الحمد لله الذي خلق فسواه وقدر فهدى وخلق الزوجين الذكر والانثى. احمده الا واشكره حمدا وشكرا كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه. واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى اله وصحبه وسلم تسليما كثيرا. اما بعد فاتقوا الله ايها المسلمون. يا ايها الذين امنوا اتقوا الله حق وتقاتل ولا تموتن الا وانتم مسلمون. ولقد وصينا الذين اوتوا الكتاب من قبلكم واياكم اتقوا الله عباد الله الحديد بهذه الخطبة عن اول معصية عصي الله تعالى بها خلق ادم المعصية التي ذكرها الله تعالى في قوله واذ قلنا للملائكة اسجدوا لادم فسجدوا الا ابليس ابى واستكبر واستكبر وكان من الكافرين. الكبر الذي اخبر النبي صلى الله عليه وسلم بانه لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر هذه الخصلة الذميمة وهذه الافة العظيمة وهذا الخلق السيء الذي تظهر اثاره على الجوارح يجر معه جملة من الاخلاق الرذيلة الاخرى. ولذلك فقد حذر الله تعالى منه وحذر منه رسوله صلى الله عليه وسلم وقبل ان نشير لبعض ما ورد في ذلك نود اولا ان نبين حقيقة الكبر ما المقصود به؟ وماذا يراد به؟ وهل التجمل في اللباس والمركب والهيئة من الكبر حقيقة الكبر قد بينها النبي صلى الله عليه وسلم وفسرها تفسيرا عاما وشاملا وواضحا يزيل كل لا اشكال ولا يحتاج بعده الى مقال. فقال عليه الصلاة والسلام حينما سئل عن الكبر قال الكبر بطر الحق وغمط الناس. وهذا تعريف جامع مانع موجز. بطل الحق وغمط الناس بطر الحق اي رده وعدم قبوله وغمط الناس اي احتقارهم وازدراؤهم. هذه هي حقيقة الكبر واصل هذا الحديث ان النبي صلى الله عليه وسلم قال لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر فقيل يا رسول الله ان الرجل يحب ان يكون ثوبه حسنا ونعله حسنة. فقال عليه الصلاة والسلام ان الله جميل يحب الجمال. الكبر بطر الحق وغمط الناس. فبين عليه الصلاة والسلام ان التجمل في واللباس ان هذا امر محبوب الى الله عز وجل وهو من الجمال الذي يحبه الله تعالى ان الانسان ثوبه حسنا ولعن وان تكون نعله حسنة وان تكون هيئته حسنة هذا ليس من الكبرياء شيء وانما هذا من الجمال الذي يحبه الله. ان الله جميل يحب الجمال. وانما الكبر صفة في القلب تظهر اثارها على تصرفات الانسان فتحمله على عدم قبول الحق وعدم الانقياد به وعلى دفعه ردد وعلى احتقار الناس وازدرائهم. فحقيقة الكبر اذا استعظام المتكبر نفسه واستصغار قدر غيره فيدفعه ذلك الى ان يرد الحق ولا يقبله. الى ان يرد الحق ولا يقبله ولا يذعن اليه ولا يعترف بخطئه ولا تقصيره ولا سوء عمله. ويدفعه ذلك الى ان يحتقر الناس. ولا يرى لهم قدرا ويستنكف ان يسألهم عما ولا يقبل تعليم من يعلمه ولا يقبل نصيحة ناصح لانه لا يراه شيئا. هذه هي حقيقة الكبر بطل الحق وغمط الناس. والكبر يا عباد الله هو اكبر صارف للبشر عن قبول الحق والهدى الذي جاء به الوحي على مر التاريخ. قال بعض السلف اول ذنب عصي الله تعالى به الكبر والكبر هو الذي حمل الكفار على مخالفة الرسل لما جاءوهم بالبينات بالايات البينات قال الله تعالى عن ال فرعون وجحدوا بها واستيقنتها انفسهم ظلما وعلوا فانظر كيف كان عاقبة المفسدين وقال سبحانه عن كفار قريش مخاطبا نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم قد نعلم انه ليحزنك الذي يقولون. فانهم لا ويكذبونك ولكن الظالمين بايات الله يجحدون. وقد كانوا يعرفون النبي صلى الله عليه وسلم بالصدق والامانة. ولا يتهمون بالكذب ويعرفون انه ما كان ليترك الكذب على الناس ويكذب على الله. ويعرفون صدقه في قرارة انفسهم منعه من قبول الحق والانقياد له الجحود والاستكبار. ذكر بعض اهل السير ان ابا جهل جاء ذات ليلة يستمع قراءة النبي صلى الله عليه وسلم من الليل وهو لا يشعر به. وجاء مثله ايضا ابو سفيان والاخنس ابن شريب ولم يشعر احد منهم بالاخر. فاجتمعوها الى الصباح. فلما هجم الصبح تفرقوا فجمعتهم الطريق فقال كل منهم للاخر ما جاء بك. فذكر له ما جاء به. ثم تعاهدوا على الا يعودوا بما يخافون من علم شباب قريش بهم لان لا يفتتنوا بمجيئهم. فلما جاءت الليلة الثانية جاء كل واحد منهم ظنا ان صاحبيه لا يجيئان لما سبق من العهود. فلما اصبحوا جمعتهم الطريق مرة اخرى فتلاوموا ثم تعاهدوا الا يعودوا فلما كانت الليلة الثالثة جاؤوا ايظا فلما اصبحوا تعاهدوا الا يعودوا لمثلها ثم تفرقوا. فلما اصبح الاخنس ابن اتى ابا جهل ودخل عليه في بيته وقال يا ابا الحكم ما رأيك فيما سمعت من محمد؟ قال ماذا سمعت؟ تنازعنا نحن وبنو عبد منافذ الشرف اطعموا فاطعمنا اطعموا فاطعمنا وحملوا فحملنا واعطوا فاعطينا حتى اذا تجافينا على الركب وكنا كفرسي رهان. قالوا منا نبي يأتيه الوحي من السماء. فمتى ندرك هذه والله لا نؤمن به ابدا ولا نصدقه. فانظروا عباد الله كيف ان ابا جهل اعدى اعداء النبي صلى الله عليه وسلم كان يعرف صدقه وصدق ما جاء به ولكن منعه من اتباعه وتصديقه الاستكبار والجحود وهو يستكبر ان ان يتبع يا رسول الله لانه من بني عبد مناف التي تنافس قبيلته. ثم هو يستكبر ان يتبع رجلا مثله. وقالوا ان هو الا رجل مثلكم يريد ان يصدكم عما كان يعبد اباؤكم ولو شاء ولو شاء الله لانزل ملائكة ما سمعنا بهذا في ابائنا الاولين وهذا المانع اعني الاستكبار الذي منع كفار قريش ومنع من قبلهم من كفار الامم السابقة قبول الحق والانقياد له هو اليوم من اكبر الموانع التي تمنع كثيرا من الناس عن الانقياد للحق والاذعان له قبوله والالتزام به. فالكبر افة عظيمة مهلكة. ولهذا فقد رتب عليه الوعيد الشديد في الدنيا والاخرة. ومن اعظم ذلك ان المتكبر يصرف قلبه عن الهدى فلا يهتدي. كما قال الله تعالى ساصرف عن اياتي الذين في الارض بغير الحق ويقول كذلك يطبع الله على قلب كل متكبر جبار. واخبر النبي صلى الله الله عليه وسلم بان الكبر سبب للحرمان من الجنة. فقال لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر رواه مسلم قال اهل العلم وانما صار الكبر حجابا دون الجنة لانه يحول بين العبد وبين اخلاق المؤمنين لان صاحبه لا يقدر على ان يحب للمؤمنين ما يحب لنفسه. فلا يقدر على التواضع ولا يقدر على ترك الحقد والحسد والغضب ولا على كظم الغيظ وقبول النصيحة ولا يسلم من الازدراء بالناس واغتيابهم. فما من خلق ذميم الا وهو مضطر اليه ويقول النبي عليه الصلاة والسلام يحشر الجبارون والمتكبرون يوم القيامة امثال الذر يطأهم الناس من كل مكان يغشاهم الذل يطأهم الناس ويغشاهم الذل من كل مكان. وعن حارثة بن وهب رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول الا اخبركم باهل النار كل عتل كل عتل جواض مستكبر هذا المتكبر في الدنيا يكون يوم القيامة. يكون في الموقف مثل الذر يطأه الناس اذلالا له. لانه تكبر على الناس فاذله الله تعالى اذله الله عز وجل بين يدي الخلائق يوم القيامة. قال رحمه الله من كانت معصيته في شهوة فترجى له التوبة. فان ادم عصى مشتهيا فغفر له لما تاب ومن كانت معصيته من كبر فيخشى عليه اللعنة فان ابليس عصى مستكبرا فلعن عباد الله ان من استقر الكبر في قلبه تجد مظاهر الكبر واثاره بادية عليه في اقواله وافعاله وحتى في مشيته وفي لباسه فتجد ان هذه الخصلة الذميمة والافة المهلكة قد جرت عليه الوانا من الاخلاق الرذيلة فتجده يصعر خده للناس اذا كلمهم او كلموه احتقارا لهم واستكبارا عليهم. وتجده في مشيته متبخترا متكبرا معجبا بنفسه. وقد قال الله تعالى عن لقمان في وصيته لابنه ولا تصعر خدك للناس. ولا تمش في الارض مرحا ان الله لا يحب كل مختار ان الله لا يحب كل مختال فخور. ويقول ولا تمشي في الارض انك لن تخرق الارض ولن تبلغ الجبال طولا. ومن مظاهر الكبر التفاخر بالاحساب والانساب فتجد ان هذا المتكبر الذي له نسب شريف يحتقر من ليس له ذلك النسب او انه من تلك القبيلة الفلانية ونحو ذلك. الا فليعلم بان الطعن في الانساب من كبائر الذنوب. يقول النبي صلى الله عليه وسلم تنتان في الناس بهم كفر الطعن في النسب والنياحة على الميت. رواه مسلم. واننا نجد في مجتمعنا من من قد عصعص الجاهلية في صدورهم ولعب الشيطان بهم. فتجدهم يثيرون العصبية القبلية ويحيونها تفاخرا وتطاولا بالانساب والاحساب واحتقارا وازدراء لغيرهم. الا فليعلم بان ميزان التفاضل في الاسلام هو التقوى. ميزان التفاضل عند الله ليس بالنسب ولا بالحسب ولا بالجاه ولا بالمال وانما هو بالتقوى ان اكرمكم عند الله اتقاكم يقول ابن عباس رضي الله عنهما يقول الرجل للرجل انا اكرم منك وليس احد اكرم من احد الا بالتقوى ان اكرمكم عند الله اتقاكم. ومن مظاهر الكبر اسبال الثياب واسبال الثياب اذا كان عن خيلاء فيقول النبي صلى الله عليه وسلم من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله اليه يوم القيامة ويقول ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر اليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب اليم وذكر منهم المسبل. وان كان عن غير خيلاء فانه محرم ايضا على القول الراجح لعموم الادلة. ولانه يجر للاسبال خيلاء. فعلى المسلم ان ان يلتزم بذلك والا يتجاوز ثوبه الكعبين فانه اذا تجاوز ثوبه الكعبين فهو على خطر ان كان ذلك الاسبال خيلاء وهو معرض نفسه لهذا الوعيد الشديد لم ينظر الله اليه يوم القيامة. وان كان لغير خيلاء فهو ايضا اثم على القول الراجح فاتقوا الله عباد الله واحذروا الكبر بكافة مظاهره وصوره. وتواضعوا للحق وللخلق. تفوز بالخير والفلاح والعزة الكرامة في الدنيا والاخرة تلك الدار الاخرة نجعلها نجعلها للذين لا يريدون علوا في الارض ولا فسادا العاقبة للمتقين. بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني واياكم بما فيه من الايات والذكر الحكيم. اقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم. ولسائل من كل ذنب فاستغفره وتوبوا اليه انه هو التواب الرحيم الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له ولي الصالحين واشهد ان محمدا عبده ورسوله امام المتقين وقادر للمحجلين. صلى الله عليه وعلى اله وصحبه ومن اهتدى بهديه الى يوم وسلم تسليما كثيرا. اما بعد فان خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم. وشر الامور محدثاتها وكل محدثاتها بدعة عباد الله ان السبب الداعي للكبر عند بعض الناس هو اعجاب الانسان بنفسه اما لنسبه او لمنصبه او لعلمه او لماله او لجاهه او لغير ذلك مما يدعو الى الاعجاب بالنفس. ناسيا هذا المعجب ان الله عز وجل هو المنعم بهذه الاشياء وانه لو شاء لسلبها منه فيؤدي هذا الاعجاب الى استعظام نفسه ورؤية قدره فوق اقدار الناس فيحتقرهم ويزدريهم. وعلاج هذا الداء العضال يكون بالمعرفة اليقينية لربه ولنفسه ان الكبرياء هي لله تعالى حصرا. والله تعالى هو المتكبر وهو المستحق للكبر حقيقة. ومن اسمائه جل وعلا المتكبر ولا يجوز لاي انسان ان يسمح لذرة من الكبر ان تتسرب الى قلبه. كما قال الله تعالى في الحديث القدسي الكبرياء ردائي والعظمة ازاري. فمن نازعني واحدا منهما القيته في جهنم ولا ابالي. ويحصل علاج كبر ذلك بمعرفة بمعرفة الانسان لنفسه بان يعرف اصله ونشأته وحاجته وفقره ويعرف ربه وعظمته ومقاومته بين يديه ويكفي الانسان ان يعرف في اصل وجوده من العدم من تراب بعد ان كان جمادا لا يسمع ولا يبصر ولا لا يتحرك فكان اصله من تراب ثم من نطفة من مني يمنى ويكفيه ان ينظر كذلك ان ينظر الى ما ماذا منه عند قضاء الحاجة. فمن كانت هذه حاله فكيف يتكبر؟ وكما يقول القائل عجبت من معجب بصورته وكان بالامس نطفة مذرة وهو في غد بعد حسن صورته يصير في اللحد جيفة قذرة وهو على تيهه ونخوته ما بين ثوبيه يحمل العذرة. عباد الله وليحرص المسلم على التخلق بالتواضع بالتواضع لله عز وجل فان هذا هو سبيل الرفعة. يقول النبي صلى الله عليه وسلم ما تواضع احد لله الا رفعه الله والتواضع يا عباد الله التواضع كما يقال هو النعمة النعمة الوحيدة التي لا يحسد صاحبها عليها والعجب هو البلاء الذي لا يرحم صاحبه منه. قال بعضهم التواضع مصائد الشرف ومن دامت تواضعه كثر صديقه. ولكن ينبغي ان يعلم بان التواضع المحمود هو الذي يكون لله عز وجل. بان يقصد به وجه الله ولذلك تأمل الحديث السابق في قول النبي عليه الصلاة والسلام من تواضع لله رفعه ولم يقل من تواضع رفع وانما من تواضع لله لان من الناس من قد يظهر التواضع للاغنياء وللوجهاء ليصيب من دنياهم. او للرؤساء لينال بسببهم مطلوبة وقد يظهر التواضع رياء او سمعة وكل هذه اغراض فاسدة ولا ينفع العبد الا التواضع لله عز وجل تقربا اليه وطلبا لثوابه واحسانا الى الخلق. فهذا التواضع هو الذي يرفع الله تعالى صاحبه في الدنيا والاخرة من تواضع لله رفعه. الا واكثروا من الصلاة والسلام على بشير والسراج المنيب فقد امركم الله بذلك فقال سبحانه ان الله وملائكته يصلون على النبي يا ايها الذين امنوا صلوا عليه وسلموا تسليما. اللهم صل وبارك على عبدك ورسولك محمد. اللهم ارضى عن صحابة نبيك اجمعين وعن التابعين ومن تبعهم باحسان الى يوم الدين وعنا معهم بعفوك وكرمك يا رب العالمين. اللهم اعز الاسلام والمسلمين. اللهم اذل الكفر والكافرين. اللهم انصر من نصر دين الاسلام في كل مكان. واخذ من خذل دين الاسلام في كل مكان يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والاكرام. اللهم ابراء لامة الاسلام امرا رشدا. يعز فيه اهل طاعته ويهدى فيه اهل معصيته ويؤمر فيه بالمعروف وينافيه عن المنكر وترفع فيه السنة وتقمع فيه البدعة يا حي يا قيوم يا قوي يا عزيز اللهم احوال المسلمين في كل مكان. اللهم وفق ولاة امور المسلمين لتحكيم شرعك. واجعلهم رحمة لرعاياهم. ووفق امامنا ولي امرنا لما فيه صلاح البلاد والعباد ولما تحب وترظى وقرب منه البطانة الصالحة الناصحة التي تعينه اذا ذكر وتذكر اذا نسي يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والاكرام. اللهم انا نعوذ بك من مظلات الفتن ما ظهر منها وما بطن. اللهم انا نعوذ بك من زوال رحمتك وتحول عافيتك وفجاءة نقمتك وجميع سخطك. ربنا اتنا في الدنيا حسنة وفي الاخرة حسنة وقنا عذاب النار. ربنا اغفر لنا ولاخواننا الذين سبقونا بالايمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين امنوا. ربنا انك رؤوف رحيم