المكتبة الصوتية للعلامة الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله رسالة في خروج الدابة وحقيقتها تأليف الشيخ العلامة عبدالرحمن بن ناصر السعدي. بسم الله الرحمن الرحيم. ما زال كانت هذه الفكرة تقع في خاطري المرة بعد المرة حتى ازدادت قوة بما ستراه من انواع الادلة التي ان كانت صوابا فهي من الله وان كانت خطأ فالانسان محل الخطأ. ونسأل الله الا يؤاخذنا ان نسينا او اخطأنا. قال الله تعالى واذا وقع القول عليهم اخرجنا لهم دابة من الارض تكلمهم ان الناس كانوا باياتنا لا يوقنون قال المفسرون وقع القول عليهم حق كلمة العذاب او قربت الساعة وظهرت علاماتها واشراطها. اخرجنا لهم دابة من الارض تكلمهم وهي من جملة اشراط الساعة اختلفوا في هذه الدابة وصفاتها ومن اي نوع من انواع الحيوانات او انها جامعة لكل نوع منها. ففيها من كل دابة شبه ومماثلة. اختلافا كثيرا. وكذلك اختلفوا من اي موضع تخرج وهل تخرج مرة ام لها عدة خرجات؟ اختلافا لا ينضبط وفيها اثار لم تثبت ثبوتا يوجد المصير اليه. وانما الذي يجب المصير اليه واعتقاده ان خروج هذه الدابة من اشراط الساعة كما تشير اليه الاية الكريمة وكما ثبتت به الاحاديث الصحيحة انها من اشراطها. واما صفتها وكيفيتها وصفة تكليمها الناس فليس في الاحاديث في الصحيحة منه شيء. وانما في الاحاديث ذكر الدابة مطلقا. الاية الكريمة تدل على انها اسم جنس. ولهذا قال دابة من الارض والدابة تطلق على كل ما دب ودرج من اي نوع من انواع الحيوانات والارواح. فحيث لم يثبت في نص ان المراد به نوع معين لم يجز دعوى شيء من المعينات بغير دليل. ولكن بعدما ظهرت في هذه الاوقات الالات الكهربائية الحاملة للاصوات من كل مكان قريب وبعيد. وتنوعت من برقيات سلكية وبرقيات هوائية واذاعات بالات كهربائية تجذبها الالات المغناطيسية. فيتكلم الذي هو في مكان مفرط في البعد فيسمع كانه حاضر يخاطب الحاضرين. بسبب هذه الالات. فلا يستبعد ان هذا الكلام الخارق للعادة بهذه الالات الصادرة من الادميين المتكلمين بواسطة الكهربائية المستخرجة من اجزاء الارض والمتكلم بها من دواب الارض انه هو المراد بهذه الاية والاحاديث الصحيحة لوجوه متعددة. يرجع بعضها الى احتمال اللفظ لهذا المعنى ويرجع بعضها لاحتمال المعنى ويرجع بعضها الى عدم المعارض الذي يوجب المصير اليه احد الوجوه فيها وهو الوجه الاول انه لم يتفق العلماء على امر معين فيها ولا جنس معين. فمنهم من قال انها تشبه الحية. وقائل انها تشبه الفرس او البغل او الحمار. ومن قائل ان فيها شبها من كل حيوان. ومن قائل انها انسان عالم يكلم الناس ويرد على المبطل ونحو ذلك من الاقوال التي توجب التوقف فيها. واحسن احوالها الوقف وعدم الجزم بعينها وجنسها. فاذا نظرت هذه الاقوال ونزلتها على المعنى الذي ذكرناه رأيته اولى منها. للوجوه الذي نذكرها ان شاء الله. الوجه الثاني ان وقوع القول على قول اكثر المفسرين انه قرب الساعة وظهور علاماتها. وقد صرحت الاحاديث انها من اشراط الساعة اماراتها. وهذا انما وقع وانتشر في هذه الاوقات التي قرب فيها الوقت الذي تقوم بها الساعة لكثرة العلامات الاخر الواقعة الوجه الثالث ان الدابة اسم جنس لا يراد به شيء معين. بل يراد به ما كان من نوع واحد وجنس واحد. ولذلك كانت اسم جنس كان دخول ما ذكرناه من الكلام بالالات المستخرجة من الارض من الادمي الذي هو احد دواب الارض مع حدوثه وغرابته وخرقه للعوائد اولى بالدخول من غيره. الوجه الرابع وهو اوضحها وابينها ان قوله اخرجه لهم دابة من الارض تكلمهم هو اخراج وتكليم خارق للعادة ومخالف للمعهود. فنفس تكليمها هذه الدابة امر عجيب. ولم يأت دليل صحيح على انها دابة غير ناطقة. حتى يقال ان وجود النطق منها بعد عندما كانت لا تتكلم امر عجيب. فان احتمال تناولها للادمي وغيره من الدواب الموجودة والدواب المفقودة على السواء واذا كان ذلك كذلك فوجود هذا التكليم بهذه الالات بواسطة الادمي لا ينكر انه هو المراد من نص وذلك لحدوثه في هذا الزمان القريب وغرابته العجيبة. وانه من ايات الله حيث علم الانسان ما لم يعلم وجعل من جواهر الارض ومعادنها ما وصل به الانسان الى هذه الحال. والدليل على انه المراد بذلك وانه التكليم الخارق وللعادة انه لو لم يكن كذلك لم يكن في ذكر التكليم وعدم تقييده في شيء متكلم به فائدة. وكلام الله منزه عما لا فائدة فيه. واما قول من قال انها تكلمهم وتقول لهم ان الناس كانوا باياتنا لا يوقنون هذا ضعيف بل هذا تعليل للكلام السابق. سواء قرأت بفتحة الهمزة او كسرها. كما هو بين للمتدبر. وعلى تقدير صحته فلا ينافي ما قلنا. ويدل على هذا قوله تعالى عن عيسى ويكلم الناس في المهد وكهلا. كان المراد بتكليمه المهد هو الكلام الخارق للعادة. لانه كلام في تلك الحال من ايات الله وعجائبه. وكذلك كلامه كهلا فانه كلام وحي ورسالة من الله خارج عن كلام البشر. الوجه الخامس قوله ان الناس كانوا باياتنا لا فيه تعليل لما تقدم من كلام الدابة وتكليمها للناس. فكأن فيه اشارة الى ان ظهور هذه الامور العجيبة من الادميين من اكبر الادلة على ايات الله وقدرته وعظمة سلطانه. وان الذي قدر الادمي على هذه الامور هائلة التي لا تكاد العقول تصدق بها لولا مشاهدتها لعظيم القدرة وكامل العزة. فهذا الادمي الضعيف في علمه واراداته وقدرته وسائر صفاته اوصله الله الى هذه الصنائع العجيبة والاحوال الباهرة. فكيف يتنكر المنكرون قدرة الله على احياء الموتى ومجازاتهم باعمالهم خيرها وشرها. وهل هذا الانكار الا مجرد محض؟ الوجه السادس ان القرآن تبيان لكل شيء. وقد احتوى على ما يحتاج الناس الى معرفته من الشرائع والوقائع العامة وامور الدين والدنيا دنيا فهذا الامر الذي شاع وذاع وعم البسيطة باسرها. يبعد كل البعد الا يكون في القرآن ما يدل عليه دلالة عامة ودلالة خاصة. ولهذا قال تكلمهم ان الناس فعم الناس. فهذا مطابق لهذا الواقع في ايصال الاصوات والمحال البعيدة بالالات الموصلة والجاذبة الموجبة والسالبة. الوجه السابع ان سياق الايات التي قبلها والتي بعدها في تقرير الجزاء واقامة الحجة على من انكر ذلك. فكان ذكر الدابة على الوجه الذي ذكرناه من اعظم الادلة على احياء الموتى. وان استبعاد المكذبين لذلك بحسب ما الفوه وعهدوه من قدر الخلق. لا معنى له ولا شبهة فيه للفرق العظيم بين قدرة من هو على كل شيء قدير وقدرة العبد العاجز الضعيف. ثم يعارضون بهذه الامور العجيبة المشاهدة التي اقدر الله الادمي عليها مع ضعفه في علمه وقدرته وسائر شؤونه فقد رأوا من الادمي ما لو حدثوا ببعض قبل وقوعه لانكروا ذلك اسوأ الانكار ونسبوا الى الجنون من قاله فها قد رأوا من انفسهم ما ينكرون ويستبعدون على الله فهلا صدقوا الله ورسله فيما اخبروا به من البعث والجزاء الذي هو اهون من هذا بالنسبة الى الحسيات والماديات فكيف بالنسبة الى عظمة الخالق وكمال قدرته؟ الوجه الثامن انه قال قبلها ان هذا القرآن يقص على يا بني اسرائيل اكثر الذي هم فيه يختلفون. ثم ذكر ما يكون في اخر الزمان ففيه ان القرآن فيه بيان الامور السابقة والامور اللاحقة. وان كل امر عظيم يقع فلابد ان يوجد بيانه في القرآن. يوضح هذه اوجه الوجه التاسع ان مخترعات الكهرباء الموصلة للاصوات للمحال البعيدة باسرع من لمح البصر هي دليل عقلي حسي على امور الغيب التي اخبر الله بها واخبر بها رسوله. فقد كان المنكرون لهذه الغيوب ابلغ شبههم في انكارها مخالفتها للحس الذي اعتادوه والمواد التي الفوها. فاذا وقع القول عليهم وقربت الساعة اخرج الله لهم هذه العجيبة الناطقة بنطق خارق للعوائد. والناطقة بصدق ما اخبر الله به ورسوله. وقامت الحجة على منكرين المكابرين من الدهرين والماديين. فلم تبق هذه الاية العظيمة لمنكري الغيوب ادنى شبهة وشك لو كان يوقنون فقد اراهم الله حسا ما لو حدثت به الرسل قبل وقوعه على التفصيل لتوجه الانكار عليهم من امثال هؤلاء المكذبين فمعطي المخلوق الضعيف الناقص في علمه وقدرته امثال هذه الامور الهائلة ووصوله اليها اكبر اية وبرهان لقوم يوقنون. ولعل هذا هو الفائدة بالتعليل بقوله ان الناس كانوا باياتنا لا يوقنون اي لعدم مشاهدتهم ما يدل عليها من الحسيات عندهم. فاظهر الله هذه الاية ليحصل اليقين وتقوم الحجة. فان قلت فلاي شيء لم يصرح الباري بذكرها على هذا الوجه المعروف بين الناس. بل قال على وجه الاجمال اخرجنا لهم دابة من الارض فجوابه ان هذا من ادلة كمال رحمته بعباده وتمام حكمته وسعة علمه فانه لو صرح بها على هذا الوجه الذي يعرفه الناس الان لكان في ذلك اعظم فتنة لاعداء الدين واوليائه. لان النفوس مولعة بالتكذيب بما لم تشاهد له نظير وخصوصا اذا بلغ في الاستغراب مبلغا كبيرا. فمن لطف الله تعالى ان ذكر هذه المخترعات بالفاظ عامة عند ظهورها يتمكن البصير من تطبيقها عليها اذ لو صرح بها في ذلك الوقت لكان فتنة للناس. كما ذكرنا هذا المعنى على قوله تعالى وما جعلنا الرؤيا التي اريناك الا فتنة للناس. والشجرة الملعونة في القرآن من التفسير من تفسير فلو ان الشارع اخبر في ذلك الزمان ان الناس سيتخاطبون من مشارق الارض ومغاربها وانهم يطيرون في الهواء ويخترعون الامور الهائلة لوقعت الفتنة ولكن الله سلم انه عليم حكيم. الوجه العاشر نسوق نموذجا من الادلة البراهين على صدق ما اخبر الله به ورسوله. يحصل به اليقين ودفع شبه المكذبين. مستفاد من هذه الاية الكبرى. وذلك كأن مبنى تكذيب المكذبين لله ورسوله فيما اخبر به من كمال قدرته وسعة علمه وانه يبعث الاموات ويجازيهم بما عملوا مبنى ذلك على مجرد استبعادات منهم. وانهم يرون ذلك محالا ممتنعا بالنسبة الى قدرة المخلوقين خالقهم كما بسط شبههم في كتابه. فيقال لهؤلاء المكذبين وامثالهم قد شاهدتم باعينكم كيف يتكلم المذيع يسمع صوته من في المشارق والمغارب في لحظة واحدة على السواء. وهو ما هو عبد ضعيف خرج من بطن امه لا يعلم شيئا فلم يزل الله يعلمه ويرقيه في العلوم الكاشفة والعلوم المؤثرة حتى وصل الى هذه الحال. اليس الذي اعطاه هذا وغيره اولى واعظم واقدر على احياء الموتى ومجازاتهم باعمالهم. اليس من عنده ادنى انصاف فضلا عن الايمان انه ينتقل ذهنه لاول وهلة الى الاعتراف بكمال قدرة الله. وان كل ما اخبر به واخبرت رسله مما كان وسيكون ليس بغريب وليس محلا للاستبعاد بعدما شاهد صدور المستبعدات بل المستحيلات من الادمي الناقص الضعيف. اليس الذي اعطى الادمي هذا العلم قدرة اولى بذلك وله المثل الاعلى. اليس الذي جعل عناصر العالم ومواد الكهرباء منقادة للادمي ومسخرة له يستعملها فيما شاء من ايصال الاصوات والانوار وحمل الاثقال وتسهيل الصعاب وما مات لذلك. الا يدل ذلك على انه على كل شيء قدير وبكل شيء محيط. وانه واسع الرحمة. بحيث ان رحمته وسعت كل شيء. وتنوعت للادمي في جميع طالبه ومآربه. وان خلق العباد وبعثهم عنده كنفس واحدة. وانه يحاسب العباد الاولين والاخرين في ساعة واحدة. كما يرزقهم ويدبرهم بانواع التدابير في ساعة واحدة. وانه لا يشغله علم بعض العوالم عن علم بعضها. ولا يغيب عن علمه مثل قالوا ذرة في السماوات ولا في الارض. ولا اصغر من ذلك ولا اكبر. وانه لا تسقط من ورقة الا يعلمها ولا حبة في ظلمات الارض ولا رطب ولا يابس الا في كتاب مبين. ولو ان ما في الارض من شجرة اقلام والبحر يمده من بعده سبعة ابحر ما نفدت كلمات الله ان الله عزيز حكيم. وان عنده مفاتيح الغيب لا يعلمها الا هو. وان له من العظمة والكمال والمجد والجلال. ما لم يصل الاولون والاخرون منه الا الى اقل القليل وان الخلق مهما ارتقت معارفهم واتسعت علومهم فانهم لا يحيطون بشيء من صفاته. وان الذي اوصل الادمي الى هذه الاحوال العجيبة هو الاله الذي لا تنبغي العبادة والتوجه والتأله الا له. لانه ليس بالعباد نعمة الا منه. ولا يكشف الشر الا هو وهو الذي له الكمال المطلق من جميع الوجوه والاعتبارات لا اله الا هو العزيز الحكيم. وهي ايضا من اكبر الحجج حين طغى الحاد وزخر الماديون المنكرون لغير المحسوسات التي يعرفون موادها وكونهها. وما سوى ذلك من امور الغيب التي بها جميع الرسل فكابروا في انكاره وتكذيبه. فهلا جعلوا ما مضى من الازمنة السابقة نصب اعينهم ثم فرضوا في تلك الازمان بوجود اثار الكهربائية في هذا الزمان من صنع الادمي الضعيف. فانها اذا مرت او بعضها بخواطرهم اعتبروها خيالات جنون وفرض امور محالة. ورأوا الحديث عنها من الاعيب الصبيان والسفهاء. ثم لم يفتأ الليل والنهار حتى فجاءهم ما ارهقهم الى الاذعان. وطفقوا يسعون لترقية هذه الامور. وانه في الامكان مضاعفتها اضعافا كثيرة كاري اعمال مثلها او دونها او فوقها هم لها عاملون. فهلا اذعن لملك الملوك وكامل القدرة وعظيم السلطان الذي اذا اراد شيئا قال له كن فيكون. وهل اذعنوا لرسل الله وكن لخلقه الذين ارتقوا في علية الاخلاق وكمال الارواح وتزكية القلوب. وصدق الاقوال والاعمال والاحوال. مرتقى اعظم واعلى مما بين العالم العلوي والسفلي واعظم من نسبة الصناعات القديمة الساذجة الى المخترعات الحديثة الهائلة. فالفرق بين اخلاقهم واخلاق غيرهم ابلغ من هذا الفرق بان الامور الحسية لا تنسب بوجه الى الامور الروحية المعنوية. ولكن الظالمين لفي شقاق بعيد. ولا يعلمون قلنا نبأه بعد حين. والله اعلم. وصلى الله على محمد وسلم. والقصد انه لقصور الاذهان عن تطبيق هذه الاية عظيمة على ما ذكرنا واستعجال كثير منهم بانكار ما لم يروه في الكتب مسطرا. رأيت من المصلحة عدم التصريح بانها هي المراد من الاية مع حصول المقصود. فاننا ولله الحمد فاننا ولله الحمد لا زلنا نقرر بحسب المناسبات ان هذه المخترعات من اكبر الادلة على توحيد الله وعظمته. وكمال قدرته وصدق ما اخبر به من امور الغيب. واخبرت به الرسل ومن ابلغ الحجج والالزامات للملحدين والماديين من دون ان نقول انها هي دابة الارض. وبذلك يحصل خير كثير من دون مفسدة كتشويش ونحوه. ونسأل الله تعالى ان يفتح علينا من خزائن رحمته وجوده علما نافعا ورزقا واسعا سعة وعملا متقبلا وبركة في احوالنا كلها. انه جواد كريم. وصلى الله على محمد وسلم تم نسخه من خط يد المؤلف رحمه الله وغفر له صباح الاحد في السابع من شهر خمسة سنة اثنتين وتسعين وثلاثمائة والف من الهجرة الموافق للثامن عشر من شهر ستة سنة اثنتين وسبعين وتسعمائة والف من الميلاد