المكتبة السمعية للعلامة المفسر الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله. يسر فريق مشروع كبار العلماء ان يقدم لكم قراءة تفسير السعدي. بسم الله الرحمن الرحيم. نون والقلم يقسم تعالى بالقلم وهو اسم جنس كامل للأقلام التي تكتب بها انواع العلوم. ويسطر بها المنثور والمنظوم. وذلك ان القلم وما يسطرون به من انواع الكلام من ايات الله العظيمة التي تستحق ان يقسم الله بها على براءة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم مما نسبه اليه اعداؤه من الجنون فنفى عنه الجنون بنعمة ربه عليه واحسانه. حيث من عليه بالعقل الكامل والرأي الجزل والكلام من فصل الذي هو احسن ما جرت به الاقلام. وسطره الانام وهذا هو السعادة في الدنيا. ثم ذكر سعادته في الاخرة. فقال وان لك لاجرا اي عظيما كما يفيده التنكير. غير ممنون اي غير مقطوع بل هو دائم مستمر. وذلك لما اسلفه النبي صلى الله عليه وسلم من الاعمال الصالحة والاخلاق الكاملة. ولهذا قال اي عاليا به مستعليا بخلقك الذي من الله عليك به وحاصله خلقه العظيم ما فسرته به ام المؤمنين عائشة رضي الله عنها لمن سألها عنه فقالت كان خلقه القرآن وذلك نحو قوله تعالى له خذ العفو وامر بالعرف واعرض عن الجاهلين. فبما رحمة من الله لنت لهم. لقد جاءكم رسول من انفسكم عزيز عليه ما عنتم. حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم. وما اشبه ذلك من الايات الدالات على اتصافه صلى الله عليه وسلم بمكارم الاخلاق والايات الحاثات على الخلق العظيم. فكان له منها اكملها واجلها. وهو في كل خصلة منها في الذروة العليا فكان صلى الله عليه وسلم سهلا لينا قريبا من الناس مجيبا لدعوة من دعاه. قاضيا لحاجة من استقضاه جابرا من سأله لا يحرمه ولا يرده خائبا. واذا اراد اصحابه منه امرا وافقهم عليه وتابعهم فيه. اذا لم يكن فيه محذور وان عزم على امر لم يستبد به دونهم فليشاورهم ويامرهم. وكان يقبل من محسنهم ويعفو عن مسيئهم. ولم يكن جليسا له الا اتم عشرة واحسنها. فكان لا يعبس في وجهه ولا يغلظ عليه في مقاله. ولا يطوي عنه بشرة. ولا يمسك عليه فلا تأتي لسانه ولا يؤاخذه بما يصدر عنه من جفوة. بل يحسن الى عشيره غاية الاحسان. ويحتمله غاية الاحتمال صلى الله عليه وسلم فلما انزله الله في اعلى المنازل من جميع الوجوه وكان اعداؤه ينسبون اليه انه مجنون مفتون قال وقد تبين انه اهدى الناس واكملهم لنفسه ولغيره ان اعداءه اضل الناس وشر الناس للناس. وانهم هم الذين فتنوا عباد الله واضلوهم عن سبيله. وكفى بعلم الله بذلك. فان انه هو المحاسب المجازي وهذا فيه تهديد للضالين. ووعد للمهتدين. وبيان لحكمة الله. حيث كان يهدي من يصلح للهداية دون غيره فلا تطع المكذبين. يقول الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم فلا تطع المكذبين الذين كذبوك وعاندوا بالحق فانهم ليسوا اهلا لان يطاعوا. لانهم لا يأمرون الا بما يوافق اهواءهم. وهم لا يريدون الا الباطل فالمطيع لهم مقدم على ما يضره. وهذا عام في كل مكذب وفي كل طاعة ناشئة عن التكذيب. وان كان السياق في شيء خاص وهو ان ان المشركين طلبوا من النبي صلى الله عليه وسلم ان يسكت عن عيب الهتهم ودينهم. ويسكتوا عنه. ولهذا قال ودو اي المشركون لو تدهن اي توافقهم على بعض ما هم عليه اما بالقول او فعل او بالسكوت عما يتعين الكلام فيه. ولكن اصدع بامر الله واظهر دين الاسلام. فان تمام وهذه بنقض ما يضاده وعيب ما يناقضه. ولا تطع كل حلاف اي كثير الحلف فانه لا يكون كذلك الا وهو كذاب. ولا يكون كذابا الا وهو مهين. اي خسيس النفس. ناقص الهمة. ليس فله همة في الخير. بل ارادته في شهوات نفسه الخسيسة هماز اي كثير العيب للناس والطعن فيهم بالغيبة والاستهزاء وغير ذلك اي يمشي بين الناس بالنميمة وهي نقل كلام بعض الناس لبعض بقصد الافساد بينهم والقاء العداوة والبغضاء من ناع للخير الذي يلزمه القيام به من النفقات الواجبة والكفارات والزكوات وغير ذلك. معتد على الخلق في ظلمهم في الدماء والاموال والاعراض. اثيم اي كثير الاثم والذنوب في حق الله تعالى. عتل بعد ذلك اي غليظ شرس الخلق قاس غير منقاد للحق زنيم اي دعي ليس له اصل ولا مادة ينتج منها الخير. بل اخلاقه اقبح الاخلاق ولا يرجى منه فلاح له زنمة اي علامة في الشر يعرف بها. وحاصل هذا ان الله تعالى نهى عن طاعة كل حلاف كذاب خصيص النفس سيء الاخلاق. خصوصا الاخلاق المتضمنة للاعجاب بالنفس. والتكبر عن الحق وعلى الخلق والاحتقار للناس. كالغيبة والنميمة والطعن فيهم وكثرة المعاصي. وهذه الايات وان كانت نزلت في بعض المشركين كالوليد بن المغيرة او غيره لقوله عنه اي لاجل كثرة ماله وولده. طغى واستكبر عن الحق ودفعه حين جاءه. وجعله من جملة اساطير الاولين التي يمكن صدقها وكذبها فانها عامة في كل من اتصف بهذا الوصف. لان القرآن نزل لهداية الخلق كلهم ويدخل فيه اول الامة واخرهم وربما نزل بعض الايات في سبب او في شخص من الاشخاص لتتضح به القاعدة العامة ويعرف به امثال الجزئيات الداخلة في القضايا العامة ثم توعد تعالى من جرى منه ما وصف الله بان الله سيسمه على في العذاب وليعذبه عذابا ظاهرا. يكون عليه سمة وعلامة في اشق الاشياء عليه وهو وجهه يقول تعالى ان بلون هؤلاء المكذبين بالخير وامهلناهم. وامددناهم بما شئنا من مال وولد وطول عمر. ونحو ذلك مما يوافق اهواءهم لا لكرامتهم علينا. بل ربما يكون استدراجا لهم من حيث لا يشعرون. فاغترارهم بذلك نظير اغترار اصحاب الذين هم فيها شركاء حين زهت ثمارها واينعت اشجارها. وان وقت صرامها وجزموا انها في ايديهم وطوع امرهم وانه ليس ثم مانع يمنعهم منها. ولهذا اقسموا وحلفوا من غير استثناء انهم سيصرمونها. اي يجدونها مصبحين. ولم يدروا ان الله بالمرصاد وان العذاب سيخلفهم عليها ويبادرهم اليها. فطاف عليها طائف من ربك فطاف عليها طائف من ربك اي عذاب نزل عليها ليلا آآ فابادها واتلفها. اي كالليل المظلم ذهبت الاشجار والثمار هذا وهم لا يشعرون بهذا هذا الواقع الملم ولهذا تنادوا فيما بينهم لما اصبحوا يقول بعضهم لبعض فانطلقوا قاصدين له. وهم يتخافتون فيما بينهم ولكن بمنع حق الله ويقولون اي قبل انتشار الناس وتواصوا مع ذلك بمنع الفقراء والمساكين. ومن شدة حرصهم وبخلهم انهم يتخافتون بهذا الكلام مخافته خوفا ان يسمعهم احد فيخبر الفقراء. وغدوا في هذه الحالة الشنيعة القسوة وعدم الرحمة. اي على امساك ومنع لحق الله جازمين بقدرتهم عليها فلما رأوها على الوصف الذي ذكر الله كالصريم قالوا من الحيرة والانزعاج اي تائه عنها لعلها غيرها. فلما تحققوها ورجعت اليهم عقولهم قالوا بل نحن محرومون هل نحن محرومون منها؟ فعرفوا حينئذ انه عقوبة قال اوسطهم اي اعدلهم واحسنهم طريقة تنزهون الله عما لا يليق به. ومن ذلك ظنكم ان قدرتكم مستقلة. فلولا استثنيتم فقلتم ان شاء الله. وجعلتم مشيئتكم متابعة لمشيئة الله. لما جرى عليكم ما جرى. فقالوا ايا استدركوا بعد ذلك. ولكن بعدما وقع العذاب على جنتهم. الذي لا يرفع ولكن لعل تسبيحهم هذا واقرارهم هم على انفسهم بالظلم ينفعهم في تخفيف الاثم ويكون توبة. ولهذا ندموا ندامة عظيمة فيما اجروه وفعلوه اي متجاوزين للحد في حق الله وحق عباده ربنا راغبون. فهم رجبوا الله ان يبدلهم خيرا منها. ووعدوا انهم سيرغبون الى الله ويلحون عليه في الدنيا. فان كانوا كما قالوا فالظاهر ان الله ابدلهم في الدنيا خيرا منها. لان من دعا الله صادقا ورغب اليه ورجاه. اعطاه سؤله. قال الا مبينا ما وقع كذلك العذاب اي الدنيوي لمن اتى باسباب العذاب ان يسلب الله العبد الشيء الذي طغى به وبغى واثر الحياة الدنيا وان يزيله عنه احوج ما يكون اليه او كانوا يعلمون. والعذاب الاخرة اكبر من عذاب الدنيا. لو كانوا يعلمون. فان من علم ذلك اوجب له الانزجار عن كل سبب يوجب العذاب ويحل العقاب جنات النعيم افنجعل المسلمين كالمجرمين. ما لكم كيف تحكمون لكم كتاب فيه تدرسون ان لكم فيه لما تخيرون. ام لكم ايمان يخبر تعالى بما اعده للمتقين للكفر والمعاصي من انواع النعيم والعيش السليم في جوار اكرم الاكرمين. وان حكمته تعالى لا تقتضي ان يجعل المسلمين القانتين لربهم المنقادين لاوامره المتبعين لمراضيه كالمجرمين الذين اوضعوا في معاصيه والكفر باياته ومعاندة رسله ومحاربة اوليائه وان من ظن انه يسويهم في الثواب فانه قد اساء الحكم وان حكمه حكم باطل. ورأيه فاسد. وان المجرمين اذا ادعوا ذلك فليس له مستند لا كتاب فيه درسون ويتلون انهم من اهل الجنة. وان لهم ما طلبوا وتخيروا. وليس لهم عند الله عهد ويمين بالغة الى يوم القيامة ان لهم ما يحكمون. وليس لهم شركاء واعوان على ادراك ما طلبوا. فان كانوا لهم شركاء واعوان فليأتوا بهم ان كانوا صادقين. ومن المعلوم ان جميع ذلك منتف فليس لهم كتاب ولا لهم عهد عند الله في النجاة. ولا لهم شركاء يعينونهم فعلم ان دعواهم باطلة فاسدة وقوله اي ايهم الكفيل بهذه الدعوة الفاسدة فانه لا يمكن التصدر بها ولا الزعامة فيها يوم يكشف خاشعة ابصارهم ترهقهم ذلة. وقد كانوا اي اذا كان يوم القيامة وانكشف فيه من القلاقل والزلازل والاهوال ما لا يدخل تحت الوهم واتى الباري لفصل القضاء بين عباده ومجازاتهم. فكشف عن ساقه الكريمة التي لا يشبهها شيء. ورأى من جلال الله وعظمته ما لا يمكن التعبير عنه فحينئذ يدعون الى السجود لله فيسجد المؤمنون الذين كانوا يسجدون لله او عن ويذهب الفجار والمنافقون ليسجدوا. فلا يقدرون على السجود. وتكون ظهورهم كصيص البقر. لا يستطيعون الانحناء وهذا الجزاء من جنس عملهم. فانهم كانوا يدعون في الدنيا الى السجود لله وتوحيده وعبادته وهم سالمون. لا علة فيهم عن ذلك ويأبون. فلا تسأل يومئذ عن حالهم وسوء مآلهم. فان الله قد سخط عليهم وحقت عليهم كلمة العذاب. وتقطع اسبابهم ولم تنفعهم الندامة ولا الاعتذار يوم القيامة. ففي هذا ما يزعج القلوب عن المقام على المعاصي. ويوجب التدارك مدة الامكان ولهذا قال تعالى اي دعني والمكذبين بالقرآن العظيم. فان علي جزاءهم ولا انهم فنمدهم بالاموال والاولاد ونمدهم في الارزاق والاعمال. يغتر ويستمر على ما يضرهم. فان هذا من الله لهم وكيد الله لاعدائه. متين قوي. يبلغ من ضررهم وعذابهم فوق كل مبلغ اي ليس لنفورهم عنك وعدم تصديقهم لما جئت به سبب يوجب لهم ذلك فانك تعلمهم وتدعوهم الى الله لمحض مصلحتهم من غير ان تطلبهم من اموالهم مغرما يثقل عليهم فهم يكتبون ما كان عندهم من الغيوب. وقد وجدوا فيها انهم على حق وان لهم الثواب عند الله فهذا امر ما كان. وانما كانت حالهم حال معاند ظالم. فلم يبق الا الصبر لاذاهم. والتحمل لما يصدر منهم. والاستمرار على دعوتهم ولهذا قال فاصبر لحكم ربك. اي لما حكم به شرعا وقدرا. فالحكم القدري يصبر على المؤذي منه. ولا يتلقى بالسخط والجزع والحكم الشرعي يقابل بالقبول والتسليم. والانقياد التام لامره. وقوله اذ نادى وهو مكتوب. ولا تكن كصاحب الحوت وهو يونس ابن متى عليه الصلاة والسلام. اي ولا تشابهه في هل التي اوصلته واوجبت له الانحباس في بطن الحوت؟ وهو عدم صبره على قومه الصبر المطلوب منه. وذهابه مغاضبا لربه حتى ركب في البحر فاقترع اهل السفينة حين ثقلت باهلها. ايهم يلقون لكي تخف بهم؟ فوقعت القرعة عليه. فالتقمه الحوت وهو مليء وقوله اذ نادى وهو مكتوم اي وهو في بطنها قد كظمت عليه او نادى وهو مغتم مهتم بان قال لا اله الا انت سبحانك اني كنت من الظالمين. فاستجاب الله له وقذفته الحوت من بطنها بالعراء وهو هو سقيم وانبت الله عليه شجرة من يقطين. ولهذا قال هنا لنبذ بالعراء اي لطرح في العراء وهي الارض الخالية ولكن الله تغمده برحمته. فنبذ وهو ممدوح. وصارت حاله احسن من حاله الاولى. ولهذا قال فاجتباه ربه فجعله من اجتباه ربه اي اختاره واصطفاه ونقاه من كل كدر فجعله من الصالحين اي الذين صلحت اعمالهم واقوالهم ونياتهم واحوالهم. فامتثل نبينا محمد صلى الله الله عليه وسلم امر ربه وصبر لحكم ربه صبرا لا يدركه فيه احد من العالمين ايذنبونك بابصارهم لما سمعوا الذكر. ويقولون انه لمجنون فجعل الله له العاقبة والعاقبة للمتقين. ولم يدرك اعداؤه فيه الا ما يسوؤهم. حتى انهم حرصوا على ان يزلقوه بابصارهم ان يصيبوه باعينهم من حسدهم وغيظهم وحنقهم. هذا منتهى ما قدروا عليه من الاذى الفعلي. والله حافظه وناصره اما الاذى القولي فيقولون فيه اقوالا بحسب ما توحي اليهم قلوبهم. فيقولون تارة مجنون وتارة ساحر وتارة من شاعر قال الله تعالى اي وما هذا القرآن القرآن الكريم والذكر الحكيم الا ذكر للعالمين. يتذكرون به مصالح دينهم ودنياهم