في اعانة اخوانه المسلمين في ماله او بدنه وقوله وفعله. بل زهدا في مصالح نفسه الحقيقية. قال تعالى انا ان تكونوا تألمون فانهم يألمون كما تألمون. وترجون من الله ما لا يرجون المكتبة الصوتية للعلامة الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله بسم الله الرحمن الرحيم. الحمدلله وصلى الله على محمد وعلى اله وصحبه وسلم تسليما. الجهاد في سبيل الله او واجب المسلمين. وما فرضه الله عليهم في كتابه نحو دينهم وهيئتهم الاجتماعية. قد اوجب الله على المؤمنين الجهاد في سبيله. والاعتصام بدينه الذي هو حبله والدعوة الى ذلك والالفة والاجتماع والتعاون على الخير والبر والتقوى. والاستعانة بالله في جميع امورهم وقوة التوكل عليه. والقيام بالمستطاع المقدور عليه من الدين والتقوى. وتعلم ما يحتاجون اليه في في امور دينهم ودنياهم من العلوم والفنون النافعة. التي يحصل بها قيام الدين والامة. والتمرن على القوة المعنوية والشجاعة الايمانية وبالاسباب المقوية للايمان كلها. وبالدعوة الى سبيله بالحكمة والموعظة اخوتي الحسنة ومجادلة المبطلين والضالين بالتي هي احسن. والجهاد في الله حق جهاده فهذه الاوامر الالهية في القرآن في مواضع كثيرة. وكلها داخلة في الجهاد في سبيله. لان معنى الجهاد في سبيل لله بذل المجهود في تقوية المسلمين تقوية معنوية وتقوية مادية. وبذل المجهود في مقاومة وفي سلوك كل طريق يحصل به دفع شرهم والنكاية بهم. فعلى هذا يكون مجموع اصول الجهاد نوعين احدهما السعي الحثيث في تقوية المسلمين. والسعي في ازالة الضغائن والعداوات الواقعة بين وجماعاتهم وحكوماتهم بالدعايات والمواعظ المناسبة للحال. وان يكون صوت المسلمين واحدا يتكلم ويدعو اليه العلماء والكبراء وجميع طبقات الناس كلهم. يتفقون لهذه الدعوة بحسب امكانهم ومما يسهل عليهم هذا الامر مع صعوبته في بادئ الامر ان يعلموا ان هذا السعي والدعوة الى جمع المسلمين والى اصلاح ذات بينهم هو افضل الاعمال. وانه افضل من استغراق الزمان بالصوم والصلاة. وانه من اعظم واجل الجهاد في سبيل الله. فان اصل الجهاد الذي لا يستقيم الا به اتفاق الكلمة وارتباط المسلمين بالاخوة الدينية نية ارتباطا وثيقا. قال تعالى انما المؤمنون اخوة فاصلحوا بين اخويكم وبه يحصل اسباب النصر. قال تعالى هو الذي ايدك بنصره وبالمؤمنين. والف بين قلوبهم لو انفقت ما في الارض جميعا ما الفت بين قلوبهم ولكن الله الف بينهم فبين انه يجب على المؤمنين الارتباط بالاخوة الدينية وان تحقيق هذا الامر من مقتضيات الايمان وشروطه وانه كلما قوي ايمان العبد عرف مقدار نفع هذا الامر وعمل واجتهد عليه. وان الله نصر نبيه بامرين امر سماوي وهو نصره الذي ينزله على المتقين القائمين بدينهم وامر معنوي وهو اجتماع المسلمين وتآلف قلوبهم وحصول التحاب الذي يوجب لكل منهم ان يرى مصلحته ومصلحة اخوانه في واحدة والغاية واحدة. فالواجب على جميع طبقات الامة لا سيما الرؤساء رؤساء الدين ورؤساء الدنيا ان يجاهدوا انفسهم واخوانهم المسلمين لتحقيق الاخوة الايمانية. واذا سلكت طرقه وابوابه التي تسهله. وشعر كل واحد بما يجب عليه لربه ودينه ولاخوانه. واستعانوا بالله ولم يخلدوا الى الكسل والخور واليأس افلحوا. فان هذين الامرين اعظم الموانع لحصول المصالح ودفع المضار. فان سلوى الخبر ينافي الرغبة في الدين. وينافي الجهاد الحقيقي. واما اليأس من حصول المصالح ومن دفع المضار فانه هلاك بعينه. وهل اخر المسلمين عن الامم الا تفرقهم وكسلهم؟ وجبنهم وخبرهم ويأسهم من القيام بشؤونهم حتى صاروا بذلك عالة على غيرهم. ودينهم قد حذرهم عن هذه الامور اشد التحذير وامرهم ان يكونوا في مقدمة الخلق في القوة والشجاعة والصبر. والملازمة للسعي في كل امر نافع. والعفو الحزم والحزم والرجاء وحسن الثقة بالله في تحقيق مطالبهم. والدواعي لهم في ذلك متوفرة. فان ورد السعي في ذلك بحسب الامكان من افضل الاعمال المقربة الى الله. والقوة الايمانية والاخوة الدينية هو وجوب النصيحة وارتقاب مواعيد المولى الصادقة التي لا تتخلف عن اسبابها. حيث وعد المؤمنين القائمين بحقوق الايمان بالعون والنصر والتسديد والتأييد. كل واحد من هذه الامور يكفي وحده في حث المؤمنين على القيام بشؤونهم ومصالحهم الكلية. فكيف وهي كلها حاصلة؟ ثم ان الكسلان الذي ملكه الخبر واليأس. اي شيء يرتقب واي خير ينتظر؟ اليس الوهن والضعف والجبن اكبر سلاح للاعداء وهي الطريق الوحيد للذل والاهانة والسقوط الى اسفل سافلين من تسفل النفس وهبوطها الاخلاق فاين الانفة النفسية؟ واين الحمية الدينية؟ واين الشهامة الانسانية؟ فوالله ان موت هؤلاء خير من حياتهم حياة الذل وموتى الاخلاق الطيبة. اليس هذا ميراثا تلقوه عن المنافقين الذين قال الله عنهم واذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله الا غرورا. اين فهؤلاء ممن قال فيهم وفي نفوسهم الجميلة والجليلة من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر. وما بدلوا تبديلا. ولكل قوم وارث فقد ورثهم في الارض رجال من المؤمنين من ملوكهم ورؤسائهم وعلمائهم واشرافهم وذوي النجدات منهم ما عاهدوا الله عليه. حيث عاهدوا ربهم على التمسك بدينه والقيام به اتم القيام والجهاد في سبيله. فمنهم لنفسه ومنهم الباذل لماله. ومنهم الحاث لاخوانه المسلمين على القيام بما يقدرون عليه ومنهم الساعي بينهم بالنصيحة والتأليف. ومنهم المنشط للمؤمنين بقوله وماله وجاهه. ومنه هم الفذ الجامع لذلك كله. فهؤلاء رجالات المؤمنين وخيار المسلمين. الذين بهم قام الدين وبه قاموا. وهم الرواسي في ايمانهم وجهادهم. ولا يردهم عن مرادهم راد. ولا يصدهم عن مضي في سبيلهم صاد. لا تزعزعهم الحوادث. ولا تفزعهم الكوارث. تتوالى عليهم المصائب لها ثبوت الجبال. وتنتابهم الاهوال المفظعة فيتلقونها بصدور منشرحة. وانفس مطمئنة فعل الكمل من الرجال. فواها لهؤلاء الابطال ما اعلى قدرهم. ولله درهم ما اعظم ثوابهم واجزل اجرهم ومما يجب على المؤمنين ان يحذروا غاية الحذر من المخذلين المرجفين. ومن المفسدين بينهم في السعي في الفتن والتفريق بينهم. ان هؤلاء اضر عليهم من العدو المحارب. قال تعالى في وصف امثال هؤلاء لو خرج نوفيكم ما زادوكم الا خبالا ولاوضعوا خلالكم يبغونكم الفتنة وفيكم سماعون لهم مستجيبون لهؤلاء المفسدين. لا يفهمون مغزى مرادهم فيغترون بهم. فتحصل الفرقة بين المؤمنين فعلى المؤمنين ان ينتبهوا لهؤلاء المفسدين وعلى المسلمين ايضا الا يجعلوا الاختلاف بينهم في الاقوال والمذاهب في الملك والسياسات والاغراض الشخصية حائلا يحول بينهم وبين تحقيق الاخوة الدينية والرابطة الايمانية بل يجعلون الخلافات كلها والاغراض الجزئية تبعا لهذا الاصل الكبير. لان مصلحة ذلك الكلية وما يطلبهم دينهم منهم من الوحدة والالفة وما يمنعهم منه من التفرق المفكك لوحدتهم وقوتهم ياتي على ذلك اجمع ويقدم على كل شيء. فالمصالح الكلية تتدرج فيها الاغراض الجزئية. فمتى صار الغرض الوحيد المصالح العامة تبعتها المصالح الخاصة. قال تعالى لان لم ينتهي المنافقون والذي في قلوبهم مرض والمرجفون في المدينة لنغرينك بهم. فهذه الاية وما اشبهها من الايات بينت ان امثال هؤلاء المرجفين ضررهم عظيم. وشرهم مستطير. وما اكثر براثهم في هذه الاوقات التي اضطر المسلمون فيها الى نصرة الاولياء. حيث يوجد طائفة من الناس يثبطون عن الجهاد في سبيله ومقاومة الاعداء ويخدرون اعصابهم ويؤيسون المسلمين. ويوهمونهم ان كل عمل يعملونه لا فائدة فيه فهؤلاء لا خير فيهم. لا دين صحيح ولا مروءة ولا انسانية. ولا حمية قومية وطنية. ومع ذلك فهم صاروا اضر على المسلمين من الاعداء. فليعلم امثال هؤلاء ومن يستجيب لهم ان الله لم يكلف المؤمنين الا وسعهم وطاقتهم. وان لهم في رسول الله اسوة حسنة فقد كان الله عليه وسلم له حالان في الجهاد والدعوة. امر في كل حال بما يليق بها ويناسبها. امر لما كان في مكة والمسلمون قليل والقوة ضعيفة والاعداء كثيرون. بالاقتصار على الدعوة الى الدين وبيان محاسنه. وجذب الناس اليه وجهادهم بالدعوة. وامر ان يكف يده عن القتال باليد. لما فيه من الضرر وخلاف الحكمة كما هو ظاهر لكل احد وان يسالم الاعداء ويستدفع ضررهم بكل طريق. ويتحمل كثيرا مما يعملون معه ومع الاسلام فلما هاجر الى المدينة وقوي المسلمون وكثروا وعظمت وطأة الاعداء ومقاوماتهم العنيفة للاسلام والمسلمين امر بجهاد اليد مع جهاد الدعوة. فللمسلمين برسول الله اسوة حسنة. من كانت المصلحة تقتضي مهادنتهم ومسالمتهم من الاعداء سالموه وهادنوه. وتحملوا اضرارهم القليلة لدفع ما هو اعظم منها ومن تعينت المصلحة في قتالهم بالسلاح لعدوانهم وشرهم وضررهم الكبير قاوموه بالسلاح والقوة فيتبعون ما تعينت مصلحته الدينية. ويستعينون على المضي في احد الامرين بالمشاورة والمراودة والمشاورة احد اصول السياسة الدينية. بل هي اهم قواعدها. كما قال تعالى وامرهم بينهم وشاورهم في الامر. وهذا من اهم ما فرضه الله على المؤمنين في اصلاح وتدبير امورهم الكلية. وله من الفوائد ما لا يحصى. منها امتثال امر الله والاقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم اذ كان يشاور اصحابه في كل امر مهم. ومنها ان المشاورة من اكبر الاسباب قابل اصابة الصواب. وسلوك الطرق النافعة لاجتماع اراء المؤمنين وافكارهم. وتنقيحها وتصفيتها. مع ان الله معهم في هذه الحال يسددهم ويؤيدهم. ومنها ان المشاورة تتنور فيها الافكار وتترقى فيها العقول والاراء لانها تمرير للاذهان. واستعمال للقوة العقلية فيما خلقت له وهيئت. واقتباس بعضهم من اراء بعض ومنها انه قد يكون الصواب من مجموع رأيين او ثلاثة او عدة اراء ولا سبيل الى ذلك الا باب المشاورة ومنها ان المشاورة من اسباب المحبة بين المؤمنين وتآلف قلوبهم وشعور جميعهم ان مصلحتهم واحدة وتنبه الاذهان للفكر في ذلك. فان من لا يشاور في الغالب فانه لا يعمل فكره في هذه الامور فضلا عن ان يهتدي الى الصواب. ففتح باب المشاورة بين المؤمنين في تعيين مصالحهم الكلية ودفع برهم وفي انسب الوسائل والطرق التي يسلكونها لتحصيل ذلك. عون كبير على القوة والصلاح والفلاح والنجاح وقد اتفق العقلاء ان الطريق الوحيد للصلاح الديني والدنيوي هو طريق الشورى. فالمسلمون قد ارشدهم الله وان يسعوا الى مصالحهم وعلمهم كيفية الوصول اليها. باعمارهم لافكارهم مجتمعين. فاذا تعينت المصلحة في طريق سلكوه واذا ظهرت المضرة في امر من الامور سعوا الى دفعها ومدافعتها. واذا اشتبهت المصائب صالحوا بما ينافيها من المضار وتعارضت. قدموا راجحها على مرجوحها فلا يدعون مصلحة داخلية ولا خارجية صغيرة ولا كبيرة الا تشاوروا فيها وقدموا ما تقتضيه المصلحة. وقد اوجب الله على المسلمين امرين عظيمين عليهما مدار الجهاد. الاستعداد لعدوهم بما يستطيعون من قوة عقلية ومعنوية ومادية ويدخل في ذلك تعلم الفنون الحربية من الرمي والركوب. وعمل السلاح المناسب للوقت والمكان. وبما لا تتم هذه الامور الا به من تعلم الصناعات المعينة على هذا الامر. وامرهم باخذ الحذر من عدوهم وهو التحرز والتحصن منهم. وان يكونوا منهم ابدا على حذر في وقت السلم. فضلا عن وقت الحرب. وان تكون لنا العيون والارصاد عليهم لنعلم كل حركاتهم العلمية والحربية. حتى لا يسبقونا الى الاعمال والصنائع النافعة. فان فالمسلمين وقصورهم وجهلهم بالصنائع وعمل الاسلحة من فرص الاعداء. فلنأخذ عليهم هذا الطريق الذي منه ويدخلون علينا لعل الله ان يكف بأس الذين كفروا ولا نكون عالة فيها وفي غيرها عليهم. فانهم بذلك يتمكنون مما يريدون فان لله في هذه الدنيا سننا لا تتغير. وان الحياة العزيزة لا تكون لمن اذل نفسه وخذلها وتسول غيره. ولئن قال متحلق مخذل ان امة المسلمين الان متعذر عليهم ان يسلكوا هذا طريق فذاك من جهله وجبنه وخوره. فالله تعالى حكيم وامرنا بسلوك طرق الحكمة. وليست الامور العظيمة يقفز اليها قفزا. وقد علمنا تعالى ان نبدأ بما نقدر عليه ولا نترك المقدور لعجزنا عن الكمال فمتى ادينا ما علينا وقمنا بما فرض علينا وما نستطيعه. كنا مجاهدين ومحمودين وعزيزين. فان من يسعى ال عزه ولغاية مجده. فطريقه وان كان ضعيفا فهو طريق المجد وطريق الحزم وطريق القوة والشجاعة فرحم الله من اعان على الاسلام ولو بشطر كلمة. وقد امر الله بالجهاد بالنفس والمال وبالاقول والافعال مباشرة واعانة المباشرين بالمال والدعوة والتشجيع والتحريض. فكل من لم يغزو ولم يحدث نفسه بالغزو مات على شعبة من النفاق. كما صح الحديث بذلك. فاهل الحل والعقد والرياسة من الملوك والامراء والوزراء ورجال دول الاسلامية عليهم ان يسعوا احث السعي لتحصيل القوتين. القوة المعنوية والقوة المادية ازالة جميع الحواجز والموانع التي حالت بين المسلمين وبين اتفاقهم واجتماع كلمتهم وتآلف قلوبهم وان يفهموا الاسباب التي فرقتهم من الاغراض الشخصية والمطامع والاغراض الردية والايدي الاجنبية. فانهم متى فهموها حق الفهم؟ عرفوا انها تنافي مصالحهم الدينية والدنيوية ومنافعهم الكلية. وتنافي ما يحث عليه العقل والحزم من وجوب تقديم المصالح العامة على الاغراض الخاصة. وقد قال تعالى قل ان كان ابائكم وابناؤكم واخوانكم وازواجكم وعشيرتكم واموال اقترفتموها. واموال خفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها احب اليكم من الله ورسوله. احب واليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بامره. والله لا يهدي القوم قوم الفاسقين. فتوعد الله من كانت هذه الامور احب اليه من الله ورسوله. ومنعته من الجهاد في سبيله وقدره عليه. وهذه المذكورات في هذه الاية الكريمة هي الموانع والحواجز عن القيام بالجهاد في سبيل به قولا وفعلا ومن اكبر اسباب الجبن فلا يتحقق الايمان الا بتقديم حب الله ورسوله والجهاد في سبيله عليها فان الله قد وعد على الجهاد في سبيله. مغفرة الذنوب والسيئات. وحصول الخيرات دخول الجنات والفتح في الدنيا والعز والنصر القريب. قال تعالى يا ايها الذين امنوا هل ادلكم على تجارة تنجيكم من عذاب اليم. الى قوله وبشر المؤمنين اخبر تعالى ان من قام بالايمان والجهاد فقد حصل التجارة الرابحة وادرك الصفقة والغنيمة والخيرات المتتابعة تالله لقد حرم الناكرون عن الجهاد خيرا كثيرا. ولقد سعوا فيما يكسب الذل وخسروا خسرانا فاين الشهامة الدينية؟ واين الغيرة الايمانية؟ واين الرغبة في الخير؟ يا عجبا لمؤمن يرى اهل الباطل يجهدون ويألمون في نصر باطلهم. وهم لا غاية لهم شريفة يطلبونها. وهو مخلد الى الكسل عن نصر الحق الذي يترتب على نصره من الخيرات العاجلة والآجلة ما لا يمكن التعبير عنه. كل ذلك خوفا من المشقة وعلى اهل العلم من بيان فضل الجهاد ووجوبه وتبيين منافعه ومصالحه الضرورية وحض الناس على ذلك اعظم مما على غيرهم. وعليهم ان يوضحوا للمسلمين ان جميع حركاتهم وسكناتهم واقوالهم وافعالهم ونفقاتهم المقوية للدين ودفع ضرر الاعداء كلها داخلة في هذا الواجب العظيم. وان يفهموهم ان الاختلاف في المذاهب والتباين في المشارب لا يمنع من اتفاقهم جميعا على هذا الاصل. الذي يجمع قاصيهم وان المصالح العامة الكلية مقدمة على الاغراض الجزئية والمنافع الشخصية. وان هذا العمل مصلح لدين المسلمين ودنياهم. ثم على كل فرد ان يبدي مجهوده في نصر الدين. وتقوية المسلمين بما استطاع من نفقة او قول ان ينهض المسلمين ويقوي عزائمهم ويبعث هممهم. وعلى الرؤساء والمرؤوسين الترغيب في تعلم في الفنون الحربية والصناعات النافعة. وعمل الاسلحة والحصون الواقية. واستجلاب ما تعذرت صناعته. والسعي في تنمية المصالح والمنافع الاقتصادية بالعمل بالاسباب الميسرة لها. المعينة على تحصيلها. فان المصالح الاقتصادية القضية هي العون على المصالح الدينية. فكل ما فيه تقوية المسلمين ودفع الاضرار والشرور من الاعداء عنه هم فهو من الجهاد. وعليهم ان يدرسوا احوال الامم الاجنبية وسياستهم. فان معرفة ذلك من اسباب باب اخذ الحذر منهم والتوقي لشرهم. وعليهم مع فعل الاسباب النافعة ان يتوكلوا على الله ويستعينوا به. ولا اتكلوا على حولهم وقوتهم ولا يغتروا بحالهم ويعجبوا بانفسهم. ولا يستهينوا باعدائهم بل يحسبون لهم قم كل حساب. ومن اعظم الجهاد الجهاد المالي. والله تعالى قدم الجهاد بالمال على الجهاد بالنفس فان النفقة في سبيل الله افضل النفقات على الاطلاق. وبها يستعان على قتال الاعداء بتحصيل الاسلحة صناعتها والمراكب المناسبة لزمانهم. واقامة جميع مؤن الجهاد. حتى ان المال الذي يدفع للاعداء لوقاية شرهم من الجهاد بالمال. فبذل المال للاجانب عند الاضطرار مقدم كن على ما هو اخطر منه واشد ضررا. وقد امرهم الله ان يتعاونوا على البر والتقوى. فالبر اسم جامع فعل الخير كله ووسائله وطرقه. كما ان التقوى اسم جامع للتعاون على اتقاء ما يخشى في الدين والدنيا والاخرة. اي تعاونوا على فعل الخيرات وعلى ترك المنكرات. وتعاونوا على فكل وسيلة تعين على ذلك. فالعالم بوعظه وتذكيره وتعليمه. والغني بماله ودسد ادي برأيه وعقله وتدبيره وسياسته. واهل النجدة والشهامة بقوتهم وتحضيضهم لغيرهم املوا بعمله وصناعته. وكل فرد يعين بنفسه ورعايته وتشجيعه. وصاحب الجاه بجاهه فيكون المؤمنون كالجسد الواحد والبنيان الذي يشد بعضه بعضا. قال تعالى اتقوا الله ما استطعتم. وهذا يشمل جميع الاوامر الدينية. فليس لاحد عذر في القيام بالمستطاع منها وقال تعالى وجاهدوا في الله حق جهاده هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج فانه لما امر بالجهاد اخبر بالطريق التي تسهله. والدواعي التي تدعو اليه فكون الله اختار المؤمنين واجتباهم واختار لهم هذا الدين العظيم. الذي هو دينه الذي يوصل اليه والى كل بكرامة وهذا من اكبر الدواعي الى الجهاد. حيث كان هذا العمل الجليل يوصل الى كل خير ويدفع كل بشر ومع ذلك فما جعل عليكم في الدين من حرج. فلم تكلفوا من الجهاد الا ما تستطيعون ويهون عليه كل على قدر حاله ومقدرته. وقد امرهم الله بالقيام بالقسط والوفاء بالعهود قال تعالى قال يا ايها الذين امنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله. واوفوا في عهد ان العهد كان مسؤولا. فهذان الاصلان العظيمان وهما القيام بالقسط الذي هو العدل التام على الانفس والاقربين والابعدين. والوفاء بالعهود كلها. من اكبر الدين ومصالحه. وبالقيام بهما يتم الدين وتحصل الهداية والاعانة من الله والنصر والمدافعة فما ارتفع احد الا بالعدل والوفاء. ولا سقط احد الا بالظلم والجور والغدر. وهذه الامور كلها مضطرة الى قوة التوكل على الله. والاقتداء بسيد المرسلين فيه. فهو سيد المتوكلين ومع ذلك فقد كان يعمل بجميع الاسباب النافعة ويحض عليها. فالتوكل هو الثقة بالله الاعتماد على قوته وحوله. في تيسير الامور التي يباشرها العبد. والالتجاء الى الله في حصولها وطمأنينة القلب. فيكون المتوكل يعمل بجد واجتهاد. مطمئنا بالله واثقا به لا يخاف سواه ولا يرجو غيره. لا يملكه اليأس ولا يساوره القنوط. غير هياب ولا وجل ولا متردد لانه يعلم ان الامور بيد الله. وان نواصي العباد وازمة امورهم تحت تدبيره ومشيئته. فان انه القوي العزيز. بهذا التوكل نال المسلمون الاولون العز والشرف والسلطان وصلاح الاحوال. ولم يكن زادهم في مضيهم في سبيلهم الا قوة التوكل على الله. فهذه حال المسلمين. لا الخبر والمهانة التواكل والتخاذل والاخلاد الى البطالة. فانه ينافي التوكل كل المنافاة. كحال كثير من الناس في هذه اوقات يرون عدوهم يحاربهم وهم ساكتون. لا يدفعونه بوسيلة من الوسائل ولا يقاومونه كونوا النتيجة ضياع استقلالهم وذهاب ملكهم واموالهم وحلول المصائب المتنوعة عليهم من كل جانب ويزعمون انهم متوكلون. كلا والله ومن اعظم وسائل الجهاد في هذه الاوقات عقد المعاهدات بين حكومات الاسلامية المحتوية على كمال الصداقة وعدم الاعتداء. واحتفاظ كل حكومة بشخصيتها الدولية وادارتها داخلا وخارجا. والتكافل بينها والتضامن. وان يكونوا يدا واحدة على من تعدى عليه وانما الغرض منها المادة وان يخرج منها تلاميذ يصلحون للوظائف الدنيوية المادية البحتة وهذا اكبر نقص واكبر الدواعي للضعف والانحلال. ولا شك ان السعي في اصلاح التعليم من اهم الامور او على حقوقهم. وتسهيل الامور الاقتصادية فيما بينهم طلبا لمصلحة الكل. وتقريبا قلوبهم وان يعملوا لهذه الاسس والاصول اعمالها اللائقة بها. والمناسبة لها ويسعوا احف سعي لتحقيقه وازالة العقبات الحائلة دونه. وهذه وان كانت في بادئ الرأي صعبة فانها يسيرة بتيسير الله والتوكل عليه. واليوم وان كان المسلمون مصابين بضعف شديد والاعداء يتربصون بهم الدوائر هذه الحالة اوجدت من بينهم اناسا ضعيف الايمان. ضعيف الرأي والقوة يتشائمون ان الامل في رفعة الاسلام قد ضاع. وان المسلمين الى ذهاب واضمحلال. ولقد غلطوا في هذا اعظم غلط فان هذا الضعف عارض له اسباب. وبالسعي في زوال اسبابه تعود صحة الاسلام كما كانت. كما تعود اليه قوته التي فقدها منذ اجيال. ما ضعف المسلمون الا لانهم خالفوا كتاب ربهم. وسنة نبيهم صلى الله عليه وسلم. وتنكبوا السنن الكونية التي جعلها الله مادة حياة الامم ورقيها فاذا رجعوا الى ما مهده لهم دينهم فانهم لابد ان يصلوا الى الغاية كلها او بعضها هذا المذهب المهين وهو التشاؤم والكسل لا يعرفه الاسلام ولا يرتضيه. بل يحذر عنه اشد تحذير ويبين للناس ان النجاح مأمول. وان مع العسر يسرا. وانه سيجعل الله بعد عسر يسرا ويبين انه لا اضر عليهم من اليأس والقنوط. فليتق هؤلاء المتشائمون ربهم. وليعلموا ان المسلمين اقرب الامم الى النجاح الحقيقي. ويقابل هؤلاء طائفة يأملون امالا عظيمة. ويقولون ولا يفعلون فتراهم يتحدثون بمجد الاسلام ورفعته. وان له العاقبة الحميدة. وان الرجوع الى تعاليمه وهدايته هو السبب الوحيد لعلو اهله ورفعتهم. ولكن لا يقدمون لدينهم ادنى منفعة بدنية ولا مالية ولا يقدمون مساعدة جدية لتحقيق ما يقولون. فان الاقوال لا تقوم الا اذا قارنتها الافعال ويا طوبى لطائفة هم غرة المسلمين. وهم رجال الدنيا والدين. قرنوا الاقوال والافعال وجاهدوا باموالهم وانفسهم وباقوالهم وبانهاض اخوانهم. وتبرأوا من مذهب المتشائمين ومن اهل الاقوال دون الافعال. فهؤلاء هم الذين يناط بهم الامل. وتدرك المطالب العالية بمساعيهم مشكورة واعمالهم المبرورة. ومن اعظم اصول الجهاد والتربية الاعتناء والاهتمام التام الامة فانهم محل رجائها وموضع املها ومادة قوتها وعزتها صلاح تربيتهم تصلح الاحوال كلها. فعليهم ان يعتنوا بتربيتهم العالية. وان يبثوا فيهم روح الدين واخلاقه الجميلة والحزم والعزم. وجميع مبادئ الرجولة. وتدريبهم على المصاعب والمشاق. والصبر على النافعة والثبات عليها. وتحذيرهم من الجبن والخور. والسير وراء المادة والطمع. والانطلاق في المجون والهزل والدعة. فان ذلك مدعاة للتأخر العظيم. وشباب الحاضر هم رجال المستقبل. وبهم تعقد الامال وتدرك الامور المهمة. فاجتهدوا ان يكونوا في خصال الخير والفضائل المثل الاعلى. وباوصاف الحزم والمروءة والكمال القدوة المثلى. ومن اهم امور الجهاد وخصوصا في هذه الاوقات. التعاون بين المسلمين في جميع شؤونهم الدينية والسياسية والاقتصادية. واتصال بعضهم ببعض في تحقيق ذلك. لان ان عددهم كثير واعداؤهم جادون في الحيلولة بينهم في هذه الامور. وقد تفننوا في تفريقهم واقاموا الحواجز والسدود في اتصال بعضهم ببعض. حتى اوهنوا قواهم وساءت حالهم. وهم مجدون في هذا الامر. فمن من اكبر الجهاد السعي في الاسباب التي بها يتعارف المسلمون ويتفاهمون. حتى يعرفوا كيف يتعاونون على الحصول على حقوقهم بهم ودفع المعتدين عنهم بكل وسيلة. ولا ينبغي اذا رأوا انهم لا يدركون كل ما يريدون. ان يضعفوا عن بعض ما ينفعهم ويحصل به الدفاع. فمن جد واجتهد واستعان بالله فلا بد له من النجاح. ومن اهم جهاد السعي في اصلاح التعليم. وان تكون المدارس يعلم فيها الاهم فالاهم. من العلوم النافعة للدنيا والدين وان يكون الدين هو الاصل الاعظم فيها والاساس الاقوم. وان يكون غيره وسيلة وتبعا له. وان هنا الغرض الوحيد من الناجحين فيها المتخرجين. ان يكونوا صالحين في انفسهم. مصلحين لغيرهم. متربين بالاخلاق النافعة مهتمين بتربية الامة. فان اكثر المدارس الان انما هي بالعكس من هذا الامر الفنون الدنيوية هي الاصل وعلوم الدين يجعل لها جزء ضعيف من التعليم. ولا يعتنى باخلاق التلاميذ وادابهم وبه ترتفع الامة الاسلامية وتنتفع بعلمائها وعلومها. فالتعاليم النافعة والتربية الصالحة تقود المسلمين الى كل خير وفلاح. وتكون العلوم مقصودا بها حصول المنافع والصلاح والاصلاح. ومن اهم امور الجهاد بل هو اصله وقاعدته انه كما يلزم الاستعداد بالحصون المنيعة والسلاح القوي العاملة والاهب الوافرة. فينبغي ان تولى الاكفاء من ذوي الرأي والحكمة. والخبرة والتدبير والحزم والحذق وان يكونوا اهل دين واصل راسخ. يقومون على شؤون المملكة يوطؤون بساط الامن وطرق الراحة ويرفعون بناء الملك على طريق العدل. ويوقفون الرعية على حدود الشريعة. ويراقبون مع ذلك المملكة مع سائر الممالك الاجنبية. ليحفظوا المنزلة التي تليق بها. بالمعاهدات السلمية والاقتصادية وغيرها. ومن اكبر الخيانات تولية غير اهل الحمية الناصحين. او غير الاكفاء الخبيرين قال تعالى ان الله يأمركم ان تؤدوا الامانات الى اهلها. واعظم الامانة امانة الولايات كلها صغيرها وكبيرها. والحذر من تولية الاجانب فانهم اذا اؤتمنوا قالوا واذا عزوا اهانوا يقابلون الاحسان بضده ويتحينون الفرص ويكونون اعوانا لابناء قوم عند اول حادث قد بدت البغضاء من افواههم وما تخفي صدورهم اكبر. واهم صفات قواد المسلمين الاقتداء بنبيهم صلى الله عليه وسلم. والاهتداء بسنته وهديه في الجد كامل لتقوية الاسلام والمسلمين. وتكوين الامة وتربية اخلاقهم. وان يكون على جانب من العلم كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. ومعرفة بتاريخ الاسلام ورجاله. ومعرفة الاسباب للامة والسعي في ازالتها وتحقيقها حسب الامكان. والسعي في طرق الاصلاح كلها. وان ذا قوة وامل ورجاء واسع. لا يملكه اليأس ولا يتطرقه الفتور. وان يتصل بافراد المسلمين وجميع طبقاتهم اتصالا وثيقا. ويتعرف شؤونهم ويسأل عن احوالهم. ويأخذ الصائبة وان يحب لهم ما يحب لنفسه. ويكره لهم ما يكره لنفسه. وان يكون ذا فكر ثاقب تامة وانتهاز للفرص النافعة. والا يزال نصب عينيه نفع المسلمين واصلاح دينهم ودنياهم ودفع الشر عنهم بكل طريق. وان يكون خاليا من الطمع والجشع. موصوفا بالكرم والجود في محله في اعلاء كلمة الحق ورفعة الاسلام. وان يكون حسن العلاقات مع جميع العاملين من المسلمين في انحاء العالم لهم مدة ويستشيرهم ويأخذ بالناضج من ارائهم. وان يكون بصيرا بسياسات الاجانب عارفا حقوقهم اخذا الحذر من مكرهم وخداعهم. يعاملهم لمصلحة المسلمين. ويأخذ حذره منهم خوف الضرر وان يكون في ذلك كله مخلصا لله. مستعينا به متوكلا عليه. ومن اعظم واجل الجهاد في سبيل الله الدعوة الى الدين والاسلام. بشرح محاسنه واظهار جماله. في عقائده واخلاقه وادابه تعاليمه العالية الراقية. فان في ذلك قوة معنوية للمسلمين. فانهم كلما فهموا دينهم وعرفوا ما يحتوي عليه من المحاسن التي تفوق الحد والاحصاء ازداد ايمانهم وقوي يقينهم واندفعت عنهم شبه ملحدين وعظم تمسكهم التام به. وعلموا ان السعادة والفوز منوط بارشاداته وهدايته وكان ذلك ايضا جهادا للاعداء من جهتين. احداهما ان المنصف منهم او من لم يملكه التعصب الشديد اذا ابصر حقائق الدين وهدايته التي فاقت كل هداية وصلاحه واصلاحه للبشر كان من الدواعي لدخوله به. اذا لم يحصل له موانع قوية. الثانية ان في ذلك اقامة الحجة على المعاني من الاجانب وعلى الملحدين الذين قلدوهم وخضعوا لهم. وفي ذلك من كف شرهم كله او بعضه من المصالح ما لا يعد ولا يحصى. فاكبر الجهاد الجهاد بالدين وهو اعظم سلاح للمسلمين واكبر جيش يلجأون وبه يعتصمون. تبين اصوله الكلية ومصالحه العامة. وانه يدعو الى كل خير وصلاح وشر سعادة في المعاش والمعاد. وفي الظاهر والباطن. ويحث على اقامة العدل والقسط بكل طريق. ينهى عن كل شر وضرر وفساد. ويدعو الى المقاصد النافعة والى جميع وسائلها. وان جميع اصوله وفروعه في غاية الاحكام والحسن ومن احسن من الله حكما لقوم يوقنون ومن تتبع اصول الدين وادابه واخلاقه وتعاليمه وارشاداته العالية. وجدها تدعو الى كل خير وصلاح وفلاح وعرف انه لا يمكن الصلاح والاصلاح البشري الا بالدين. وصلى الله على محمد وسلم. قال ذلك عبدالرحمن بن ناصر بن سعدي غفر الله له ولوالديه ولجميع المسلمين