العظيم الشامل الذي امر بالايمان بكل كتاب انزله الله. وبكل رسول ارسله الله. قال عز وجل فلذلك فادع واستقم كما امرت. ولا تتبع اهواءهم وقل امنت بما انزل الله من كتاب. وامرت في اعدل بينكم الله ربنا وربكم لنا اعمالنا ولكم اعمالكم لا حجة بيننا وبينكم يجمع بيننا واليه المصير. وهو الدين العظيم الذي شهد الرب العظيم بصحته وكماله. وشهد بذلك الكون من الخلق وخلاصتهم. قال سبحانه وتعالى شهد الله انه لا اله الا هو والملائكة واولو العلم قائم بالقسط لا اله الا هو العزيز الحكيم. ان الدين عند الله الاسلام. وهو الدين الذي من اتصل شبابك قبل هرمك وصحتك قبل سقمك وفراغك قبل شغلك وغناك قبل فقرك وحياتك قبل موتك فمتى عرف العبد المقصود من النعم وانها مجعولة وسائل الى خيرات الاخرة اجتمع له الامران. التمتع بها يسر فريق مشروع كبار العلماء ان يقدم لكم قراءة كتاب الدين الصحيح يحل جميع المشاكل الدين الصحيح يحل جميع المشاكل. تأليف الشيخ العلامة عبدالرحمن بن ناصر السعدي. رحمه الله الله بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله واصلي واسلم على محمد وعلى اله وصحبه اجمعين. اما بعد فهذه كلمات تتعلق بموضوع الدين الاسلامي. وانه يهدي للتي هي اقوم واصلح. ويرشد العباد في قائده واخلاقه ومعاملاته وتوجيهاته وتأسيساته الى ما ينفعهم في معاشهم ومعادهم. وبيان واخلاقه ومعاملاته وتوجيهاته وتأسيساته الى ما ينفعهم في معاشهم ومعادهم. وبيان انه لا سبيل الى اصلاح شيء من امور الخلق الاصلاح التام الا به. وبيان ان جميع النظم المخالفة لدين الاسلام يستقيم بها دين ولا دنيا الا اذا استمدت من تعاليم الدين. وهذا الذي قلناه قد برهنت المحسوسات تجارب على صدقه وصحته. كما دلت الشرائع والفطر والعقول السليمة على حقيقته. فان الدين كله صلاح واصلاح وكله دفع للشرور والاضرار. كلها يدعو الى الخير والهدى. ويحذر من الشر وانواع الردى عند عرض بعض النماذج على تعليماته وتوجيهاته يظهر لكل عاقل منصف صحة هذا. وان الخلق كلهم مضطرون اليه وانهم لا يستغنون عنه في حالة من احوالهم. ذلك بان الدنيا كلها قد جاشت بمشاكل الحياة. والبشر كلهم يتخبطون في دياجير الظلمات. فيهتدون من وجه واحد ويضلون من وجوه اخرى. وقد يستقيم لهم امر من بعض وجوهه ويقع الانحراف في بقية انحائه. وهذا ناتج من احد امرين. اما جهل بما دل عليه الدين وما ارشد اليه واما مكابرة وغي ومقاصد سيئة. واغراض فاسدة حالت بينهم وبين الصلاح الذي يعرفونه كما هو الواقع كثيرا. لهذا ينبغي ان نذكر بعض مشاكل الحياة المهمة مثل مشكلة الدين ومشكلة العلم ومشكلة الغنى والفقر والصحة والمرض والحرب والسلم والاجتماع والافتراق والمحارب والمكاره وغير ذلك من ما اختلفت فيها انظار الناس وتوجيهاتهم. وما سلكه الدين الاسلامي فيها من المسالك الصالحة السديدة. وما اولاه نحوها من المنافع التي لا تعد ولا تحصى. المشكلة الاولى مشكلة الدين والعقيدة وهذه المشكلة من اهم مشاكل للحياة واعظمها وعليها تنبني الامور كلها. وبصلاح الدين او فساده او عدمه تتوقف جميع الاشياء. وقد تفرق فيها البشر وسلكوا في دينهم وعقائدهم طرقا شتى. كلها منحرفة معوجة ضارة غير نافعة الا من اهتدى الى دين الاسلام الحقيقي فانه حصلت له الاستقامة والخير والراحة من جميع الوجوه. فمن الناس من تلاعب بهم الشيطان فعبدوا غير الله من الاشجار والاحجار الصور والانبياء والملائكة والصالحين وطالحين مع اعترافهم بان الله ربهم ومالكهم وخالقهم وحده لا شريك له. فاعترفوا بتوحيد الربوبية وانحرفوا عن توحيد الالهي الذي هو افراد الله بالعبادة. وهؤلاء هم المشركون على اختلاف مذاهبهم وتباين طوائفهم. وقد دل الكتب السماوية على شقائهم وهلاكهم. واتفق جميع الرسل على الامر بتوحيد الله والنهي عن الشرك. وان من بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار. كما دلت العقول السليمة والفطر المستقيمة على فساد الشرك والتأله والتعبد للمخلوقات والمصنوعات. فالشرك باطل في الشرع فاسد في العقل. عاقبة اهله الهلاك الشقاء ومن الناس من آمن ببعض الرسل والكتب السماوية دون بعض. مع ان الرسل والكتب يصدق بعضها بعضا. ويوافي بعضها بعضا وتتفق في الاصول الكلية. فصار هؤلاء ينقض تكذيبهم تصديقهم. ويبطل اعترافهم ببعض الانبياء وبعض الكتب السماوية تكذيبهم للاخرين من الرسل. فبقوا في دينهم منحرفين وفي ايمانهم متحيرين. وفي علمهم متناقضين. قال الله تعالى ان الذين يكفرون بالله ورسله ويريدون ان يفرقوا بين الله ورسله. ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض. ويريدون ان يتخذوا بين ذلك سبيلا اولئك هم الكافرون حقا. فحكم بالكفر الحقيقي لانه عرف ان دعواهم للايمان دعوة غير صحيحة صحيحة ولو كانت صحيحة لامنوا بجميع الحقائق التي اتفقت عليها الرسل. ولكنهم قالوا نؤمن بما انزل علينا ويكفرون بما وراءه وهو الحق مصدقا لما معهم. ولهذا دعواهم الايمان دعوة كاذبة فقال عنهم عز وجل فلما تقتلون انبياء الله من قبل ان كنتم مؤمنين. ومن الناس طائفة ادعت الفلسفة والعلم بالمعقولات. فجاءت باكبر الضلالات واعظم المحالات. فجحدت الرب العظيم وانكرت وجوده فضلا عن الايمان بالرسل والكتب وامور الغيب. وجحدوا ايات الله واستيقنتها انفسهم ظلما وعلوا قوة واستكبارا. فكذبوا بعلوم الرسل وما دلت عليه الكتب المنزلة من عند الله. واستكبروا عنها بما عرفوا من العلوم الطبيعية وتوابعها وانكروا جميع الحقائق الا ما ادركوه بحواسهم وتجاربهم القاصرة الضيقة بالنسبة الى علوم الانبياء. فعبدوا الطبيعة وجعلوها اكبر همهم ومبلغ علمهم. واندفعوا وراء ما تقتضيه طبائعهم ولم يتقيدوا بشيء من الشرائع الدينية ولا الاخلاق الانسانية. فصارت البهائم احسن حالا منهم. فانهم نضبت منهم منهم الاخلاق واندفعوا وراء الشهوات البهيمية. فلم يكن لهم غاية يرجونها ولا نهاية يطلبونها. قال الله تعالى قال وقالوا ما هي الا حياتنا نموت ونحيا وما يهلكنا الا الدهر. وصار المشركون على شركهم وكفرهم احسن حالا منهم. واقل شرا منهم بكثير. والعجب الكثير ان هذا المذهب الخبيث جرف بتياره في الاوقات الاخيرة جمهور البشر لضعف الدين وقلة البصيرة ولما وضعت له الامم القوية الحبائل والمصائد التي هلك بها فيها الخلق. اما الدين الاسلامي فقد اخرج الخلق من ظلمات الجهل والكفر والظلم والعدوان واصناف الشرور الى نور العلم والايمان واليقين والعدل والرحمة وجميع الخيرات. قال عز وجل لقد من الله على المؤمنين اذ بعث فيهم رسولا من انفسهم يتلو عليهم اياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة. وان كان وقال سبحانه ان الله يأمر بالعدل والاحسان وايتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي. يعظكم لعلكم تذكرون. وقال سبحانه ان هذا القرآن يهدي للتي هي اقوم. وقال عز وجل اليوم اكملت لكم دينكم واتممت عليكم نعمتي. ورضيت لكم الاسلام دينا. وقال سبحانه وتمت كلمة ربك صدقا وعدلا. اي كلماته الدينية التي شرع بها الشرائع وسن الاحكام وقد جعلها الله تامة من جميع الوجوه لا نقص فيها بوجه من الوجوه. صدقا في اخبارها عن الله وعن توحيده وجزائه وصدق رسله في امور الغيب عدلا في احكامها. واوامرها كلها عدل واحسان وخير وصلاح واصلاح ونواهيها كلها في غاية الحكمة. تنهى عن الظلم والعدوان والاضرار المتنوعة. قال سبحانه ومن احسن من الله حكما لقوم يوقنون. وهذا استفهام بمعنى النفي المتقرر الذي تقرر حدوثه في العقول الفطر فما امر بشيء فقال العقل ليته نهى عنه. ولا نهى عن شيء فقال العقل ليته امر به. لقد اباح هذا الدين كل طيب نافع وحرم كل خبيث ضار. قال عز وجل الذين يتبعون الرسول النبي الامي الذي يجدوه دونه مكتوبا عندهم في التوراة والانجيل. يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر. ويحل لهم ذاتي ويحرم عليهم الخبائث. ويضع عنهم اصرهم والاغلال التي كانت عليهم. فهو الدين الذي يوجه العباد الى كل امر نافع لهم في دينهم ودنياهم. ويحذرهم من كل امر ضار في دينهم ومعاشهم. ويأمرهم عند اشتباه المصالح والمفاسد والمنافع والمضارب بالمشاورة في استخراج ما ترجحت مصلحته ودفع ما ترجحت مفسدته. وهو الدين صفى به جمع الله له جمال الظاهر والباطن. وكمال الاخلاق والاعمال. قال سبحانه ومن احسن دينا ممن ما وجهه لله وهو محسن فلا احسن ممن هو مخلص لله. محسن الى عباد الله مخلص لله متبع لشريعة الله التي هي احسن الشرائع واعدل المناهج. فانصبغ قلبه بالاخلاص والتوحيد. واستقامت اخلاقه واعماله على الهداية والتسديد. قال عز وجل صبغة الله ومن احسن من الله صبغة ونحن له عابدون. وهو الدين الذي فتح اهله القائمون به المتصفون بارشاداته وتعاليمه القلوب بالعلم والايمان. والاقطار بالعدل الرحمة والنصح لنوع الانسان. وهو الدين الذي اصلح الله به العقائد والاخلاق. واصلح به الحياة الدنيا والاخرة والف به القلوب المشتتة والاهواء المتفرقة. وهو الدين العظيم المحكم غاية الاحكام في اخباره كلها وفي احكامه. فما اخبر الا بالصدق والحق. ولا حكم الا بالحق والعدل. فلم يأت علم صحيح ينقض شيئا من اخباره. ولا حكم احد احسنوا من احكامه. اصوله وقواعده واسسه تساير الزمان السابق واللاحق. فحيثما طبقت المعاملات المتنوعة بين الافراد والجماعات في كل زمان ومكان على اصوله تم بها القسط والعدل والرحمة والخير والاحسان. لانها تنزيل من حكيم حميد. قال عز وجل كتاب احكمت اياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير. وقال عز من قال لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد. وقال سبحانه انا نحن نزلنا الذكر وانا له لحافظون. حافظون لالفاظه عن الزيادة والنقص والتغيير محافظون لاحكامه عن الانحراف والنقص. بل هي في اعلى ما يكون من العدل والاستقامة والتيسير. وهو الدين العظيم الذي اهدي الى الحق والى طريق مستقيم. الصدق شعاره والعدل مداره والحق قوامه. والرحمة روحه وغاليته والخير قرينه والصلاح والاصلاح جماله واعماله والهدى والرشد زاده. وهو الدين الذي جمع بين مطالب الروح والقلب والجسد امر الله به المؤمنين بما امر المرسلين بعبادته والعمل الصالح الذي يرضيه. وبالاكل من الطير سيدات واستخراج ما سخر الله لعباده في هذه الحياة. فدفع القائمين به حقيقة الى كل علو ورقي وتقدم صحيح. من عرف شيئا من اوصاف هذا الدين. عرف عظيم منة الله به على الخلق. وان من نبذه وقع في الباطل والضلال والخيبة والخسران. لان الاديان التي تخالفه ما بين خرافات ووثنيات. وما بين الحاد الديات تجعل قلوب اهلها واعمالهم كالبهائم بل هم اضل سبيلا. لان الدين اذا ترحل من القلوب ترحلت اخلاق جميلة وحل محلها الاخلاق الرذيلة. فهبطت باهلها الى اسفل الدركات. وصار اكبر همهم ومبلغهم التمتع بعاجل الحياة. والحمدلله رب العالمين. المشكلة الثانية مشكلة العلم. لقد غلط كثير من الناس في مسمى العلم الصحيح الذي ينبغي ويتعين طلبه. والسعي اليه على قولين متطرفين. احدهما اخطر من الاخر فالاول قول من قصر العلم على بعض مسمى العلم الشرعي المتعلق باصلاح العقائد والاخلاق والعبادات دون ما دل عليه الكتاب والسنة من ان العلم يشمل علوم الشرع ووسائلها وعلوم الكون. وهذا قول طائفة ممن لم تتبصر بالشريعة اسطورا صحيحة ولكنهم الان بدأوا يتحللون من هذا الاطلاق. لما رأوا من المصالح العظيمة في علوم الكون. وحين تنبأ كثير منهم لدلالات نصوص الدين عليه. والقول الثاني قول من قصر العلم على العلوم العصرية التي هي بعض علوم الكون وهذا القول انما نشأ من انحرافهم عن الدين وعلومه واخلاقه. وهذا غلط عظيم. حيث جعلوا الوسائل هي المقاصد وحيث نفوا من العلوم الصحيحة والحقائق النافعة ما لا تنسب اليه العلوم العصرية بوجه من الوجوه. غرهم ما ترتب اليها من الصناعات والمخترعات. وهؤلاء هم المرادون بقوله تعالى فلما جاءتهم رسلهم البينات فرحوا بما عندهم. فرحوا بما عندهم من العلم وحاق بهم ما كانوا به فهم فرحوا بعلومهم واستكبروا بها واحتقروا علوم الرسل. حتى نزل بهم ما كانوا به يستهزئون من الحق نزل بهم من العذاب الذي وعد به من كذب الرسل وعذبوا في الدنيا بالختم على قلوبهم واسماعهم وابصارهم. وعموا عن الحق والعذاب الاخرة اشد وابقى. وما كان لهم من الله من واق. اما مدلول العلم النافع اي ومسماه الذي دل عليه الكتاب والسنة فهو كل علم اوصل الى المطالب العالية. واثمر الامور النافعة. لا فرق بينما تعلق بالدنيا او بالاخرة. فكل ما هدى الى السبيل ورق العقائد والاخلاق والاعمال فهو من العلم. وقسمت العلوم الى قسمين مقاصد ووسائل توصل اليها وتعين عليها. فالمقاصد هي العلوم المصلحة للاديان. والوسائل ما اعان عليها من علوم العربية بانواعها ومن علوم الكون التي ثمرتها معرفة الله ومعرفة وحدانيته وكماله صدق رسله. وثمرتها الاستعانة بها على عبادة الله وشكره. وعلى قيام الدين. فان الله تعالى اخبر انه سخر له انا هذا الكون وامرنا ان نتفكر فيه. ونستخرج منافعه الدينية والدنيوية. والامر بالشيء امر به وامر بما لا لا يتم الا به. وذلك حث على معرفة علوم الكون التي يستخرج بها ما سخره الله لنا. لان منافعها لا تحصل لك عفوا من دون طلب وفكر وتجارب. قال الله تعالى وانزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس فهذه المنافع لا تحصل الا بالمعرفة بفنون الصنائع. حتى يتم انتاجها. وقد تكاثرت نصوص الكتاب والسنة على الثناء على العلم واهله وتفضيلهم على غيرهم. قال تعالى قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون انهم اهل الخشية لله والمعرفة به. قال سبحانه انما يخشى الله من عباده العلماء. وامر الجهال بسؤال اهل العلم وقد امر بعبادات كثيرة وعفا عن محرمات والامر بالشيء والنهي عنه لا يمكن امتثال الامر واجتناب النهي الا بعد علمه ومعرفته. فجميع الاوامر شرعية والنواهي تدل على وجوب تعلم العلم الذي تتوقف عليه. كما انه اباح معاملات وحرم معاملات لا يمكن تمييز الحلال والحرام منها الا بالعلم. وقد ذم من لم يعرف حدود ما انزل على رسوله من من الكتاب والحكمة. ومن ذلك انه امر بالجهاد في عدة ايات. وباعداد المستطاع من القوة للاعداء. واخذ الحق حذري منهم ولا يتم ذلك الا بتعلم فنون الحرب والصنائع التي تتوقف القوة والحذر منهم عليها. وامر بتعلم امور التجارة والاصول الاقتصادية. حتى انه امر ان يبتلى الاولاد الصغار اليتامى. ويعلموا التجارة طلب المكاسب. قال تعالى وابتلوا اليتامى حتى اذا بلغوا النكاح. حتى اذا بلغوا النكاح فان انستم منهم رشدا فدفاع اليهم اموالهم فلم يأمر بدفع اموالهم اليهم حتى يعلم رشدهم ومعرفتهم المكاسب والتجارة فهذه الشريعة الكاملة امرت بتعلم جميع العلوم النافعة من العلم والتوحيد واصول الدين ومن علوم الفقه والاحكام ومن علوم العربية ومن العلوم الاقتصادية والسياسية. ومن العلوم التي تصلح بها الجماعات والافراد فما من علم نافع في الدين والدنيا الا امرت به هذه الشريعة وحثت عليه ورغبت فيه. فاجتمع فيها العلوم الدينية والعلوم الكونية وعلوم الدين وعلوم الدنيا. بل انها جعلت العلوم الدنيوية التي تنفع من علوم الدين. واما المتطرفون فانهم اقتصروا على بعض علوم الدين. فقصروا وغلطوا غلطا فاحشا. واما الماديون فانهم اقتصروا على بعض علوم الكون وانكروا ما سواها فالحدوا ومرجت اديانهم واخلاقهم. وصارت علومهم حاصلها انها صنائع جوفاء لا تزكي العقول والارواح ولا تغذي الاخلاق. فكان ضررها عليهم اعظم من نفعها. فانه منتفع بها في جهة ترقية الصنائع والمخترعات وتوابعها. وتضرروا بها من جهتين. احداهما انها صارت اكبر نكبة عليهم وعلى جميع البشر لما ترتب عليها من الفناء والحروب المهلكة والتدمير. الثانية انهم اعجبوا بها واستكبروا. فحققوا ولذلك علوم الرسل وامور الدين. قال سبحانه ان الذين يجادلون في ايات الله بغير سلطان اتاهم ان في صدورهم الا كبر ما هم ببالغيه. فاستعذ بالله انه هو السميع البصير وقال عز وجل وجعلنا لهم سمعا وابصارا وافئدة فما اغنى عنهم سمعهم ولا ابصار فما اغنى عنهم سمعهم ولا ابصارهم ولا افئدتهم من شيء. اذ كانوا يجحدون بايات ايات الله وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون. وقال عز وجل فلما جاءتهم رسلهم بالبينات فرحوا بما عندهم من العلم. وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون. فتبين مما ذكرنا ان العلوم النافعة في العاجل والاجل هي العلوم التي جاءت في كتاب الله وسنة رسول الله. وانها احتضنت كل علم نافع ومعرفة صحيحة لا فرق بين الاصول والفروع ولا بين الدينية والدنيوية. كما احتضنت عقيدتها الايمان بكل حق وحقيقة وبكل كتاب انزله الله وكل رسول ارسله الله والحمدلله. المشكلة الثالثة مشكلة الغنى والفقر تنوعت مقاصد الخلق وسياساتهم في مسألة الغنى والفقر. بحسب اغراضهم النفسية لا بحسب اتباعهم للحق ونظرهم للمصالح العامة الكلية وكلهم اخطأوا الطريق النافع. حيث لم يتقيدوا بهدايات الدين الاسلامي. وتنوعت بهم الافكار وعملوا على مقتضى ذلك. فحصل بذلك شر مستطير ووقعت فتن كبرى بين من يدعي نصرة الفقر والفقراء الرأي والعمال ومن يتمسك التمسك المزري بالثروات والاموال. ولهم في ذلك كلام طويل كله خطأ وضلال وهدى الله المؤمنين الى صراط مستقيم. في جميع امورهم عامة. وفي هذه المسألة خاصة. جاء الشرع ولله الحمد بصلاح الاغنياء والفقراء بحسب الامكان. لما حكم الله تعالى قضاء وقدرا ان الخلق درجات فمنهم الغني ومنهم الفقير ومنهم الشريف ومنهم الحقير لحكم عظيمة واسرار يضيق التعبير عن وصفها. فربط بعضهم ببعض بالروابط الوثيقة وسخر بعضهم لبعض. وتبادلت بينهم المصالح العادلة. واحتاج بعضهم الى بعض. شرع الشارع الحكيم في مؤولة ان يكونوا اخوانا. والا يستغل بعضهم بعضا استغلالا شخصيا. بل ارشد كلا منهم ان يقوم نحو الاخرين بواجباته الشرعية التي يتم بها الالتئام. وتقوم بها الحياة. امر الجميع ان يتوجهوا باجمعهم الى المصالح العامة النية التي تنفع الطرفين كالعبادات البدنية والمشاريع الخيرية وجهاد الاعداء ومقاومتهم ودفع عداوتهم كل وسيلة كل بحسب وسعه وقدرته. هذا ببدنه وماله. وهذا ببدنه وهذا بماله وهذا بجاهه وتوجيهه وهذا بتعلمه وتعليمه. لان الغاية واحدة والمصالح مشتركة. والغاية شريفة والوسائل اليها شريفة. ثم اوجب في اموال الاغنياء فرضا الزكاة. بحسب ما جاء في تفاصيلها الشرعية. وجعل مصرفها دفع حاجات المحتاجين وحصول مصالح الدينية المقيمة لامور الدنيا والدين. وحث على الاحسان في كل وقت وفي كل مناسبة. واوجب دفع ضرورة المضطرين واطعام الجائعين وكسوة العارين. ودفع الضرورات عن المضطرين. وكذلك اوجب النفقات الخاصة الاهلي والاولاد وما يتصل بهم والقيام بواجبات المعاملات كلها الواقعة بين الناس. وامرهم مع ذلك الا يتكئوا في كسب الدنيا على حولهم وقوتهم. ولا ينظروا نظر استقرار وطمأنينة الى ما عندهم. بل يكون نظرهم على الدوام الى الله والى فضله وتيسيره. والاستعانة به وان يشكروه على ما تفضل به عليهم وميزهم به من الغنى ثروة واوجب عليهم ان يقفوا عند الحدود فلا ينغمسوا في الترف والاسراف انغماسا يضر باخلاقهم واموالهم وجميع باحوالهم بل يكونوا كما قال الله تعالى والذين اذا انفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا. وكان بين ذلك كقواما وامرهم مع ذلك ان يكون طلبهم للغنى والدنيا طلبا شريفا نزيها. فلا يتلوثون بالمكاسب الخبيثة التي هي ما بين ربا او قمار او غرر او غش او خداع. بل يتقيدون بقيود الشرع العادلة في معاملاتهم كما ما تقيدوا بذلك في عباداتهم. وامرهم ان ينظروا الى الفقراء نظر الرحمة والاحسان. لا نظر القسوة والغلظة والاثر والبطر والاشر والكبر. ولهذه الارشادات الحكيمة تكون الثروة الدينية في غاية الشرف وكمال الاعتبار. ويكون الغنى على هذا الوجه وصفا محمودا ونعت كمال ورفعة وعدو. لان الشرع هذبه وصفاه فحث على التباعد عن رذائه ورغب في اكتساب فضائله. واما ما صنعه الدين الاسلامي مع الفقراء. فامرهم وكل من لم يدرك محبوباته النفسية يصبروا ويرضوا بقضائه وتدبيره. وان يعترفوا ان الله حكيم له في ذلك حكم. وفيه مصالح متنوعة قال الله تعالى وعسى ان تكرهوا شيئا وهو خير لكم. وعسى ان تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وانتم لا تعلمون. فنظرهم هذا يذهب الحزن الذي يقع في القلوب فيحدث العجز والكسل ثم امرهم الا ينظروا في دفع فقرهم وحاجاتهم الى المخلوقين. ولا يسألونهم الا حيث لا مندوحة عن السؤال عند الضرورة الى ذلك. وان يطلبوا دفع فقرهم من الله وحده لا شريك له. بما جعله من الاسباب الدافعة للفقر الجالبة للغنى وهي الاعمال والاسباب المتنوعة. كل يشتغل بالسبب الذي يناسبه ويليق بحاله. فيستفيد بذلك تحرره من رق المخلوقين وتمرنه على القوة والنشاط ومحاربة الكسل والفتور. ومع ذلك لا يقع في قلوبهم حسد للاغنياء على ما اتاهم الله من فضله. قال سبحانه ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض. للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن. واسألوا الله من فضله ان الله انا بكل شيء عليما. وامرهم ان ينصحوا في اعمالهم ومعاملاتهم وصناعاتهم. والا يتعجلوا الرزق بالانغماس في في المكاسب الدنيئة التي تذهب الدين والدنيا. وامرهم بامرين يعينانهم على مشقة الفقر. الاقتصاد في تدبير المعاش والاقتناع برزق الله. فالرزق القليل مع الاقتصاد الحكيم يكون كثيرا. والقناعة كنز لا ينفد وغنى بلا مال كم من فقير وفق للاقتصاد والقناعة لا يغبط الاغنياء المترفين. ولا يتبرم بقلة ما عنده من الرزق اليسير فمتى اهتدى اهل الفقر بارشادات الدين من الصبر والتعلق بالله والتحرر من رق المخلوقين والجد والاجتهاد في اعمالي الشريفة النافعة والاقتناع بفضل الله هانت عليهم وطأة الفقر وعناؤه. ومع ذلك فهم لا يزالون يسعون في تحصيل الغنى ويرجون ربهم. وينتظرون وعده ويتقون الله فانه ومن يتق الله يجعل له مخرجا ارزقه من حيث لا يحتسب. ومن يتوكل على الله فهو حسبه. فهذه التعاليم الدينية والارشادات من الله ورسوله لاهله الغنى والفقر يجلب لهم الخيرات. وتمنعهم من الشرور والمضرات. وتنتج لهم اجمل الثمرات العاجلة والاجلة هذا الحل الوحيد من الرب المجيد لمشكلة الغنى والفقر. وما سوى ذلك فعناء وشقاء وضرر وهلاك. والله موفق ونظير هذه المسألة مسألة الصحة والمرض. فان الشريعة الاسلامية جاءت باكمل الامور فيها. امرت بكل ما احفظوا الصحة وينميها وما يدفع الامراض او يخففها بحسب الامكان. وفصلت في هذا الموضوع تفاصيل نافعة ثور على حفظ الصحة وتنميتها والحمية من جميع المؤذيات والامور الضارة. وعلى السعي في التحرز من الامراض قبل نزوله ومداواتها قبل نزولها. وامرت مع ذلك بالتوكل على الله والاعتماد عليه. والعلم بان الله تعالى هو المعطي النعم الدافع للنقم بلطفه وقدرته ورحمته وبما جعله من الاسباب الكثيرة التي علمها الله العباد وامرهم بسلوكها. وامر ايضا بمقاومة الامراض بامور اخرى غير الادوية الحسية. امر بالصبر على المكاره ايمان به واحتسابا لثوابه. فانه بذلك تخف مشقة الامراض. بما يحصل للصابر المحتسب من الايمان يقيني والثواب العاجل والاجل. وكذلك امر بقوة الاعتماد على الله عند نزول المصائب والمكاره. والا يخضع الانسان ويضعف قلبه وارادته. وتستولي عليه الخيالات التي هي امراض فتاكة. فكم من مرض يسير بسيط عظمت وطأته بسبب ضعف القلب وخوره وانخداعه بالاوهام والخيالات. وكم من مرض عظيم هانت مشقته وسهلت وطأته حين اعتمد القلب على الله وقوي ايمانه وتوكله وزال الخوف منه. وهذا امر مشاهد محسوس فالدين الاسلامي امر بالامرين في وقت واحد. امر بفعل الاسباب النافعة. وبالاعتماد على الله في نفعها. وتحصيل المناعة دافعي ودفع المضار بحسب الاستطاعة. وكذلك النعم والمسار والمكاره والمصائب. جاءت شريعة الاسلام فيها باكمله من الحالات امر الله رسوله بتلقي النعم بالافتقار الى الله فيها. والاعتراف التام بفضل الله بتقديرها وتيسيرها وشكر المنعم بها شكرا متتابعا. وتصريفها فيما كانت لاجله. والاستعانة بها على عبادة الله. والا يكون العبد عندها اشرا ولا بطرا. بل متواضعا. وامر العبد ان يغتنم الفرصة النافعة في النعم. فيربح عندها ارباحا عاجلة واجلة جيلا يغتنم فرصة العافية والصحة والقوة والجدة والجاه والاولاد. فلا يغبن فيها بحيث تكون نعما حاضرة مؤقتة بل يستخرج منها نعما باقية. وخيرا متسلسلا ونفعا مستمرا. وفي الحديث اغتنم خمسا قبل خمس والاستفادة من خيراتها اجلة. فيؤدي واجبها ومستحبها. وبذلك تكون نعما حقيقية دينية ودنيوية عكس حالة المنحرفين عما جاءت به الشريعة. الذين يتمتعون بها كما تتمتع الانعام السائمة. ويتناولونها بمقتضى الشهوة البهيمية. فالنعم في حقهم سريعة الزوال وشيكة الانفصال. لا تعقبهم الا الحسرة والندامة اولون يشاركونهم في التمتع العاجل. وربما زادوا عليهم براحة القلب وطمأنينة النفس. والسلامة من الهلع ايها الجشع واما المصائب فلما كانت لابد منها للخلق ولا احد يسلم منها اعد الشارع الحكيم لها عدتها عباده الى الصبر والتسليم والاحتساب لثوابها. والا يتلقاها العبد بجزع وخبر وضعف نفس. بل بقوة توكل على الله وايمان صادق. وبذلك تخف وطأتها. وتهون مشقتها ويحصل من الثواب وزيادة الايمان ضعاف اضعاف ما حصل من المصيبة. قال تعالى ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الاموال والانفس والثمرات. وبشر الصابرين. الذين اذا اصابتهم مصيبة قالوا انا لله وانا اليه راجعون. اولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة واولئك اولئك هم المهتدون. وقال تعالى انما يوفى الصابرون اجرهم بغير حساب. وقال سبحانه ان تكونوا تألمون فانهم يألمون كما تألمون. وترجون من الله ما لا يرجون فانظر الى هذه الارشادات الحكيمة في هداية الشريعة الى تلقي النعم والمسار والمصائب والمضار. كيف ترى القلوب فيها مطمئنة والحياة طيبة والخير حاصلا ومأمولا. والربح مستمر. عجبا لامر المؤمن. ان امره له خير. ان اصابته سراء شكر فكان خيرا له. وان اصابته ضراء صبر فكان خيرا له. وليس ذلك لاحد الا للمؤمن. فاين هذه الحالة الجليلة العالية؟ من حالة المنحرفين عن الدين. الذين اذا اصابتهم النعم باطروا ومرحوا مرح البهائم. وتجبروا على عباد الله وطغوا وبغوا. واذا اصابتهم المكاره جازعوا وضعوا وربما ادت بهم الحال الى الانتحار. لعدم الصبر وللهلع والجزع الذي لا يحتمل. نسأل الله العافية كلتان الرابعة والخامسة السياسة الداخلية والخارجية وتوابعها. قد قررت شريعة الاسلام مسائل السياسة اكملت تقرير وهدت الى جميع ما ينبغي سلوكه مع المسلمين ومع غيرهم باحسن نظام واعدله. وجمعت فيه بين الرحمة قوة وبين اللين والشفقة والرحمة بالخلق مهما امكنت الاحوال. فاذا تعذر ذلك استعملت القوة بحكمة وعدل لا بظلم وعنف. قال تعالى ان الله يأمر بالعدل والاحسان وايتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي. يعظكم لعلكم تذكرون. واوفوا بعهد الهي اذا عاهدتم ولا تنقضوا الايمان بعد توكيدها. وقد جعلتم الله عليكم كفيلا. فامر الله مع كل احد وبالاحسان والرحمة لكل احد. وخصوصا القرابة ومن لهم حق على الانسان. ونهى عن الفحشاء والبغي على الخلق في دمائهم واموالهم واعراضهم وحقوقهم. وامر بوفاء العقود والمحافظة عليها. وحذر من نقضها وهذه الامور المأمور بها والمنهي عنها منها ما هو واضح جلي عينت على المسلمين سلوكها. ولم تجعل لهم في ذلك خيارات ولا معارضة. وهي التي نص الشارع على اعيانها. ولم يكل بيانها الى احد. فهذا النوع يدخل في قوله تعالى وما كان لمؤمن ولا مؤمنة اذا قضى الله ورسوله امرا ان يكون لهم الخيرة. اي ان يكون لهم الخيرة من امرهم. ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا. وقال سبحانه فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم. ثم لا يجدوا في انفسهم حرجا مما ما قضيت ويسلموا تسليما. وقال سبحانه فان تنازعتم في شيء فردوه الى الله والرسول. وقال سبحانه وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه الى الله. وقد تتبع هذا النوع عظيم فوجد ولله الحمد مطابقا للعدل والحكمة. موافقا للمصالح دافعا للمفاسد. والقسم الثاني الامور مشتبه في اصلها وفي تطبيقها على الواقع. وادخال الامور الواقعة فيها نفيا واثباتا. وطلبا وهربا. فهذا قد ان يتشاوروا فيه. وينظروا فيه من جميع نواحيه. ويتأملوا ما يتوقف عليه من الشروط والقواعد. وما يترتب عليه اليه من الغايات والمقاصد. ومقابلة المصالح والمضار وترجيح الاصلح منها. قال تعالى وشاورهم في الامر وقال تعالى عن جميع المؤمنين وامرهم شورى بينهم. وهذا النوع قد وسع الشارع فيه الامر بعدما قرر القواعد والاسس الموافقة لكل زمان ومكان. مهما تغيرت الاحوال وتطورت الامور. فالقواعد الشرعية اذا سلكت في كليات الامور وجزئياتها صلحت بها الامور واستقامت الدنيا والدين وصلحت امور العباد واندفعت الشرور والمضار عنه ولكنها تحتاج الى عقد مجالس تجمع الرجال العقلاء الناصحين. وللعقول الرزينة والاحلام الواسعة والرأي المصيب نظري الواسع وتبحث فيها القضايا الداخلية واحدة بعد واحدة. بحثا يشمل نواحي القضية وتصورها كما ينبغي وتصور ما تتوقف عليه وتتم به ان كانت مقصودا تحصيلها. وتصور ما يترتب عليها من الفوائد والمصالح الكلية والجزئية وبحث احسن طريق لتحصيلها واسهله. وبحث القضايا الضارة التي يطلب دفعها بتتبع اسبابها وينابيعها التي تسربت منها. وحسمها بحسب الامكان ثم السعي في ازالتها بالكلية ان امكن الا بتخفيفها وتلطيفها. قال تعالى فاتقوا الله ما استطعتم. وقال صلى الله عليه وسلم اذا امرتكم بامركم ان تأتوا منه ما استطعتم. ومن اعظم الاصول الشرعية حث المسلمين على القيام بدينهم. والقيام بحقوق الله وعبوديته والقيام بحقوق العباد والحث على الاتفاق واجتماع الكلمة. والسعي في اسباب الالفة والمحبة وازالة الاحقاد والضغائن قائل قال الله تعالى انما المؤمنون اخوة. وقال سبحانه واذكروا نعمة الله عليكم اذ كنتم اعداء الف بين قلوبكم فاصبحتم بنعمته اخوانا. وقال عز وجل فاتقوا الله واصلحوا ذات بينكم الله ورسوله ان كنتم مؤمنين. وقال سبحانه ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات. وقال عز وجل واعتصموا بحبل الله جميعا. الى غير ذلك فمن النصوص الدالة على هذا الاصل العظيم. الذي به تستقيم الاحوال. ويرتقي به المسلمون الى اعلى الكمال وقال تعالى واطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم. واصبروا ان الله مع الصابرين ولا تكونوا كالذين خرجوا من ديارهم بطرا ورئا الناس ويصدون عن سبيل الله والله بما يعملون محيط. فامر بطاعته وطاعة رسوله. ويدخل في ذلك جميع الدين. ونهى عن التنازع الذي يوجب تفرق القلوب وحدوث العداوات المحللة للمعنويات. وامر بكثرة ذكره المعين على كل امر من الامور وبالصبر الذي يتوقف عليه كل امر. وامر بالاخلاص والصدق. ونهى عما يضاد ذلك من الرياء والفخر والبسط والمقاصد السيئة وارادة اضلال الخلق. وقال تعالى واعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم. فامر باعداد المستطاع من القوة فيشمل القوة السياسية والعقلية والصناعات واعداد الاسلحة وجميع ما يتقوى به على الاعداء. وما به يرهبونهم. وهذا يدخل فيه ما حدث ويحدث من النظم الحربية والفنون العسكرية والاسلحة المتنوعة والحصون والوقايات من شرور الاعداء قال تعالى يا ايها الذين امنوا خذوا حذركم. ولكل وقت ومكان من هذه الامور ما يناسب ذلك. فانظر كيف كيف كانت هذه التعاليم الشرعية هي السبب الوحيد الطريقة المثلى لسلوك اقوى السياسات الداخلية والخارجية ان الكمال والصلاح بالاهتداء بها والاسترشاد باصولها وفروعها. وان النقص الحاصل والنقص المتوقع انما يكون كونوا باهمالها وعدم العناية بها. ومن السياسة الشرعية ان الله ارشد العباد الى قيام مصالحهم الكلية بان يتولى كل نوع منها طائفة تتصدى للاحاطة علما بحقيقتها. وما تتوقف عليه وما به تتم وتكمل تبذل جهدها في ترقيتها بحسب الامكان. قال تعالى ولتكن منكم امة يدعون الى الخير ويأمرون المعروف وينهون عن المنكر. وقال تعالى وما كان المؤمنون لينفروا كافة. فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين. ليتفقهوا في الدين ولينذروا وقومهم ولينذروا قومهم اذا رجعوا اليهم لعلهم يحذرون. ولا شك ان القيام بالمصالح العامة عليه هذا الوجه الذي ارشد الله اليه هو السبب الوحيد للكمال الديني والدنيوي كما هو مشاهد يعرفه كل احد. ومن ذلك قوله تعالى ادع الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة. وجادلهم بالتي هي احسن. وهذا يشمل دعوة المسلمين الذين حصل منهم اخلال ببعض امور الدين. ويشمل دعوة الكفار. الاولون يدعون الى تكميل بدينهم والاخرون يدعون الى الدخول في دين الاسلام. الذي به صلاح البشر. وتكون هذه الدعوة بالحكمة التي هي سلوك اقرب طريق وانجح وسيلة يحصل بها تحصيل الخير او تكميله. وازالة الشر او تقليله بحسب الزمان والمكان وبحسب الاشخاص والاحوال والتطورات. وكذلك بالموعظة الحسنة والموعظة بيان وتوضيح المنافع والمضار. مع ذكر ما يترتب على المنافع من الثمرات النافعة عاجلا واجلا. وما يقترن بالمضار من الشرور عاجلا واجلا اصطفاها الله بانها موعظة حسنة. لانها نفسها حسنة وطريقها كذلك. وذلك بالرفق واللين والحلم والصبر وتصريف في اساليب الدعوة وكذلك اذا احتيج في الدعوة الى مجادلة لاقناع المدعو فلتكن المجادلة بالتي هي احسن. يدعى المجادل الى الحق. ويبين محاسن الحق وما دار ضده. ويجاب عما يعترض به الخصم من الشبهات. كل ذلك كلام لطيف وادب حسن. لا بعنف وغلظة او مخاشنة او مشاتمة. فان ضرر ذلك عظيم. قال الله الله تعالى فبما رحمة من الله لنت لهم. ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من فاعف عنهم ولنقتصر على هذا الانموذج فانه يحصل به المقصود. والله اعلم وصلى الله على محمد وسلم