المكتبة الصوتية للعلامة الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله مناظرة بين ثلاثة في حكم النوط. تأليف الشيخ العلامة عبدالرحمن بن ناصر السعدي. بسم الله الرحمن الرحيم. هذه صورة مناظرة بين ثلاثة في حكم اللوط الورق المعروف لوط الدين ونوط الجنيه ونوط الدينار. قال احدهم انه عرض له حكم سائر العروض. وقال اخر انه نقد له حكم سكته. وقال الثالث انه سند وبيع للدين. وكل من هم ابدى ما عنده من الاستدلال ليقف الناظر عليها ويرجح اقربها الى الادلة الشرعية والاصول الدينية. قال صاحب عندي على ما قلت عدة ادلة وبراهين. لو لم يكن منها الا ان هذا هو الواقع وان الثمن هو النوط حيث به كما انه هو السلعة حيث اشتري فالعقد واقع على نفس ذلك الورق. وهو المقصود لفظا ومعنى وان كان قد جعل ورغبته اسباب متعددة. فكثير من السلع قد يكون لروجانها اسباب متعددة. كما يكون لضد ذلك اسباب فالعقد لم يقع على ذهب ولا فضة حتى يدخل في قوله صلى الله عليه وسلم الذهب بالذهب ربا الا هاء وهاء والفطرة الفضة بالفضة ربا الا مثلا بمثل وزنا بوزن يدا بيد. وانما وقع على اوراق تخالف معدنها للذهب الفضة من كل وجه. وان وافقه في الثمانية فليس في تلك الموافقة ما يوجب ان يجري فيه الربا. وان يحكم فيه بحكم الذهب والفضة كما ان انواع الجواهر واللآلئ ونحوها لو وافقت الذهب والفضة في غلائها او زادت عليه لا يحكم عليها باحكام الذهب فضة فكذلك ها هنا. فتعين انها سلع يثبت لها ما يثبت لسائر السلع من زيادة ونقصان. وجواز بيع بعضها ببعض متماثلا او متفاضلا من جنس او اجناس يوضح هذا ان الاصل جواز المعاملات والعقود. وان من ادعى تحريم او معاملة فعليه ان ياتي بدليل يدل على التحريم. وادلة التحريم في جريان الربا انما تدل على جنس الذهب والفضة تتناول هذه الاوراق فتبقى على الاصل وهو جل المعاملة حتى يأتينا ما يخالف الاصل بدلالة واضحة بينة ان لنا ذلك ويؤيد هذا ان منع المعاملة بها وجعلها بمنزلة بيع الدين حيث لا تحل مطلقا مع انه قول لا دليل عليه ففيه من الحرج والضيق بل عدم الامكان والتعذر ما يوجب ان نعلم علما جازما ان الشرع لا يأتي به ويضيق عليهم ما مضطرون الى المعاملة فيه. مع سعة الشريعة ويسرها وكونها صالحة لكل زمان ومكان. فانه لا يخفى ان جميع الدنيا الا النذر اليسير منها كل معاملاتها في هذه الاوراق التي تسمى الانواط. فلو حكم لها باحكام السندات لتعطلت المعاملات في هذا الوقت الذي تقتضي الاحوال وظروفها ان يخفف فيه غاية التخفيف. وايضا فمع هذا الضيق يقع التجرؤ والتوثب على الحرام والمعاملات الخبيثة. لان الذي يتدين بالشريعة اذا ظن واعتقد ان الشريعة تدل على تحريم المعاملة بها وهو مع ذلك يرى ضرورته وضرورة غيره داعية بل ملجأة الى هذه المعاملات لم يصبر على هذا والشدة وخلع عن نفسه خلعة الورع. فتجرأ على هذا الذي يعتقده محرما. وانجر الى عدة محرمات. لان المعاصي اخذ بعضها برقاب بعض. هذا معلوم بالحس والتجربة. ومن الادلة على انها ليست بنقود بل عروضة ان هذه الاوراق اذا سقطت حكومتها وانهارت دولتها وشركتها التي رفعتها واعزتها بقيت لا قيمة لها لا قليلا ولا كثيرا فعلم بالحس والمعنى انها ليست بنقود وان كانت قائمة مقامها في الثمانية مؤقتة. للسبب الذي ذكرنا. فالحكم دائر كن مع علته. فقد قامت مقام النقد في شيء وخالفته في اشياء. في ذاتها هي اوراق والنقض ذهب او فضة. واذا انهار الاصل الذي اسسها لم يكن لها قيمة ولا لجوهرها عوض. ولا يمكن القياس مع هذه المخالفة لان شرط القياس ان يستوي الاصل الفرع في واحدة من غير فارق بينهما. نعم نحن لا ننكر موافقتها للنقدين في وجوب الزكاة والنصاب وحصول المقاصد. كما تشاركه العروض في هذه الامور ومن ادلة هذا القول ان المشهور من مذهب الامام احمد ان العلة في جريان الربا في النقدين كونهما دونين وهذا مفقود في الورق كما هو مشاهد. وقال صاحب النقد وان حكم كل نوط حكم نقده في جريان الربا كما كان ما حكمه في الزكاة وغيرها؟ قال قد تقررت القاعدة الشرعية في مصادرها ومواردها ان البدل له حكم مبدله. وان النائب له حكم من ندبه عنه في جميع الاشياء. والناس لا يختلفون ان هذه الانواط انواط الذهب والفضة قائمة مقام سكتها وجارية مجاريها حالة محلها وذلك عام في جميع الابواب. فما الفرق بين باب الزكاة الذي لا يختلف الناس فيه من باب الربا. فالشارع قد نص على البابين على على النقدين اذ هما في ذلك الوقت وبعده بازمان كثيرة سكتوا الناس وثمنيتهم. فاذا قال القائل ان الانواط لا تدخل تحت قول النبي صلى الله عليه عليه وسلم الذهب بالذهب ربا الى اخره لانها اوراق وما نص عليه ذهب وفضة فلاي شيء لا يقول القائل انها لا تدخل في ايجاب النبي صلى صلى الله عليه وسلم الزكاة في مائتي درهم وفي عشرين دينارا. فيقول هذه اوراق وليست بدراهم ولا دنانير فلا زكاة فيها. ومن المعلوم انه لا يمكنه القول بما يخالف الاجماع. فما الفرق بين البابين وان النوط يجعل في باب الزكاة نائبا وبدلا وفي باب الربا لا يجعل كذلك يوضح هذا توضيحا جليا ان الربا الذي حرمه الله في كتابه وحرمه رسوله واجمع عليه المسلمون وهو ربا نسيئة وكذلك ربا الفضل الذي حدده النبي صلى الله عليه وسلم بحدود وشرط فيه التقايض مطلقا والتماثل عند اتفاق الجنس يلزم على قول القائل ان عرض وليس بنقد انه يرتفع الربا بانواعه. ربا الفضل والنسيئة بل وربا القرض في جل المعاملات. لانها اذا حكم لها بانها لزم من هذا جواز بيع بعضها ببعض حاضرا وغائبا. متماثلا ومتفاضلا. والمعنى الذي جرم الشارع الربا لاجله موجود فيها وكل احد لا يفرق بين بيع دينار بدينارين او درهم بدرهمين او بيع نوط روبية بنوط اثنتين ونوط دينار بنوط اثنين بل لا يفرق المفرق بين بيع عشرات دنانير نقدا باثني عشر نوط دينار نسيئة. فمهما قبل بجواز ذلك بالنوط وصل من المفاسد من تعاطي الربا وما يترتب عليه من المضار ما تمنعه الشريعة. يوضح هذا ان الاعمال بالنيات. وان الامور الشرعية من مقاصدها ومعانيها لا بالفاظها ورسومها. فالمقصود من هذه الانواط انما هو ان تكون اثمانا بمنزلة الذهب والفضة. ولو كان هذا القصد مدعوما بالاسباب التي ذكرتموها. ولهذا انزالت الاسباب التي روجته اصبح كاسدا. وكل يعرف انه ليس القصد نفس وجوهرها وانما القصد ثمنيتها. تعين ان نوط الروبية محكوم بانه كسكته. وان نوط الدينار كسكته في الزكاة والربا وغيرهما من الابواب. ومن اراد التفريق بينهما فعليه الدليل. يوضح هذا ان كثيرا من الفقهاء ومنهم شيخ الاسلام ابن تيمية وابن ابن القيم وغيرهما قالوا ان العلة في جريان الربا في النقدين انما هي الثمنية. وانها قيم الاشياء واثمانها. فلذلك نص سارعوا عليها ولا يخفى ان الثمانية في الانواط موجودة. فتعين جريان الربا فيها لوجود العلة. وايضا فالاجوبة التي وجهتموها في حذر المعاملة وضيقها انما تتوجه على قول من قال انها كبيع الصكوك. وما في الذمم ونحن نوافقكم على ما فيها من الحرج والضيق ان تنزيلها على هذا الاصل في غاية الضعف. ولكن قولنا الذي به تتفق المقاصد الشرعية والاصول الصحيحة والاحكام والاتقان من غير ضرر ولا عسر. وبالجملة فمن نظر الى المعاني الشرعية وعرف الواقع لم يسترب ان النوط حاله حال الاثمان والله اعلم. فقال الثالث الذي يرى ان النوط حكمه حكم بيع السكوك والديون في الذمم. لا يخفى على من نظر الى هذه الاوراق المسماة بالانواط انها في نفسها لا تسمن ولا تغني من جوع. وليس لها قيمة في ذاتها. وانما حقيقتها ان الحكومات التي بثتها واخذت نقود الناس قد تكفلت بنفسها او تكفل بعض شركاتها بهذه الاوراق. اسسوا لذلك التأسيسات التي امنت الناس وجعلتهم ينقادون لذلك رغبة منهم. وجعلت لكل من اتى بورقة منها واراد نظيرها من النقد سلمته اياه. ولم تتوقف في ذلك فتبين بهذا انه دين على الحكومة التي كفلته. وانه ليس هو المقصود وانما المقصود عوضه. فلا يجوز على هذا بيعه ولا شراؤه ولا الشراء به. لانه بيع لما في الذمم. وهو بيع الصكوك. وهي الوثائق التي فيها الديون على الناس. فما الفرق بينها وبين اوراق الانواط الا في سرعة الوفاء وبطئه؟ فالديون التي في الذمم فيها ايضا التفاوت بين الامراض طيب فتعين انه يجب العدول عنها الى غيرها. ولو احدثت الذمم فيها ايضا التفاوت بين الامرين. فتعين انه يجب العدول عنها الى غيرها ولو احدثت من الضرر ما احدثت. فان بعض المعاملات المحرمة التي يتوهم كثير من الناس في تركها ضررا. اولا ان ذلك غير مسلم فانه ما من امر محرم الا وفي المباح غنية عنه وسعة. ثانية ان من ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه. فقال صاحب العروض لصاحب النقد حاصل ما احتجتم به ان هذه الاوراق معانيها والمقصود منها مقصود النقدين. وانه يلزم من قولنا انها عرض ارتفاع الربا بانواعه. فالجواب هذا انه لا حرام الا ما حرمه الله ورسوله. وما نص عليه او كان في معنى المنصوص من كل وجه. وقد ذكرنا انه ما يتفقان في اشياء ويفترقان في اشياء فامتنع القياس. واما قولكم انه يلزم منه ارتفاع الربا بانواعه قلنا لا يلزم منه ذلك ان الربا يجري في الاشياء التي نص الشارع عليها وما كان مساويا لها من كل وجه. وهذه الاشياء ما زالت ولا تزال موجودة في كل عصر ونصف زمان ومكان. فالحكم يدور معها حيث كانت ولا يتعداها الى غيرها. وما الاوراق في حكمها الا كما لو تعاطى الناس المعاملة بشيء من المنسوجات او المعمولات او الحيوانات التي لا يجري الربا فيها. واضطردت عندهم انها قيم الاشياء وثمن المبيعات. فهل ينتقل الذهب والفضة اليها ام تقولون انه خاص بالنوط دون هذه الاشياء؟ وهذا تحكم لا دليل عليه. فاما ان تجعلوها جميعا حكما واحدة واما ان تفرقوا ولا سبيل الى التفريق. فتعين ان يكون حكمها واحدة لا يجري الربا فيها وهو المطلوب. فقال صاحب النقد قد بينا لكم ان هذه الانواط تابعة في جميع مقاصدها واحوالها للنقدين المضروبين. وهذا امر لا يحتاج الى ايضاح. فان كان كل احد يعرف انها هي النقود والثمن للاشياء؟ واما الفرق الذي ذكرتموه ان معدنها غير معدن الذهب والفضة فليس العبرة بالرسوم والاشباح، وانما العبرة المعاني والارواح ومعانيها متفقة ومقاصدها مؤتلفة وما يراد بكل منها مشترك. فالفرق العائد الى رسومها واشباحها التي لا تقصد بوجه لا عبرة به. ولهذا قد اتفق الاصوليون ان العبرة في جميع القياسات والاعتبارات بالمعاني والصفات المقصودة التي اتفقت اتفق الحكم ومتى اختلفت اختلف. ولهذا من القواعد الشرعية المقررة ان الشارع لا يفرق بين متماثلين. كما لا يجمع بين مخترقين. واما قولكم انه قد يقوم بعض العروض مقام النقض فجواب هذا المنع. واننا لا نسلم وجود شيء من العروض يقوم مقاما عقدين في احواله كلها. بل ولا في كثير منها وهذا بخلاف النور فانه قائم مقامها في كل شيء. بل الغالب الان ان النقدين يروجان يروجان زيادة ونقصا. والنوط اثبت منها واقرب الى الثمنية وثبوت السعر. فتعين ان تكون لها حكم النقض في جميع الاحكام. كما قامت مقامه في كل المقاصد والاحوال والله اعلم. وبالجملة فالمسألة دائرة ومنحصرة في احد هذين القولين. هل هو عروض او حكم حكمه كالنقد. واما القول بانه حكم بيع الديون في الذمم فقد تبين واتضح ضعفه. فقال لهم رابع ممن رأى تكافؤ الدليلين دليل من يراها نقدا ودليل من يراها عروضا. ارأيتم لو ان متوسطا توسط بين القولين وسلك طريقا بين الطريقين. بان حكم للانواط حكما وقودي في بيع النسيئة فمنع من بيع العشرة مثلا باثني عشر الى اجل. لان هذا هو ربا نسيئة الذي اجمع المسلمون على تحريمه. واتفق سانعون ايضا من ربا الفضل انه اشد حرمة واعظم اثما من ربا الفضل. واجاز بيع بعضها ببعض حاضرا ويدا بيد. سواء تماثلت ام لا لان تحريم ربا الفضل انما كان لاجل انه وسيلة الى ربا نسيئة. لان بعض العلماء اجازه وان كان محجوجا بالادلة الشرعية. لكن كون اوراقي غير نقود حقيقية. ولاجل موضع الحاجة ربما صاغ او تعين الاخذ بها. فهذا القول المتوسط والتفصيل المذكور يمكن القول مع مراعاة المعاني الشرعية. وهذا كما رجح كثير من الاصحاب مسألة بيع الفلوس بعضها ببعض حاضرة بدون شرط التماثل. ومنع من بيع بعضها ببعض مؤجلة او من بيعها باحد النقدين مؤجلة. والفلوس الى النقدين اقرب الى الانواط من النقدين. يؤكد هذا ان بيع الانواط بالانواط الى اجل هو بعينه الربا الداخل في قوله تعالى يا ايها الذين امنوا لا تأكلوا الربا اضعافا مضاعفة. فمفسدة بيع انوار باثني عشر الى اجل لا تنقص عن مفسدة بيع عشرات دراهم او دنانير باثني عشر الى اجل. والمفسدة التي حرم الشارع الربا لاجلها خصوصا ربا النسيئة لا يمكن من له ادنى مسكت من عقل وتمييز ان ينكر وجودها باكملها في بيع الانواط بعضها ببعض او باحد النقدين نسيئة تكاد ان تكون من الضروريات. والمقصود انه لو سلك سالك لهذا التفصيل فرارا من ربا نسيئة وتسهيلا للامر بشدة الحاجة الى بيع بعضها بعض بالقيم لا بالمسمى المرقوم عليها مع عدم النص القاطع على المنع في هذه الحالة كان اقرب الى الصواب. ومن مرجحات هذا التفصيل لان ربا الفضل ابيح منه ما تدعو اليه الحاجة كمسألة العرايا. واجاز كثير من اهل العلم بيع حلي الذهب بذهب وحلي الفضة بفضة متفاضلة بين الحلي والسكة. جعلا للصنعة اثرها في الثمنية والتقويم. وغير خاف حاجة الخلق في هذا الوقت لهذا هذه المسألة بل اضطرار اليها في كثير من الاقطار التي تضطر اهلها على الجري على القواعد المؤسسة عندهم في المعاملات التي لا يمكن المعامل الخروج عنها. فالحاجة بل الضرورة مع كونه غير ربا نسيئة. مع كون الانواط غير جوهر الذهب والفضة. مع اختلاف اهل للعلم في حكمها مما يسوغ هذا القول بل يرجحه والله اعلم