المكتبة السمعية للعلامة المفسر الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله. يسر فريق مشروع كبار العلماء ان يقدم لكم قراءة تفسير السعدي. بسم الله الرحمن الرحيم والسماء ذات البروج اي ذات المنازل المشتملة على منازل الشمس سوى القمر والكواكب المنتظمة في سيرها. على اكمل ترتيب ونظام دال على كمال قدرة الله تعالى ورحمته. وسعة علمه وحكمته. واليوم الموعود وهو يوم القيامة الذي وعد الله الخلق ان يجمعهم فيه. ويضم فيه اولهم واخرهم وقاصيهم ودانيهم. الذي لا يمكن ان يتغير ولا يخلف الله الميعاد وشاهد ومشهود شمل هذا كل من اتصف بهذا الوصف اي مبصر ومبصر وحاضر ومحبوب وراء ومرئي والمقسم عليه. ما تضمنه هذا القسم من ايات الله الباهرة. وحكمه الظاهرة ورحمته الواسعة وقيل ان المقسم عليه قوله وهذا دعاء عليهم بالهلاك. والاخدود الحفر التي تحفر في الارض. وكان اصحاب الاخدود هؤلاء قوم من كافرين ولديهم قوم مؤمنون. فراودوهم للدخول في دينهم. فامتنع المؤمنون من ذلك. فشق الكافرون اخدودا في الارض وقذفوا فيها النار وقعدوا حولها وفتنوا المؤمنين وعرضوهم عليها. فمن استجاب لهم اطلقوه ومن استمر على الايمان في النار وهذا في غاية المحاربة لله ولحزبه المؤمنين. ولهذا لعنهم الله واهلكهم وتوعدهم فقال ثم فسر الخدود بقوله النار ذات الوقود. وهذا من اعظم ما يكون من التجبر وقساوة القلب. لانهم جمعوا بين الكفر بايات الله ومعاناة ومحاربة اهلها وتعذيبهم بهذا العذاب. الذي تنفطر منه القلوب وحضورهم اياهم عند القائهم فيها والحال انهم ما نقموا من الا خصلة يمدحون عليها وبها سعادتهم. وهي انهم كانوا يؤمنون بالله العزيز الحميد. اي الذي له العزة التي بها كل شيء وهو حميد في اقواله واوصافه وافعاله الله على كل شيء شهيد. الذي له ملك السماوات والارض خلقا وعبيدا. يتصرف فيهم المالكي بملكه علما وسمعا وبصرا. افلا خاف هؤلاء المتمردون على الله؟ ان يبطش بهم العزيز المقتدر. او ما انهم جميعهم مماليك لله. ليس لاحد على احد سلطة من دون اذن المالك. او خفي عليهم ان الله محيط باعمالهم مجاز لهم على فعالهم كلا ان الكافر في غرور. والظالم في جهل وعمل عن سواء السبيل. ثم وعدهم واوعدهم وعرض عليهم التوبة فقال اي العذاب الشديد المحرق. قال الحسن رحمه الله انظروا الى هذا الكرم والجود. هم قتلوا اولياءه واهل طاعته وهو يدعوهم الى التوبة. ولما ذكر عقوبة الظالمين ذكر ثواب المؤمنين فقال الذين امنوا وعملوا لهم جنات ان الذين امنوا بقلوب بهم وعملوا الصالحات بجوارحهم لهم جنات تجري من تحتها الانهار. ذلك الفوز الكبير الذي حصل به الفوز برضا الله دار كرامته اي ان عقوبته لاهل الجرائم والذنوب العظام لقوية شديدة وهو بالمصاد للظالمين. كما قال الله تعالى وكذلك اخذ ربك اذا اخذ القرى وهي ظالمة. ان اخذه اليم شديد اي هو المنفرد بابداء الخلق واعادته. فلا مشارك له في ذلك وهو الغفور الودود. وهو الغفور الذي يغفر الذنوب جميعها لمن تاب. ويعفو عن لمن استغفره واناب. الودود الذي يحبه احبابه محبة لا يشبهها شيء. فكما انه لا يشابهه شيء في صفات والجمال والمعاني والافعال. فمحبته في قلوب خواص خلقه. التابعة لذلك لا يشبهها شيء من انواع المحاب ولهذا كانت محبته اصل العبودية. وهي المحبة التي تتقدم جميع المحاب وتغلبها. وان لم يكن غيرها تبعا لها كانت على اهلها وهو تعالى الودود الواد لاحبابه. كما قال تعالى يحبهم ويحبونه. والمودة هي المحبة الصافية وفي هذا السر اللطيف حيث قرن الودود بالغفور ليدل ذلك على ان اهل الذنوب اذا تابوا الى الله وانابوا غفر لهم ذنوبهم واحبهم فلا يقال بل تغفر ذنوبهم ولا يرجع اليهم الود. كما قاله بعض الغالطين. بل الله افرح بتوبة عبده حين يتوب من رجل له راحلة عليها طعامه وشرابه وما يصلحه. فاضلها في ارض فلاة مهلكة فايس منها. فاضطجع في ظل شجرة ينتظر الموت فبينما هو على تلك الحال اذ راحلته على رأسه فاخذ بخطامها فالله اعظم فرحا بتوبة للعبد من هذا براحلته. وهذا اعظم فرح يقدر. فلله الحمد والثناء. وصفو الوداد ما اعظم بره. واكثر خيره واغزر احسانه واوسع امتنانه. اي صاحب العرش العظيم الذي من عظمته انه وسع السماوات والارض والكرسي. فهي بالنسبة الى العرش كحلقة ملقاة في فلاة. بالنسبة لسائر الارض وخص الله العرش بالذكر لعظمته. ولانه اخص المخلوقات بالقرب منه تعالى. وهذا على قراءة الجر. يكون المجيد للعرش واما على قراءة الرفع فان المجيد نعت لله والمجد سعة الاوصاف وعظمتها اي مهما اراد شيئا فعله. اذا اراد شيئا قال له كن فيكون. وليس احد فعالا لما يريد الا الله فان المخلوقات ولو ارادت شيئا فانه لا بد لارادتها من معاون وممانع والله لا معاون لارادته ولا ممانع له مما اراد ثم ذكر من افعاله الدالة على صدق ما جاءت به رسله. فقال وكيف كذبوا المرسلين؟ فجعلهم الله من المهلكين اي لا يزالون مستمرين على التكذيب والعناد لا تنفع فيهم الايات ولا تجدي لديهم العظات اي قد احاط بهم علما وقدرة. كقوله ان ربك لبالمرصاد. ففيه الوعيد الشديد للكافرين من عقوبة من هم في قبضته وتحت تدبيره بل هو قرآن مجيد اي وسيع المعاني عظيمها كثير الخير والعلم محفوظ من التغيير والزيادة والنقص ومحفوظ من الشياطين. وهو اللوح المحفوظ قد اثبت الله فيه كل شيء. وهذا يدل على جلالة القرآن وجلالته ورفعة قدره عند الله تعالى. والله اعلم