الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه احمده له الحمد في الاولى والاخرة وله الحكم واليه ترجعون واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له. اله الاولين والاخرين واشهد ان محمدا عبد الله ورسوله صلى الله عليه وعلى اله وصحبه ومن اتبع سنته واقتفى اثره باحسان الى يوم الدين اما بعد فنقرأ ما يسر الله تعالى من ايات الذكر الحكيم في سورة النساء ثم نقف على ما ذكره الامام البخاري رحمه الله من الاثار والاحاديث تفسير تلك الايات او بيان اسباب نزولها. اعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم واذا ضربتم في الارض فليس عليكم جناح ان تقصروا من الصلاة ان خفتم ان خفتم ان يفتنكم الذين كفروا ان الكافرين كانوا لكم عدوا مبينا واذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة فلتقم طائفة منهم معك وليأخذوا اسلحتهم فاذا سجدوا فليكونوا من ورائكم ولتأت طائفة اخرى لم يصلوا فليصلوا معك وليأخذوا حذرهم واسلحتهم الذين كفروا لو تغفلون عن اسلحتكم وامتعتكم. فيميلون عليكم ميلة واحدة ولا جناح عليكم ان كان بكم اذى من مطر او كنتم مرضى او كنتم مرضى ان تضعوا اسلحتكم وخذوا ان الله اعد للكافرين عذابا مهينا فاذا قضيتم الصلاة فاذكروا الله قياما وقعودا وعلى جنوبكم فإذا اطمأننتم فأقيموا الصلاة ان الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا ولا تهنوا في ابتغاء القوم ان تكونوا تألمون فإنهم يألمونك كما تألمون وترجون من الله ما لا يرجون. وكان الله حميما حكيما هذه الايات الكريمات بين الله تعالى فيها عظيم احسانه وكبير فظله على عباده بمراعاة احوالهم الترخيص لهم في مقام العسر والمشقة وهكذا هي شريعة احكم الحاكمين بناؤها على اليسر ورفع الحرج قال الله جل وعلا ما جعل عليكم في الدين من حرج وقال سبحانه يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر وقال سبحانه ان نحن وقال جل وعلا ان يسرنا القرآن للذكر ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر؟ وتيسير القرآن تيسير لفظه وحفظه وفهمه والعمل به فكل هذه الايات دالة على يسر الشريعة وانها تراعي الاحوال في دفع الحرج. وقد قال النبي صلى الله عليه وعلى اله وسلم فيما جاء في الصحيحين من حديث ابي هريرة ان الدين يسر ولن يشاد الدين احد الا غلبه وقد شمل يسر الشريعة جمع ما جاء فيها من العقائد والاحكام من الاصول والفروع من مباني الاسلام وتفاصيله فهذا الذكر الحكيم في هذه الايات التي استمعنا اليها ذكر الله جل وعلا ما يسره لعباده في شأن الصلاة وهي عمود الدين واصله الذي لا يقوم الا به كما قال صلى الله عليه وسلم بين الرجل او الشرك بين الرجل والشرك او الكفر ترك الصلاة والعهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر ومع عظيم مقامها ورفيع منزلتها وكبير قدرها الا ان الله جل وعلا جعل فيها من اليسر الرخصة ما يندفع به عن الناس الحرج قال الله تعالى واذا ضربتم في الارض فليس عليكم جناح ان تقصروا من الصلاة ان خفتم ان يفتنكم الذين كفروا ان الكافرين كانوا لكم عدوا مبينا هذه الاية جمهور اهل التفسير على ان القصر الذي يسره الله تعالى لاهل الاسلام فيها هو قصر عدد الصلاة الرباعية من اربع الى ركعتين رخصة منه جل وعلا في الاسفار والظرب في الارض قال تعالى واذا ضربتم في الارض اي سرتم تفرا فليس عليكم جناح اي لا مؤاخذة ولا اثم ان تقصروا من الصلاة اي ان تقصر عدد ما فرض عليكم من الصلاة الرباعية الى اثنتين وهذا القصر قصر عدد وهو ثابت بالاجماع لا خلاف بين العلماء في ان المسافر اذا خرج وظرب في الارض فانه يقصر الصلاة وجمهور العلماء على ان هذا القصر سنة فلو اتم صحت صلاته قال جل وعلا ان خفتم ان يفتنكم الذين كفروا وهذا قيد بالرخصة اذ ان الله جل وعلا جعل هذه الرخصة في حال الخوف من الذين كفروا من فتنتهم واذاهم الا ان هذه الرخصة صدقة تصدق الله تعالى بها على عباده حتى بعد ما امنوا ففي صحيح الامام مسلم من حديثه على ابن امية انه قال لعمر ما بال ما بالنا نقصر وقد امنا والله تعالى يقول واذا ضربتم في الارض فليس عليكم جناح ان تقصروا من الصلاة ان خفتم ان يفتنكم الذين كفروا فجعل ذلك شرطا لاباحة القصر قال عمر رضي الله تعالى عنه سألت عن هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يعني استشكل عمر ما استشكله يعلم ابن امية اذ ان الاية شرطت لاباحة القصر خوف فتنة الكافرين فقالت زال الخوف وحصل الامن فلماذا نقصر؟ والله تعالى قد قيد اباحة القصر بالخوف من فتنة اهل الكفر فقال عمر هذا السؤال للنبي صلى الله عليه وسلم فقال له هي صدقة تصدق الله تعالى بها عليكم فاقبلوا صدقته ومعنى هذا ان القيد في الاية ان خفتم ان يفتنكم الذين كفروا ليس شرطا لاباحة القصر في الصلاة وهذا الذي عليه عامة اهل العلم ان القصر في الصلاة رخصة في السفر مطلقا سواء كان معه خوف او كان في حال الامر وذهب طائفة من اهل العلم الى ان الاية هي في صلاة الخوف وليست في صلاة السفر والقصر المذكور فيها هو قصر الكيفية وليس قصر العدد فان القصر في صلاة الخوف هو في كيفيتها وصفتها لا في عددها في قول جماهير علماء الامة وهذا القول ايده جماعة من المحققين وقالوا ان القصر في هذه الاية هو قصر كيفية الصلاة حال الخوف وانه رخصة من الله عز وجل ثم جاء بيان ذلك في الاية التالية. والى هذا ذهب الامام الشنقيطي رحمه الله في اضواء البيان وقرره تقريرا جيدا الا ان الذي عليه عامة جماهير اهل التفسير ان هذه الاية تفيد اباحة القصر في السفر وعلى كل حال اذا قلنا ان الاية تدل على القصر في السفر فان الله تعالى ذكر نوعين ذكر نوعين من القصر في الصلاة. الاول قصر العدد وهو في حال السفر وهو في قوله تعالى واذا ضربتم في الارض فليس عليكم جناح ان تقصروا من الصلاة ان خفتم ان يفتنكم الذين كفروا ان الكافرين كانوا لكم عدوا مبينا. والثاني قصر الكيفية والصفة دون العدد وهو ما ذكره جل وعلا في قوله واذا كنت فيهم فاقمت لهم الصلاة فلتقم طائفة منهم معك هذه الاية الكريمة الخطاب فيها للنبي صلى الله عليه وعلى اله وسلم يقول الله تعالى فيها لرسوله واذا كنت فيهم يعني في اهل الاسلام والايمان فاقمت لهم الصلاة اي فصليت بهم والصلاة هنا هي الصلاة التي يجتمع لها وهي الصلوات المفروضات الفجر والظهر والعصر والمغرب والعشاء فلتقم طائفة منهم معك اي فلتقم طائفة من اهل الايمان الذين معك وليأخذوا اسلحتهم اي يكونوا في صلاتهم على حذر من عدوهم وهذا هذه الاية اصل في صلاة الخوف وقد ذكر الله تعالى فيها الصفة تفصيلا في بيان كيف يصلي اهل الاسلام حال الخوف يقول الله تعالى فلتكن طائفة منهم معك اي جماعة من من اهل الاسلام معك في صلاتك وليأخذوا اسلحتهم اي وليكونوا على تهيؤ واستعداد في مواجهة عدوهم اذا طرأ طارئ او داهمهم عدو فاذا سجدوا فليكونوا من ورائكم فاذا سجدوا اي فاذا قضوا صلاتهم ذكر السجود هنا واراد الصلاة يعبر عن بعض اركان الصلاة بالصلاة لبيان الشريف مقام تلك الاركان كقوله تعالى يا ايها الذين امنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم وافعلوا الخير لعلكم تفلحون. فذكر الركوع والسجود وكذلك في قوله واركعوا مع الراكعين هذا كله ذكر لبعض اجزاء الصلاة للتنبيه عليها وما كان كذلك فانما يكون في اركانها. فقوله تعالى فاذا سجدوا اي فاذا فرغوا من صلاتهم فليكونوا من ورائكم اي فليكونوا خلفكم يحمون ظهوركم من اعدائكم فليكونوا من ورائكم وكيف يتمون صلاتهم؟ يتمون صلاتهم يصلون مع الامام ركعة واحدة ثم يقومون يصلون لانفسهم الركعة الثانية وبذلك تتم صلاتهم في حال كون خروجهم للجهاد وقتالهم لاعداء الله في سفر اما اذا كانوا في اقامة فيصلون مع الامام ركعتين ثم يقومون يأتون بركعتين مستقلين عن الامام والامام يقف ينتظر اما يدعو او يقرأ ما يسر الله تعالى له حتى يفرق هؤلاء من صلاتهم فينصرفون وليكونوا من ورائكم ولتأتي طائفة اخرى لم يصلوا فليصلوا معك لم يصلوا اي الركع بصلاتك التي ابتدأتها فليصلوا معك ثم قال تعالى وليأخذوا حذرهم واسلحتهم زاد هنا على الاول اخذ الحذر الاول قال وليأخذوا اسلحتهم وذلك انه في اول الصلاة يكون عندهم من التأهب والتهيؤ والفطنة والحذر ما هو متوقع ان يكون حاضرا في اول العمل فاذا انهمكوا في العمل فقد يكون انهماكهم في عملهم ملهيا لهم عن رصد عدوهم المتربص بهم ولذلك نبه الله تعالى الى ان اشتغالهم بهذه العبادة الجليلة ينبغي الا يشغلهم عن اخذ الحذر من عدوهم. قال تعالى وليأخذوا حذرهم واسلحتهم ود الذين كفروا اي اعدائكم المقاتلون لكم الراغبون في النيل منكم لو تغفلون عن اسلحتكم وامتعتكم. اي لو تذهب نفوسكم واذهانكم بنوع من الغفلة عن سلاحكم وعن امتعتكم فيجري منهم التمكن والاستيلاء على اهل الاسلام قال فيميلون عليكم ليلة واحدة ولا جناح عليكم بعد ان ذكر الله بعد ان ذكر الله تعالى صفة الصلاة على هذا النحو المفصل وهي احدى صفات صلاة الخوف قال تعالى ولا جناح عليكم ان كان بكم اذى من مطر او كنتم مرضى لا جناح عليكم يعني لا اثم ولا وزر ولا مؤاخذة ان كان بكم اذى من مطر اذى اي ما يحصل به التأذي سواء من المطر النازل من السماء او كنتم مرضى اي فيكم من وهل والمرظ والعلة وعدم الصحة ما تحتاجون معه الى التخفف من اسلحتكم لا جناح عليكم ان كان بكم اذى من مطر ولا جناح عليكم. ان كان بكم اذى من مطر او كنتم مرضى ان تضعوا اسلحتكم ثم بعد ذلك عاد الى التنبيه الى ظرورة اخذ الحذر حتى في هذه الحال قال وخذوا حذركم اي من اعدائكم الذين يتربصون بكم ان الله اعد للكافرين عذابا مهينا ان الله اعد للكافرين عذابا مهينا عذابا على ايدي اهل الايمان بقتالهم وهذا عاجل العقوبة واما ما كان في الاخرة فهو اخزى واكبر وابقى وهو ما اعده للكافرين من العذاب الاليم والمقام المؤلم عند العودة الى الله تعالى والقيام بين يديه قال جل وعلا ان الله عد للكافرين عذابا مهينا ان يحصل لهم به تمام الاهانة بعد ذلك قال الله تعالى فاذا قضيتم الصلاة التي وصفها الله تعالى في الاية السابقة فاذكروا الله قياما اي اشتغلوا بذكره جل وعلا قياما وقعودا وعلى جنوبكم اي في كل احوالكم فاذكروا الله وانتم قائمون وانتم قاعدون وانتم مضطجعون على جنوبكم والسبب في تأكيد الامر بالذكر في هذه الحال ان ذكر الله لا يستغني عنه الانسان في حال من الاحوال قال بعض اهل العلم ان الله امر بذكره في هذا المقام لان صلاة الخوف فيها من الانشغال وعدم الاتمام ما يحتاج معه الانسان الى تعويض وتلاف التقصير السابق بنوع من حضور القلب الذي يحتاج اليه الانسان في صلاته فيكون مكملا له فيما بعد صلاته من الذكر قياما وقعودا وعلى جنوبهم. والذي يظهر والله تعالى اعلم ان الامر الذكر بعد الصلاة لا يقتصر على هذه الحال بل ان الانسان محتاج الى الذكر بعد الصلاة لضرورته الى الذكر فالذكر حياة القلوب. ولهذا يقول الله تعالى يا ايها الذين امنوا اذا نودي للصلاة من يوم الجمعة ايش فاسعوا الى ذكر الله السعي هو السير الحثيث الهيم الى الشيء الذي يخشى فواته فاسعوا الى ذكر الله وذروا البيع. ذلكم خير لكم ان كنتم تعلمون. ثم ماذا يقول؟ فاذا قضيت الصلاة فانتشروا في ضرب وابتغوا من فضل الله وايش واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون امر بالذكر مع انهم خارجون من ذكر لان الانسان لا يستغني عن ذكر ربه. حياة قلبه بذكر ربه. فمتى غفل عن ذكر ربه مات قلبه. ولذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكر ربه كمثل الحي والميت فمن قال من اهل التفسير ان الامر بالذكر هنا لاجل تعويض ما كان في صلاة الخوف من انشغال قد يكون هذا صحيحا لكن الذكر مأمور به حتى مع كمال الاشتغال بذكر الله في العبادة فهذه صلاة الجمعة امر الله تعالى فيها بذكره. وكذلك في الحج فاذا قضيتم مناسككم فاذكروا الله كذكركم اباءكم او اشد ذكرا فالله تعالى ندب الى ذكره في كل في ختم العبادات وبعدها وكذلك في الصوم يقول الله تعالى ولتكملوا العدة كبروا الله على ما هداكم. فذكر الله يكون في العبادة. ويكون بعدها لانه لا حياة للانسان الا بذكر الله عز وجل لا حياة لقلبه ولا سعادة لفؤاده ولا انشراح لصدره الا بذكر الله جل وعلا الذي بذكره تطمئن القلوب الا بذكر الله تطمئن القلوب