يسر فريق مشروع كبار العلماء ان يقدم لكم قراءة كتاب. رسالة في الحث على اجتماع كلمة المسلمين وذم التفرق والاختلاف. رسالة في الحث على اجتماع كلمة المسلمين وذم التفرق والاختلاف. تأليف الشيخ العلامة عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله. بسم الله الرحمن الرحيم. وبه استعين وعليه اتوكل الحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد واله وصحبه اجمعين. اما بعد فان الله تعالى خلق خلقه من العدم واوجدهم بعد ان لم يكونوا شيئا مذكورا ليعبدوه وحده لا شريك له ويطيعوه ويتقوه. ومدار ذكره ومرجعه على اداء حقوقه وحقوق عباده اللازمة والمستحبة التي شرعها في كتابه وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم. وهي شعب كثيرة واقسام فمنها ما هو اصول ومنها ما هو احكام ومنها ما هو قواعد كلية تندرج تحت كثير من الاحكام الجزئية ومنها مقاصد ومطالب ومنها ما هو موصل اليها. وكلها ترجع الى تحصيل المصالح وتكميلها. وتعطيل للمفاسد وتقليلها. فمن اعظم الاوامر الالهية والشرائع السماوية والوصايا النبوية الاعتصام بحبل الله جميعا واتفاق كلمة المسلمين واجتماعهم وائتلافهم. والحث على هذا بكل طريق موصل اليه من الاعمال والاقوال والتعاون على ذلك قولا وفعلا. والنهي عن التفرق والاختلاف وتشتيت شمل المسلمين زجروا عن جميع الطرق الموصلة اليه بحسب القدرة والامكان. وقد دل على هذا الاصل العظيم الكتاب والسنة واجماع الانبياء والمرسلين واتباعهم الى يوم الدين. قال تعالى امرا عباده بالتمسك بحبله الذي هو دينه والاجتماع عليه ناهيا عن التفرق والاختلاف ممتنا على عباده بتوفيقه لهم لذلك. يا ايها الذين امنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن الا وانتم مسلمون. واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا. واذكروا نعمة الله عليكم اذ كنتم اعداء فالف بين قلوبكم فاصبحتم بنعمته اخوانا. وقال تعالى ناهيا عن في التنازع والاختلاف مخبرا انه سبب للفشل وعدم النصر على الاعداء. ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحك وقال مذكرا عباده بنعمته التي لا يقدر عليها الا العزيز الحكيم. والف بين قلوبهم لو انفقت ما في الارض جميعا ما الفت بين قلوبهم ولكن الله الف بينهم وقال ذا من المنافقين بتباغضهم وتفرق قلوبهم ولو اجتمعت اجسامهم تحسبهم هم جميعا وقلوبهم شتى. وقال جل جلاله ممتنا على رسوله بلينه للمخالطين الداعي اليفهم واجتماعهم وعدم تفرقهم. فبما رحمة من الله لنت لهم. ولو كنت فظا القلب لانفضوا من حولك. ووصف الله المؤمنين بانهم رحماء بينهم ووصف رسوله بانه رؤوف رحيم. وقال لقد كان لكم في رسول الله اسوة حسنة وقال تعالى وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الاثم والعدوان. ومن اعظم البر السعي في جمع كلمة المسلمين واتفاقهم بكل طريق. كما ان السعي في تفريق كلمة المسلمين من اعظم التعاون على الاثم عدوان وقد قص الله علينا في كتابه سيرة الرسل الذين بعثهم لتبليغ رسالاته. وذكر نصحه هم لاممهم وحرصهم على اجتماعهم على الاسلام ونهيهم عن التفرق والاختلاف مما هو كثير في القلوب قرآن وكذلك النبي صلى الله عليه وسلم قد ابدى في هذا الاصل واعاد. وامر باجتماع العباد ونهى عن التفرق المفضي الى الفساد. فقال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه لا حسدوا ولا تناجشوا ولا تباغضوا ولا تدابروا. وكونوا عباد الله اخوانا. المسلم اخو المسلم ايظلمه ولا يخذله ولا يكذبه. وفي صحيح مسلم عن تميم الداري انه قال سمعت رسول الله صلى الله الله عليه وسلم يقول الدين النصيحة. قلنا لمن يا رسول الله؟ قال لله ولكتابه لرسوله ولائمة المسلمين وعامتهم. ومن اعظم النصيحة للمسلمين السعي في تأليف قلوبهم واجتماعهم ونهيهم عن التفرق. وقال صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه للانصار منبها لهم الله عليهم بهدايتهم واجتماعهم وغناهم بسببه. يا معشر الانصار الم اجدكم ضلالا فهداكم الله بي متفرقين فجمعكم الله بي عالة فاغناكم الله بي كلما قال شيئا قالوا الله الله ورسوله امن. وقال النبي صلى الله عليه وسلم محذرا لاصحابه عن تبليغه الكلام المغير للقلوب لا يبلغني احد عن احد شيئا. فاني احب ان اخرج اليكم وانا سليم الصدر. وقال لما شاوره بعض اصحابه به في قتل بعض المنافقين لا يتحدث الناس ان محمدا يقتل اصحابه. اي لما فيه من التنفير عن الاسلام لمن لم يسلم فتركهم وهم مستحقون للقتل تأليفا. وكان صلى الله عليه وسلم يوصي من يبعثه للدعاية بدين الاسلام وتعليم الشرائع فيقول بشروا ولا تنفروا ويسروا ولا تعسروا وتطاوعوا ولا تختلفوا وقال ولا تختلفوا فتختلف قلوبكم. فاخبر ان الاختلاف الظاهر سبب لاختلاف الباطن وقال صلى الله عليه وسلم انما اهلك الذين من قبلكم كثرة مسائلهم واختلافهم على انبيائهم وكل هذه الاحاديث في الصحيح. وتواتر عنه صلى الله عليه وسلم النهي عن الخروج على ولاة الامور والسمع والطاعة لهم وان ظلموا وعصوا. وما ذاك الا لما في الخروج عليهم من الشر العظيم. وقد امر الله رسوله باجتماع المسلمين في كثير من العبادات كالحج والاعياد والجمعة والجماعة. لما في اجتماعهم من التوادد تواصل وعدم التقاطع. ونهى الله ورسوله عن الغيبة والنميمة والسعاية والتقاطع والخيانة والحسد والحقد ونحوها لما فيها من الفساد وتشتت العباد. وامر بالاصلاح بين الناس بكل طريق. حتى انه اباح الكذب المتوصل به للاصلاح لما فيه من الصلاح. وبالجملة فمن تأمل سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم في معاملاته للخلق مسلمهم وكافرهم قريبهم وبعيدهم من لين الجانب والسماحة التامة والخلق العظيم العفو عن اهل الجرائم وتأليف الخلق للدخول في دين الاسلام واعطاء المؤلفة قلوبهم ليسلموا ويقوى ايمانهم هم وتركه كل ما فيه تنفير. حتى انه صلى الله عليه وسلم يترك الافضل الاكمل ويفعل ما دونه مراعاة لقلوب الخلق وقد كان هم في بنيان الكعبة على قواعد ابراهيم فقال لعائشة لولا ان قومك حديث عهد بجاهلية لنقضت الكعبة وجعلتها على قواعد ابراهيم. فمن تأمل هذا عرف انه صلى الله عليه وسلم بعث بالحنيفية السمحة. فاذا علمت ذلك عرفت ان من اهم قواعد الدين واجله شرائع المرسلين النصيحة لكافة الامة. والسعي في جمع كلمة المسلمين. وحصول التآلف بينهم وازالة ما بينهم من التباغض والتشاحن والاحن. وان هذا الاصل من اعظم معروف يؤمر به واضاعته من اعظم منكر ينهى عنه. وان هذا من فروض الاعيان اللازمة لكل الامة علمائها وولاتها وعوامها بل هي قاعدة لا يتم الايمان الا بها. فتجب مراعاتها علما وعملا. وانما كان الامر وكذلك لما في ذلك من المصالح الدينية والدنيوية التي لا يمكن حصرها. وفي اضاعته من المضار الدينية والدنيوية ما لا يمكن عدها. فلذلك عقدت لهذا فصلين. فصل في في بعض مفاسد الاختلاف والتنازع والتباغض والتهاجر ومضارها. لا يستريب عاقل ان الله تبارك وتعالى لم ينهنا عن امر من الامور الا وفيه من المفاسد العامة والخاصة ما اوجبته حكمته ورحمته. فاول قاري التشاحن والتباغض والاختلاف اضاعة هذا الاصل العظيم. ومعصيته الله ورسوله الموجب للعقاب حرمان الثواب ونقصان الايمان. وحصول الحسرة والخسران. واهمال ما دلت عليه الايات القرآنية والاحاديث النبوية ومنها ما يترتب عليها من الاقتتال والاختصام والموالاة والمعاداة التي تجعل المسلمين فراقا كل فريق يريد نصرة قوله بحق او باطل. فيحصل بذلك من ارتكاب الخطأ والضلال والهوى من المفاسد العامة والخاصة خاصة ما لا يعلمه الا الله. ويترتب على ذلك ترك الحق الذي مع المنازع نصرة للهوى. وبغضا للشخص الذي جاء به فيوجب له بغض ما معه من الحق. ويحصل بسبب ذلك من الغيبة والنميمة والسعاية ما هو من اكبر المعاصي ويتحير مريد الهدى حسن القصد اذا كان قليل البصيرة فلا يهتدي لسبيله. ولا يدري اي الطائفتين اتبعه في قيله ويجد سيء القصد المتبع لهواه مجالا يجول فيه باعراض العلماء والصالحين وولاة امور المسلمين فينتسب بقوله لطائفة ويتلبس بلباسها على قلب منافق مكار مخادع. فيتوصل بذلك الى قاصده الخبيثة. ويبذر في قلوب من انتسب اليهم ما يقدر عليه من البذور التي تنتج الخزي والفظيحة وليس الاسف على هلاك من هذا شأنه وهذا غاية قصده فانه بسبيل من هلك وانما الاسف كل الاسف لمن يلقي اليه سمعه ويمكنه من قلبه ولبه. ويصغي اليه ظانا نصحه وهو في الحقيقة اكبر عدو غاش هذا بعض ما انتجه الاختلاف. ومنها انه يستدرج بالمفترقين الى المباعدة والمهاجرة. حتى لا تعلم بعضهم من بعض ولا ينصح بعضهم بعضا. فيضيع من المصالح التي هم بصددها لو كانوا مجتمعين ما هو من اهم من الواجبات واكبر القربات واجل الطاعات. الى غير ذلك من طمع اعدائهم بهم لتفرق كلمتهم وتشتت امرهم فصل في فوائد اتفاق المسلمين وتحابهم والسعي في ذلك. وهذا هو المطلوب المقصود الذي الذي جرى الكلام لاجله وهو المقصد الذي فيه يرغب المصلحون. واليه شمر المشمرون وبه تنافس المتنافسون ولمثله فليعمل العاملون. لما اشتمل عليه من المصالح العظيمة والمهمات الجسيمة. وبالجملة فجميع المفاسد التي ذكرت والتي لم تذكر في مفاسد التهاجر والتباغض والتدابر بهذا الامر تزول. وتصل بصاحبها الى كل خير وتؤول. فبه تحصل الخيرات وتنزل البركات. وتستجاب الدعوات وتبدل السيئات الحسنات وباتفاق كلمة المسلمين يجتمع شمل الدين. ويحصل لهم بذلك في الارض العز والتمكين. وبه يزيد الاسلام والايمان. لان الايمان عند اهل السنة والجماعة قول وعمل. يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية والسعي في هذا من اكبر الطاعات. فيزيد به الايمان درجات. وبالتآلف والاجتماع يحصل التعاون على جميع خصال البر والتقوى والخير. قال تعالى لا خير في كثير من نجواهم الا من امر بصدقة او معروف او اصلاح بين الناس. وقال النبي صلى الله عليه وسلم الا اخبركم بافضل من درجة الصيام والقيام والصدقة قالوا بلى يا رسول الله. قال اصلاح ذات البين. فان فساد ذات من بين هي الحالقة. وفي رواية لا اقول حالقة الشعر ولكن حالقة الدين. فاي درجة اعظم من هذه الدرجة التي زاد بها على امهات الفضائل الصلاة والصيام والصدقة. وقال النبي صلى الله عليه وسلم والله اتدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا. افلا اخبركم بشيء اذا فعلتموه تحاببتم السلام بينكم. فرتب صلى الله عليه وسلم دخول الجنة على وجود الايمان. ورتب وجود الايمان على حصوله التحاب الذي هو سبب الائتلاف. ونبه على الدواء لهذا بافشاء السلام لان لين الكلام الذي من اجله افشاء سلام من اكبر الدواعي لذلك. فصل اذا علم هذا فالواجب على المسلمين عموما وعلى اهل العلم خصوصا ان يسعوا في هذا الامر. ويتحملوا من اجله المشاق ويبذلوا جهدهم وطاقتهم في حصول التواجد وعدم التقاطع والتهاجر. ويرغب غيرهم فيه امتثالا لامر الله وسعيا في محبوبه. وطلبا للزلفة لديه انفسهم على ما ينالهم من الناس من الاذية القولية والفعلية. مع انها ستنقلب ان شاء الله ومواصلة دينية. ويقابلون المسيء اليهم بالعفو عنه والصفح وسلامة النفس. ولا يعاملونه بما عاملهم به. بل اذا عاملهم بالبغض عاملوه بالمحبة. وان عاملهم بالاذى عاملوه بالاحسان. وان عامله هم بالهجر وترك السلام عاملوه ببذل السلام والبشاشة ولين الكلام والدعاء له بظهر الغيب. ولا يطيعوا انفسهم الامارة بالسوء بمعاملته من جنس ما عاملهم به. فليست هذه حالة الانبياء واتباعهم. بل حالهم العفو صفحوا عن اهل الجرائم. كما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم عن حال النبي الذي ضربه قومه حين دعاهم الى الله حتى ادموه فجعل يمسح الدم عن وجهه ويقول اللهم اغفر لقومي فانهم لا يعلمون. هذا والله الفخر امن الذي يبني لصاحبه في الدنيا الثناء الجميل. وفي الاخرة الثواب الجزيل. قال تعالى ولا يجرمنكم شنآن قوم من ان صدوكم عن المسجد الحرام ان تعتدوا. ويحث على مقابلة المسيء بالعفو في قوله تعالى ولئن ان صبرتم لهو خير للصابرين. وان تعفو اقرب للتقوى. فمن عفا واصلح فاجره على الله ولمن صبر وغفران ذلك لمن عزم الامور. فاذا وفق المسلمون لهذه حالة جمع الله شملهم والف بين قلوبهم وهداهم سبل السلام. واخرجهم من ظلمات الجهل والظلم والضلال الى نور العلم والعدل والايمان. ويجب عليهم اذا رأوا صاحب هوى يريد ان يشق عصا المسلمين ويفرج فرق بينهم لنيل غرض من اغراضه الفاسدة ان يقمعوه وينصحوه ولا يلتفتوا لقوله. فان من هذا حاله اكبر الاعداء وان يحرصوا غاية الحرص على ستر عورات المسلمين وعدم تتبعها. خصوصا ما يصدر من رؤساء الدين والعلماء وطلبته العلم الذين لهم الحق الاكبر على جميع المسلمين بما قاموا به من علم الشرع وتعليمه. الذين لولاهم ما عرف الناس امر دينهم ومعاملاتهم. فلولاهم لم يعرفوا كيف يصلون ويزكون ويصومون ويحجون. بل لا يعرفون يبيعون ويشترون. بل لولاهم لكان الناس كالبهائم. لا يعرفون معروفا ولا ينكرون منكرا ولا عرفوا حلالا ولا حراما. فالواجب على المسلمين احترامهم وكف الشر عنهم. وقمع من يريدهم باذى والتغاضي مما يصدر منهم بستره وعدم نشره. لان نشره فساد عريض. واعلم ان للخير والشر علامات يعرف بها العبد فعلامة سعادة الانسان ان تراه قاصدا للخير لكافة المسلمين. حريصا على هدايتهم ونصيحتهم بما يقدر عليه من انواع النصح مؤثرا لستر عوراتهم وعدم اشاعتها. قاصدا بذلك وجه الله والدار الاخرة وعلامة شقاوة العبد ان تراه يسعى بين الناس بالغيبة والنميمة ويتتبع عثراتهم ويتطلع او على عوراتهم. فاذا سمع بشيء صدر منهم من المكروه اشاعه واذاعه. بل ربما نشر معه شرحا من ابتداعه فهذا العبد بشر المنازل عند الله. مقيت عنده متعرض لمساخطه. يوشك ان يفضحه في دنياه قبل اخراه ان لم يتدارك نفسه بالتوبة النصوح وتبديل السيئات بالحسنات. فحقيق بمن لنفسه عنده قيمة ان يربأ به عن هذه الخصلة الذميمة. ويتأمل معنى قوله صلى الله عليه وسلم من ستر مسلما ستره الله في الدنيا والاخرة وقوله صلى الله عليه وسلم يا معشر من امن بلسانه ولم يدخل الايمان قلبه لا تؤذوا المسلمين ولا تتبعوا عوراتهم فانه من يتبع عورة اخيه يتبع الله عورته. ومن يتبع الله عورته يفضحه ولو في جوفه في بيته. هذا الوعيد الشديد في عموم المسلمين. واما العلماء والصالحون فالوقوع بهم اقبح واقبح. وهو على قامة على معاداة الله ومحاربته. لان الله قال على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم من عادى لي وليا فقد اتاه اذنته بالحرب. وقد قال بعض السلف ان لم يكونوا العلماء اولياء الله فلا ادري من هم اولياؤه فرحمه الله فان ولاية الله انما تنال بحسب قيام العبد باوامر الله تعالى. ولاهل العلم من هذا اكبر ونصيب فانه لا يكاد ينال العبد طرفا من العلم يصير فيه رئيسا حتى يجتهد ويجد ويمضي عليه زمن طويل وهو متجرد لطلب العلم. تاركا لما عليه اهل الدنيا مستغرقا لاكثر اوقاته واشرف ساعاته. بالاشتغال طالب العلم الذي هو بنفسه اجل الطاعات. وهو احرى بولاية الله من غيرهم. فكيف يمكن بالقدح فيهم ان غلبت عليه الشقاوة وافنى زمانه بالقيل والقال. ولم يضرب مع الصالحين بسهم من نفائس الاعمال. فلا تراه باحثا عن امر دينه ولا مجالسا للعلماء على وجه الاستفادة منهم. بل لو سئل عن ادنى مسألة من امر دينه لم ينطق ببنت شفه ومع هذا فقد اطلق لسانه بسلب العلماء واهل الدين. زاعما فيما قاله انه مصيب. نعم قد اصاب اهل الشر والتحق بالحيوانات الخسيسة التي تترك الاطعمة الطيبة. وتذهب الى الجيفة ونحوها من الاطعمة الخسيسة لتركه المحاسن واقباله على ما ظنه مساوئ. وانحرف عن طريق اهل الخير فليس بكفئ ان يذكر معهم وانما يذكر لان لا يغتر به المغترون ويقع بشبكته الجاهلون. ولعله ان يرتدع ويتوب ويقلع الى ربه وينيب. فليس على طريق التوبة حجاب. ولا ذنب الا وراءه مغفرة الملك الوهاب. لمن تاب وانا فصل ومن اعظم ما يجب الاعتناء به على اهل العلم الا يجعلوا الاختلاف بينهم في المسائل الدينية التي لا يخرج المخالف فيها الى البدع او الشرك سببا وداعيا الى التفرق وتشتيت القلوب موجبا للقدح والطعن بسببها والموالاة والمعاداة عليها. فان هذا ظلم وتعد لا يحل باجماع المسلمين فما زال السلف الصالح من الصحابة والتابعين فمن بعدهم يختلفون في مسائل الدين. ولا ينكر بعضهم على بعض ولا يوجب بعضهم على بعض ان يتبعه والا ضلله. فان هذه مرتبة لا تصلح الا للرسل. فهم الذين يضلل مخالفهم واما من عاداهم فلم تضمن له العصمة. ومن رحمة الله بعباده ان جعل اختلاف هذه الامة رحمة المصيبة ويعفو عن المخطئ. واتفاقهم حجة ونجاة وعصمة. فالواجب على اهل العلم ان يبذلوا جهدهم بتحري الحق والصواب والا يضللوا المخالف لهم مهما اخطأ او اصاب. وهذا في جميع المسائل التي تعارضت فيها اقوال في الامة بحسب ما اداهم اليه اجتهادهم. وذلك مثل من يرى ان الماء لا ينجس الا بالتغير بالنجاسة. لا يجوز له القدح في من يرى ان ما لم يبلغ قلتين ينجس بمجرد الملاقاة وبالعكس. وكذلك من يرى ان الماء المستعمل في رفعه في الحدث يصير طاهرا غير مطهر. لا يضلل من يراه طاهرا مطهرا. وبالعكس ولا من يرى ان الصلاة في الثوب ناسيا تعاد على من لا يرى الاعادة وبالعكس. ولا من يرى وجوب صوم ليلة الثلاثين من شعبان في الغيم على من يرى احباب الفطر او اباحته ولا بالعكس. ولا من يبيح فعل النوافل ذوات الاسباب في اوقات النهي على من يمنعها وبالعكس وامثال هذه المسائل التي لم يزل الخلاف فيها بين السلف والى الان. فلا يحل لمن يرى احد القولين فيها ان ينكر على غيره على وجه القدح به. فان هذا ظلم لا يجوز. بل وظيفة اهل العلم في مثل هذه المسائل للخلافية ان يبينوا ما يرون انه الصحيح. بحسب قدرتهم بالدليل الشرعي الذي هو الكتاب والسنة والاجماع اعتبار بالقياس والحكم وضعف العقل بالدليل الشرعي. وان يردعوا من جعل هذا الخلاف سلما للاختلاف. لانه بعيد عن انصاف نعم ان ظهر من احد من اهل العلم مخالفة بينة لدليل شرعي صريح فانه يجب نصحه ويبين له الدليل الشرعي باقرب الطرق. ولا يجعل تأنيبه او غيبته في المجالس بدلا من نصحه. فليست هذه طريقة ثقة اهل الانصاف. بل طريقتهم النصيحة سرا وعدم اشاعة الفاحشة. وبالجملة فالواجب على اهل العلم وغيرهم السعي في معرفة الحق والاجتهاد في تنفيذه والعمل به والتعاون على ذلك. وان يحب احدهم لاخيه ما يحب لنفسه سواء وافقه او خالفه. فكما انه اذا وقع منه خطأ وزلل لم يحب اطلاع احد ان عليه بل يحرص على ستر نفسه فكذلك ينبغي ان ينزل اخاه منه بهذه المنزلة. وان يحمل ما يصدر منه على احسن محمل فان الجزاء من جنس العمل. فمن كان عمله مع اخوانه هكذا ستر الله عليه باسباب واسباب لا يعلمها. سترا لا يحصل لمن لم يكن بهذه المثابة. فكما تدين تدان جزاء وفاقا فنسأل الله ان يوفقنا واخواننا المسلمين لما يحبه ويرضاه. وان يصلح احوال المسلمين ويؤلف بين قلوبهم ويهديهم سبل السلام والحمد لله رب العالمين. وصلى الله على محمد وسلم. فائدة مهمة اعلم انه ينبغي للمعلم ان يفتح للمتعلمين باب البحث والمراجعة. والانتقاء في المسائل العلمية فان في ذلك من المصالح الدينية ما لا يدخل تحت الحصر. فمنها ان ذلك من باب التعاون على البر والتقوى لان مصالح الدارين لا تتم الا بالتعاون عليها. فالمسائل العلمية لا تتم الا بذلك. وهي بدونه في غاية النقص. ومنها ان ذلك يوجب لهم التهذب والتدرب على المعارضة والاستدلال والترجيح والتضعيف. فتتقد بذلك افكارهم. ويحصل لهم ملكة يقتدرون بها على الايراد والجواب. فبالامتحان تنصقل الاذهان. ومنها ان في اهمال المعلم لهذا وجبل المتعلمين على تلقي جميع ما يقوله بالقبول وعدم المعارضة له فيما تحققوا وظنوا او شكوا فيه فيه غلقا لباب الفائدة للمعلم والمتعلم اما المتعلم فظاهر. فانه اذا لم يعارض ويبحث لم يهتدي الى الصواب. الا في المسائل الواضحة البسيطة واما المسائل التي تحتاج الى تحرير وتقرير وجواب وايراد. فبابها عليه مسدود. بل ربما ان المتعلم الذي قد تقررت عنده المسألة على صوابها اذا رأى معلمه قد خالف ما عنده ولم تحصل منه المباحثة كورة قد يشك فيما علمه او يعتقد خلاف ما ظنه من الصواب كما هو الواقع. وهذه الحالة اذا استمرت عليها المتعلمون خمدت اذهانهم وافكارهم. فيكون الذكي الفطن جامد الذهن خالي القريحة. وذلك ان ان القوة المفكرة اذا لم تشتغل بالتفكر والتذكر واعمالها فيما هي مهيئة له بطل عملها. بمنزلة بقية الجوارح التي اذا توالى عليها السكون والكسل لم تنفع صاحبها واسرع اليها الفساد. فاذا اعملت فيما هي مستعدة له ترتبت وازدادت وترقت على الدوام. واما غلقه لباب الفائدة عن المعلم اظهر واظهر فانه يسد على نفسه ابوابا وطرقا من الخير قد كان يمكنه تحصيلها باسهل شيء انه اذا حصلت المباحثة والمراجعة المذكورة بينه وبين المتعلمين لم يعدم بذلك ان يستفيد منهم علما حادثا او يتذكر علما منسيا او يتضح له ما كان مشكلا او يتوقف بسبب ذلك عن قول كان يجزم به على خلاف الصواب. ومنها انه يوجب له التيقظ والاحتراز فيما يقوله وينقله. فانه اذا اعلم انه اذا قال قولا او نقل شيئا لم يعارض ولم يوقف بوجهه. بل يقبل على اي وجه كان تساهل في ذلك فقال ونقل ما اتفق له غير مراع للصواب. فيحصل منه الخطأ والغلط شيء كثير. واذا علم انه يعاقب تنبه وتحرز وتحرى في قوله ونقله بحسب قدرته. ومنها انه يوجب له كثرة المطالعة والبحث والتفتيش والتنبه لكل ما يخطر بباله انه سيتكلم به. ومنها انه يتحسن ذلك خلقه. ويصير له ملكة لتحمل ما يرد عليه من الاعتراضات. فان صاحب المنصب العالي على غير الذي يرد غيره تبعا له لا يكاد يتحمل ممن دونه اذا عارضه. بل منصبه يوجب له النفرة من الاعتراض عليه ممن هو فمثله او فوقه. فكيف بمن هو دونه فيخاف عليه لسبب ذلك من رد الحق ونصر الباطل الذي ويغلب هذا السبب ما هو عليه من الديانة كما هو مشاهد. ولهذا من ادب المعارض لمن هذه حاجة اذا استبان للمعارض ان الصواب معه الا يكون ذلك بصورة المعارضة. بل بصورة السؤال والاسترشاد تنبيه على الصواب بالطف الطرق التي توجب القبول. فاذا وطن نفسه على حصول المعارضة وعدم المبالاة بها بل الحرص عليها واوعز للمتعلمين ان يعارضوه بما يرون انه معارض لقوله تدرب بذلك وصار له هلكات قوية على ذلك. بحيث لا يبالي بالمعارضة من صغير وكبير. بل قد تراه يقول القول في الملأ جازما ثم يظهر له عكس ما جزم به فيبديه غير خجل ولا مكترث. بل قصده الوصول الى الحق والنصيحة للخلق وحبذا حالة توصل العبد الى هذا الخلق الذي لا يلقاه الا ذو حظ عظيم. ومنها ان تعلم اذا هذب المتعلمين على هذه الطريقة الحسنة او غيرها من الطرق الحسنة صار سببا لاستمرار هذه الحال في من تعلم منهم وتربى بهم. لانهم يربونه على ما تربوا عليه. فيحصل له من الخير ما لا يعلمه الا الله منها انه يعرف بذلك مراتبهم ودرجاتهم في التحصيل. ومعرفة مراتب الناس من اهم الامور. خصوصا من له التدبير فيهم فانه يحتاج بل يضطر الى ذلك لاجل عمله فيهم. لان عمله لا يتم الا بتنزيلهم منازلهم اعطاء كل ما يستحقه. ومنها ان ذلك يوجب الثقة بقوله لان من وفق لهذه الحالة وفق صواب. واما من سد على نفسه هذا الباب فقد حصل على غاية الحرمان من العلم والعمل والثواب والخطر العظيم بسبب سوء الخلق الذي يؤثر ما يؤثر. وسوء التعليم وقلة النتيجة وعدم النصيحة التي هي اس التعليم بل اس كل عمل. والاعجاب بالنفس وعدم الثقة بقوله وغير ذلك. فنسأل الله توفيقا يوفقنا الى الصواب ويصرفنا عن كل شر تم الكتاب والحمدلله على يد معلقه الفقير الى الله عبدالرحمن بن ناصر بن عبدالله غفر الله له ولوالديه ولجميع المسلمين اللهم صل على محمد وسلم