يسر فريق مشروع كبار العلماء ان يقدم لكم قراءة كتاب رسالة الدعوة الى الدين الاسلامي الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره. ونعوذ بالله من شرور انفسنا ومن سيئات اعمالنا من يهدي الله فلا مضل له. ومن يضلل فلا هادي له. واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له اشهد ان محمدا عبده ورسوله. اما بعد فان الله تعالى امر بالدعوة الى دينه وسبيله بالحكمة والموعظة موعظة الحسنة والمجادلة بالتي هي احسن. واخبر ان طريق رسوله الدعوة والارشاد الى الصراط المستقيم. وامر افضل خلقه محمدا صلى الله عليه وسلم بقوله قل هذه سبيلي ادعو الى الله على بصيرة انا ومن اتبعني واثنى على من هذا وصفه بعلو مرتبته وارتفاع درجته فقال ومن احسن قولا ممن دعا الى الله وعمل صالحا وقال انني من المسلمين. وامر هذه الامة ان يكون منهم طائفة يدعون الى الخير. ويأمرون بالمعروف ينهون عن المنكر واخبر انهم هم المفلحون. وذلك ان الله لا يفضل مرتبة ويعلي قدرها ويؤكد الامر بها ويخبر انها طريق لنيل رضوانه الا لكثرة خيرها وحسن عائدتها وثمراتها وشدة الحاجة والضرورة اليها وذلك لان ثمراتها سعادة الدنيا والاخرة. وسلوك طرق مرضات الله والقيام بعبوديته والفوز بكرامته. فلذلك يجب ويتعين على كل مكلف ان يقوم بما يستطيعه من هذه المرتبة بحسب حاله. ورحم الله من اعان على الاسلام بشطره كلمة او هذا ضالة او اعان سالكا او رغب كسلانا او حث على خير او سبط عن شر. فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره. ولما كانت الدعوة الى دين الله منتشرة الفروع وكثيرة الانواع والاجناس شاملة للدعوة الى جميع المسائل الاصولية والفروعية. وقد تكون خاصة لشخص او لطائفة او قبيلة او لعموم الناس. وهي قد تكون ببيان بالحق وذكر ادلته وبراهينه وبرد الباطل ببيان ما يدل على بطلانه وفساده. احببت ان يكون موضوع هذه الرسالة الدعوة الى الدين الاسلامي الذي هو دين جميع المرسلين. وان تكون عامة لجميع الخلق الداخلين فيه وغيره وان يكون ذلك على وجه الاشارة والتنبيه على حاله من المحاسن الداعية للعقلاء الى تفضيله واختياره بقطع النظر عن اقامة الادلة على فساد ما يناقضه ورد الشبه التي توجه الى القدح فيه. فانها بحر لا ساحل له. وكل مبطل يوحي اليه الشيطان ما يستطيعه من الشبه الباطلة. فلو اشغل الانسان نفسه بالتصدي لرد كل شبهة من هذا النوع لما امكن ذلك ولا ضاع المقصود ولا اشتغل بالوسيلة عن الغاية بل اذا صور الدين الاسلامي بصورته الحقيقية واقيمت البراهين على حسنه وتعليق السعادة الابدية فيه. وانه لا يحصل كمال ولا خير الا به. كفى ذلك برد كل ما يخالفه ويناقضه فان المعلوم المقطوع به يعلم ان كل ما خالفه فهو باطل. لان ما ناقض الحق فهو باطل. وهذا طريق قل لرد جميع الشبه على وجه الاجمال وان لم يهتدي الانسان الى تفصيلها. من المعلوم عند كل احد عرف سيرة محمد ابن عبد الله بن عبد المطلب الهاشمي القرشي انه نشأ بين امة اميين ليس لهم كتاب. ولا عندهم من اثار النبوة شيء بل قد غلب عليهم الشرك وعبادة الاوثان وفسدت اخلاقهم ومرجت حلومهم ونقصت عقولهم الدينية ولم يسافر تلقي العلم من اهل الكتاب. مع ان اهل الكتاب في ذلك الوقت قد غيروا وبدلوا. ولم يبق للدين الاصلي عندهم الا رسوم لا تذكر فابتعثه الله تعالى في تلك الظلمة العامة سراجا منيرا. وانزل عليه كتابا جامعا لخير الدنيا والاخرة انا الالفاظ جميل المعاني متشابها في الحسن. مفصلا لعلوم الاولين والاخرين. مخبرا بما اخبر به من قبله للمرسلين لا تناقض فيه ولا تخالف بوجه من الوجوه مع كثرة تثنية الاخبار فيه والاوامر والنواهي. وهي جميع يصدق بعضها بعضا. ويوافق بعضها بعضا. وقد خرج بين اظهر الخلق كلهم بهذا الكتاب. ودعا من عارضه من العرب في اهل الفصاحة والبلاغة ان يأتوا بمثله ان كانوا صادقين في قدحهم. فعجزوا عن ذلك اشد العجز. بل ولا حدثتهم انفسهم بذلك. واعلن لاهل الكتاب في جميع اقطار الارض بانه من عند الله. وانه موافق للكتب التي انزلها الله وانهم ان لم يتبعوه وينقادوا لحكمه فقد خالفوا ما في ايديهم من الكتب. وان كفروا به فقد كفروا بمن قبله من الرسل فلم يردوا قوله من البر والحلم والعلم والعقل الكامل والرأي السديد. والاحسان اليهم بكل طريق والصدق والعدل وترك الظلم والاتصاف بمكارم الاخلاق ومحاسن الشيم. والتنزه عن كل خلق دني. فلم يزل يدعو الى الله والى صابرا محتسبا. قد وطن نفسه لمعاداة الخلق والصبر على اذاهم. ودعوته تنمو شيئا فشيئا تبعه الواحد بعد الواحد مع شدة الحال والاذى عليهم. ولكنه استجابة عن بصيرة لا تعارضها المعارضات. ولم يزل الله يظهر على يديه من الخوارق والايات التي استبصر بها المبصرون. وقامت بها الحجة على المعاندين. وربه يحفظ يحفظه ويحفظ دينه وينصره من جميع المواطن حتى ظهر على قومه. ثم على جزيرة العرب ثم على الامم المجاورة للجزيرة من اليهود والنصارى والمجوس. وتم ذلك على يد خلفائه الراشدين. واكمل الله له الدين واتم عليه النعمة وتبعه جميع المعادين له طوعا واختيارا لا كرها واضطرارا. الا القليل منهم وصار اتباعه هم العلماء الربانيين والعقلاء الكاملين والصلحاء الابرار والصفوة الاخيار. فهذه الجملة الكبيرة معلومة متواترة بها لا تقبل الشك. مع انه لا يمكن افرادها في هذه الرسالة. ومن ارتاب فيها فليرجع الى محالها. وما كان عليه تيهة بين الناس من حالة النبي مع اوليائه واعدائه. فهل يتصور والحالة هذه ان يكون من هذا شأنه؟ وهذه حالته ان يكون كذابا مدعيا للرسالة ام كل من له ادنى مسكت من عقل ونوع انصاف ان يجزم جزما لا يمتري فيه ولا يشك انه رسول الله حق وان دينه حق. وان من خالفه فهو مبطل بشهادة الله عليه. بل وشهادة انفسهم عليهم حين راجعوا الحق وتركوا باطلهم. وشهادة ما عرف من العوائد وسنن الكون. وشهادة ما جبل عليه من الاخلاق الفاضلة التي لا تكون الا في افضل الخلق وازكاهم. وشهادة ما جاء به الدين واستقامته واعتداله وحسنه. فلو كان من عند غيره الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا. ومما يؤيد هذا ان الله وصف كتابه ورسوله في غير موضع من كتابه انه مصدق للكتب السابقة وللمرسلين. اي موافق لها ومصدق لما اخبرت به. ومن المعلوم انه يصدع بهذا بين طواف اهل الكتاب ويراد به دعوتهم الى قبوله كما يراد به دعوة غيرهم. ولو كان الامر بخلاف ذلك لكان هذا من داعي الى رد دعوته ولو كان يعلم صلى الله عليه وسلم ذلك لم يعلن بهذه الطريقة التي ترد دعوته بل لو كان الامر كذلك لاطبق اهل الكتاب ومن اتصل بهم على تكذيبه والقدح به بسبب هذا النبأ العظيم. ولكن المنصف منهم صدقه واعترف بصحة ما جاء به. وهم جمهورهم والقليل منهم عاند. ولم يأت على ذلك بشبهة. فضلا عن الحجة والبرهان. وهذا فاذا تدبره المنصف تبين له الامر وانجلت له الحقيقة. ومما يدل على ان دين الاسلام الذي بعث الله به محمدا الله عليه وسلم هو الحق الذي لا مرية فيه انه بعث في امة امية ليس لها من العلم شيء ولا من الاخلاق الفاضلة فضيلة ما يزكي النفوس فتلا عليهم ايات الله وزكاهم وعلمهم الكتاب والحكمة. فكانوا هم العلماء الربانيين والازكياء الكاملين. فحصل لهم من العلم الديني والدنيوي ما خضعت لهم به الامم. ودانت لهم الممالك. ومن الاخلاق الفاضلة ما زكت به اخلاقهم ونمت به اديانهم وكملت به عقولهم واراؤهم. فعاد بذلك على غيرهم بلسان المقال ولسان الحال والاقتداء بالافعال