الحمد لله الولي المبدئ المعيد الفعال لما يريد الذي تفرد بكل كمال وجلال وجمال فهو الغني المجيد حذر عباده من الاغترار بالدنيا وقدم اليهم بالوعيد. واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له ذو الجلال في عظمته وكبريائه واوصاف التمجيد واشهد ان محمدا عبده ورسوله ارسله الله تعالى بشيرا ونذيرا وداعيا الى الله باذنه وسراجا منيرا صلوات الله وسلامه عليه وعلى اله وصحبه ومن اهتدى بهديه واتبع سنته الى يوم الدين سلم تسليما كثيرا اما بعد فاتقوا الله ايها المسلمون اتقوا الله حق التقوى. يا ايها الذين امنوا اتقوا الله حق تقاته. ولا تموتن الا وانتم مسلمون عباد الله رجاء البخاري في صحيحه عن عبد الله ابن عمر رضي الله عنهما قال اخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنكبي فقال كن في الدنيا كانك غريب او عابر سبيل وكان ابن عمر يقول اذا امسيت فلا تنتظر الصباح. واذا اصبحت فلا تنتظر المساء. وخذ من صحتك لمرضك. ومن لموتك وصية عظيمة من النبي صلى الله عليه وسلم وصية لابن عمر وهي وصية للامة جميعا وصية بالزهد في الدنيا وعدم الركون اليها. كن في الدنيا كأنك غريب او عابر سبيل والغريب هو الذي يكون في في البلد وليس له مسكن يؤويه وعابر السبيل هو المار على الطريق طالبا وطنه فاوصى النبي صلى الله عليه وسلم بان يكون العبد في هذه الدنيا كالغريب ثم اضرب عنه الى عابر السبيل. لان الغريب قد يسكن في بلد الغربة. بخلاف عابر السبيل القاصد لبلد بعيد فان من شأنه الا يقيم بل هو مستعجل على المسير حتى يصل الى البلد الذي قصده قال بعض اهل العلم والمراد ان ينزل المؤمن نفسه في الدنيا منزلة الغريب فلا يعلق قلبه بشيء من بلد الغربة بل قلبه متعلق بوطنه الذي يرجع اليه. ويجعل اقامته في الدنيا ليقضي حاجته وجهازه للرجوع الى وطنه وهذا هو الشأن الغريب او يكون كالمسافر لا يستقر في مكان بعينه بل هو دائم السير الى بلد الاقامة يا لها من وصية عظيمة ويا لها من موعظة بليغة فمن منا ايها الاخوة من منا من يعتبر نفسه في الدنيا كالغريب او كعابر السبيل الله المستعان نجد في هذا الزمان من يقطع رحمه من اجل خلاف على لعاعة من الدنيا عباد الله وقد انتفع ابن عمر رضي الله عنهما بهذه الوصية العظيمة فكان يقول اذا امسيت فلا تنتظر الصباح. واذا اصبحت فلا تنتظر المساء وخذ من صحتك لمرضك ومن حياتك لموتك وكلام ابن عمر منتزع من الحديث المرفوع وهو متضمن لنهاية قصر الامل. وان العاقل ينبغي له اذا امسى لا ينتظر الصباح. واذا اصبح لا ينتظر المساء بل يظن ان اجله مدركه قبل ذلك اذا اصبحت فلا تنتظر المساء اي اذا اصبحت فافترض انه ربما يأتيك الموت قبل حلول المساء وهكذا اذا امسيت فافترض انه ربما يأتيك الموت قبل الصباح. فيتحرى العبد للموت في كل حين ويقصر امله في الدنيا ومن كانت هذه حاله فلا شك انه سيزهد في الدنيا ويقبل على ما ينفعه في الاخرة قال بعض السلف الصالح اذا اردت ان تنفعك صلاتك فصل صلاة مودع اي اعتبر هذه الصلاة كأنها اخر صلاة تصليها مع الناس وقول ابن عمر وخذ من صحتك لمرضك اي بادر ايام صحتك بالعمل الصالح. فان المرض قد يطرأ فلا يتمكن الانسان من العمل والانسان اذا مرظ تضيق نفسه ولا ينشرح صدره وحتى ان ادى العبادة فانه يؤديها بلا خشوع وبلا روح ولا يعارض هذا ما جاء في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم قال اذا مرض العبد او سافر كتب الله له ما كان يعمل صحيحا مقيما لانه ورد في حق من يعمل والتحذير الذي ورد في قول ابن عمر في حق من لم يعمل شيئا فانه اذا مرض ندم على تركه العمل وعجز لمرضه عن العمل فلا يفيده الندم فينبغي للمسلم ان يغتنم زمن الصحة والعافية ان يغتنم ذلك في التزود بالعمل الصالح. وبزاد التقوى وقوله ومن حياتك لموتك اي بادر زمن حياتك قبل الموت لان الانسان في حال الحياة بامكانه ان يعمل في حال الحياة بامكانه ان يتدارك في حال الحياة بامكانه ان يتوب في حال الحياة بامكانه ان ينيب الى ربه اما اذا مات الانسان فقد انقطع عن دار العمل وانقطع عمله الا من صدقة جارية او علم ينتفع به او او علم ينتفع به او ولد صالح يدعو له فالانسان ما دام حيا فباب التوبة وباب العمل لا زال امامه مفتوحا اما اذا مات فقد اغلق في وجهه باب التوبة وباب العمل فلا يمكنه التدارك حينئذ البخاري في صحيحه عن علي ابن ابي طالب رضي الله عنه انه قال ايها الناس ارتحلت الدنيا مدبرة وارتحلت الاخرة مقبلة فكونوا من ابناء الاخرة ولا تكونوا من ابناء الدنيا فان اليوم عمل ولا حساب وغدا حساب ولا عمل ومر علي ابن ابي طالب رضي الله عنه مر بالمقبرة يوما فوقف عليها ومعه بعض اصحابه ثم قال السلام عليكم اهل الديار الموحشة والمحال المقفرة انتم لنا سلف ونحن لكم تبع وبكم عما قليل اللاحقون ثم دعا لهم ثم قال يا اهل القبور اما الزوجات فقد نكحت واما الدور فقد سكنت واما الاموال فقد قسمت هذا خبر ما عندنا فما خبر ما عندكم ثم التفت لاصحابه فقال اما انهم لو تكلموا لقالوا وجدنا خير الزاد التقوى وفي صحيح البخاري عن ابن مسعود رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال ايكم مال وارثه احب اليه من ماله قالوا يا رسول الله ما منا من احد الا ما له احب اليه. قال فان ما له ما قدم وان ما لوارثه ما اخر بهذا الحديث بين عليه الصلاة والسلام ان مال الانسان الحقيقي هو الذي ينتفع به في الاخرة لا المال الذي يخلفه للورثة فان هذا مال وارث وليس مال الله ان من من الناس من يحوز الاموال الكثيرة ولكنه في حقيقة الامر محروم من الانتفاع بها في الدنيا والاخرة وهو بمثابة الحارس لهذه الاموال يحرسها للورثة من بعده يحرسها طيلة حياته الى ان يموت فاذا مات اخذها ورثته غنيمة باردة وربما لم يحمدوه عليها ولعلكم سمعتم عن قصص كثيرة لاناس ملكوا ثروات كبيرة وكانوا في حياتهم مقتلين على انفسهم واهليهم فماتوا وتركوا تلك الثروات وخلفوها للورثة لهم غنمها وعليهم غرمها وعليهم حسابها حدثني لاحد فروع البنوك يقول ان هناك حسابا بنكيا لديهم وكان فيه ملايين الريالات ولفت نظرهم ان هذا الحساب لم يتحرك من مدة طويلة فاتصلوا على صاحب الحساب فرد عليهم بعض اهله واخبروهم بانه قد مات فطلب مدير البنك بان يأتي اكبر اولاده اليه يقول فلما اتى عزيته في والده واخبرته بان لوالده حسابا بنكيا فقال كم المبلغ فذكرت له مبلغا كبيرا بملايين الريالات فانهار هذا الرجل وجعل يبكي ويدعو على والده فجعلت اواسيه واقول هو قد خلف لكم ثروة فادعوا له فقال لا انه قد عاش طيلة عمره فقيرا مقترا على الشيخ ومقترا علينا وكنا نعذره نظن ان انه ليس عنده شيء وهو يملك هذه الثروة العظيمة فانظروا ايها الاخوة هذا الرجل ماذا استفاد من هذه الملايين ماذا استفاد من هذه الثروة التي جمعها رجالا ريالا؟ ماذا استفاد منها لم ينتفعوا بها لا في الدنيا ولا في الاخرة. بل انتقلت الى من لا يحمده عليها. من يدعو عليه وهذا كله بسبب النظرة الخاطئة للمال تشبث بهذا المال وكانه مخلد وكأنه معمر في هذه الحياة فبعض الناس عندهم نظرة خاطئة للمال ونظرة خاطئة للحياة الدنيا كأنه في هذه الدنيا سيعيش عمرا طويلا وسيعمر واذا بالمنية تغترمه فجأة او يأتيه مرض الموت فجأة وحينئذ يندم الندم العظيم حين لا ينفع الندم وماذا ضر هذا الانسان؟ لو انه وفق فانتفع بهذا المال في حياته وتصدق منه وانفق واكرم الضيف وانتفع به بعد مماته بان جعل له وقفا او وصية ونحو ذلك. لكان قد انتفع بهذه الثروة اما والامر كذلك فهو في الحقيقة بات فقيرا محروما منها يحرسها طيلة حياته لتنتقل بعد ذلك غنيمة باردة للورثة من بعده لهم غنمها وعليه حسابها والسعيد من وعظ بغيره فاتقوا الله عباد الله اتقوا الله عباد الله ولا تغرنكم الحياة الدنيا. ولا يغرنكم بالله الغرور. يا ايها الناس ان وعد الله حق. فلا تغرنك الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور. ان الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا. انما يدعو حزبه ليكونوا من اصحاب السعير بارك الله لي ولكم في القرآن والسنة ونفعني واياكم بما فيهما من الايات والحكمة. اقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب. فاستغفروه وتوبوا اليه انه هو الغفور الحمد لله على احسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له تعظيم لسانه واشهد ان محمدا عبده ورسوله الداعي الى رضوانه صلى الله عليه وعلى اله وصحبه وسلم تسليما كثيرة اما بعد فان خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الامور محدثاتها وكل محدثة بدعة عباد الله ان من اعظم ما يصد الناس عن الاخرة ويجعلهم يتعلقون بالدنيا ويجعلهم يتعلقون بالحياة المادية الغفلة نعم يا عباد الله الغفلة الغفلة عن الاخرة والغفلة عن حقيقة الدنيا فيعيش الانسان في هذه الدنيا يعيش في ذهول ناهيا غافلا ومن كانت هذه حاله فانه لا يوفق للعمل الصالح ولا تكونوا كالذين نسوا الله فانساهم انفسهم اولئك هم الفاسقون واذكر عبادنا ابراهيم واسحاق ويعقوب اولي الايدي والابصار ان اخلصناهم بخالصة انا اخلصناهم بخالصة ذكرى الدار وهذه الخالصة التي ذكرها الله تعالى عن هؤلاء الانبياء عليهم الصلاة والسلام هي ذكرى الدام اي ان الله نزع من قلوبهم حب الدنيا وذكرها واخلصهم بحب الدار الاخرة وبذكرها اخلصناهم بخالصة ذكرى الدار اي ذكر الدار الاخرة فهذا ثناء من الله عز وجل على هؤلاء الانبياء بانهم قد اخلصهم الله تعالى بذكر الاخرة ونزع من قلوبهم حب الدنيا والتعلق بها فان الدنيا ليست مذمومة في ذاتها ولكن الذنب فيمن تعلق بها وجعل الدنيا في قلبه اما من جعل الدنيا في يديه ولم تلهه عن طاعة الله عز وجل بل بل جعل طوع هذه الدنيا لاخرته ولما ينفعه في امور دينه فان دنياه هذه تكون بركة عليه ولكن الذم انما ايكون فيمن اشغلته دنياه والهته دنياه عن اخرته قال احد السلف عجبت ممن يحزن على نقصان ماله ولا يحزن على نقصان عمره وعجبت ممن الدنيا مدبرة عنه والاخرة مقبلة عليه كيف يشتغل بالمدبرة ويعرض عن المقبلة عباد الله انه ينبغي للمسلم ان ينظر للدنيا النظرة الصحيحة وان ينظر للمال النظرة الصحيحة نعم الصحيحة لان هناك من الناس من نظرتهم خاطئة من نظرتهم للدنيا وللمال خاطئة. فعندما يرى غفلتهم ولهثهم ورأى جمع حطامها فكأنهم مخلدون فيها وربما بعضهم يأتي بالواجبات لكنه يجعلها امرا ثانويا او هامشيا فربما لا يصلي احيانا وربما تفوته صلاة الفجر مع الجماعة في المسجد وربما ان صلى فاتته الصلاة او فاتته اكثرها ومن النظرة الصحيحة ان يكون هناك مراعاة وفقه للاولويات وتقديم للاهم على المهم ولهذا اخبر الله عز وجل عن خسارة من اخل بهذه الاولويات من قدم ماله وولده على ذكر الله تعالى والتهى بماله وولده عن ذكر الله فقال عز وجل يا ايها الذين امنوا لا اموالكم ولا اولادكم عن ذكر الله. ومن يفعل ذلك فاولئك هم الخاسرون وهؤلاء الذين اخبر الله تعالى عن خسارتهم عندهم خلل في مسألة الاولويات. وما الذي ينبغي ان يقدم؟ وما الذي ينبغي ان يؤخر؟ فهم قد اموالهم واولادهم فجعلوه له الاولوية واخروا ذكر الله تعالى فجعلوه امرا هامشيا. فالهتهم واولادهم عن ذكر الله فكان من نتيجة ذلك الخسارة لا تلهكم اموالكم ولا اولادكم عن ذكر الله ومن يفعل ذلك فاولئك هم الخاسرون فينبغي ان يكون لدى المسلم ان يكون لديه فقه للاولويات. وما الذي ينبغي ان يقدم في هذه الحياة؟ وما الذي ينبغي ان يكون امرا هامشيا فلا يجعل طاعة الله عز وجل ولا يجعل الصلاة وما امر الله تعالى به لا يجعل ذلك من الامور الهامشية بل يجعل لذلك اولوية ويجعل امور الدنيا من الامور الثانوية. اما ان تختل المسألة فيقدم امور دنياه ويقدم راحته وملذاته فيجعل لها الاولوية ويجعل لامور عبادته وصلاته يجعل لها يجعلها امرا هامشيا فانه يحصل عنده الخلل وربما يصل الى الحال التي ذكرها ربنا عز وجل لا تلهكم اموالكم ولا اولادكم عن ذكر الله ومن يفعل ذلك فاولئك هم الخاسرون الا واكثروا من الصلاة والسلام على البشير النذير والسراج المنير. فقد امركم الله بذلك وقال سبحانه ان الله وملائكته يصلون على النبي. يا ايها الذين امنوا صلوا عليه وسلموا تسليما اللهم صلي وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد وارض اللهم عن صحابته اجمعين وعن التابعين ومن تبعهم باحسان الى يوم الدين. اللهم اعز الاسلام والمسلمين اللهم اذل الكفر والكافرين. اللهم انصر من نصر دين الاسلام في كل مكان. اللهم اخذل من خذل دين الاسلام في كل مكان. اللهم ادم علينا نعمة الامن والامان والاستقرار والرخاء ورغد العيش واجعلها عونا لنا على طاعتك ومرضاتك واجعلنا لنعمك والائك شاكرين اللهم اعنا على ذكرك وعلى شكرك وعلى حسن عبادتك. اللهم انا نعوذ بك من زوال نعمتك وتحول عافيتك وفجأة نقمتك وجميع سخطك. اللهم اغننا بحلالك عن حرامك وبفظلك عمن سواك يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والاكرام اللهم وفق ولاة امور المسلمين لتحكيم شرعك والعمل بكتابك وسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم واجعلهم رحمة لرعاياهم. اللهم وفق امامنا وولي امرنا ونائبيه واخوانه واعوانه. اللهم وفقهم لما فيه صلاح الاسلام وخير للمسلمين. اللهم وفقه لما تحب وترضى وخذ بنواصيهم للبر والتقوى يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والاكرام. اللهم انا نسألك من الخير كله عاجله واجله. ما علمنا منه وما لم نعلم ونعوذ بك من الشر كله عاجله واجله ما علمنا منه وما لم نعلم سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين