الحمد لله الذي له ما في السماوات وما في الارض وله الحمد في الاخرة وهو الحكيم الخبير. يعلم ما وجوه الارض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها وهو الرحيم الغفور. احمده تعالى اشكروه حمد الشاكرين الذاكرين. احمده واشكره حمدا وشكرا عدد خلقه. وزنة عرشه ورضا نفسه مداد كلماته واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله ارسله الله تعالى بين يدي الساعة بشيرا ونذيرا. وداعيا الى الله باذنه وسراجا منيرا. وصلوات الله وسلامه عليه وعلى اله وصحبه ومن اهتدى بهديه واتبع سنته الى يوم الدين وسلم تسليما كثيرا اما بعد فاتقوا الله ايها المسلمون. يا ايها الذين امنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا. يصلح لكم اعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما عباد الله ان اسلوب ذكر القصص الواقعية الصحيحة له سلطان واثر بالغ على النفوس. ولهذا كان رسول الله صلى الله واله وسلم يذكر لامته من قصص الامم السابقة ما يكون فيه عبرة لمن يعتبر ولمن كان له قلب او القى السمع وهو شهيد. ونقف مع قصة من القصص التي ذكرها لنا المصطفى صلى الله عليه وسلم. اخرجها البخاري ومسلم في صحيحيهما يقول عليه الصلاة والسلام انطلق ثلاثة نفر ممن كان قبلكم حتى اواهم المبيت الى غار فدخلوه. فانحدرت صخرة من الجبل فسدت عليهم الغار فقالوا انه لن ينجيكم فقالوا انه لا ينجيكم من هذه الصخرة الا ان تدعوا الله بصالح اعمالكم فقال رجل منهم اللهم انه كان لي ابوان شيخان كبيران وكنت لا اغبق قبلهما اهلا ولا مالا. اي لا اقدم في الشرب قبلهما احدا بنأبي طلب الشجر يوما فلم ارح عليهما حتى ناما. فحلبت لهما ابوقهما فوجدتهما نائمين فكرهت ان اوقظهما وان اغبق قبلهما اهلا او مالا فلبثت والقدح على يدي انتظر استيقاظهما حتى برق الفجر. والصبية يتضاغون عن قدمي. والصبية يتظاغون عند قدمي ان يصيحون يريدون شرب اللبن قال فاستيقظا فشربا غبوقهما اللهم ان كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك ففرج عنا ما نحن فيه فانفرجت الصخرة شيئا غير انهم لا يستطيعون الخروج وقال الاخر اللهم انه كانت لي ابنة عم كانت احب الناس اليه وفي رواية كنت احبها كاشد ما يحب الرجال النساء فاردتها على نفسها فامتنعت حتى المت بها سنة من السنين اي اتتها شدة وفقر وحاجة. فجاءتني فاعطيتها عشرين ومئة دينار على ان تخلي بيني وبين نفسها ففعلت حتى اذا قدرت عليها وفي رواية فلما قعدت بين رجليها قالت اتق الله ولا تفظ الخاتم الا بحقك فانصرفت عنها وهي احب الناس الي وتركت الذهب الذي اعطيتها اللهم ان كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه فانفرجت الصخرة قليلا غير انهم لا يستطيعون الخروج وقال الثالث اللهم اني قد استأجرت اجراء واعطيتهم اجرهم غير رجل واحد ترك الذي له وذهب فثمرت اجره حتى كثرت منه الاموال بعد حين فقال يا عبد الله ادي الي اجري. فقلت لك كل ما ترى. هذا هو اجرك من الابل والبقر والغنم والرقيق. فقال يا عبد الله لا تستهزئ بي. قلت لا استهزئ بك. فاخذه كله ولم يترك لي منه شيئا. اللهم ان كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه. فانفرجت فخرجوا يمشون عباد الله تأملوا هذه القصة العجيبة هذه القصة العظيمة فهؤلاء الثلاثة عرفوا الله في الرخاء فعرفهم في الشدة. وهكذا كل من تعرف الى الله في حال الرخاء واليسر فان الله يعرفه في حال الشدة والضيق والكرب فيلطف به ويعينه وييسر له اموره. كما قال ربنا ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب. ومن يتق الله يجعل له من امره يسرا. فالاول هؤلاء الثلاثة ضرب مثلا عظيما في البر بوالديه. بقي طوال الليل والاناء على يده لم تطب نفسه ان اشرب منه ولا ان يسقي اولاده واهله منه ولا ان ينغص على والديه نومهما حتى طلع الفجر فاستيقظ والداه فشربا من هذا اللبن ورجل هذا شأنه فما ظنك ببره بوالديه في بقية اموره فدل هذا على فضل بر الوالدين وعلى انه سبب لتيسير الامور ولتفريج الكروب. بر الوالدين هو اعظم ما من صلة الرحم. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم من احب ان يبسط له في رزقه وان ينسأ له في اثره ان يمد له في عمره فليصل رحمه متفق عليه. وهذا جزاء معجل لصاحبه في الدنيا. يبسط له في الرزق ويمد له في العمر هذا غير الجزاء الاخروي المدخر له في الاخرة. وقد عظم الله تعالى شأن الوالدين حتى انه سبحانه نهى الابن عن تلفظ عليهما بادنى كلمة تظجر. فقال سبحانه وقضى ربك الا تعبدوا الا اياه. وبالوالدين احسانا اما يبلغن عندك الكبر احدهما او كلاهما فلا تقل لهما اف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما واخفض خذ لهما جناح الذل من الرحمة وقل وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا. حتى ان النبي صلى الله عليه وسلم جعل صلة الرجل اهل ود ابيه جعلها من ابر البر. كما جاء في صحيح مسلم عن ابن عمر رضي الله عنهما ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ان من ابر البر صلة الرجل اهل ود ابيه وثاني هؤلاء الثلاثة في القصة رجل ضرب مثلا عظيما في العفة البالغة في العفة الكاملة حيث تمكن من حصوله على مراده من هذه المرأة التي هي احب الناس اليه. ولكن لما ذكرته بالله تركها وهي احب الناس اليه ولا لم يأخذ شيئا مما اعطاها. فقالت له هذه الكلمة العظيمة اتق الله ولا تخض الخاتم الا بحقه. فخوفك بالله واشارت الى انه ان اراد هذا بالحق اي بالحلال فلا مانع عندها لكن يفض هذا بغير حق فهي لا تريده. فوقعت هذه الكلمة في نفسه موقعا عظيما. فقام عنها وهي احب الناس اليه. اي انه لم تزل رغبته عنها ولا كيها بل حبها باقي في قلبه ولكن ادركه الخوف من الله عز وجل. فقام عنها وترك الذهب الذي اعطاها وجاء في رواية انه قال فلما كشفتها ارتعدت من تحتي فقلت ما لك قالت اخاف الله رب العالمين فقلت خفتيه بشدة ولم اخفه في الرخاء فتركها وقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم في حديث السبعة الذين يظلهم الله تعالى تحت ظله يوم لا ظل الا ظله. ذكر منهم رجلا دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال اني اخاف الله وثالث هؤلاء رجل ضرب مثلا عظيم في الامانة وفي النصح. حيث حيث استبقى لهذا الاجير وهذا العامل الذي عمل عنده له اجره بل وثمر له اجره. استثمره له. فبلغ مبلغا عظيما. بلغ ما بلغ حتى ان ذلك العامل لم يصدق بان هذا كله له وقال له لا تستهزئ بي قال لا استهزأ بك ثم ان هذا العامل اخذ اجره واخذ استثماراته كلها ولم يترك لهذا الرجل منها شيئا. ومع ذلك لم يطالبه بشيء. فبلى فضرب مثلا عظيما في الامانة وضرب مثلا عظيما في النصح فكان هذا من اسباب تفريج الكروب فالاول ضرب مثلا عظيما في بره بوالديه والثاني ضرب مثلا عظيما في عفته عن الزنا مع قدرته عليه. والثالث ضرب مثلا عظيما في بامانته ونصحه. اقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه وتوبوا اليه. انه هو التواب الرحيم الحمد لله على لسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه. واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له تعظيم لشأنه. واشهد ان محمدا عبده ورسوله وصوله الداعي الى جواره صلى الله عليه وعلى اله وصحبه وسلم تسليما كثيرا. اما بعد فان خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله الله عليه وسلم وشر يملك ذاتها فكل محدثة بدعة. عباد الله دلت هذه القصة على فضل الاخلاص لله عز وجل. وانه من اسباب تفريج الكروب فان كل واحد من هؤلاء الثلاثة دعا بقوله اللهم ان كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك. فدل هذا على عظيم شأن اخلاص العمل لله تعالى. ومن فوائد هذه القصة ايضا مشروعية التوسل الى الله عز وجل بالعمل الصالح. خاصة عند وقوع الكربات. فهؤلاء الثلاثة توسلوا الى الله تعالى اعمال ظنوا انهم اخلصوا فيها لله. فسألوا الله تعالى ان كانت اعماله خالصة وقبلت منهم ان يفرج عنهم كربتهم ولهذا كان كل واحد منهم يقول اللهم ان كنت تعلم اني فعلت هذا ابتغاء وجهك. فلم يعتقد كل واحد منهم ان عمله مقبول فوض الامر الى الله وعلق الدعاء على علم الله به. قال بعض اهل العلم استفادوا من هذا ان من اراد ان يتوسل الى الله بعمل صالح ينبغي ان نعتقد تقصيره في نفسه وان يبحث عن عمل يظن انه اخلص فيه لله فيتوسل الى الله تعالى به مفوضا امره الى الله معلقا الدعاء على علم الله به اي انه يفعل كما فعل هؤلاء الثلاثة. فيقول اللهم ان كنت تعلم انها اني فعلتها هذا ابتغاء وجهك فافرج عني هذه الكربة. وهو حينما يدعو بهذا يكون راجيا للاجابة. خائفا من ان الله لم يتقبل منه ذلك العمل فيكون قد جمع بين الرجاء والخوف عباد الله ينبغي ان يكون للمسلم اعمال صالحة يخلص فيها لله تعالى لا يعلم بها الا الله. ينبغي ان تجعل لك خبيئة من عمل صالح لا يعلم بها زوجة ولا والد ولا اولاد تدخرها لاوقات الشدة والكرب وتتوسل بها الى الله عز وجل عندما تقع في شدة. فتأمل في حالك لو انك وقعت في كربة في كرب وفي شدة والدنيا لا تخلو فان الله خلق الانسان في كبد فلا يخلو ان يقع للانسان شدائد وكروب فاذا وقعت في وكرب فتأمل في حالك الان. هل هناك اعمال صالحة اخلصت فيها لله عز وجل؟ تتوسل الى الله تعالى بها ان لم تجد فاحرص على ان تدخر لك اعمالا صالحة تخلص فيها لله عز وجل. لا يعلم بها احد من البشر. فاذا في شدة او كربة تتوسل الى الله عز وجل بها كما فعل هؤلاء الثلاثة. فالتوسل الى الله عز وجل بالاعمال صالحة مشروع كما فعل هؤلاء. بل حتى في حال الرخاء لك ان تتوسل الى الله عز وجل بالاعمال الصالحة. كان توسل الى الله تعالى بايمانك بالله وبمحبتك لله ولرسوله. وقد ذكر الله تعالى عن المؤمنين انهم يقولون في دعائهم ربنا اننا امنا فاغفر لنا ذنوبنا وقنا عذاب النار. فتوسلوا الى الله عز وجل بايمانهم. فدل ذلك على مشروعية التوسل الى الله عز وجل بالاعمال الصالحة الا واكثروا من الصلاة والسلام على البشير النذير والسراج المنير. فقد امركم الله بذلك فقال سبحانه ان الله وملائكته يصلون على النبي. يا ايها الذين امنوا صلوا عليه وسلموا تسليما اللهم صلي وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد وارضى اللهم عن صحابته اجمعين وعن التابعين ومن تبعهم باحسان الى يوم الدين وعنا معهم بعقبك وكرمك يا رب العالمين. اللهم وعز الاسلام والمسلمين. اللهم اذلنا الكبرى والكافرين. اللهم انصر من نصر دين الاسلام في كل مكان. واخذل من خذل دين الاسلام في كل مكان. يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والاكرام. اللهم وفق ولاة امور المسلمين لتحكيم شرعه. واجعلهم رحمة لرعاياهم. ووفق امامنا وولي امرنا لما تحب وترضى. وخذ بناصيته للبر والتقوى ووفقه وولي عهده لما فيه صلاح البلاد والعباد. يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والاكرام اللهم ربنا اتنا في الدنيا حسنة وفي الاخرة حسنة وقنا عذاب النار. ربنا اغفر لنا ولاخواننا الذين سبقونا بالايمان. ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين امنوا ربنا انك رؤوف رحيم نسألك اللهم من خير كله عاجله واجله ما علمنا منه وما لم نعلم ونعوذ بك من الشر كله عاجله واجله ما منه ما لم نعلم سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب