المكتبة السمعية للعلامة المفسر الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله. يسر فريق مشروع كبار العلماء ان يقدم لكم قراءة تفسير السعدي. بسم الله الرحمن الرحيم. قل اوحي الي انه استمع نفر من الجن فقالوا اي قل يا ايها الرسول للناس اوحي الي انه استمع نفر من الجن صرفهم الله والى رسوله لسماع اياته لتقوم عليهم الحجة وتتم عليهم النعمة ويكونوا منذرين لقومهم. وامر رسوله هو ان يقص نبأهم على الناس وذلك انهم لما حضروه قالوا انصتوا فلما انصتوا فهموا معانيه ووصلت حقائقه الى الى قلوبهم. اي من العجائب الغالية والمطالب العالية. يهدي الى يهدي الى الرشد والرشد اسم جامع لكل ما يرشد الناس الى مصالح دينهم ودنياهم. امنا به ولن نشرك بربنا احدا. فجمعوا بين الايمان الذي يدخل فيه جميع اعمال الخير وبين التقوى المتضمنة لترك الشر. وجعلوا السبب الداعي لهم الى الايمان وتوابعه. ما علموه من ارشادات القرآن وما اشتمل عليه من المصالح والفوائد واجتناب المضار. فان ذلك اية عظيمة وحجة قاطعة لمن استنار به واهتدى بهديه وهذا الايمان النافع المثمر لكل خير. المبني على هداية القرآن بخلاف ايمان العوائد والمربى والالف ونحو ذلك. فانه ايمان تقليد تحت خطر الشبهات والعوارض الكثيرة اي تعالت عظمته وتقدست اسماؤه فعلموا من جد الله وعظمته ما دلهم على بطلان من يزعم ان له صاحبة او ولدا لان له العظمة والجلال في كل صفة كمال. واتخاذ الصاحبة والولد ينافي ذلك. لانه يضاد كمال الغنى انه كان يقول سفيهنا على الله سقطا. اي قولا جائرا عن الصواب متعديا للحد. وما حمله على ذلك الا سفهه وضعف عقله. والا فلو كان رزينا مطمئنا لعرف كيف يقول اي كنا مغترين قبل ذلك غرتنا السادة والرؤساء من الجن والانس فاحسنا بهم الظن وحسبناهم لا يتجرأون على الكذب على الله. فلذلك كنا قبل ذلك على طريقهم. فاليوم اذ بان لنا ان الحق سلكنا طريقه وانقدنا له ولم نبالي بقول احد من الخلق يعارض الهدى اي كان الانس يعوذون بالجن عند المخاوف الافزاع ويعبدونهم فزاد الانس الجن رهقا. اي طغيانا وتكبرا. لما رأوا الانس يعبدونهم ويستعيذون بهم. ويحتمل ان ان الضمير وهو الواو يرجع الى الجن. اي زاد الجن الانس ذعرا وتخويفا لما رأوهم يستعيذون بهم. ليلجئوهم الى الاستعاذة بهم فكان الانسي اذا نزل بواد مخوف قال اعوذ بسيد هذا الوادي من سفهاء قومه كما ظننتم الذي ابعث الله احدا. اي فلما انكروا البعث اقدموا على الشرك والطغيان فوجدناها ملئت حرسا شديدا وشهبا. وانا لمسنا السماء اي اتيناها واختبرناها فوجدناها ملئت حرسا شديدا عن الوصول الى ارجائها والدنو منها وشهبا يرمى بها من استرق السمع وهذا مخالف لعادتنا الاولى. فانا كنا نتمكن من الوصول الى خبر السماء وانا كنا نقعد منها مقاعد السمع ونتلقف من اخبار السماء ما شاء الله. اي مرصدا له معد لاتلافه واحراقه. اي وهذا له شأن عظيم ونبأ جسيم. وجزموا ان الله تعالى اراد ان يحدث في الارض حادثا كبيرا من خير او شر. فلهذا قالوا وانا لا ندري اشرظ اريد بمن في الارض ان اراد اي لابد من هذا او هذا. لانهم رأوا الامر تغير عليهم تغيرا انكروه. فعرفوا بفطنتهم ان هذا الامر يريده الله ويحدثه في الارض. وفي هذا بيان لادبهم اذ اضافوا الخير الى الله تعالى والشر. حذفوا فاعله تأدبا وان منا الصالحون ومنا دون ذلك. اي فساق وفجار وكفار اي فرقا متنوعة واهواء متفرقة. كل حزب بما لديهم فرحون ان الله في الارض ولن نعجزه هربا. اي وان في وقتنا الان تبين لنا كمال قدرة الله وكمال عجزنا وان نواصينا بيد الله فلن نعجزه في الارض. ولن نعجزه ان هربنا. وسعينا باسباب الفرار والخروج عن قدرته. لا ملجأ منه والا اليه لا يخاف بخسا ولا رهقا. وانا لما سمعنا الهدى وهو القرآن الكريم الهادي الى الصراط المستقيم وقفنا هدايته وارشاده اثر في قلوبنا فامنا به. ثم ذكروا ما يرغب المؤمن فقالوا اي من امن به ايمانا صادقا فلا عليه نقص ولا اذى يلحقه واذا سلم من الشر حصل له الخير فالايمان سبب داع الى كل خير وانتفاء كل شر اي الجائرون العادلون عن الصراط المستقيم تحروا رشدا. اي اصابوا طريق الرشد الموصل لهم الى الجنة ونعيمها القاسطون فكانوا لجهنم حطبا. وذلك جزاء على اعمالهم لا ظلم من الله لهم لو استقاموا على الطريقة لاسقيناهم ماء غدقا. وان لو استقاموا على الطريقة المثلى لاسقيناهم ماء غدقا. اي هنيئا مريئا ولم يمنعهم من ذلك الا ظلمهم وعدوانهم. لا اشكى ماء غدقا لنفتنهم فيه. اي لنختبرهم فيه ونمتحنهم ليظهر الصادق من الكاذب اي من اعرض عن ذكر الله الذي هو كتابه فلم يتبعه وينقد له. بل غفل عنه ولها يسلكه عذابا صعدا اي شديدا بليغا اي لا دعاء عبادة ولا دعاء مسألة فان المساجد التي هي اعظم محال العبادة مبنية على الاخلاص لله والخضوع لعظمته والاستكانة وانه لما قام عبد الله يدعوه اي يسأله ويتعبد له ويقرأ القرآن كادوا اي الجن من تكاثرهم عليه يكونون عليه لبدا اي متلبدين متراكمين حرصا على سماع ما جاء به من الهدى قل لهم يا ايها الرسول مبينا حقيقة ما تدعو اليه اي احده وحده لا شريك له واخلع ما دونه من الانداد والاوثان وكل ما يتخذوه المشركون من دونه. فاني عبد ليس سليم من الامر والتصرف شيء اي لا احد استجير به ينقذني من عذاب الله. واذا كان الرسول الذي هو اكمل الخلق لا يملك ضرا ولا رشا ولا يمنع نفسه من الله شيئا ان اراده بسوء فغيره من الخلق من باب اولى واحرى اي ملجأ ومنتصرا على الناس الا ان الله خصني بابلاغ رسالاته ودعوة خلقه اليه. وبذلك تقوم الحجة على الناس ان يعصي الله ورسوله فان له نار جهنم وهذا المراد به المعصية الكفرية كما قيدتها النصوص الاخر المحكمة واما مجرد المعصية فانه لا يوجب الخلود في النار. كما دلت على ذلك ايات القرآن والاحاديث عن النبي صلى الله عليه عليه وسلم واجمع عليه سلف الامة وائمة هذه الامة حتى اذا رأوا ما يوعدون اي شاهدوه عيانا انه واقع بهم فسيعلمون في ذلك الوقت حقيقة المعرفة من اضعف ناصرا واقل عددا؟ حين لا ينصرهم غيرهم ولا انفسهم ينتصرون. واذ يحشرون فرادى كما خلقوا اول مرة توعدون ان يجعل له ربي امدا. قل له ان سألوك فقالوا متى هذا الوعد اي غاية طويلة فعلم ذلك عند الله. عالم الغيب فلا يظهر على غيبه احدا. فلا يظهر على غيبه احدا من الخلق. بل انفرج بعلم الضمائر والاسرار والغيوب الا من ارتضى من رسول اي فانه يخبره بما اقتضت حكمته ان يخبره به وذلك لان الرسل ليسوا كغيرهم. فان الله ايدهم بتأييد ما ايده احد من الخلق. وحفظ ما اوحاه اليهم حتى يبلغوه على حقيقته من غير ان تقربه الشياطين. فيزيد فيه او ينقص. ولهذا قال اي يحفظونه بامر الله آآ ليعلم بذلك ان قد ابلغوا رسالات ربهم بما جعله لهم من الاسباب. واحاط بما لديهم اي بما عندهم قم وما اسروه وما اعلنوه. وفي هذه السورة فوائد كثيرة منها وجود الجن وانهم مكلفون مأمورون مكلفون منهيون. مجازون باعمالهم كما هو صريح في هذه السورة. ومن منها ان رسول الله صلى الله عليه وسلم رسول الى الجن كما هو رسول الى الانس فان الله صرف نفر الجن ليستمع ما يوحى اليه بلغوا قومهم ومنها ذكاء الجن ومعرفتهم بالحق. وان الذي ساقهم الى الايمان هو ما تحققوه من هداية القرآن. وحسن بهم في خطابهم ومنها اعتناء الله برسوله وحفظه لما جاء به. فحين ابتدأت بشائر نبوته والسماء محروسة بالنجوم والشياطين قد هربت عن اماكنها وازعجت عن مراصدها. وان الله رحم به الارض واهلها رحمة ما يقدر لها قدر. واراد بهم ربهم رشد فاراد ان يظهر من دينه وشرعه ومعرفته في الارض ما تبتهج له القلوب وتفرح به اولو الالباب وتظهر به شعائر الاسلام وينقمع به اهل الاوثان والاصنام. ومنها شدة حرص الجن لاستماع الرسول صلى الله عليه وسلم. وتراكمهم عليه. ومنها ان هذه السورة قد اشتملت على الامر بالتوحيد والنهي عن الشرك. وبينت حالة الخلق وان كل احد منهم لا يستحق من العبادة مثقال ذرة. لان رسول محمدا صلى الله عليه وسلم. اذا كان لا يملك لاحد نفعا ولا ضرا بل ولا يملك لنفسه. علم ان الخلق كلهم كذلك. فمن والغلط اتخاذ من هذا وصفه الها اخر مع الله. ومنها ان علوم الغيب قد انفرد الله بعلمها فلا يعلمها احد من الخلق الى من ارتضاه الله وخصه بعلم شيء منها