المكتبة السمعية للعلامة المفسر الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله. يسر فريق مشروع كبار العلماء ان يقدم لكم قراءة تفسير السعدي. بسم الله الرحمن الرحيم. تبارك الذي بيده الملك وهو على كل شيء قدير تبارك الذي بيده الملك اي تعاظم وتعالى وكثر خيره وعم احسانه. من عظمته ام بيده العالم العلوي والسفلي فهو الذي خلقه ويتصرف فيه بما شاء من الاحكام القدرية والاحكام الدينية التابعة لحكمته ومن عظمته كمال قدرته التي يقدر بها على كل شيء. وبها اوجد ما اوجد من المخلوقات العظيمة. كالسموات والارض الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم ايكم احسن عملا وهو العزيز الغفور. وخلق الموت والحياة اي قدر لعباده ان يحييهم. ثم يميتهم ليبلغكم ايكم احسن عملا. اي اخلصه واصوبه. فان الله خلق عباده واخرجهم لهذه الدار. واخبرهم انهم سينقلون منها وامرهم ونهاهم. وابتلاهم بالشهوات المعارضة امره فمن انقاد لامر الله واحسن العمل احسن الله له الجزاء في الدارين. ومن مال مع شهوات النفس ونبذ امر الله فله شر الجزاء. وهو العزيز الذي له العزة كلها التي قهر بها جميع الاشياء. وانقادت له مخلوقات الغفور عن المسيئين والمقصرين والمذنبين. خصوصا اذا تابوا وانابوا فانه يغفر ذنوبهم ولو بلغت عنان السماء ويستر عيوبهم ولو كانت ملء الدنيا الذي خلق سبع سماوات طباقا اه اي كل واحدة فوق الاخرى ولسنا طبقة واحدة وخلقها في غاية الحسن والاتقان. ما ترى في خلق الرحمن من تفاؤل اي خلل ونقص. واذا انتفى النقص من كل وجه صارت حسنة كاملة. متناسبة من كل وجه في لونها وهيئتها وارتفاعها وما فيها من الشمس والقمر والكواكب النيرات. الثوابت منهن والسيارات. ولما كان كمالها معلوما امر الله تعالى بتكرار للنظر اليها والتأمل في ارجائها. قال فارجع البصر اعده اليها ناظرا معتبرا. اي نقص واختلال ثم ارجع البصر كرتين والمراد وبذلك كثرة التكرار اي عاجزا عن ان يرى خللا او فطورا ولو حرص غاية الحرص. ثم صرح بذكر حسنها فقال الدنيا بمصابيح وجعلناها رجوما للشياطين. واعتدنا لهم عذاب اي ولقد جملنا السماء الدنيا التي ترونها وتليكم بمصابيح وهي النجوم على اختلافها في النور والضيق فانه لولا ما فيها من النجوم لكان سقفا مظلما. لا حسن فيه ولا جمال. ولكن جعل الله هذه النجوم زينة للسماء وجمالا ونورا وهداية يهتدى بها في ظلمات البر والبحر. ولا ينافي اخباره انه زين السماء الدنيا بمصابيح. ان يكون كثير من النجوم فوق السماوات السبع فان السماوات شفافة وبذلك تحصل الزينة للسماء الدنيا وان لم تكن الكواكب فيها وجعلناها اي المصابيح رجوما للشياطين الذين يريدون استراق خبر السماء. فجعل الله هذه النجوم حراسة للسماء عن تلقف الشياطين اخبارا الارض فهذه الشهب التي ترمى من النجوم اعدها الله في الدنيا للشياطين واعتدنا لهم في الاخرة عذاب السعير. لانهم تمردوا على الله واضلوا عباده. ولهذا كان اتباعهم من الكفار مثلهم قد اعد الله لهم عذاب السعير. فلهذا قال الذي يهان به اهله غاية الهوان اذا القوا فيها على وجه الاهانة والذل سمعوا لها شهيقا اي صوتا عاليا فظيعا. تكاد من الغيظ كلما القي فيها فوج سألهم خزنتها الم يأتكم نذير؟ تكاد تتميز من الغيظ اي تكاد على اجتماعها ان يفارق بعضها بعضا. وتتقطع من شدة غيظها على الكفار. فما ظنك ما تفعل بهم اذا حصلوا فيها ثم ذكر توبيخ الخزنة لاهلها فقال اي حالكم هذا واستحقاقكم النار كأنكم لم تخبروا عنها ولم تحذركم النذر ومنها قالوا بلغ رجاءنا نذيرا فكذبنا وقلنا ما نزل الله من شيء فجمعوا بين تكذيبهم الخاص والتكذيب العام بكل ما انزل الله ولم يكفهم ذلك حتى اعلنوا بضلال الرسل المنذرين. وهم الهداة المهتدون. ولم يكتفوا بمجرد الضلال. بل جعلوا ضلالهم ضلال كبيرا فاي عناد وتكبر وظلم يشبه هذا؟ وقالوا لو كنا نسمع او نعقل ما وقالوا معترفين بعدم اهليتهم للهدى والرشاد فنفوا عن انفسهم طرق الهدى وهي السمع لما انزل الله وجاءت به الرسل والعقل الذي ينفع صاحبه ويوقفه على حقائق الاشياء وايثار الخير والانزجار عن كل ما عاقبته ذميمة فلا سمع لهم ولا عقل وهذا بخلاف اهل اليقين والعرفان وارباب الصدق والايمان. فانهم ايدوا ايمانهم بالادلة السمعية. فسمعوا ما جاء من عند الله وجاء به رسول الله علما ومعرفة وعملا. والادلة العقلية المعرفة للهدى من الضلال والحسن من القبيح والخير من الشر. وهم في الايمان بحسب ما من الله به عليهم من الاقتداء بالمعقول والمنقول. فسبحان من يختص بفضله من يشاء يمن على من يشاء من عباده ويخذل من لا يصلح للخير. قال تعالى عن هؤلاء الداخلين للنار المعترفين بظلمهم وعنادهم فاعترفوا اي بعدا لهم وخسارة وشقاء. فما اشقاهم وارداهم. حيث فاتهم ثواب الله. وكانوا ملازمين للسعير. التي تستعر في ابدانهم. وتطلع على افئدتهم ان الذين يخشون ربهم بالغيب لهم مغفرة لهم مغفرة لما ذكر حالة الاشقياء الفجار ذكر حالة السعداء الابرار فقال ان الذين يخشون ربهم بالغيب اي في جميع احوالهم حتى في الحالة التي لا يطلع عليهم فيها الا الله. فلا يقدمون على معاصيه ولا يقصرون فيما امر به. لهم مغفرة لذنوبهم. واذا غفر الله ذنوبهم وقاهم شرها. ووقاهم عذاب الجحيم ولهم اجر كبير وهو ما اعد الله لهم في الجنة. من النعيم المقيم والملك الكبير واللذات المتواصلات والمشتهيات. والقصور والمنازل العاليات والحور الحسان والخدم والولدان. واعظم من ذلك واكبر رضى الرحمن الذي يحله الله على اهله للجنان هذا اخبار من الله بسعة علمه وشمول لطفه. فقال واسروا قولكم او اجهروا به. اي كلها سواء لديه. لا يخفى عليه انها خافية. اي بما فيها من النيات والايرادات. فكيف الاقوال والافعال التي تسمع وترى. ثم قال مستدلا بدليل عقلي على علمه الا يعلم من خلق فمن خلق الخلق واتقنه واحسنه. كيف لا يعلمه الذي لطف علمه وخبره حتى ادرك السرائر والضمائر والخبايا والخفايا والغيوب. وهو الذي يعلم السر واخفى ومن معاني اللطيف انه الذي يلطف بعبده ووليه فيسوق اليه البر والاحسان من حيث لا يشعر. ويعصمه من الشر من حيث لا احتسب ويرقيه الى اعلى المراتب باسباب لا تكون من العبد على بال. حتى انه يذيقه المكاره ليتوصل بها الى المحاب الجليل والمقامات النبيلة اي هو الذي سخر لكم الارض وذللها لتدركوا منها كل ما تعلقت به حاجتكم من غرس وبناء وحرث وطرق يتوصل بها الى الاقطار النائية والبلدان الشاسعة. فامشوا في مناكبها اي لطلب الرزق والمكاسب اي بعد ان تنتقلوا من هذه الدار التي جعلها الله امتحانا. وبلغة يتبلغ بها الى الدار الاخرة. تبعثون بعد موتكم وتحشرون الى الله ليجازيكم باعمالكم الحسنة والسيئة هذا تهديد ووعيد لمن استمر في طغيانه وتعديه وعصيانه الموجب وحلول العقوبة فقال امنتم من في السماء وهو الله تعالى العالي على خلقه فاذا هي تمور بكم وتضطرب حتى تتلفكم وتهلككم ان يرسل عليكم حاصبا فستعلمون كيف نذير اي عذابا من السماء يحصدكم. وينتقم الله منكم. اي كيف يأتيكم ما انذرتكم به الرسل قوى الكتب فلا تحسبوا ان امنكم من الله ان يعاقبكم بعقاب من الارض ومن السماء ينفعكم. فستجدون عاقبة امركم سواء طال عليكم الزمان او قصر. فان من قبلكم كذبوا كما كذبتم فاهلكهم الله تعالى. فانظروا كيف انكار الله عليهم عاجلهم بالعقوبة الدنيوية قبل عقوبة الاخرة. فاحذروا ان يصيبكم ما اصابهم اولم يروا الى الطير فوقهم وهذا عتاب وحث على النظر الى حالة الطير التي سخرها الله وسخرها قالها الجو والهواء تصف فيه اجنحتها للطيران وتقبضها للوقوع. فتظل سابحة في الجو مترددة فيه بحسب ارادتها وحاجتها ما يمسكهن الا الرحمن فانه الذي سخر لهن الجو وجعل اجسادهن وخلقتهن في حالة مستعدة للطيران فمن نظر في حالة الطير واعتبر فيها دلته على قدرة الباري وعنايته الربانية. وانه الواحد الاحد الذي لا تنبغي العبادة الاله فهو المدبر لعباده بما يليق بهم وتقتضي حكمته يقول تعالى للعتاة النافلين عن امره المعرضين عن الحق امن هذا الذي هو جند لكم ينصركم من دون الرحمن. اي ينصرك قم اذا اراد بكم الرحمن سوءا فيدفعه عنكم. اي من الذي ينصركم على اعدائكم غير الرحمن؟ فانه تعالى هو الناصر المعز المذل وغيره من الخلق لو اجتمعوا على نصر عبد لم ينفعوا مثقال ذرة. على اي عدو كان. فاستمرار الكافرين على بعد ان علموا انه لا ينصرهم احد من دون الرحمن غرور وسفه اي الرزق كله من الله فلو امسك منكم رزقا فمن الذي يرسله لكم فان الخلق لا يقدرون على رزق انفسهم فكيف بغيرهم؟ فالرازق المنعم الذي لا يصيب عبادة نعمة الا منه. هو الذي يستحق ان يفرد بالعبادة. ولكن الكافرون لجوا. اي استمروا في عتو. اي قسوة وعدم للحق ونفور اي شرود عن الحق سويا على صراط مستقيم اي اي الرجلين اهدى من كان تائها في الضلال غارقا في الكفر قد انتكس قلبه فصار الحق عنده باطلا والباطل حقا ومن كان عالما بالحق مؤثرا له عاملا به يمشي على الصراط المستقيم في اقواله واعماله وجميع احواله. فبمجرد النظر الى حال هذين الرجلين يعلم الفرق بينهما والمهتدي من الضال منهما. والاحوال اكبر شاهد من الاقوال ثم جعل لكم السمع والابصار والافئدة. قليلا ما تشكرون يقول تعالى مبينا انه المعبود وحده. وداعيا عباده الى شكره وافراده بالعبادة. قل هو الذي انشأكم اي اوجدكم من العدم من غير معاون ولا مظاهر. ولما انشأكم كمل لكم الوجود بالسمع والابصار والافئدة. التي هي انفع اعضاء البدن القوى الجسمانية ولكنه مع هذا الانعام. قليلا ما تشكرونه الله قليل منكم الشاكر وقليل منكم الشكر اي بثكم في اقطارها واسكنكم في ارجائها. وامركم ونهاكم. واسدى عليكم من النعم ما به تنتفعون ثم بعد ذلك يحشركم ليوم القيامة. ولكن هذا الوعد بالجزاء ينكره هؤلاء المعاندون. ويقولون تكذيبا ويقولون متى هذا الوعد ان كنتم صادقين جعلوا علامة صدقهم ان يخبروا بوقت مجيئه وهذا ظلم وعناد فانما العلم عند الله لا عند احد من الخلق ولا ملازمة بين هذا الخبر وبين الاخبار بوقته فان الصدق يعرف بادلته. وقد اقام الله من الادلة والبراهين على صحته ما لا يبقى معه ادنى شك لمن القى السمع وهو شهيد كفروا وقيل هذا الذي كنتم به تدعون يعني ان محل تكذيب الكفار وغرورهم به حين كانوا في الدنيا. فاذا كان يوم الجزاء ورأوا العذاب منهم زلفى. اي قريبا ساءهم ذلك وافظعهم وقلقل افئدتهم فتغيرت لذلك وجوههم. ووبخوا على تكذيبهم وقيل لهم هذا الذي كنتم به تكذبون رأيتموه عيانا وانجلى لكم الامر وتقطعت بكم الاسباب ولم يبقى الا مباشرة العذاب هلكني الله ومن معي او رحمنا فمن يجير الكافرين من عذاب اليم ولما كان المكذبون للرسول صلى الله عليه وسلم الذين يردون دعوته ينتظرون هلاكه ويتربصون به ريب المنوف امره الله ان يقول لهم انتم وان حصلت لكم امانيكم واهلكني الله ومن معي. فليس ذلك بنافع لكم شيئا. لان انكم كفرتم بايات الله واستحقيتم العذاب. فمن يجيركم من عذاب اليم قد تحتم وقوعه بكم؟ فاذا تعبكم وحرصكم على هلاكي غير مفيد ولا مجد عنكم شيئا ومن قولهم انهم على هدى والرسول على ضلال اعادوا في ذلك وابدوا وجادلوا عليه وقاتلوا. فامر الله نبيه ان يخبر عن حاله وحال اتباعه. ما به يتبين لكل احد هداهم وتقواهم وهو ان يقولوا امنا به وعليه توكلنا والايمان يشمل التصديق الباطن والاعمال الباطنة والظاهرة ولما كانت الاعمال وجودها وكمالها متوقفة على التوكل. خص الله التوكل من بين سائر الاعمال. والا فهو داخل الايمان ومن جملة لوازمه كما قال تعالى وعلى الله فتوكلوا ان كنتم مؤمنين. فاذا كانت هذه حال الرسول وحال من اتبعه وهي الحال التي تتعين للفلاح وتتوقف عليها السعادة وحال اعدائه بضدها فلا ايمان لهم ولا توكل علم بذلك كمن هو على هدى ومن هو في ضلال مبين. ثم اخبر عن انفراده بالنعم خصوصا بالماء الذي جعل الله منه كل شيء حي. فقال فمن النعيم قل ارأيتم ان اصبح ماؤكم غورا اي غائرا فمن يأتيكم بماء معين تشربون منه وتسقون انعامكم واشجاركم وزروعكم وهذا استفهام بمعنى النفي اي لا يقدر واحد على ذلك غير الله تعالى