المكتبة السمعية للعلامة المفسر الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله. يسر فريق مشروع كبار العلماء ان يقدم لكم قراءة تفسير السعدي. بسم الله الرحمن الرحيم. سبح لله ما في السماوات وما في الارض وهو العزيز هذا بيان لعظمته تعالى وقهره. وذل جميع الخلق له تبارك وتعالى. وان جميع ما في السماوات والارض ارض يسبحون بحمد الله ويعبدونه ويسألونه حوائجهم. وهو العزيز الذي قهر الاشياء بعزته وسلطانه الحكيم في خلقه وامره كبر مقتا عند الله ان تقولوا ما لا تفعلوا اي لم تقولون الخير وتحثون عليه؟ وربما تمدحتم به وانتم لا تفعلونه. وتنهون عن الشر وربما نزهتم انفسكم عنه. وانتم متلوثون به ومتصفون به. فهل تليق بالمؤمنين هذه الحالة الدميمة ام من اكبر المقت عند الله ان يقول العبد ما لا يفعل؟ ولهذا ينبغي للامر بالخير ان يكون اول الناس اليه مبادرة وللناهي عن الشر ان يكون ابعد الناس منه. قال تعالى اتأمرون الناس بالبر وتنسون انفسكم وانتم تتلون الكتاب. افلا تعقلون وقال شعيب عليه الصلاة والسلام لقومه وما اريد ان اخالفكم الى ما انهاكم عنه حين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص. هذا حث من الله لعباده على الجهاد في سبيل سبيله وتعليم لهم كيف يصنعون. وانه ينبغي لهم ان يصفوا في الجهاد صفا متراصا متساويا. من غير خلل يقع في الصفوف وتكون صفوفهم على نظام وترتيب به تحصل المساواة بين المجاهدين. والتعاضد وارهاب العدو وتنشيط بعضهم بعضا. ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم اذا حضر القتال صفى اصحابه ورتبهم في مواقفهم. بحيث لا يحصل اتكال بعضهم على بعض. بل تكون كل طائفة من منهم مهتمة بمركزها وقائمة بوظيفتها وبهذه الطريقة تتم الاعمال ويحصل الكمال يا قوم لم تؤدونني وقد تعلمون اني رسول الله اليكم. فلما زاغوا ازاغ الله قلوبهم والله لا يهدي القوم الفاسقين. اي واذ قال موسى لقومه موبخا لهم على صنيعهم. ومقرعا لهم على اذيته وهم يعلمون انه رسول الله لم تؤذونني بالاقوال والافعال؟ وقد تعلمون اني رسول الله اليكم. والرسول من حقه الاكرام والاعظام والانقياد باوامره والابتدار لحكمه. واما اذية الرسول الذي احسانه الى الخلق فوق كل احسان بعد احسان ففي غاية الوقاحة والجراءة والزيغ عن الصراط المستقيم. الذي قد علموه وتركوه. ولهذا قال الله قلوبهم والله لا يهدي القوم الفاسقين. فلما زاغوا اي انصرفوا عن الحق بقصدهم. ازاغ الله لهم عقوبة لهم على زيغهم الذي اختاروه لانفسهم ورضوه لها. ولم يوفقهم الله للهدى لانهم لا يليق بهم الخير. ولا يصلحون الا للشر. اي الذين لم يزل الفسق وصفا لهم لا لهم قصد في الهدى. وهذه الاية الكريمة تفيد ان اظلال الله لعباده ليس ظلما منه ولا حجة لهم عليه. وانما ذلك بسبب منهم فانهم الذين اغلقوا على انفسهم باب الهدى بعدما عرفوه فيجازيهم بعد ذلك بالاضلال والزيغ الذي لا حيلة لهم في دفعه. وتقليب القلوب عقوبة لهم وعدلا منه بهم. كما قال قال تعالى ونقلب افئدتهم وابصارهم كما لم يؤمنوا به اول مرة ونذرهم في طغيانهم يعمهون يقول تعالى مخبرا عن عناد بني اسرائيل المتقدمين الذين دعاهم عيسى ابن مريم وقال لهم يا بني اسرائيل اني رسول الله اليكم اي ارسلني الله لادعوكم الى الخير وانهاكم عن الشر. وايدني بالبراهين الظاهرة ومما يدل على صدق كوني مصدقا لما بين يدي من التوراة اي جئت بما جاء به موسى من التوراة والشرائع السماوية. ولو كنت مدعيا للنبوة لجئت بغير ما جاءت به المرسلون ومصدقا لما بين يدي من التوراة ايضا انها اخبرت بي وبشرت فجئت وبعثت مصداقا لها وهو محمد بن عبدالله بن عبد المطلب النبي الهاشمي. فعيسى عليه الصلاة والسلام كالانبياء بالنبي السابق ويبشر بالنبي اللاحق بخلاف الكذابين. فانهم يناقبون الانبياء اشد مناقضة. ويخالفونهم في الاوصاف والاخلاق الامر والنهي. فلما جاءهم محمد صلى الله عليه وسلم الذي بشر به عيسى بالبينات اي الادلة الواضحة الدالة على انه هو وانه رسول الله حقا. قالوا للحق مكذبين له. وهذا من اعجب العجائب. الرسول الذي قد وضحت رسالته وصارت ابين من شمس نهار يجعل ساحرا بينا سحره. فهل في الخذلان اعظم من هذا؟ وهل في الافتراء اعظم من هذا الافتراء؟ الذي نفى عنه ما كان معلوما من رزقه واثبت له ما كان ابعد الناس منه ومن اظلم ممن افترى على الله الكذب بهذا وغيره. والحال انه لا عذر له. وقد انقطعت حجته. لانه يدعى الى الاسلام ويبين له ببراهين دينه وبيناته والله لا يهدي القوم الظالمين. الذين لا يزالون على ظلمهم مستقيمين. لا تردهم عنه موعظة ولا يزدرهم بيان ولا برهان. خصوصا هؤلاء الظلمة القائمين بمقابلة الحق ليردوه. ولينصروا الباطل. ولهذا قال الله عنهم يريدون ليطفئوا نور الله بافواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون. يريدون نور الله بافواههم اي بما يصدر منهم من المقالات الفاسدة التي يردون بها الحق وهي لا حقيقة لها بل تزيد البصيرة معرفة لما هم عليه من الباطل. والله متم نوره ولو كره الكافرون. اي قد تكفل الله بنصر دينه. واتمام الحق الذي ارسل به رسله واشاعة نوره على سائر الاقطار. ولو كره الكافرون وبذلوا بسبب كراهتهم كل سبب يتوصلون به الى اطفاء في نور الله فانهم مغلوبون. وصاروا بمنزلة من ينفخ عين الشمس بفيه. ليطفئها فلا على مرادهم حصلوا ولا سلمت عقولهم من النقص والقدح فيها. ثم ذكر سبب الظهور والانتصار للدين الاسلامي. الحسي والمعنوي فقال هو الذي ارسل رسوله بالهدى للحق اي بالعلم النافع والعمل الصالح. بالعلم الذي يهدي الى الله والى دار كرامته. ويهدي لاحسن الاعمال والاخلاق. ويهدي الى مصالح الدنيا والاخرة ودين الحق. اي الدين الذي يدان به ويتعبد لرب العالمين. الذي هو حق وصدق. لا نقص فيه ولا خلل يعتريه بل اوامره غذاء القلوب والارواح. وراحة الابدان وترك نواهيه سلامة من الشر والفساد. فما بعث به النبي صلى الله عليه وسلم من الهدى ودين الحق. اكبر دليل وبرهان على صدقه. وهو برهان باق ما بقي الدهر. كلما ازداد به العاقل تفكرا. ازداد به فرحا اي ليعليه على سائر الاديان بالحجة والبرهان. ويظهر اهله القائمين به بالسيف فاما نفس الدين فهذا الوصف ملازم له في كل وقت. فلا يمكن ان يغالبه مغالب او يخاصمه مخاصم الا فلجه وبلسه وصار له الظهور والقهر. واما المنتسبون اليه فانهم اذا قاموا به واستناروا بنوره واهتدوا بهديه. في مصالح دينهم ودنياهم فكذلك لا يقوم لهم احد ولابد ان يظهروا على اهل الاديان. واذا ضيعوا واكتفوا منه بمجرد الانتساب اليه لم ينفعهم ذلك. وصار اهمالهم له سبب تسليط الاعداء عليهم. ويعرف هذا من استقرأ الاحوال ونظر في اول المسلمين واخرهم امنوا هل ادلكم على تجارة على تجارة تنجيكم من عذاب اليم هذه وصية ودلالة وارشاد من ارحم الراحمين لعباده المؤمنين. لاعظم تجارة واجل مطلوب. واعلى مرغوب. يحصل به النجاة من العذاب الاليم. والفوز بالنعيم المقيم واتى باداة العرض الدالة على ان هذا امر يرغب فيه كل متبصر ويسمو اليه كل لبيب فكأنه قيل ما هذه التجارة التي هذا قدرها فقال ذلكم خير لكم ان كنتم تعلمون. تؤمنون بالله ورسوله. ومن المعلوم ان الايمان التام هو التصديق الجازم بما امر الله بالتصديق به المستلزم لاعمال الجوارح ومن اجل اعمال الجوارح الجهاد في سبيل الله فلهذا قال وتجاهدون في سبيل الله باموالكم وانفسكم بان تبذلوا نفوسكم ومهجكم قدمت اعداء الاسلام والقصد نصر دين الله واعلاء كلمته. وتنفقون ما تيسر من اموالكم في ذلك المطلوب. فان ذلك ولو كان كريها للنفوس شاقا عليها فانه خير لكم ان كنتم تعلمون. فان فيه الخير الدنيوي من النصر على اعداء والعز المنافي للذل والرزق الواسع وسعة الصدر وانشراحه. وفي الاخرة الفوز بثواب الله والنجاة من عقابه. ولهذا ذكر الجزاء في الاخرة فقال يغفر لكم ذنوبكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الانهار مساكن طيبة يغفر لكم ذنوبكم وهذا شامل الصغائر والكبائر فان الايمان بالله والجهاد في سبيله. مكفر للذنوب ولو كانت كبائر تجري من تحتها الانهار. اي من تحت مساكنها وقصورها وغرفها واشجارها. انهار من ماء غير اس وانهار من لبن لم يتغير طعمه وانهار من خمر لذة للشاربين وانهار من عسل مصفى. ولهم فيها من كل الثمرات اي جمعت كل طيب من علو وارتفاع وحسن بناء وزخرفة حتى ان اهل الغرف من اهل عليين يتراءهم اهل الجنة كما يتراءى الكوكب الدري في الافق الشرقي او الغربي حتى ان بناء الجنة بعضه من لابن ذهب. وبعضه من لابن فضة. وخيامها من اللؤلؤ والمرجان. وبعض المنازل من الزمرد والجوارح الملونة باحسن الالوان. حتى انها من صفائها يرى ظاهرها من باطنها. وباطنها من ظاهرها. وفيها من الطيب ما لا يأتي عليه وصف الواصفين ولا خطر على قلب احد من العالمين. لا يمكن ان يدركوه حتى يروه. ويتمتعوا بحسنه قر اعينهم به ففي تلك الحالة لولا ان الله خلق اهل الجنة وانشأهم نشأة كاملة لا تقبل العدم لاوشك ان يموتوا من الفرح فسبحان من لا يحصي احد من خلقه ثناء عليه. بل هو كما اثنى على نفسه وفوق ما يثني عليه عباده. وتبارك الجليل الجميل الذي انشأ دار النعيم وجعل فيها من الجمال والجلال ما يبهر عقول الخلق ويأخذ بافئدتهم. وتعالى من له الحكمة التامة التي من جملتها ان الله لو ارى الخلائق الجنة حين خلقها ونظروا الى ما فيها من النعيم لما تخلف عنها احد ولما هناهم العيش في هذه الدار المنغصة المشوب نعيمها بالمها وسرورها بترحها. وسميت الجنة جنة عدن لان اهلها مقيمون فيها لا يخرجون منها ابدا. ولا يبغون عنها حولا. ذلك الثواب الجزيل والاجر الجميل. الفوز العظيم الذي لا فوز مثله فهذا الثواب الاخروي. واما الثواب الدنيوي لهذه التجارة. فذكره بقوله واخرى واخرى تحبونها اي سيحصل لكم خصلة اخرى تحبونها. وهي نصر من الله لكم على الاعداء. يحصل به العز والفرح وفتح قريب تتسع به دائرة الاسلام ويحصل به الرزق الواسع. فهذا جزاء المؤمنين المجاهدين. واما المؤمنون من غير اهل الجهاد اذا قام غيرهم بالجهاد فلم يؤيسهم الله تعالى من فضله واحسانه. بل قال اي بالثواب العاجل والاجل. كل على حسب ايمانه ان كانوا لا يبلغون مبلغ المجاهدين في سبيل الله. كما قال النبي صلى الله عليه وسلم ان في الجنة مئة درجة ما بين كل درجتين كما بين في السماء والارض اعدها الله للمجاهدين في سبيله. ثم قال تعالى عيسى ابن مريم يا ايها الذين امنوا كونوا انصار الله اي بالاقوال والافعال وذلك بالقيام بدين الله والحرص على اقامته وتنفيذه على الغير وجهاد من عانده ونبذه بالابدان ومن نصر الباطل بما يزعمه من العلم ورد الحق. بدحظ حجته واقامة الحجة عليه. والتحذير منه. ومن نصر دين الله كتاب الله وسنة رسوله. والحث على ذلك والامر بالمعروف والنهي عن المنكر. ثم هيج الله المؤمنين بالاقتداء بمن قبلهم من الصالحين قوله اي قال لهم عارضا ومنهضا من يعاونني ويقوم معي في نصرتي لدين الله. ويدخل مدخلي ويخرج مخرجي. فابتدر الحواريون فقالوا فمضى عيسى عليه السلام على امر الله ونصر دينه هو ومن معه من الحواريين فامنت طائفة من بني اسرائيل قيل بسبب دعوة عيسى والحواريين وكفرت طائفة منهم. فلم ينقادوا لدعوتهم. فجاهد المؤمنون الكافرين الذين امنوا على عدوهم فاصبحوا ظاهرين اي قويناهم ونصرناهم عليهم ظاهرين فاصبحوا ظاهرين عليهم وقاهرين لهم. فانتم يا امة محمد كونوا انصار الله ودعاة دينه ينصركم الله كما نصر من قبلكم ويظهركم على عدوكم