الحمد لله الذي له ما في السماوات وما في الارض وله الحمد في الاخرة وهو الحكيم الخبير يعلم ما يلج في الارض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها. وهو الرحيم غفور احمده تعالى واشكره حمدا وشكرا كما يحب ويرضى. واحمده واشكره حمدا وكما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه واحمده واشكره حمدا وشكرا عدد خلقه وزنة عرشه ورضا نفسه ومداد كلماته. واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له اشهد ان محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى اله وصحبه ومن اهتدى بهديه واتبع سنته الى يوم الدين وسلم تسليما كثيرا. اما بعد فاتقوا الله ايها المسلمون. يا ايها الذين اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن الا وانتم مسلمون. يا ايها الذين امنوا اتقوا الله وقولوا قولا يصلح لكم اعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما عباد الله الحديث في هذه الخطبة عن عمل عظيم من اعمال القلوب هو من اعلى مقامات التوحيد وافضل العبادات عظيم شأنه جليل قدره لا يقوم به على الكمال الا خواص المؤمنين. اخبر الله تعالى بانه يحب المتصلين به. ذلكم هو التوكل على الله تعالى فاذا عزمت فتوكل على الله ان الله يحب المتوكلين. قال ابن القيم رحمه الله التوكل اصل لجميع مقامات الايمان والاحسان ولجميع اعمال الاسلام. قال الله تعالى وعلى الله فتوكلوا ان كنتم مؤمنين. فجعل التوكل على الله شرطا في الايمان. وقوة التوكل وضعفه وبحسب قوة الايمان وضعفه وكلما قوي ايمان العبد كان توكله اقوى واذا ضعف الايمان التوكل واذا كان التوكل ضعيفا فهو دليل على ضعف الايمان ولا بد واما حقيقة التوكل فاحسنوا ما قيل في تعريف التوكل وحقيقته انه صدق اعتماد القلب على الله صدق اعتماد القلب على الله تعالى في جلب المطلوب وزوال المكروه مع فعل الاسباب المأذون فيها وحينئذ فلابد في التوكل من امرين. الامر الاول ان يكون الاعتماد على الله اعتمادا صادقا قيل للامام احمد رحمه الله اي شيء صدق التوكل على الله؟ قال ان يتوكل على الله ولا يكون في بقلبه احد من الادميين يطمع ان يجيبه بشيء. فان كان كذلك كان الله يرزقه وكان متوكلا الامر الثاني فعل الاسباب المأذون فيها. ولابد من هذين الامرين في التوكل فمن جعل اكثر اعتماده على الاسباب نقص توكله على الله. وكانه جعل السبب وحده هو العمدة فيما يصبو اليه من المطلوب وزوال المكروه. وهذا مع الاسف الشديد واقع من كثير من الناس اليوم. لا سيما مع انفتاح العالم بعضه على بعض وتقدم كثير من علوم المادة فاصبح كثير من الناس يعتمد على تلك الاسباب التي جعلها الله تعالى اسبابا لحصول المطلوب او زوال المكروه وينسى الاعتماد على الله تعالى والارتجاء اليه. ولهذا نجد ان بعض الناس عندما يشتكي او يصاب بمرض يبذل الاسباب طلبا للشفاء. يذهب للمستشفيات ويذهب قال ويبذل جميع الاسباب وهذا امر جائز لكنه ينسى طلب الشفاء ممن بيده النفع والضر وان يمسسك الله بضر فلا كاشف له الا هو. وان يردك بخير فهو على كل شيء قدير. واذا مرضت فهو يشفين. عباد الله ولا يفهم من الكلام السابق ان يلغي العبد الاسباب التي قدرها الله تعالى لتكون اسبابا لحصول المطلوب عن زوال المكروه كلا. بل ان فعل السبب المأذون فيه جزء من التوكل على الله وتحقيق التوكل على الله لا ينافي السعي في الاسباب. والله عز وجل امر بتعاطي الاسباب مع امره بالتوكل وقال عز وجل يا ايها الذين امنوا خذوا حذركم وقال واعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل النبي صلى الله عليه وسلم اعظم المتوكلين على الله ومع ذلك كان يأخذ بالاسباب فكان كان يأخذ المتاع معه والمزاد في السفر ويلبس الدرع في في الحروب بل انه بل ان بعض اهل العلم قال ان من طعن في الاسباب لكونها اسبابا بل ان بعض اهل العلم قال ان من طعن في الاسباب لكونها اسبابا فقد طعن في حكمة الله عز وجل لان الله تعالى جعل لكل شيء سببا. والله تعالى حكيم يربط الاسباب كمن يعتمد على الله في اصول الولد وهو لم يتزوج او يعتمد على الله في انبات الزرع وهو لم ينقذ البذر ونحو لذلك وانما الذي يذكر ان يجعل العبد اعتماده في حصول المطلوب او زوال المكروه على الاسباب بالكلية تسبب الاسباب وخالقها ومقدرها وهو الله عز وجل. اذا لابد من فعل الامرين جميعا يفعل العبد الاسباب ويعتمد قلبه على الله عز وجل. فلا يعتمد على الاسباب وينسى مسبب الاسباب. ولا على الله تعالى مع اهمال الاسباب لان هذا يتنافى مع حكمة الله عز وجل. فمن يريد الولد وهو لم يتزوج ويقول انا متوكل على الله هذا ليس توكلا على الله عز وجل. لا بد من فعل السبب اولا ثم يأتي اعتماد القلب على الله عز وجل بعد ذلك. عباد الله ان الاسباب جعلها الله تعالى اسبابا. وهي قد يتحقق قد تتحقق مسبباتها وقد لا تتحقق لان الامر كله بيد الله عز وجل. فهو على كل شيء قدير وهو الذي اليه تصير الامور. وهو الذي بيده النفع والظلم ينبغي تربية النفوس على صدق اعتماد القلب على الله وعلى صدق اللجوء اليه والثقة به القلب به في حصول المطلوب او الزوال المكروه. ينبغي تربية النفوس على انه لا يملك الضر والنفع الا الله تعالى وحده يمسسك الله بضر فلا كاشف له الا هو. ينبغي تربية النفوس على ان تتعامل مع الاسباب. على انها مجرد واسباب جرت حكمة الله تعالى تقدير المقدورات بها وقد تتخلف مسبباتها. اذا لم يرد الله عز وجل ولهذا لما ذكر الله تعالى السحر والسحرة في اية البقرة في قوله واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان قال بعد ذلك وما هم من مطالبين به من احد الا باذن الله. فاذا سحر الساحر والله تعالى لم يرد ذلك فلا يمكن ان يأخذ سحره ولا يمكن ان يضر غيره اذا لم يرد الله عز وجل هذا. وهكذا بالنسبة للعين وهكذا بالنسبة لجميع ما يخاف منه فانها فان هذا لا يتحقق الا اذا اراده الله عز وجل وما هم بضافين به من احد الا باذن الله. عن عمر ابن الخطاب رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لو انكم تتوكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدوا خماصا وتروح بطانا. اخرجه الترمذي وقال حديث حسن صحيح. قال الحافظ ابن رجب رحمه الله هذا الحديث اصل في التوكل على الله. وانه من اعظم الاسباب التي يستجلب بها الرزق قال الله تعالى ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب. التوكل على الله شعور ويقين بعظمة الله تعالى وربوبيته. وان الامور كلها بيد الله على من الله تسير الامور. والى الله ترجع الامور الى امر من قبل وبعد التوكل على الله. قطع القلب عن العباية ورفض التعلق بالخلائق. واعلان الافتقار الى محول الاحوال ومقدر الاقدار. لا اله الا هو. التوكل صدق وايمان وسكينة واطمئنان. ثقة بالله عز وجل بالتوكل ترفع كفوات البؤس وتزجر نزوات الطمع لا يكبح شيرة الاغنياء ولا يرفع ذل الفقراء سوى التوكل الصادق على الحي الذي لا يموت. التوكل تحقيق الايمان واليقين بان الله عز وجل لا مانع لما اعطى ولا معطي لما منع ولا احد يستطيع ان ينفع او يضر الا باذن الله عز وجل. قال ابن رضي الله عنهما من سره ان يكون اقوى الناس فليتوكل على الله. وقال سعيد بن جبير رحمه الله التوكل على الله جماع الامام. وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال ان من ضعف اليقين ان ترضي الناس بسخط الله وان تحمده على رزق الله وان تذمهم على ما لم يؤتيك الله. ان رزق الله لا لا يجره حرص حريص ولا ترده كرامة وان الله بقسمه وعدله جعل الروح والفرح في اليقين والرضا وجعل الهم والحزن في الشك والسقم فاذا عزمت فتوكل على الله ان الله يحب المتوكلين. بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني واياكم بما فيه من الاية والذكر الحكيم. اقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه واتوبوا اليه انه هو رحيم. الحمد لله على احسانهم والشكر له على توفيقه وامتنانه. واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له تعظيم لشأنه واشهد ان محمدا عبده ورسوله الداعي الى الوالد صلى الله عليه وعلى اله وصحبه وسلم تسليما كثيرا اما بعد فان خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الامور منايتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة. عباد الله ان من حقق كمال التوكل على الله فهو موعود بان يكون من السبعين الذين يظلهم الله من السبعين الفا الذين يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب. عن ابن عباس رضي الله عنهما ان النبي صلى الله عليه وسلم قال عرضت علي الامم فرأيت فرأيت النبي ومعه الرهد والنبي ومعه الرجل رجلا والنبي وليس معه احد والنبي ومعه الرجل والرجلان والنبي وليس معه احد اذ رفع عيسى عظيم فظننت انه امتي. فقيل لي هذا موسى وقومه. فنظرت فاذا سواد عظيم فقيل لي هذه امتك بعضهم يسبحون الفا يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب. ثم نهى الرسول صلى الله عليه وسلم فدخل منزلا. فخاف الناس به وقال بعضهم لعلهم الذين صحبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال بعضهم لعلهم الذين اريدوا في الاسلام فلم يشركوا بالله شيئا وذكروا اشياء. فخرج عليهم النبي صلى الله عليه وسلم. فاخبروه بما يخور فيه الناس. فقال عليه الصلاة والسلام في وصف هؤلاء الذين يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب. قال هم الذين لا يستقون ولا يكتوون ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون. فقام عكاشة ابن محصن فقال يا رسول الله ادعو الله ان يجعلني منهم. قال انت ثم قام رجل اخر فقال يا رسول الله ادع الله ان يجعلني منهم قال سبقك بها عكاشة. فذكر النبي صلى الله عليه وسلم اربع صفات لهؤلاء الذين يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب. الصفة الاولى لا يستقون اي قبورا من احد ان يرقيه. وذلك لان الطالب للرقية يكون في قلبه ميل للراقي. فربما تأتي انا طبيب والناس في شأن رقية تتعلق قلوبهم بالراقي. واذا قدر الله تعالى ان شفي بسبب هذه رقية تعلق قلبه اكثر بمن رقاه. فكان هذا منافيا لكمال التوكل على الله عز وجل. وليس معنى هذا انه لا يجوز طلب الرقية طلب الرقية جائز ولكن هؤلاء بكفاء توكلهم على الله سبحانه تركوا هذا واكتفوا برقية انفسهم بانفسهم خشية ان تتعلق قلوبهم بغير الله. الصفة الثانية ولا يكتمون والكيم الكيف معروف عند وكانت العرب تعتقد ان الكية انه يحدث المقصود فتتعلق قلوبهم بالكي وبمن قام بهذا الكيل ربما ان الله تعالى قدر الشفاء بسبب هذا الكيل فيتعلق قلب من خوي بمن كواه. فيكون هذا مؤثرا على كمال التوكل على الله وان كان الطلب الكي جائزا لكن هؤلاء لكمال توكلهم على الله عز وجل تركوا ذلك الوصف الثالث ولا يتطيرون. والطيرة معناها التشاؤم. التشاؤم بزمان او مكان او اصوات او طيور فهي شيء يعرض على القلب من جراء شيء يحدث امامه فيجعله يقدم على امر او يحجم عنه. هذه صفة من لم يكن التوكل في قلبه عظيما. فان من كان متوكلا على الله سبحانه لم يتطير ولم يتشائم والصفة الرابعة وعلى ربهم يتوكلون وهذا هو الوصف الجامع الذي تفرأت عنه الصفات الثلاث السابقة فهم لا لانهم على ربهم يتوكلون. ولا يكتوون لانهم على ربهم يتوكلون. ولا يتطيرون لانهم على ربهم يتوكلون. فدل هذا على ان تحقيق التوكل على الله سبحانه هو من اسباب دخول الجنة بغير حساب ولا عذاب. وهذه المنزلة منزلة علية ومنزلة رفيعة لا يوفق لها الا ذو حظ عظيم. عباد الله وفي المقابل نجد مظاهر التوكل على الله عز وجل من بعض الناس. نجدها في المجتمع فنجد من الناس من هو شديد الخوف من العين. فتجد انه ويتكتم على اموره تكتما مبالغا فيه ويتكتم على حوائجه ويتكتم على اخباره تكتما يغلو فيه ويبالغ فيه خشية ان يصاب بالعين وهذا كله بسبب ضعف توكل على الله سبحانه. هو صحيح صحيح انه ليس مطلوب منه ان يظهر جميع امورهم للناس ولكن المبالغة في هذا الشيء والغلو فيه مؤشر على ضعف توكل هذا الانسان على الله عز وجل والا لو كان توكله على الله قويا لما كان لديه هذا الخوف الشديد. كذلك ايضا نجد من الناس من هو شديد الخوف من السحر او شديد الخوف من المس او شديد الخوف من الاخرين. شديد الخوف من البشر او من بعض المخلوقات او بعض الامور وهذا كله دليل على ضعف توكله على الله سبحانه والا لو كان توكله على الله تعالى قويا لكان بعيدا عن هذا الخوف والتخوف المبالغ فيه. لان من كان قوي التوكل على الله سبحانه فلا يضره كيد الكائدين ولا يضره مكر الماكرين لانهم متعلق بالله سبحانه حتى حتى اعظم السحرة لا يستطيع ان يضرهم ما دام متوكلا الله وما هم قادرين به من احد الا باذن الله. فاذا تعلق القلب بالله سبحانه فان فان المخاطر تزول عن الانسان. اما اذا كان التوكل على الله تعالى ضعيفا في قلب الانسان تكثر لديه المخاوف ويدخل وتكثر يكثر لديه القلق على امور تافهة وامور لا تحتاج الى الانسان كل هذا القلق وكل هذا وكل هذه المخاوف وكل هذه الامور التي يفعلها وينكد بها على نفسه وعلى من حوله بسبب وهذا كله بسبب ضعف توكله على الله عز وجل. فينبغي ان يسعى المسلم لتقوية جانب التوكل على الله سبحانه. يفعل الاسباب على انها مجرد اسباب لكن يتعلق قلبه بمسبب الاسباب وهو الله عز وجل. الا واكثروا من الصلاة والسلام على بشير النبي هو سراج المؤمنين. وقد امركم الله بذلك وقال سبحانه ان الله وملائكته يصلون على النبي. يا ايها الذين امنوا صلوا عليه وسلموا تسليما. اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد. اللهم ارض عن صحابة نبيك اجمعين وعن التابعين ومن تبعهم باحسان الى يوم الدين. وعنا معهم بعفوك وكونك يا رب العالمين اللهم اعز الاسلام والمسلمين اللهم اهدنا الكفر والكافرين. اللهم انصر من نصر دين الاسلام في كل مكان. اللهم اغفر من خذا دين الاسلام في كل مكان يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والاكرام. اللهم ادم علينا نعمة الامن والاستقرار والرخاء ورغد العيش. واجعلها عونا لنا على طاعتك ومراته واجعلنا لنعمك وابائك الشاكرين. اللهم انا نعوذ بك من زوال نعمتك وتحول عافيتك وفجاءة نقمتك وجميع سخطك اللهم اعن على ذكرك وعلى شكرك وعلى طاعتك وعلى حسن عبادتك. اللهم اصلح احوال المسلمين في كل مكان. اللهم ان لنا اخوة مسلمين قد مسكم البأساء والضراء. اللهم فارحمهم برحمتك يا ارحم الراحمين. وانصرهم بنصرك يا قوي يا عزيز. يا نصر المستضعفين ويا مدير المستجيرين يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والاكرام. اللهم وفق ولاة امور المسلمين لتحكيم شرعه والعمل بكتابك وسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم واجعلهم رحمة لرعاياهم. اللهم وفق امامنا وولي امرنا لما تحب وترضى وارزقه البطانة الصالحة الناصحة التي وتعيبه اذا ذكر وتذكره الى نفسي يا حي يا قيوم ويا ذا الجلال والاكرام اللهم انا نسألك من الخير كله عاجله واجله ما علمنا منه الله يرضى عليك ونعوذ بك من الشر كله. عاجله واجله ما علمنا منه ما لم نعلم. سبحان ربك رب العزة عما يصفون. وسلام على المرسلين المرسلين والحمد لله رب العالمين