الحمد لله الذي تفرد بالدوام والبقاء. وكتب على اهل هذه الدنيا الفناء. وجعل لها دار امتحان وابتلاء وجعل القبور اول منازل دار البقاء. احمده سبحانه وهو اهل والثناء واشكره في السراء والضراء وفي الشدة والرخاء. واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى اله وصحبه ومن اهتدى بهديه سنته الى يوم الدين وسلم تسليما كثيرا. اما بعد فاتقوا الله ايها المسلمون. يا الذين امنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن الا وانتم مسلمون. ومن يتق الله يجعل له ومن امره يسرا عباد الله الحديث بهذه الخطبة عن ساعة فاصلة في حياة الانسان ساعة مهيبة ساعة عظيمة ساعة تعتبر ولادة للانسان انها ساعة الاحتضار وخروج الروح ومفارقتها البدن. هذه الساعة سوف تمر بكل واحد منا لا محالة. كل نفس ذائقة الموت. وان التفكر في تلك الساعة لك فيل بان يهز مشاعر الانسان وان يوقظه من الغفلة. يقول ابن الجوزي رحمه الله عن هذه الساعة ان المحتضر ينتبه فيها انتباها لا يوصف. ويقلق قلقا لا يحد. ويتلهى على زمانه الماضي ويود لو ترك كي يتدارك ما فاته ويصدق في توبته على مقدار يقينه بالموت ويكاد يقتل نفسه قبل موتها بالاسف ولو وجد ذرة من تلك الاحوال في زمن العافية لحصل كل مقصود من العلم والتقوى. فالعاقل من مثل تلك الساعة بين يديه وعمل بمقتضى ذلك عباد الله ان ساعة الاحتضار ساعة فاصلة في حياة الانسان ينتقل فيها من الدنيا الى الاخرة ومن مات فقد قامت قيامته في تلك الساعة المهيبة يصاب الانسان بفزع وخوف عظيم انه مقبل على امور عظيمة مجهولة بالنسبة له. كما يصاب بحزن شديد على مفارقته لاهله ولكن الله عز وجل من رحمته ولطفه بالمؤمنين انه ينزل الملائكة عليهم تطمئنهم وتبشرهم كما قال ربنا سبحانه ان الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة اي عند الاحتضار تتنزل عليهم الملائكة وتقول لهم الا تخافوا تقول لهم عند لا تخاف مما تقدمون عليه ولا تحزنوا على ما خلفتموه من امور الدنيا من ولد واهل ثم تبشرهم البشارة العظيمة وابشروا وابشروا بالجنة التي كنتم توعدون فتبشرهم بذهاب الشر وحصول الخير ويا لها من بشارة عظيمة. ان الانسان اذا كان في موقف واتاه احد الناس وبشره بامر عظيم يحبه زالت عنه الهموم والغموم. فما بالك بمن يعالج خروج الروح وهو في فزع وخوف وحزن ثم تأتيه البشارة من الله تعالى بالجنة وتقول له الملائكة ابشر بالجنة التي كنت توعد. فيا لها من بشارة عظيمة تأتي المؤمن في هذا الوقت العصيب وفي المقابل الظالمون لانفسهم بالمعاصي والموبقات في تلك الساعة المهيبة تفزع نفوسهم فزعا عظيما تحاول ان ترتد الارواح في اجسادها ولكن الملائكة تنتزعها انتزاعا كما قال سبحانه والنازعات غرقا وقال ولو ترى اذ الظالمون في غمرات الموت والملائكة باسط ايديهم اي بالضرب. اخرجوا انفسكم ويصف النبي صلى الله عليه وسلم يصف هذا المشهد العظيم والفاصل في حياة الانسان. فيقول في الحديث الصحيح الذي اخرجه احمد وابو داوود والنسائي وابن ماجة بسند صحيح عن البراء ابن عازب رضي الله عنه قال خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في جنازة رجل من الانصار فانتهينا الى القبر ولما يلحد. فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم وجلسنا حوله كأن على رؤوسنا الطير وفي يده عود ينكت في الارض فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه فقال استعيذوا بالله من عذاب القبر مرتين او ثلاثة ثم قال ان العبد المؤمن اذا كان من الدنيا واقبال من الاخرة نزل اليه ملائكة من السماء بيض الوجوه كأن وجوههم الشمس معهم دفنوا من ادخال الجنة وحانوت من حانوت الجنة حتى يجلسوا منه مد البصر. ثم يجيء ملك الموت حتى ان يجلس عند رأسه فيقول ايتها النفس الطيبة اخرجي الى مغفرة الله ورضوانه. فتخرج فتسيل كما تسيل القطرة من في السقاف. فيأخذها فاذا اخذها ان يدعوها في يده طرفة عين حتى يأخذوها فيجعلها في ذلك الكفن وفي ذلك الحنوت ويخرجوا منها كاطيب نفحة مسك على وجدت على وجه الارض. قال فيصعدون بها فلا يمرون فلا يمرون على ملائك من الملائكة. فلا يمرون على ملأ من الملائكة الا فقالوا ما هذه الروح الطيبة؟ فيقولون هذه روح فلان ابن فلان باحسن باحسن اسمائه التي كانوا يسمونه بها في الدنيا. حتى ينتهوا به الى السماء الدنيا فيستفتحون فيفتح له. فيشيعه من كل فيشيعه من كل سماء مقربوها الى السماء التي تليها. حتى ينتهوا بها الى السماء السابعة فيقول الله عز وجل اكتبوا كتاب عبدي في عليين واعيده الى الارض فاني منها خلقتهم وفيها اعيذهم ومنها ساخرجهم تارة اخرى قال فتعاد روحه في جسده. فيأتيه ملأ فيأتيه ملكان فيجلسانه فيسألان عن ربه ودينه ونبيه فيجيب في نادي مناد من السماء او صدق عبدي فافرشوه من الجنة والبسوا من الجنة وافتحوا له بابا من الجنة فيأتيه من روحها وطيبها ويفسح له في قبره مد بصره. ويأتيه رجل حسن الوجه حسن الثياب طيب الريح فيقول ابشر بالذي يسرك هذا يومك الذي كنت توعد فيقول من انت؟ فوجهك الوجه الذي يأتي بالخير. فيقول انا عملك الصالح. فيقول انا عملك الصالح فيقول يا ربي اقم الساعة حتى ارجع الى اهلي ومالي قال وان العبد الكافر اذا كان في انقطاع من الدنيا واقبال من الاخرة نزل عليه من السماء ملائكة سود الوجوه معهم المسوح وهو اللباس الخشن الممقوت. فيجلسون منه مد البصر ثم يجيء ملك الموت. فيجلس عند رأسه فيقول ايتها النفس الخبيثة اخرجي الى سخط من الله وغضب. فتفرقوا فتتفرق في جسده. فينتزعها كما ينتزع السفوت وهو حديدة يشوى بها اللحم كما ينتزع السفوذ من الصوف المبلول فيأخذها فاذا اخذها لم يدعوها بطرفه فاذا اخذ فيأخذها فاذا اخذها لم يدعوها في يده طرفة عين حتى يجعلوها في تلك المسوح منها كأنتن ريح جيفة وجدت على وجه الارض فيصعدون بها فلا يمرون على ملأ من الملائكة الا قالوا فما هذه الروح الخبيثة؟ فيقولون روح فلان ابن فلان باقبح اسمائه التي كان يسمى بها في الدنيا حتى ينتهى به الى سماء الدنيا فيستفتح فلا يفتح له ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تفتح له ابواب السماء يقول الله تعالى اكتبوا كتاب عبدي في ستين في الارض السفلى فتطرح روحه طرحا ثم قرأ من يشرك بالله فكأنما خر من السماء فتخطفه الطيب او تهوي به الريح في مكان سحيق فتعاد روحه في جسده ويأتيه ملكان فيجلسانه فيسألان عن ربه ودينه فيقول فيسألانه عن ربه ودينه ونبيه فيقول ها ها لا ادري في نادي مناد من السماء من كذب عبدي فافرشوه من النار وافتحوا له بابا الى النار فيأتيه من حرها وسموا ويضيق عليه قبره حتى تختلف اضلاعه. ويأتيه رجل قبيح الوجه قبيح الثياب منتن الريح فيقول ابشر بالذي يسوءك هذا يومك الذي كنت توعد فيقول من انت؟ فوجهك الوجه الذي يأتي بالشر فيقول انا عملك الخبيث فيقول ربي لا تقم الساعة ربي لا تقم الساعة وانما يقول ذلك مع ما هو فيه من العذاب لانه يعلم لانه اذا قامت الساعة انتقل الى عذاب اشد منه. يا له من حديث عظيم يأخذ بمجامع القلوب وانه لجدير بمن كان الموت مصرعه والتراب مضجعه والدود انيسه والملكان يسألانه وعمله جليسه والقيامة موعده والجنة او النار مورده الا يغفل عن هذه اللحظات الحاسمة عباد الله وان الانسان في ساعة الاحتضار لا يعرف مصيره هل هو من اهل الجنة او من اهل النار؟ كما دل لذلك النصوص فالسعيد من استعد لتلك الساعة وما بعدها وتدارك ما تبقى من العمر في العمل الصالح الذي يغتبط به به حيا وميتا. ولعل ما تبقى من العمر يكون قليلا وهو لا يشعر. ولعل تلك الساعة تكون قريبة وهو لا يشعر فكم من انسان اصبح صحيحا معافى وامسى بين اهل القبور. اللهم وفقنا لتدارك ما ما تبقى من اعمارنا في طاعتك. اللهم اعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك. اللهم ارزقنا التوبة النصوح. اللهم لا تجعل الدنيا وهمنا ولا مبلغ علمنا. اللهم استعملنا استعملنا في طاعتك ومرضاتك. يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والاكرام. اقول قولي بهذا واستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه وتوبوا اليه انه هو الغفور الرحيم الحمد لله على احسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه. واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له تعظيم لشأنه. واشهد ان محمدا عبده ورسوله الداعي الى رضوانه صلى الله عليه وعلى اله وصحبه وسلم تسليما كثيرا. اما بعد فان خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر اليوم محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة عباد الله جاء في الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا مات الرجل عرض عليه بالغداة والعشي ان كان من اهل الجنة فالجنة وان كان من اهل النار فالنار ثم يقال هذا مقعدك الذي اي تبعث اليه الى يوم القيامة كم بيننا وبين هذا الموقف الذي يعرض فيه على الانسان مقعده من الجنة والنار يعرض عليه ذلك المقعد في اليوم مرتين. المرة الاولى بالغداة اي اول النهار. والمرة الثانية بالعشي اي اخر ونهار يعرض عليه مقعده من الجنة ان كان يعرض عليه مقعده من الجنة والنار الى ان يبعث يوم القيامة يعرض عليه مقعده كل يوم مرتين قدوة وعشيا. فاما ان كان من اهل الجنة في سر ويغتبط. ويشكر الله عز وجل ويقول ربي اقم الساعة حتى يكون في مقعده ذاك من الجنة. واما ان كان من اهل النار فيزداد حسرة والم وكل يوم يرى مقعده غدوة وعشيا الى يوم القيامة. يقال هذا مقعدك من النار الذي تبعث اليه يوم القيامة فيقول متحسرا يا ربي لا تقم الساعة مع ما هو فيه من العذاب الا انه لما اري مقعده من النار علم لانه اذا قامت اذا قامت الساعة فسوف ينتقل الى عذاب اشد. عباد الله كم بيننا وبين هذا الموقف الذي يعرض عليه الذي يعرض على الانسان فيه مقعده كل يوم مرتين غدوة وعشيا ما بينه وبينه الا الموت. والموت عنا وما تدري نفس باي ارض تموت. واذا كانت لا تدري نفس باي ارض تموت. فانها لا تدري باي زمن تموت من باب اولاد عباد الله وان هذه الحقيقة الموت كثيرة اذا تفكر الانسان فيها ان تهز الانسان يكفيه ان يتفكر فقط في ساعة الاحتضار. ولهذا يقول احد السلف ما رأيت يقينا لا شك فيه هو اشبه شك لا يقين فيه من الموت. نعم ان من يرى حال الناس وانكبابهم على الدنيا وغفلتهم عن الموت واستبعادهم لوقوع وطول املهم في الدنيا لا يعجل وكأن الموت الذي ملاقيه كل انسان في هذه الدنيا كأنه شك لا يقين فيه. مع ان الموت هو الحقيقة اليقينية التي لا يشك فيها الناس على اختلاف اديانهم ومللهم. يعيش الانسان في هذه الحياة الدنيا غافلا لاهيا تمضي به الايام والليالي والشهور والاعوام وهو غافل عما هو ملاقيه ساعة من الدهر حتى اذا بغت هو فجأة الموت على حين غرة ندم حين لا ينفع الندم. ومن اعظم الاسباب لذلك طول الامل فامل في هذه الدنيا ليس له منتهى وقد استخدمه الشيطان عدو الانسان في صد كثير من الناس عن الطاعة. والعجيب ان طول الامل يكبر مع الانسان كما قال عليه الصلاة والسلام يكبر ابن ادم ويكبر معه اثنتان حب الدنيا وطول الامل ومن الاسباب ايضا التعلق بالدنيا وبالحياة المادية فان من تعلق بالدنيا غفل عن الموت وما بعده. ومن ذلك ايضا انعدام المحاسبة فبعض الناس لم يشأ ان يقف مع نفسه وقفة محاسبة وان يخلو بها وان يحاسبها محاسبة صادقة ماذا وماذا قدمت لغد؟ ان المؤمن لا يزال بخير ما دام محاسبا لنفسه لواما لها. اما اذا انعدمت محاسبة فهنا تقع الغفلة ولا ينتبه الانسان حينئذ الا بالموت فيندم حين لا ينفع الندم الا واكثروا من الصلاة والسلام على البشير النذير والسراج المنيب. فقد امركم الله بذلك فقال سبحانه ان الله وملائكته يصلون على النبي. يا ايها الذين امنوا صلوا عليه سلموا تسليما. اللهم صلي وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد. اللهم ارضى عن صحابة نبيك اجمعين وعن التابعين. ومن تبعهم باحسان الى يوم الدين معهم بعفوك وكرمك يا رب العالمين. اللهم اعز الاسلام والمسلمين. اللهم اذل الكفر والكافرين. اللهم صن من نصر دين الاسلام في كل مكان اللهم خذل من خذل دين الاسلام في كل مكان يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والاكرام. اللهم ابرم لامة الاسلام امرا رشدا. يعز فيه اهل طاعته معصيتك ويؤمر فيه بالمعروف وينهي عن المنكر وترفع فيه السنة وتقمع فيه البدعة يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والاكرام اللهم وفق ولاة امور المسلمين لتحكيم شرعك واجعلهم رحمة لرعاياهم. ووفق امامنا وولي امرنا لما تحب وترضى ولما فيه صلاح البلاد اقرب منه البطانة الصالحة الناصحة التي تعينه اذا ذكر وتذكره اذا نسي يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والاكرام اللهم اغفر لنا وللمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات الاحياء منهم والاموات. اللهم انا نعوذ بك من زوال نعمتك وتحول عافيتك وفجاءة نقمتك وجميع سخطك اللهم اصلح لنا ديننا الذي هو عصمة امرنا واصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا واصلح لنا اخرتنا التي اليها معادنا واجعل الحياة زيادة لنا في كل خير واجعل الموت راحة لنا من كل شر. نعوذ بك اللهم من مظلات الفتن ما ظهر منها وما بطن اسألك اللهم من الخير كله عاجله واجله ما علمنا منه ما لم نعلم ونعوذ بك من الشر كله عاجله واجله ما علمنا منه وما لم نعلم سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله