها انهم مانعتهم حصونهم من الله. ما ظننتم ايها المسلمون ان يخرجوا من ديارهم لحصانتها ومنعتها وعزهم فيها وظنوا انهم مانعتهم حصونهم من الله فاعجبوا بها وغرتهم وحسبوا انهم لا ينالون بها ولا يقدر عليها احد قدر الله تعالى وراء ذلك كله. ولا تغني عنه الحصون والقلاع. ولا تجدي فيه القوة والدفاع. ولهذا قال فاتاهم الله من حيث لم يحتسبوا اي من الامر والباب الذي لم يخطر ان يؤتوا منه وهو انه تعالى قذف في قلوبهم الرعب. وهو الخوف الشديد الذي هو جند الله الاكبر. الذي لا ينفع معه عدد لا عدة ولا قوة ولا شدة. فالامر الذي يحتسبونه ويظنون ان الخلل يدخل عليهم منه ان دخل. هو الحصون التي تحصنوا بها واطمأنت نفوسهم اليها. ومن وثق بغير الله فهو مخذول. ومن ركن الى غير الله فهو عليه وبال. فاتاهم امر سماوي نزل على قلوبهم التي هي محل الثبات والصبر او الخور والضعف. فازال الله قوتها وشدتها. واورثها ضعفا وخورا وجبنا. لا حيلة لهم ولا منعت معه فصار ذلك عونا عليهم. ولهذا قال وذلك انهم صالحوا النبي صلى الله عليه وسلم على ان لهم ما حملت الابل. فنقض ولذلك كثيرا من سقوفهم التي استحسنوها وسلطوا المؤمنين بسبب بغيهم على اخراب ديارهم وهدم حصونهم. فهم الذي جنوا على انفسهم وصاروا من اكبر عون عليها. اي البصائر النافذة والعقول الكاملة ان في هذا معتبرا يعرف به صنع الله تعالى في المعاندين للحق. المتبعين لاهوائهم الذين لم تنفعهم عزتهم ولا منعتهم ولا حصنتهم حصونهم. حين جاءهم امر الله ووصل اليهم النكال بذنوبهم. والعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب. فان هذه الاية تدل على الامر بالاعتبار. وهو اعتبار النظير بنظيره. وقياس الشيء على مثله. والتفكر فيما تضمنته الاحكام من المعاني والحكم التي هي هي محل العقل والفكرة. وبذلك يزداد العقل وتتنور البصيرة ويزداد الايمان. ويحصل الفهم الحقيقي الله عليهم في الدنيا ولهم في الاخرة عذاب النار ثم اخبر تعالى ان هؤلاء اليهود لم يصبهم جميع ما يستحقون من العقوبة. وان الله خفف عنهم. فلولا انه كتب عليهم الجلاء الذي وقضاه عليهم وقدره بقدره. الذي لا يبدل ولا يغير لكان لهم شأن اخر من عذاب الدنيا ونكالها. ولكنهم وان فاتهم العذاب الشديد الدنيوي. فان لهم في الاخرة عذاب النار. الذي لا يمكن ان يعلم شدته الا الله تعالى. فلا يخطر ببالهم ان عقوبتهم قد انقضت وفرغت ولم يبق لهم منها بقية. فما اعد الله لهم من العذاب في الاخرة اعظم واطم الله ورسوله ومن العقاب. وذلك لانهم شاقوا الله ورسوله. وعادوهما وحاربوهما. وسعوا في معصيتهما. وهذه عادته وسنة في من شاقه ولما نام بنو النظير رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمين في قطع النخيل وزعموا ان ذلك من الفساد وتوصلوا بذلك الى الطعن بالمسلمين. اخبر تعالى ان قطع النخيل انقطعوه او ابقائهم اياه ان نبقاو انه باذنه تعالى وامره. حيث سلطكم على قطع نخلهم وتحريقها. ليكون ذلك كنكالا لهم وخزيا في الدنيا وذلا يعرف به عجزهم التام. الذي ما قدروا على استنقاذ نخلهم الذي هو مادة قوتهم. واللينة قسم يشمل سائر النخيل على اصح الاحتمالات واولاها. فهذه حال بني النضير. وكيف عاقبهم الله في الدنيا؟ ثم ذكر من انتقلت اليه اموالهم وامتعتهم فقال وما افاد الله على رسوله منهم فما اوجهتم عليهم ولكن الله يسلط رسله على من يشاء آآ والله على كل شيء قدير. وما افاء الله على رسوله منهم اي من اهل هذه القرية وهم بنو النضير فانكم يا معشر المسلمين ما اوجفتم اي اجلبتم واسرعتم وحشدتم عليه من خيل ولا ركاب اي لم تتعبوا بتحصيلها لا بانفسكم ولا بمواشيكم. بل قذف الله في قلوبهم الرعب. فاتتكم صفوا عفوا. ولهذا قال ولكن الله يسلط رسله على من يشاء. والله على كل شيء ومن تمام قدرته انه لا يمتنع منهم ممتنع ولا يتعزز من دونه قوي الله على رسوله من اهل القرافة لله وللرسول وذي القربى واليتامى والمساكين وما اتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا. واتقوا الله ان الله شديد العقابه. وتعريف الفيء في اصطلاح الفقهاء هو ما اخذ من مال الكفار بحق من غير قتال. كهذا المال الذي فروا وتركوه خوفا من المسلمين. وسمي فيئا لانه رجع من الكفار الذين هم غير مستحقين له. الى المسلمين الذين لهم الحق فيه وحكمه العام كما ذكره الله في قوله ما افاء الله على رسوله من اهل القرى عموما سواء افاء الله في وقت رسوله او بعده لمن يتولى من بعده امته سبيل وهذه الاية نظير الاية التي في سورة الانفال في قوله واعلموا ان ما غنمتم من شيء فان لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل. فهذا الفيء يقسم خمسة اقسام. خمس لله ولرسوله. يصرف في مصالح المسلمين العامة وخمس لذوي القربى وهم بنو هاشم وبنو المطلب. حيث كانوا يسوى فيه بين ذكورهم واناثهم. وانما دخل بنو المطلب في خمس الخمس مع بني هاشم. ولم يدخل بقية بني عبد مناف. لانهم شاركوا بني هاشم في دخولهم الشعب. حين تعاقدت قريش على هجره وعداوتهم فنصروا رسول الله صلى الله عليه وسلم بخلاف غيرهم. ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم في بني عبد المطلب انهم لم يفارقوني في جاهلية ولا اسلام. وخمس لفقراء اليتامى وهم من لا اب له. ولم يبلغ وخمس للمساكين وسهم لابناء السبيل وهم الغرباء المنقطع بهم في غير اوطانهم. وانما قدر الله هذا التقدير وحصر الفيئة في هؤلاء المعنيين كي لا يكون دولة بين الاغنياء منكم. لكي لا يكون دولة اي مداولة وقال لا غالب لكم اليوم من الناس واني جار لكم. فلما تراءت الفئتان نكص على عقبيه وقال اني بريء منكم اني ارملة ترون فغرتهم انفسهم وغرهم من غرهم. الذين لم ينفعوهم ولم يدفعوا عنهم العذاب. حتى اتوا بدرا بفخرهم وخيلائه واختصاصا بين الاغنياء منكم. فانه لو لم يقدره لتداولته الاغنياء الاقوياء. ولما حصل لغيره من العاجزين منه شيء وفي ذلك من الفساد ما لا يعلمه الا الله. كما ان في اتباع امر الله وشرعه من المصالح ما لا يدخل تحت الحصر. ولذلك امر الله بالقاعدة الكلية والاصلي العام فقال وما اتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا. وهذا شامل لاصول في الدين وفروعه ظاهره وباطنه. وان ما جاء به الرسول يتعين على العباد الاخذ به واتباعه. ولا تحل مخالفته. وان نص الرسول على حكم شيء كنص الله تعالى لا رخصة لاحد ولا عذر له في تركه. ولا يجوز تقديم قول احد على قوله. ثم امر بتقواه التي بها يا عمارة القلوب والارواح والدنيا والاخرة. وبها السعادة الدائمة والفوز العظيم. وباضاعتها الشقاء الابدي والعذاب الصمدي فقال واتقوا الله ان الله شديد العقاب. على من ترك التقوى واثر اتباع الهوى للفقراء المهاجرين الذين اخرجوا من ديارهم واموالهم يبتغون فضلا آآ اه هاجر اليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما اوتوا ويؤثرون الانفسهم ولو كان بهم خصاصة. ومن يوق شح نفسه فاولئك ثم ذكر تعالى الحكمة والسبب الموجب لجعله تعالى الاموال اموال الفيء لمن قدرها له وانهم محققون بالاغاثة مستحقون لان تجعل لهم وانهم ما بين مهاجرين قد هجروا المحبوبات والمألوفات من الديار والاوطان والاحباب ابي والخلاني والاموال رغبة في الله ونصرة لدين الله ومحبة لرسول الله. فهؤلاء هم الصادقون الذين عملوا بمقتضى ايمانهم صدقوا ايمانهم باعمالهم الصالحة والعبادات الشاقة بخلاف من ادعى الايمان وهو لم يصدقه بالجهاد والهجرة وغيرهما من العبادات. وبين انصار وهم الاوس والخزرج الذين امنوا بالله ورسوله طوعة ومحبة واختيارا واووا رسول الله صلى الله عليه وسلم ومنع من الاحمر والاسود وتبوأوا دار الهجرة والايمان. حتى صارت موئلا ومرجعا يرجع اليه المؤمنون. ويلجأ اليه المهاجرون. ويسكن المسلمون اذ كانت البلدان كلها بلدان حرب وشرك وشر. فلم يزل انصار الدين تأوي الى الانصار. حتى انتشر الاسلام وقوي وجعل يزيد شيئا فشيئا وينمو قليلا قليلا حتى فتحوا القلوب بالعلم والايمان والقرآن والبلدان بالسيف والسنان. الذين من جملة اوصافهم الجميلة انهم يحبون من هاجر اليهم. وهذا لمحبتهم لله ولرسوله. احبوا احبابه واحبوا من نصر دينه ولا يجدون في صدورهم حاجة مما اوتوا اي لا يحسدون المهاجرين على ما اتاهم الله من فضله وخصهم به من الفضائل والمناقب التي هم اهلها. وهذا يدل على سلامة صدورهم. وانتفاء الغل والحقد والحسد عنها. ويدل ذلك على ان المهاجرين افضل من الانصار. لان الله قدمهم بالذكر. واخبر ان الانصار لا يجدون في صدورهم حاجة مما اوتوا. فدل على ان الله تعالى اتاهم ما لم يؤت الانصار ولا غيرهم. ولانهم جمعوا بين النصرة والهجرة. وقوله ويؤثرون على انفسهم ولو كان بهم خصاصة. اي ومن اوصاف الانصار التي فاقوا بها غيرهم. وتميزوا بها على من سواهم الايثار وهو اكمل انواع الجود. وهو الايثار بمحاب النفس من الاموال وغيرها. وبذلها للغير مع الحاجة اليها. بل مع الضرورة والخصاصة وهذا لا يكون الا من خلق ذكي. ومحبة لله تعالى مقدمة على محبة شهوات النفس ولذاتها. ومن ذلك قصة الانصاري الذي نزلت الاية بسببه حين اثر ضيفه بطعامه وطعام اهله واولاده. وباتوا جياعا والايثار عكس الاثرة. فالايثار محمود والاثرة مذمومة لانها من خصال البخ والشح. ومن رزق الايثار فقد وقي شح نفسه هم المفلحون. ووقاية شح النفس يشمل وقايتها الشح في جميع ما امر به فانه اذا وقي العبد شح نفسه سمحت نفسه باوامر الله ورسوله. ففعلها طائعا منقادا منشرحا بها صدره. وسمح نفسه بتركه ما نهى الله عنه. وان كان محبوبا للنفس تدعو اليه وتطلع اليه. وسمحت نفسه ببذل الاموال في سبيل الله وابتغاء وبذلك يحصل الفلاح والفوز بخلاف من لم يلقى شح نفسه بل ابتلي بالشح بالخير الذي هو اصل الشر ومادته فهذا صنفان الفاضلان الزكيان هم الصحابة الكرام والائمة الاعلام. الذين حازوا من السوابق والفضائل والمناقب. ما سبقوا به من بعدهم وادركوا به من قبلهم. فصاروا اعيان المؤمنين وسادات المسلمين. وقادات المتقين. وحسب من بعدهم من الفضل ان يسير ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين امنوا ربنا انك رؤوف الرحيم. والذين جاءوا من بعدهم اي من بعد المهاجرين والانصار. يقولون على وجه النصح لانفسهم ولسائر المؤمنين ربنا اغفر لنا ولاخواننا الذين سبقونا بالايمان. وهذا دعاء شامل لجميع المؤمنين. السابقين من الصحابة ومن قبلهم ومن بعدهم وهذا من فضائل الايمان ان المؤمنين ينتفع بعضهم ببعض ويدعوا بعضهم لبعض بسبب المشاركة في الايمان المقتضي لعقد الاخوة بين منين؟ التي من فروعها ان يدعو بعضهم لبعض. وان يحب بعضهم بعضا. ولهذا ذكر الله في الدعاء نفي الغل عن القلب. الشامل بقليل الغل وكثيره. الذي اذا انتفى ثبت ضده وهو المحبة بين المؤمنين والموالاة والنصح. ونحو ذلك مما هو من حقوق المؤمن فوصف الله من بعد الصحابة بالايمان لان قولهم سبقونا بالايمان دليل على المشاركة في الايمان وانهم تابعون للصحابة في عقائد الايمان واصوله وهم اهل السنة والجماعة الذين لا يصدق هذا الوصف التام الا عليهم ووصفهم بالاقرار بالذنوب والاستغفار منها واستغفار بعضهم لبعض واجتهادهم في ازالة الغل والحقد عن قلوبهم لاخوانهم المؤمنين. لان دعاءهم بذلك مستلزم لما ذكر ومتضمن لمحبة بعضهم بعضا. وان يحب احدهم لاخيه ما يحب لنفسه. وان ينصح له حاضرا وغائبا. حيا وميتا ودلت الاية الكريمة على ان هذا من جملة حقوق المؤمنين بعضهم لبعض ثم ختموا دعائهم باسمين كريمين دالين على كمال رحمة الله وشدة رأفته واحسانه بهم. الذي من جملته بل من اجله توفيقهم للقيام بحقوق الله وحقوق عباده. فهؤلاء الاصناف الثلاثة هم اصناف هذه الامة وهم المستحقون للفيء. الذي مصرفه راجع الى مصالح الاسلام. وهؤلاء اهله الذين هم اهله سألنا الله منهم بمنه وكرمه قبل ان اخرجتم لنخرجن معكم ولا نطيع فيكم احدا ابدا انهم لكاذبون. ثم تعجبت عالة من حال المنافقين. الذين طمعوا اخوانهم من اهل الكتاب في نصرتهم وموالاتهم على المؤمنين. وانهم يقولون لهم لان اخرجتم لنخرجن معكم. ولا نطيع فيكم احدا ابدا. اي لا في عدم نصرتكم احدا يعدلنا او يخوفنا كاذبون. والله يشهد انهم لكاذبون في هذا الوعد الذي غروا به اخوانهم. ولا يستكثر هذا عليهم فان الكذب وصفهم الغرور والخداع مقارنهم والنفاق والجبن يصحبهم. ولهذا كذبهم الله بقوله الذي وجد مخبره كما اخبر الله به. ووقع ما قال فقال نصروهم ليولن الادبار ثم لا ينصرون. لان اخرجوا من ديارهم جلاء ونفيا لا يخرجون معهم لمحبتهم للاوطان وعدم صبرهم على القتال وعدم وفائهم بوعدهم. ولئن قوتلوا لا ينصرونهم. بل الجبن ويملكهم الفشل ويخذلون اخوانهم احوج ما كانوا اليهم ولان نصروهم على الفرض والتقدير ليولن الادبار ثم لا ينصرون اذا يحصل منهم الادبار عن القتال والنصرة. ولا يحصل لهم نصر من الله والسبب الذي اوجب لهم ذلك انكم ايها فالمؤمنون اشد رهبة في صدورهم من الله. فخافوا منكم اعظم مما يخافون الله. وقدموا مخافة المخلوق الذي لا يملك لنفسه ولا غيره في نفعا ولا ضر على مخافة الخالق الذي بيده الضر والنفع والعطاء والمنع ذلك بانهم قوم لا يفقهون مراتب الامور. ولا يعرفون حقائق الاشياء ولا يتصورون العواقب. وانما الفقه كل الفقه ان يكون خوف الخالق ورجاءه ومحبته مقدمة على غيرها. وغيرها تبعا لها. لا يقاتلونكم جميعا لا يقاتلونكم جميعا. اي في حال الاجتماع الا في قرى محصنة او من وراء جدر. اي لا يثبتون لقتالكم ولا اعزمون عليه الا اذا كانوا متحصنين في القرى او من وراء الجدر والاسوار فانهم اذ ذاك ربما يحصل منهم امتناع اعتمادا على حصونهم وجدورهم لا شجاعة بانفسهم وهذا من اعظم الذم. اي بأسهم فيما نهم شديد لا افة في ابدانهم ولا في قوتهم. وانما الافة في ضعف ايمانهم وعدم اجتماع كلمتهم. ولهذا قال تحسبهم جميعا. حين تراهم مجتمعين ومتظاهرين. ولكن قلوبهم هم شتى اي متباغضة متفرقة متشتتة. ذلك الذي اوجب له هم اتصافهم بما ذكر بانهم قوم لا يعقلون. اي لا عقل عندهم ولا لب. فانهم لو كانت لهم عقول لاثروا الفاضل على ولما رضوا لانفسهم بابخس الخطتين. ولكانت كلمتهم مجتمعة وقلوبهم مؤتلفة. فبذلك يتناصرون ويتعاضدون تعاونون على مصالحهم ومنافعهم الدينية والدنيوية. مثل هؤلاء المخذولين من اهل الكتاب. الذين انتصر الله لرسوله منهم. واذاق بهم ظانين انهم مدركون برسول الله والمؤمنين امانيهم. فنصر الله رسوله والمؤمنين عليهم. فقتلوا كبارهم وصناديدهم واثروا من اسروا منهم وفر من فر وذاقوا بذلك وبال امرهم وعاقبة شركهم وبغيهم. هذا في الدنيا ولهم في الاخرة عذاب نار ومثل هؤلاء المنافقين الذين غروا اخوانهم من اهل الكتاب فلما كفر قال اني بريء منك اني اخاف الله اني اخاف الله رب العالمين. كمثل الشيطان اذ قال للانسان اكفر. اي زين له الكفر وحسنه ودعاه اليه فلما اغتر به وكفر وحصل له الشقاء لم ينفعه الشيطان الذي تولاه ودعاه الى ما دعاه اليه. بل تبرأ منه قال اني بريء منك اني اخاف الله رب العالمين. اي ليس لي قدرة على دفع العذاب عنك. ولست بمغن عنك مثقال ذرة من الخير فكان عاقبتهما انهما في النار انهما في النار فكان عاقبتهما اي الداعي الذي هو الشيطان الشيطان والمدعو الذي هو الانسان حين اطاعه انهما في النار خالدين فيها. كما قال تعالى انما يدعو حزبه ليكونوا من اصحاب السعير. وذلك جزاء الظالمين الذين اشتركوا في الظلم والكفر. وان اختلفوا في شدة العذاب وقوته. وهذا دأب الشيطان مع كل لاولياءه فانه يدعوهم ويدليهم الى ما يضرهم بغرور. حتى اذا وقعوا في الشباك وحاقت بهم اسباب الهلاك. تبرأ منهم وتخلى عنهم واللوم كل اللوم على من اطاعه. فان الله قد حذر منه وانذر. واخبر بمقاصده وغايته ونهايته. فالمقدم على طاعته حصن على بصيرة لا عذر له ما قدمت لغد واتقوا الله ان الله خبير بما تعملون. يأمر تعالى عباده المؤمنين بما يوجبه الايمان ويقتضيه. من لزوم تقواه سرا وعلانية في جميع الاحوال. وان يراعوا ما امرهم الله به من اوائل امره وشرائعه وحدوده. وينظر مالهم وما عليهم. وماذا حصلوا عليه من الاعمال التي تنفعهم او تضرهم في يوم القيامة؟ فانهم اذا جعلوا الاخرين نصب اعينهم وقبلة قلوبهم واهتموا بالمقام لها. اجتهدوا في كثرة الاعمال الموصلة اليها. وتصفيتها من القواطع والعوائق التي توقفها عن السير او تعوقهم او تصرفهم. واذا علموا ايضا ان الله خبير بما يعملون. لا تخفى عليه اعمالهم ولا تضيع لديه ولا يهملها اوجب لهم الجد والاجتهاد. وهذه الاية الكريمة اصل في محاسبة العبد نفسه. وانه ينبغي له ان يتفقدها. فان رأى زللا تداركه بالاقلاع عنه والتوبة النصوح والاعراض عن الاسباب الموصلة اليه. وان رأى نفسه مقصرا في امر من اوامر الله بذل جهده واستعان بربه في تكميمه وتتميمه واتقانه. ويقايس بين منن الله عليه واحسانه. وبين تقصيره فان ذلك يوجب له الحياء بلا محالة ولا تكونوا كالذين نسوا الله فانساهم انفسهم اولئك هم الفاسقون. والحرمان كل الحرمان ان يغفل العبد عن هذا الامر. ويشابه قوما نسوا الله وغفلوا عن ذكره والقيام بحقه واقبلوا على حظوظ انفسهم وشهواتها فلم ينجحوا ولم يحصلوا على طائل بل انساهم الله مصالح انفسهم واغفلهم عن منافعها قائدها فصار امرهم فرطا. فرجعوا بخسارة الدارين. وغبنوا غبنا لا يمكنهم تداركه. ولا يجبر كسره. لانهم هم الفاسقون الذين خرجوا عن طاعة ربهم واوضعوا في معاصيه فهل يستوي من حافظ على تقوى الله ونظر لما تقدم لغده فاستحق جنات النعيم والعيش السليم مع الذين انعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين ومن غفل عن لله ونسي حقوقه فشقي في الدنيا واستحق العذاب في الاخرة. فالاولون هم الفائزون والاخرون هم الخاسرون انزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية وتلك الامثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون. ولما بين تعالى لعباده ما بين وامرهم ونهاهم في كتابه العزيز. كان هذا موجبا لان يبادروا الى ما دعاهم اليه وحثهم عليه. ولو كانوا في القسوة وصلابة القلوب كالجبال الرواسي. فان هذا القرآن لو انزله على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله. اي لكمال تأثيره في القلوب فان مواعظ القرآن الكريم اعظم المواعظ على الاطلاق واوامره ونواهيه محتوية على الحكم والمصالح المقرونة بها وهي من اسهل شيء على النفوس وايسرها على الابدان خالية من التكلف لا تناقض فيها ولا اختلاف ولا صعوبة فيها ولا اعتساف تصلح في كل زمان ومكان وتليق لكل احد. ثم اخبر تعالى انه يضرب للناس الامثال ويوضح لعباده في كتابه الحلال والحرام. لاجل يعني يتفكروا في اياته ويتدبروها. فان التفكر فيها يفتح للعبد خزائن العلم. ويبين له طرق الخير والشر. ويحثه على الاخلاق ومحاسن الشيم. ويزجره عن مساوئ الاخلاق. فلا انفع للعبد من التفكر في القرآن والتدبر لمعانيه الذين لا اله الا هو عالم الغيب والشهادة هو الرحمن الرحيم هذه الايات الكريمات اشتملت على كثير من اسماء الله الحسنى واوصافه العلا عظيمة الشأن وبديعة برهان فاخبر انه الله المألوه المعبود الذي لا اله الا هو وذلك لكماله العظيم واحسانه الشامل وتدبيره العام. وكل اله سواه فانه باطل. لا يستحق من العبادة مثقال ذرة لانه فقير عاجز ناقص. لا يملك لنفسه ولا لغيره شيئا. ثم وصف نفسه بعموم العلم الشامل لما غاب عن الخلق وما يشاهدونه. وبعموم رحمته التي وسعت كل شيء. ووصلت الى كل حي الذي لا اله الا هو الله الذي لا اله الا هو الملك الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر سبحان الله عما يشركون. ثم كرر ذكر عموم الهيته وانفراده بها وانه المالك لجميع الممالك. فالعالم العلوي والسفلي واهله الجميع مماليك لله فقراء مدبرون. القدوس السلام اي المقدس السالم من كل عيب وافة ونقص. المعظم الممجد لان القدوس يدل على التنزيه عن كل نقص. والتعظيم لله في اوصافه وجلاله المؤمن اي المصدق لرسله وانبيائه بما جاءوا به. بالايات البينات والبراهين القاطعات الواضحات العزيز الذي لا يغالب ولا يمانع. بل قد قهر كل شيء وخضع له كل شيء. الجبار الذي قهر جميع العباد واذعن له سائر الخلق الذي يجبر الكسير ويغني الفقير. المتكبر الذي له الكبرياء والعظمة المتنزه عن جميع والظلم والجور. سبحان الله عما يشركون. وهذا تنزيه عام عن كل ما وصفه به من به وعانده يسبح له ما في السماوات والارض وهو العزيز الحكيم. هو الله الخالق لجميع المخلوقات البارئ للمبروءات المصور للمصورات وهذه الاسماء متعلقة بالخلق والتدبير والتقدير. وان ذلك فكن له قد انفرد الله به لم يشاركه فيه مشارك. له الاسماء الحسنى اي له الاسماء الكثيرة جدا التي لا يحصيها ولا يعلمها احد الا ان الله هو ومع ذلك فكلها حسنى. اي صفات كمال بل تدل على اكمل الصفات واعظمها لا نقص في شيء منها بوجه من الوجوه ومن حسنها ان الله يحبها ويحب من يحبها ويحب من عباده ان يدعوه ويسألوه بها. ومن كماله وان له الاسماء الحسنى الصفات العليا ان جميع من في السماوات والارض مفتقرون اليه على الدوام. يسبحون بحمده ويسألونه حوائجهم. فيعطيه من فضله وكرمه فيه ما تقتضيه رحمته وحكمته. وهو العزيز الحكيم. الذي لا يريد شيئا الا ويكون ولا يكون شيئا الا لحكمة ومصلحة