بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين. والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه اجمعين. اللهم اغفر لنا ولشيخنا ولوالديه ولمشايخه ولجميع المسلمين. أمين. نقل الشيخ الحافظ النووي رحمه الله تعالى في كتابه رياض الصالحين في باب الورع وترك الشبهات وعن انس رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم وجد تمرة في الطريق فقال لولا اني ان تكون من الصدقة لاكلتها. متفق عليه. بسم الله الرحمن الرحيم. قال رحمه الله تعالى في باب الورع وترك الشبهات وعن انس بن مالك رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم وجد تمرة في الطريق فقال عليه الصلاة والسلام لولا اني اخاف ان تكون من الصدقة لا تندها. قول لولا اني اخاف لولا هنا حرف الوجود اي امتنع اخذي لها لاحتمال كونها من الصدقة لولا اني اخاف ان تكون من الصدقة لاكلتها. وذلك لان الصدقة محرمة على النبي صلى الله عليه وسلم ففي هذا الحديث دليل على فوائد منها اولا تحريم الصدقة على الرسول صلى الله عليه وسلم وظاهر الحديث يشمل الصدقة الواجبة والمستحبة ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم ان الصدقة لا تحل لال محمد وانما هي اوساخ الناس والصدقة سواء كانت تطوعا ام فريضة لا تحل للرسول عليه الصلاة والسلام وهذا من خصائصه واما ال النبي صلى الله عليه وسلم فجمهور العلماء على ان الذي يحرم عليهم هو الصدقة الواجبة دون الصدقة المستحبة وقد علنا النبي صلى الله عليه وسلم ذلك بقوله وانما هي اوساخ الناس. وهذا الوسخ وسخ معنوي ان الزكاة تطهير للنفس وتطهير للمال والصدقة انما تحرم على الرسول صلى الله عليه وسلم ابتداء ومباشرة. واما اذا اتته من طريق اخر فانها تحل له ولهذا دخل النبي صلى الله عليه وسلم على عائشة ذات يوم فقال هل عندكم شيء؟ فقالت رضي الله عنها لا فقال الم ارى البرمة على النار؟ يعني القدر على النار وفيه لحم. فقالت رضي الله عنها ذاك لحم تصدق به على بريرة فقال النبي صلى الله عليه وسلم هو لها صدقة ولنا هدية فاكل. مع ان اصل هذا المال هو من الصدقة ومن ثم اخذ اهل العلم رحمهم الله من هذا الحديث قاعدة مفيدة وهي ان الشيء قد يحرم على الانسان ابتداء ولكن اذا جاءه من طريق اخر حل له ومن فوائد هذا الحديث ايضا بيان شدة ورع الرسول صلى الله عليه وسلم لامتناعه من اخذ هذه التمرة واكلها. وهذا يدل على ورعه. لان الشيء لا يحرم بمجرد الاحتمال والتردد. ولكن من شدة ورعه. وكما لورعه عليه الصلاة والسلام تركها ومنها ايضا انه يجوز للانسان ان يأخذ ما يجده في طريقه مما لا تتبعه قمة اوساط الناس كالتمرة والرغيف والعصا والسوط ونحو ذلك ولهذا جاء في السنن من حديث جابر ابن عبد الله رضي الله عنهما ان النبي صلى الله عليه وسلم رخص بالسوط والعصا يلتقطه الانسان ينتفع به. وهذا اعني جواز اخذ الانسان الشيء اليسير الذي لا تتبعه الهمة مشروط بما اذا لم يعلم عين صاحبه. فاذا كان يعلم مثلا ان هذا الصوت لفلان او ان هذا الرغيف فلان او ان هذه التمرة لفلان فانه لا يجوز حينئذ الاخذ وفيه ايضا دليل على ان من اخذ ما لا تتبعه الهمة فانه لا يجب عليه ان يتصدق به. وانما يجوز له ان ينتفع به باكل او اهداء او غيره. لان الرسول عليه الصلاة والسلام علل امتناعه من الاخذ. لا لكونه لقطة وانما لكونها صدقة. ولهذا قال لولا اني اخشى او اخاف ان تكون من الصدقة لاكلتها. واما ما سوى ذلك مما لا تتبعه همة اوساط الناس فانه يجب تعريفه وذلك ان المال الضائع على اقسام ثلاثة القسم الاول ما لا تتبع مهمة اوساط الناس. بحيث انهم لا يهتمون في طلبه والبحث عنه والتحري عنه. فهذا يجوز لمن وجده ان يلتقطه وان يأخذه وينتفع به ما لم يعلم عين صاحبه القسم الثاني من اقسام اللقطة ما يمتنع من صغار السباع والذي يمتنع من صغار السباع تارة يمتنع من صغار السباع بكبر حجمه كالابل وتارة يمتنع في عدوى وسرعة عدوى كالظبا وتارة يمتنع لطيران كالطيور وتارة يمتنع عنابه كالفهد ونحوهما هذا لا يجوز التقاطه. ولهذا لما سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن ضالة الابل قال ما لك ولها دعها معها معها عفاصها وغكاؤها دعها تلد الماء وتأكل الشجر. القسم الثالث من اقسام ما سوى ذلك مما لا يمتنع من صغار السباع كبقية الحيوانات وبقية الاموال والاطعمة ونحو ذلك لذلك فيجوز التقاطها بشرطين. الشرط الاول ان يقوى على تعريفها. والشرط الثاني ان يأمن نفسه عليها بحيث لا تسود له نفسه ان يتملكها او ان يجحدها. وحينئذ يجب عليه ان يفعل في هذه ما هو الاصلح من الانفاق عليها ان كانت بهيمة او حفظها وتجفيفها ان كانت من الفواكه ونحوها. او ان يتملكها بقيمتها. او ان يبيعها ويحفظ ثمنها لصاحبها. فيجب عليه ان يفلع ان يفعل ما هو اصلح وفي هذا الحديث دليل ايضا على مشروعية تنزه الانسان وتورعه عما يحتمل ان يكون محرما وهذا هو هو وجه سياق هذا الحديث في هذا الباب. وان المرء ينبغي له في الامور التي تحتمل التحريم ان يتورع وان لا يقدم عليها. لانه اذا اقدم عليها فربما وقع في المحرم من حيث لا يشعر قال النبي صلى الله عليه وسلم ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام. وفق الله الجميع لما يحب ويرضى. وصلى الله على نبينا محمد