الحمد لله ايمانا بكماله وجلاله ويقينا بعلمه وحكمته ورضا وطمأنينة بعدله ورحمته احاط بكل شيء علما واحصى كل شيء عددا. احمده تعالى اذكره حمدا وشكرا كما يليق بجلال وجهه وعظيم سلطانه. واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله ارسله الله تعالى بين يدي الساعة بشيرا ونذيرا. وداعيا الى الله باذنه وسراجا منيرا. فصلوات الله وسلامه عليه. وعلى اله وصحبه ومن اهتدى بهديه واتبع سنته الى يوم الدين. اما بعد فاوصيكم ونفسي بتقوى الله عز وجل فان انها اعظم وصية وانها وصية الله للاولين والاخرين. ولقد وصينا الذين اوتوا الكتاب من قبلكم واياكم اتقوا الله عباد الله الحياة الطيبة والسعادة والعيشة الهنية الرضية مطلب ومقصد اسمى يسعى الى تحقيقه البشر. وتشرقب الى سماعه النفوس وتطمح الى تحقيقه وبلوغه الافئدة. السعادة هدف سام ينشده كل الناس. ويبحثون عنه بدءا من المثقفين العامي ومن السلطان الى الصعلوك. ما منهم من احد الا ويكره حياة النكد والشقاء ويرنو الى حياة السعد والهناء. ولهذا تعددت مشارب الناس ووسائلهم. وتنوعت اساليب وافهمهم في البحث عن السعادة والعيش في ظلالها. الا ان من الناس من قد اخطأ الطريق وزل به الفهم في ادراك معنى السعادة الحقة وتحقيق الحياة المطمئنة التي يرغب فيها ويسعى الى بلوغها لانه لم يسلك الطريق الصحيح لبلوغها. فمن الناس من يبحث عن السعادة في جمع الاموال فيراها في تحصيل الاموال في تحصيل القناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والانعام والحرث ومن الناس من يبحث عن السعادة في المناصب والوجاهات والرئاسة وحب الاستعلاء. فيراه في الوظائف والمناصب التي ترفعه عن الناس. ومنهم من ينشد السعادة في كثرة الاولاد وصحة الاجسام الابدان والمظاهر والشكليات. ومنهم من لا يرى السعادة الا في متعة البدن. وكثرة اللهو واللعب وتقطيع الاوقات وامظاء الساعات في المقاهي والاستراحات والمنتزهات والعكوف على القنوات ووسائل التواصل عباد الله لقد طلب السعادة اقوام على مر العصور بطرق متعددة ليست على هدي الله وهدي رسله عليهم والصلاة والسلام فكانت سببا لدمارهم وهلاكهم. وان لنا فيما قصه الله تعالى في القرآن الكريم من قصص اقوام ومن طلب السعادة في غير مظانها الحقيقية فانقلبت سعادتهم الى شقاوة ابدية في الدنيا والاخرة هذا فرعون اعتى من عرفته البشرية تكبرا وتجبرا ينعم الله عليه باعظم النعم ويعطيه ملك مصر ويجمع له الناس ويجري له الانهار والارزاق فيخاطب الملايين الذين استعبدهم عقودا من الزمان اقول يا قومي اليس لي ملك مصر وهذه الانهار تجري من تحتي افلا تبصرون؟ ويقول ما علمت لكم من اله غيري فكان عاقبة هذا العتو والتكبر والتمرد كان عاقبته الشقاء واللعنة والهلاك. فاخذه الله نكال والاولى وحاق بال فرعون سوء العذاب. النار يعرضون عليها غدوا وعشيا. ويوم تقوم الساعة ادخلها قال فرعون اشد العذاب. وهذا قارون منحه الله تعالى كنوزا كالتلال تنوء بحمل مفاتحها الاثقال ما جمعها بجهده ولا بكده. بل بفضل الله ونعمته. فاستكبر وعتى فحرم السعادة في الدنيا والاخرة فخسفنا به وبداره الارض فما كان له من فئة ينصرونه من دون الله وما كان من المنتصرين وهذا الوليد بن المغيرة يرى ان السعادة في كثرة الاموال والاولاد ويرزقه الله مالا من وعشرة من الابناء شهودا عن يمينه وعن شماله. فيكفروا بنعم الله عليه ويعصي رسوله او به ويحرم السعادة ويكتب له الشقاء في الدنيا والاخرة. كما قال الله تعالى ذرني ومن خلقت وحيدا جعلت له مالا ممدودا وبنين شهودا ومهدت له تمهيدا ثم يطمع ان ازيد كلا انه كان لاياتنا نداء سارهقه صعودا. وغيرهم وغيرهم امم واقوام في الماضي والحاضر ليست افهامهم في طلب السعادة فطلبوها في غير مظامها وطرقها الصحيحة. فما لبثوا ان انقلبت عليهم حسرة وشقاوة وتعاسة. والحق يا عباد الله ان السعادة الحقيقية وان الحياة السعيدة ليست في شيء مما مضى كله بدون توفيق الله عز وجل. فقد شقي اناس باموالهم واولادهم وازواجهم. وشقي اخرون عواقب مناصبهم وجاههم وشقي اخرون بلعبهم ولهوهم. السعادة الحقة ليست في وفرة المال ولا في كثرة ولد ولا في سطوة الجاه ولا في رفعة المنصب. السعادة امر معنوي ملموس. لا يقاس بالعدد ولا يشترى بالدينار لا يملك بشر ان يعطيها من حرمها. ولا ان ينتزعها ممن اوتيها. السعادة الحقيقية والحياة الهانئة المطمئنة انما تكون في الايمان بالله والعمل الصالح. يقول ربنا عز وجل ومن اصدق من الله قيلا. من صالحا من ذكر او انثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة. فلنحيينه طيبة وهذه الحياة الطيبة هي السعادة بكل معانيها. هذا في الدنيا اما في الاخرة ولنجزينهم اجرهم باحسن ما كانوا يعملون. وذلك في جنة عرضها السماوات والارض فيها ما تشتهي الانفس وتلذ الاعين وانتم فيها خالدون. لا مرض فيها ولا نصب ولا هم ولا غم ولا تعب ولا موت بل لذاتها متتابعة فيها ما لا عين رأت ولا اذن سمعت ولا خطر على قلب بشر. هذه هي السعادة التي اي اخبرنا عنها ربنا وخالقنا جل وعلا بل اخبر سبحانه ان من اعرض عن ذكره فان له المعيشة الظنك. ويحشر يوم القيامة اعمى. يقول سبحانه وما ان اعرض عن ذكري فان له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة اعمى. قال رب لم حشرتني اعمى وقد كنت بصيرا قال كذلك اتتك اياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى وكذلك نجزي من اسرف ولم يؤمن بايات ربه عذاب الاخرة اشد وانقى عباد الله الحياة بغير الايمان تعقيد تحفه المنغصات. بضعف الايمان تنبت الاضطرابات والامراض النفسية. الدنيا للمؤمن ليست عبئا مضجرا ولا لغزا محيرا ولكنها مرحلة ومزرعة ودار ممر واختبار يرجو بعدها لقاء الله عز وجل. المؤمن تغمره السعادة لانه مؤمن بان الحياة محكومة باقدار الله فلا يأس على ما فات ولا بطر بما حصل لا يستسلم الخيبة ولا يهلك نفسه تحسرا بل كل موقف من مواقف الدنيا عنده ابتلاء بالخير والشر. ولئن زلزلته وقائع البلوى رده الايمان الى استقرار النفس اليقين ورباط الطمأنينة فنعم بالسكينة من غير هلع ولا شقاء. المؤمن يملك السعادة والراحة التي تجمع له بين التوكل والعمل الكادح. لا يزلزله جزع ولا يرهقه قلق. يعمر الحياة نشاطا واجتهادا المؤمن يعلم ان السعيد لا يأكل اكثر مما يأكل الناس. ولا يملك اكثر مما يملك الناس ولكن السعي هو الذي يرضى اكثر مما يرضى الناس عباد الله ان من اعظم اسباب السعادة الايمان بالله عز وجل والذي يتضمن الرضا والقناعة بما اعطي العبد فهذا هو غنى الحقيقي كما قال النبي صلى الله عليه وسلم ليس الغنى عن كثرة العرب ولكن الغنى غنى النفس. متفق عليه وقناعة بما يعطى رضا بما يقدر الله عز وجل على العبد. فمن اعطي الرضا فقد اعطي السعادة. اما الساخطون متساخطون فلا يذوقون للسرور طعما. حياتهم سواد ممتد وظلام متصل وليل حالك. الساخط دائم الحزن والكآبة. ضيق النفس والصدر. ضائق بالناس. وضائق بنفسه. الدنيا في عينيه كسم الخياط اما الرضا فسكون وطمأنينة ورضا بما قدر الله تعالى واختار. فمن انعم الله عليه بالرضا المصيبة في علم انها من عند الله فيرضى ويسلم. هنيئا لمن مل رضا فؤاده لا يتحسر على ماض باكيا ولا يعيش حاضرا متسخطا جزوعا ولا ينتظر المستقبل خائفا ووجلا لا يعيش رهبة من غموض ولا يعيش توجسا من مستقبل ايمانه مصدر امانة. الذين امنوا ولم يلبسوا ايمانهم بظلم اولئك لهم والامن وهم مهتدون. فمن يرد الله ان يهديه يشرح صدره للاسلام. ومن يرد ان يضل له يجعل صدره ضيقا حرجا كانما يصعد في السماء كذلك يجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون. بارك الله لي ولكم القرآن العظيم ونفعني واياكم بما فيه من الآيات الحكيم اقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه وتوبوا اليه انه هو الغفور الرحيم الحمد لله على احسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه. واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له تعظيم لشأنه. واشهد ان محمدا عبده ورسوله الداعي الى رضوانه صلى الله عليه وعلى اله وصحبه وسلم تسليما كثيرا. اما بعد فان خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الامور محدثاتها وكل محدثة بدعة. عباد الله ان من اعظم عوائق السعادة النظرة غير الصحيحة لطبيعة الحياة الدنيا. وبعض الناس نظرته للحياة نظرة غير صحيحة. نظرة غير سوية فينظر للحياة وكانه مخلد فيها. ولذلك تجده كثير الجزع والتشكي والتسخط لا تهنأوا بعيش ولن ينال السعادة الا من نظر للدنيا على حقيقتها. وانها دار ممر وعبور وانه لن يخلد فيها وانه مهما اعطي فيها من متع الدنيا فلا بد في النهاية من لقاء الله عز وجل. افرأيت ان متعناهم سنين ثم جاء ما كانوا يوعدون ما اغنى عنهم ما كانوا يمتعون. وينظر كذلك لهذه الدنيا بانها لا تصفو لاحد من البشر. ولا على ما يريد الانسان كما قال الله تعالى لقد خلقنا الانسان في كبد. فالانسان يكابد مصاعب هذه الحياة ولو افترض انها صفت لاحد من المكدرات والمنغصات فلن يدوم ذلك الصفاء. بل لا بد من ساعة من عالم الدنيا الى عالم الاخرة والى الجزاء والحساب. مهما امتد عمر الانسان فلابد في النهاية من لقاء الله عز وجل يا ايها الانسان انك كادح الى ربك كدحا فملاقيه. وسيحاسب على جميع اعماله في دنيا حتى ما يزن مثاقيل الذر كما قال الله تعالى فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة فلابد اذا من النظرة السوية من النظرة الصحيحة لهذه الحياة الدنيا. والنظرة الصحيحة للسعادة وانها انما تكون في الايمان والعمل الصالح والاستقامة على طاعة الله عز وجل. ومن نشد السعادة في غير ذلك فانما ينشد اوهاما خيالات وان حصل شيئا من المتع المادية فانها زائلة وفانية مآلها للفناء. ومن لم يقدم صالحا وفي دنياه فانما حصلهم المتع في هذه الدنيا تكون قد ذهبت وحينئذ يكون مآله ومصيره الى الشقاوة الا واكثروا من الصلاة والسلام على البشير النذير والسراج المنير. لقد امركم الله بذلك فقال سبحانه ان الله وملائكته يصلون على النبي. يا ايها الذين امنوا صلوا عليه وسلموا تسليما. اللهم صلي وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد. وارض الله مع صحابته اجمعين وعن التابعين. ومن تبعهم باحسان الى يوم الدين وعنا معهم بعفوك فهو كرمك يا رب العالمين. اللهم اعز الاسلام والمسلمين. اللهم اذل الكفر والكافرين. اللهم ادم لامة الاسلام امرا رشدا. يعز فيها ويهدى في لمعصيتك ويأمر فيه بالمعروف وينهى فيه عن المنكر يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والاكرام. اللهم وفق ولاة امور المسلمين لتحكيم شرعه واجعلهم رحمة لرعاياهم ووفق امامنا وولي امرنا لما فيه صالح العباد لما فيه صلاح البلاد والعباد. اللهم وفقه لما تحب وترضى وخذ بناصيته للبر والتقوى وقرب منه البطانة الصالحة الناصحة التي تدله على الحق وتعينه عليه. يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والاكرام اللهم اغفر لنا وللمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات الاحياء منهم والاموات. نعوذ بك اللهم من زوال نعمتك وتحول عافيتك وفجاءة وجميع سخطك. اللهم ربنا اتنا في الدنيا حسنة وفي الاخرة حسنة وقنا عذاب النار. نسألك اللهم من الخير كله عاجله واجله ما منه وما لم نعلم ونعوذ بك من الشر كله عاجله واجله ما علمنا منه وما لم نعلم به سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين