المكتبة السمعية للعلامة المفسر الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله. يسر فريق مشروع كبار العلماء ان يقدم لكم قراءة تفسير السعدي. بسم الله الرحمن الرحيم. والمرسلات عرفا فالعاصفات اقسم تعالى على البعث جزائي على الاعمال بالمرسلات عرفا. وهي الملائكة التي يرسلها الله بشؤونه القدرية. وتدبير العالم وبشؤونه الشرعية ووحيه الى رسله وعرف حال من المرسلات. اي ارسلت بالعرف والحكمة والمصلحة. لا بالنكر والعبث. فالعاصفات وهي ايضا الملائكة التي يرسلها الله تعالى وصفها بالمبادرة لامره وسرعة تنفيذ اوامره كالريح العاصف. او ان العاصفات الرياح الشديدة التي يسرع هبوبها والناشرات نشرا. يحتمل ان المراد بها الملائكة تنشر ما دبرت على نشره او انها السحاب التي ينشر بها الله الارض فيحييها بعد موتها. فالملقيات ذكرى هي الملائكة تلقي اشرف الاوامر وهو الذكر الذي يرحم الله به عباده. ويذكرهم فيه منافعهم ومصالحهم. تلقيه الى الرسل عذرا او نذرا. اي اعذارا للناس تنذر الناس ما امامهم من المخاوف. وتقطع معذرتهم فلا يكون لهم حجة على الله انما توعدون من البعث والجزاء على الاعمال لواقع اي متحتم وقوعه من غير شك ولا ارتياب اي يوم اجلت ليوم الفصل. فاذا وقع حصل من التغيير والاهوال الشديدة للعالم ما يزعج القلوب وتشتد له فتنطمس النجوم اي تتناثر وتزول عن اماكنها وتنسف الجبال فتكون كالهباء المنثور وتكون هي والارض عن صفصفا لا ترى فيها عوجا ولا امتا. وذلك اليوم هو اليوم الذي اقتتت فيه الرسل. واجلت للحكم بينها وبين امها ولهذا قال لاي يوم اجلت استفهام للتعظيم التفخيم والتهويل ثم اجاب بقوله. اي بين الخلائق بعضهم لبعض وحساب كل منهم منفردا ثم توعد المكذب بهذا اليوم فقال اي يا حسرتهم وشدة بهم وسوء منقلبهم اخبرهم الله واقسم لهم فلم يصدقوه. فلذلك استحقوا العقوبة البليغة اي اما اهلكنا المكذبين السابقين ثم نتبعهم باهلاك من كذب من الاخرين. وهذه سنته السابقة واللاحقة في كل مجرم. لابد من عقابه. فلما لا تعتبرون بما ترون وتسمعون. ويل يومئذ للمكذبين. بعدما شاهدوا من الايات البينات والعقوق والمثلات اي اما خلقناكم ايها الادميون من ماء مهين اي في غاية الحقارة خرج من بين الصلب والترائب حتى جعله الله في قرار مكين. وهو الرحم به يستقر وينمو ووقت مقدر. فقدرنا اي قدرنا ودبرنا ذلك الجنين. في تلك الظلمات ونقلناه من النطفة الى العلقة الى المضغة الى ان جعله الله جسدا. ثم نفخ فيه الروح. ومنهم من يموت قبل ذلك لقدرنا فنعم القادرون. يعني بذلك نفسه المقدسة. لان قدره تابع لحكمته موافق للحمد يومئذ للمكذبين الم نجعل الارض كفاتا اي ما من عليكم وانعمنا بتسخير الارض لمصالحكم فجعلناها كفاة لكم احياء في الدور وامواتا في القبور فكما ان الدور والقصور من نعم الله على عباده ومنته. فكذلك القبور رحمة في حقهم وستر لهم عن كون بادية للسباع وغيرها وجعلنا فيها رواسي اي جبالا ترسي الارض لئلا تميد باهلها فثبتها الله بالجبال الراسيات الشامخات اي طوال العراض واسقيناكم ماء فراتا اي عذبا زلالا. قال تعالى افرأيتم الماء الذي تشربون اانتم انزلتموه من المزن ام نحن المنزلون. لو نشاء جعلناه اجاجا فلولا تشكرون. ويل يومئذ مع ما اراهم الله من النعم التي انفرد بها واختصهم بها فقابلوها بالتكذيب الى ما كنتم به تكذبون. هذا من الويل الذي اعد للمجرمين المكذبين ان يقال له يوم القيامة ثم فسر ذلك بقوله اي الى ظل نار جهنم التي تتمايز في خلاله ثلاث شعب اي قطع من النار تتعاوره وتتناوبه وتجتمع به. لا ظليل ذلك الظل اي لا راحة فيه ولا طمأنينة. ولا يغني من مكث فيه من اللهب. بل اللهب قد احاط به. يمنة ويسرة ومن كل كما قال تعالى لهم من فوقهم ظلل من النار ومن تحتهم ظلل. لهم من جهنم مهاد ومن فوقهم غواش. وكذلك بك نجزي الظالمين. ثم ذكر عظم شرر النار الدال على عظمها وفظاعتها وسوء منظرها. فقال بشرر كالقصر كأنه جمالة صفر. وهي السود التي تضرب الى لون فيه صفرة. وهذا سيدل على ان النار مظلمة. لهبها وجمرها وشررها وانها سوداء. كريهة المنظر شديدة الحرارة. نسأل الله العافية منها ومن الاعمال المقربة منها اي هذا اليوم العظيم الشديد على المكذبين. لا ينطقون فيه من الخوف والوجع جديد. اي لا تقبل معذرتهم ولو اعتذروا فيومئذ لا ينفع الذين ظلموا معذرتهم ولا هم يستعتبون. هذا يوم الفصل جمعناكم لنفصل بينكم ونحكم بين الخلائق. فان ان لكم كيد تقدرون على الخروج من ملكي وتنجون به من عذابي فكيدون. اي ليس لكم قدرة ولا سلطان كما قال تعالى يا معشر الجن والانس ان استطعتم ان تنفذوا من اقطار السماوات والارض فانفذوا لا تنفذون الا بسلطان. ففي ذلك اليوم تبطل حيل الظالمين ويضمحل مكرهم وكيدهم. ويستسلمون لعذاب الله. ويبين لهم كذبهم في تكذيبهم لما ذكر عقوبة المكذبين ذكر ثواب المحسنين فقال ان المتقين اي للتكذيب المتصفين بالتصديق في اقواله وافعالهم واعمالهم. ولا يكونون كذلك الا بادائهم الواجبات. وتركهم المحرمات. في ظلال من كثرة الاشجار المتنوعة الزاهية البهية وعيون جارية من السلسبيل والرحيق وغيرهما. وفواكه مما يشتهون اي من خيار الفواكه واطيبها. ويقال لهم كلوا واشربوا من الماكل الشهية والاشربة اللذيذة. هنيئا اي من غير منغص ولا مكدر ولا يتم هناءه حتى يسلم الطعام والشراب من كل افة ونقص. وحتى يجزموا انه غير منقطع ولا زائل اكن كنتم تعملون. فاعمالكم هي السبب الموصل لكم الى جنات النعيم المقيم. وهكذا كل من احسن ان في عبادة الله واحسن الى عباد الله. ولهذا قال ويل يومئذ للمكذبين. ولو لم يكن لهم من هذا الويل الا فوات هذا النعيم. لكفى به حرمانا وخسرانا هذا تهديد ووعيد للمكذبين. انهم وان اكلوا في الدنيا وشربوا وتمتعوا باللذات. وغفلوا عن القربات فان هم مجرمون يستحقون ما يستحقه المجرمون. فستنقطع عنهم اللذات وتبقى عليهم التبعات او لا يركعون. ومن اجرامهم انهم اذا امروا بالصلاة التي هي اشرف العبادات. وقيل لهم اركعوا امتنعوا من ذلك فاي اجرام فوق هذا؟ واي تكذيب يزيد على هذا ومن الويل عليهم انهم تنسد عليهم ابواب التوفيق ويحرمون كل خير. فانهم اذا كذبوا هذا القرآن الكريم الذي هو اعلى مراتب الصدق واليقين على الاطلاق ابي الباطل الذي هو كاسمه لا يقوم عليه شبهة فضلا عن الدليل ام بكلام مشرك كذاب افاك مبين؟ فليس بعد النور المبين الا دياجي الظلمات. ولا بعد التصديق الذي قامت عليه الادلة والبراهين القاطعة. الا الافك الصراح والكذب المبين الذي لا يليق الا بمن يناسبه. فتبا لهم ما اعماهم. وويحا لهم ما اخسرهم واشقاهم. نسأل الله العفو فهو العافية انه جواد كريم