المكتبة الصوتية للعلامة الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله الدرة الفاخرة تعليق على منظومة السير الى الله والدار الاخرة. تأليف الشيخ العلامة عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين. والصلاة والسلام على محمد واله وصحبه اجمعين. هذا تعليق لطيف على منظومتي في السير الى الله والدار الاخرة يحل معانيها ويوضح مبانيها. فانها قد حصلت على كثير من منازل السائرين الى الله التي توصل صاحبها الى جنات النعيم في جوار الرب الكريم. وتمنعه من عذاب الجحيم والحجاب الاليم. والله المسئول بفضله ومنه ان يجعله خالصا لوجهه مقربا عنده العبادة. واعلم ان المقصود من العبد عبادة الله ومعرفته ومحبته انابة اليه على الدوام وسلوك الطرق التي توصله الى دار السلام. واكثر الناس غلب عليهم الحس وملكتهم الشهوات والعادات يرفعوا بهذا الامر رأسا ولا جعلوه لبنائهم اساسا. بل اعرضوا عنه اشتغالا بشهواتهم. وتركوه عكوفا على مراداتهم. ولم لم ينتهوا لاستدراك ما فاتهم في اوقاتهم فهم في جهلهم وظلمهم حائرون. وعلى حظوظ انفسهم الشاغلة عن الله مكبون وعن ذكر ربهم غافلون. ولمصالح دينهم مضيعون. وفي سكر عشق المألوفات هائمون. نسوا الله فانساهم انفسهم اولئك هم الفاسقون. ولم ينتبه من هذه الرقدة العظيمة والمصيبة الجسيمة الا القليل من العقلاء والنادر من النبلاء فعلموا ان الخسارة كل الخسارة الاشتغال بما لا يجدي على صاحبه الا الوبال والحرمان. ولا يعوضه مما تؤمل الا الخسران فاثر الكامل على الناقص وباعوا الفاني بالباقي وتحملوا تعب التكليف والعبادة حتى صارت لهم لذة عادة ثم صاروا بعد ذلك سادة فاسمع صفاتهم واستعن بالله على الاتصاف بها. سعيد الذين تجنبوا سبل ردى وتيمموا لمنازل الرضوان. هذا هو اصل طريقهم وقاعدة سير فريقهم. انهم تجنبوا طرق الخسران وتيمموا طرق الرضوان. تجنبوا طرق الشيطان. فقصدوا عبادة الرحمن. تجنبوا طرق الجحيم وتيمموا النعيم تركوا السيئات وعملوا على الحسنات. نزهوا قلوبهم والسنتهم وجوارحهم. عن المحرمات والمكروهات. وشغلوها بفعل للواجبات والمستحبات تحلوا بالاخلاق الجميلة وتخلوا من الاوصاف الرذيلة فهم الذين اخلصوا في مشيهم متشرعين بشرعة الايمان. هاتان القاعدتان وهما الاخلاص والمتابعة. شرط لكل عبادة ظاهرة وباطنة. فكل عمل لا يراد به وجه الله فهو باطل. وكل عمل لا يكون على سنة الله فهو مردود فاذا اجتمع للعمل الاخلاص للمعبود وهو ان يراد بالعمل وجه الله وحده. والمتابعة للرسول وهو ان يكون العمل قد امر به فهذا هو العمل المقبول. وهم الذين بنوا منازل سيرهم. بين الرجا والخوف اي ساروا في جميع امورهم مستصحبين وملازمين للخوف والرجاء. وذلك ان لهم نظرا اي نظروا الى انفسهم وتقصيرهم في حق الله يحدث لهم الخوف ونظر الى منن الله عليهم واحسانه اليهم يحدث لهم الرجاء. وايضا ينظرون الى صفات العظمة والجلال والحكمة والعدل فيخافون على انفسهم من ترتب اثارها. وينزرون الى وصفات الرحمة والجود والكرم والاحسان. فيرجون ما تقتضيه. فان فعلوا حسنة جمعوا بين الخوف والرجاء فيرجون قبولها ويخافون ردها وان عملوا سيئة خافوا من عقابها ورجو مغفرتها بفضل الله فهم بين الخوف والرجاء يترددون. واليك دائما يفزعون ومنهما في امر سيرهم مترددون. واولئك الذين احرزوا قصب السبق واولئك هم المفلحون. وهم الذين مل الاله قلوبهم. بوداده ومحبة الرحمن. هذه المنزلة وهي منزلة المحبة. هي اصل المنازل كلها ومنها تنشأ جميع الاعمال الصالحة والاعمال النافعة والمنازل العالية. ومعنى محبة تعلق القلب بالمحبوب ولزوم الحب للقلب فلا تنفك عنه. وهي تقتضي من صاحبها الانكفاف عما يكره الحبيب. والمبادرة الى ما يرضيه بقلب منشرح وصدر رحيب. فان تكلم تكلم بالله وان سكت سكت لله. وان تحرك فلله ان سكن فلله ويحدث عن الحب الشوق الى الله. والقلق فلا يكاد صاحبه يستقر. ان قيل فهل للمحبة التي هي اعلى المراجع من وسيلة وسبب قيل لم يجعل الله مطلبا الا جعل لحصوله سببا. فمن اكبر اسبابها الانكفاف على كل قاطع بالقول والفعل والافكار الردية. والاكثار من ذكر الله بحضور قلب وتدبر كلامه الكريم. ومطالعة نعمه العظيمة على العبد. وبالوقوف بين يديه بحضور القلب وادب في الوقوف بين يديه. ومجالسة المحبين ومجانبة كل قاطع. فمن فعل ذلك نال محبة والله ان شاء الله والله المستعان. ولهذا قلت وهم الذين اكثروا من ذكره. في السر الاعلان والاحيان. منزلة شريفة. حاجة كل انسان اليها. بل ضرورته اليها فوق كل حاجة. فذكر الله هو عمارة الاوقات وبه تزول الهموم والغموم والكادورات وبه تحصل الافراح والمسرات. وهو عمارة القلوب المقفرات كما انه غراس الجنات وهو موصل لاعلى المقامات. وفيه من الفوائد ما لا يحصى ومن الفضائل ما لا يعد ولا ينقضي. قال الله تعالى يا ايها الذين امنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا. وسبحوه بكرة واصيلا. وقال النبي صلى الله عليه وسلم لرجل يقال ان شرائع الاسلام قد كثرت علي فاوصني. قال لا يزال لسانك رطبا من ذكر الله. وقال سبق المفردون. قالوا وما المفردون قال الذاكرون الله كثيرا والذاكرات. ولي من ابيات وكن ذاكرا لله في كل حالة فليس لذكر الله وقت مقيد. فذكر اله العرش سرا ومعلنا. يزيل والهم عنك ويطرد ويجلب للخيرات دينا واجلا. وان يأتيك الوسواس يوما يشرد. فقد اخبر المختار يوما لصحبه بان كثير الذنب ذكر في السبق مفرد. ووصى معاذا يستعين الهه. على ذكره والشكر به واوصى لشخص قد اتى لنصيحة وقد كان في حمل الشراب يجهدوك بان لم يزل رطبا لسانك هذه تعين على كل الامور بجنات عدن والمساكن تمهد واخبر ان الله يذكر عبده ومعه على كل الامور يسدد واخبر ان الذكر يبقى بجنبه. وينقطع التكليف حين يخلد. ولو لم يكن في ذكره غير انه طريق الى حب الاله ومرشدوه. وينهى الفتى عن غيبة ونميمة وعن كل قول للديانة مفسدين. لكان لنا حظ عظيم عظيم ورغبة بكثرة ذكر الله نعم الموحدون. ولكننا من جهلنا ما قل ذكرنا كما قل منا للاله تعبد. وذكر الله نور للذاكر في قلبه وفي بقوله وفي قبره ويوم حشره والله المستعان يتقربون الى المليك بفعلهم طاعاته والترك للعصيان. هذه الاعمال التي تقرب الى الله وتوصل اليه وهو فعل طاعته لا سيما الفرائض وترك معاصيه كما في الحديث القدسي وما تقرب الي عبدي بشيء احب الي مما افترضته عليه. ولا يزال عبدي يتقرب بالنوافل حتى احبه. فلهذا قلت فعل الفرائض والنوافل دأبهم. مع رؤية التقصير نقصان. هذا هو الكمال وهو ان يجتهد في اداء الفرائض والاكثار من النوافل. ويرى نفسه مقصرا مفرطا. فاجتهاد في الاعمال ينفي عنه الكسل ورؤية تقصيره ينفي عنه العجب. الذي يبطل الاعمال ويفسدها. صبر النفوس على المكاره كلها شوقا الى ما فيه من احسان. الصبر هو حبس النفس على ما يكره الانسان اذا كان فيه رضا للرحمن. والصبر ثلاثة اقسام. صبر على طاعة الله حتى يؤديها. وصبر عن معاصي الله حتى يتركها صبر على اقدار الله المؤلمة. فلا يتسفهها. فاذا كسلت نفسه عن طاعة الله حثها عليها والزمها ورغبها اياها ثوابها. واذا اشتدت دواعي نفسه الى معصية الله كفها عنها وحذرها وبالها وعاقبة فعالها. فالصبر محتاج اليه في كل الامور نزلوا بمنزلة الرضا فهموا بها. قد اصبحوا في جنة وامان منزلة الرضا اعلى من منزلة الصبر. فان الصبر حبس النفس وكفها على ما تكره. مع وجود منازعة فيها. وبالرضا تضمحل تلك المنازعة ويرضى عن الله رضا مطمئن منشرح الصدر. بل ربما تلذذ بالبلاء كتلذذ غيره بالرخاء. واذا نزل العبد بهذه المنزلة طابت حياته وقرت عينه. ولهذا سمي الرضا جنة الدنيا ومستراح العابدين. ومن رضي عن الله رضي الله عنه ومن رضي من الله باليسير من الرزق رضي الله منه باليسير من العمل. فحقيقة الرضا تلقي احكام الله الامرية الدينية واحكام احكامه الكونية القدرية بانشراح صدر وسرور نفس. لا على وجه التكره والتلمظ. شكروا الذي اولى الخلاء ايقاف فضله بالقلب والاقوال والاركان. الشكر يكون بالقلب وهو الاعتراف بنعم الله الاقرار بها وعدم رؤية نفسه لها اهلا بل هي محض فضل ربه ويكون باللسان وهو الثناء على الله بها. والتحدث بها ويكون جوارح وهو كفها عن معاصي الله والاستعانة بنعمه على طاعته فان اعطاه شيئا من الدنيا شكره عليه. وان زوى عنه شيئا منها اه شكره ايضا. اذ ربما كانت نعمته عليه صارفة منه شرا اعظم منه. وان وفقه لطاعة من الطاعات. رأى المنة لله في توفيقه لها وشكره عليها والله المستعان. صاحب التوكل في جميع امورهم مع بذل جهد في رضا الرحمن. يكمل العبد في هذين الامرين وهما التوكل على الله والاجتهاد في طاعة الله. ويتخلف عن العبد الكمال بفقد واحد منهما. فحقيقة التوكل تجمع بين امرين الاعتماد على الله والثقة بالله. فاعتمد على ربك به بقلبه في جلب ما ينفعه في امر دينه ودنياه. فيتبرأ من نفسه وحولها وقوتها. ويثق بالله في حصول ما ينفعه. ودفع فيما يضره ويجتهد في الاسباب التي يتوصل بها الى المطلوب. وتفصيل ذلك انه اذا عزم على فعل عبادة بذل جهده في تكميلها تحسينها. ولا يبقي من مجهوده مقدورا. وتبرأ من النظر الى نفسه وقوتها. بل لجأ الى ربه واعتمد عليه في تكميلها. واحسن وواثق في حصول ما توكل به عليه. واذا عزم على ترك معصية قد دعته نفسه اليها. بذل جهده في الاسباب الموجبة لتركها من التفكر بها وصرف الجوارح عنها. ثم اعتمد على الله ولجأ اليه في عصمته منها. واحسن الظن به في عصمته له. فانه اذا اذا فعل ذلك في جميع ما يأتي ويذر رجي له الفلاح ان شاء الله تعالى. واما من استعان بالله وتوكل عليه مع تركه لاجتهاد له فهذا ليس بتوكل بل عجز ومهانة. وكذلك من يبذل اجتهاده ويعتمد على نفسه ولا يتوكل على ربه فهو مخذول عبد الاله على اعتقاد حضوره. فتبوأوا في منزل الاحسان. هذه المنزلة يقال لها منزلة الاحسان وهي كما فسرها النبي صلى الله عليه وسلم ان تعبد الله وحده كأنك تراه فان لم تكن تراه فان انه يراك. اذا تصور الانسان هذا المقام في جميع احواله لا سيما حال العبادة منعه من الالتفات بقلبه الى غير ربه. بل اقبل بكل على الله وتوجه بقلبه اليه متأدبا في عبادته اتيا بجميع ما يكملها. متجنبا كل منقص لها. وهذه المنزلة من اعظم المنازل واجلها. ولكنها تحتاج الى تدريج للنفوس شيئا فشيئا. ولا يزال العبد يعودها نفسه حتى تنجذب اليها وتعتادها. فيعيش العبد قرير العين بربه فرحا مسرورا بقربه. نصحوا الخليقة في رضا محبوب صاحب الخلائق بالجسوم وان ما ارواحهم في منزل فوقاني. هذه حالهم مع الخلق اكمل حال واجلها. فابدوا لهم النصح واحبوا لهم ما احبوا لانفسهم من الخير وكرهوا لهم ما كرهوا لانفسهم من الشر. فسعوا في ازالة الشر عنهم بكل ممكن واجتهدوا في ايصال النفع اليهم بكل مقدور. من امرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر واطعام جائعهم وكسوة عاريهم اغاثة ملهوفهم وتعليم جاهلهم وردع ظالمهم ونصر مظلومهم واحتمال اذاهم وكفهم اذى انفسهم عنهم مع هذا فصحبتهم لهم بالظاهر والجسم. واما قلوبهم وارواحهم فانها تجول حول الحبيب. وتطلب من قربه اعظم نصيب فتارة تنكسر بين يديه وتخشع وتخضع لديه. وطورا تشكره لحبه وتدل عليه لاستحضاره بره وقربه ثم تميم الى مراضيه فتجتهد في عبادته وتحسن الى مخلوقاته فهؤلاء هم الناس بل هم العقلاء الاكياس ولا حول ولا قوة الا بالله بالله دعوات الخلائق كلها خوفا على الايمان من نقصان هذه منزلة الرعاية لحقائق الايمان ومشاهد الاحسان. وذلك ان العبد لا ينبغي له ان يعرض عن تدبر احواله والتفكر في نقص اعماله بل يبذل جهده قبل العمل وفي نفس العمل وتصحيحه وتحسينه. ثم يصونه عن المفسدات وينزهه عن المنقصات. فاذا حفظ العمل اعظم من العمل. فكلما ازداد العبد رعاية لعمله واجتهادا فيه ازداد ايمانه. وكلما نقص من ذلك نقص من ايمانه بحسبه ومن اعظم ما ينبغي مراعاته في العمل مشهد الاحسان. وهو الحرص على ايقاع العبادة بحضور قلب وجمعيته على الله. وكذلك مراعاة منة الله على العبد. وانه ينبغي له ان يشكر الله على توفيقه لذلك العمل اعظم شكر. وكذلك مراعاة التقصير انك لم تؤتي العبادة حقها ولا قمت بجميع ما تستحقها. وكذلك مراعاة الخوف والرجاء. يخاف من ردها بعجب او رياء او بها او عدم قيام بحقها او غير ذلك. ويرجو قبولها برحمة ربه ومنه واحسانه اليه. الذي من جملته توفيق لها عزف القلوب عن الشواغل كلها قد فرغوها من سوى الرحمن في حركاتهم وهمومهم وعزومهم لله لا للخلق والشيطان فرغوا قلوبهم عن جميع ما يشغل عن الله ويبعد عن رضاه. وهذا حقيقة الزهد. ولا يكفي هذا التفريغ حتى يمتلئ القلب من النافعة والعزوم الصادقة فتكون افكار العبد في كل ما يقرب الى الرحمن من تصور علم وتدبر قرآن وذكر بحضور قلب وتفكر في عبادة واحسان وخوف من ذلة وعصيان او تأمل لصفات الرحمن وتنزيهه عن جميع العيوب والنقصان او تفكر في القبر واحواله او يوم القيامة واهواله او في الجنة ونعيمها والنار وجحيمها افكارهم حائمة حول هذه الامور متنزهة عند نيات الامور. التفكر بما لا يجدي على صاحبه الا الهم والوبال تضييع الوقت وتشتيت البال غير نافع للعبد في الحال والمآل. نعم الرفيق لطالب السبل التي تفضي الى الخيرات والاحسان. فهؤلاء هم الذين يسعد بهم رفيقهم اذا اقتضى بسلوك سيرهم فريقهم. وهؤلاء الذين امرنا الله ان نسأله ان يهدينا طريقهم. اذ انعم عليهم بصدق ايمانهم وتحقيقهم. فنسأل الله ان يهدينا الصراط المستقيم صراط الذين انعم عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين. وحسن اولئك رفيقا وان يجنبنا طرق الغضب والضلال الموصلة الى الخزي والوبال. انه اكرم الاكرمين وارحم الراحمين. والله اسأل باسمائه الحسنى وصفاته ونعمه اتوسل الا يحرمنا خير ما عنده من الاحسان والغفران بشر ما عندنا من التقصير بحقوق والعصيان وان يجعله خالصا لوجهه الكريم. وسببا للفوز عنده في جنات النعيم. والحمد لله رب العالمين اولا واخرا ظاهرا وباطنا. حمدا كثيرا مباركا فيه كما ينبغي لكرم وجهه وعز جلاله. وصلى الله على محمد النبي الامي المبعوث رحمة للعالمين وعلى اله وصحبه اجمعين. وسلم تسليما كثيرا. قال مؤلفه رحمه الله فرغت منه ومن نسخه في الثالث من من شعبان سنة ثلاث وثلاثين وثلاثمائة والف من الهجرة. وقد تم بقلم الفقير اليه عبده. عبدالعزيز بن حمد المصيريع في الثانية الثامن والعشرين من شوال سنة اثنتين واربعين وثلاثمائة والف من الهجرة