الحمدلله المتوحد بالعظمة والجلال المتفرد بالبقاء والكمال احمده سبحانه واشكره على جزيل الانعام والافضال واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له. الكبير المتعال. واشهد ان محمدا عبده رسوله المنقذ باذن ربه من الضلال والداعي الى كريم السجايا وشريف الخصال صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى اله وصحبه خير صحب والتابعين ومن تبعهم باحسان الى يوم الدين اما بعد فاتقوا الله ايها المسلمون. يا ايها الذين امنوا اتقوا الله حق تقاته. ولا تموتن الا وانتم مسلمون عباد الله وقفات تدبر واتعاظ واعتبار مع سورة من اعظم سور القرآن موعظة واوجزها بيانا وبلاغا. سورة كان النبي صلى الله عليه وسلم كثيرا ما يخطب بها في خطبة الجمعة عن امي هشام بانت حارثة ابن النعمان رضي الله عنها قالت ما اخذت سورة قاف والقرآن المجيد الا عن لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأها كل جمعة على المنبر اذا خطب الناس رواه مسلم هذه السورة اشتملت على ابتداء الخلق والبعث والنشور والمعادي والحساب والترغيب والترهيب والجنة والنار بدأت بقضية من اعظم القضايا واكبرها في حياة الامم. بدأت بقضية التكذيب بالبعث والنشور. حين ينكر اولى اولئك المكذبون من الكفار اعادة الخلق ويستبعدون يوم الحساب. يقول الله عز وجل قاف المجيد بل عجبوا ان جاءهم منذر منهم فقال الكافرون هذا شيء عجيب. ااذا متنا وكنا ترابا ذلك ترجع بعيد قد علمنا ما تنقص الارض منهم وعندنا كتاب حفيظ. بل كذبوا بالحق لما جاءهم فهم في امر افلم ينظروا الى السماء فوقهم كيف بنيناها وزيناها وما لها من فروج والارض مددناها فيها رواسي وانبتنا فيها من كل زوج بهيج. تبصرة وذكرى لكل عبد منيب. ونزلنا من السماء ماء مباركا فانبتنا به جنات وحب الحصير والنخل باسقات لها طلع نظير. رزقا للعباد واحيين به بلدة ميتا كذلك الخروج فجاءت هذه السورة العظيمة لتقرر هذه القضية الكبرى التي جادلت الامم رسلها فيها كثيرا. وتعجبوا منها وانكروها وكفروا بها وقد واجهت هذه السورة قلوب المشركين المنحرفة لتردها الى الحق وتوقفها على الحقائق كبيرة في هذا الوجود لكي تتفكر وتتدبر في هذا الكون العظيم من حولها بسمائه وارضه وفجاده العظيمة وسوء الواسعة وتقرر لهم ان الخلق يموتون فيصيرون ترابا تذروه الرياح ثم يبعثون وليس بعثهم من بعد موتهم باعجب ولا باصعب من ايجاده من العدم. وما في هذا الكون من ثبات واستقرار وبديع صنع وايجاد وزينة وجمال وبهجة تبصرة تكشف الحجب وتنير البصائر وتفتح القلوب ثم تعرض هذه السورة الى مشهد اخر قريب من المشهد السابق فتنطق بمآل المكذبين الذين جادلوا ومارو في هذه القضية كما كان المشركون يمارون النبي صلى الله عليه وسلم. فحق عليهم الوعيد واخذهم العذاب. يقول الله كذبت قبلهم قوم نوح واصحاب الرس وثمود وعادوا وفرعون واخوان لوط واصحاب الايكة وقوم تبع كل كذب الرسل فحق وعيد. وهذه الايات لم تأتي لتفصيل امر هذه الامم الماضية. وانما تلفت النظر الى مصيرهم حين كذبوا الرسل وانكروا البعث والجزاء ثم تعود هذه السورة لتعالج القضية الكبرى قضية البعث من جديد في مشهد عظيم يذكر الانسان بخلق الله تعالى له من التراب وايجاده من العدم ورقابته له وقربه منه وعلمه به احواله وسكناته ووساوسه وخلجات ظميره فيقول الله سبحانه افعيينا بالخلق الاول بل هم في لبس من خلق جديد. ولقد خلقنا الانسان ونعلم ما توسوس به نفسه. ونحن اقرب اليه من حبل الوريد ليتلقى المتلقيان عن اليمين وعن الشمال قعيد ما يلفظ من قول الا لديه رقيب عتيد فالله عز وجل خلق الانسان واوكل بكل انسان ملكين يكتبان ويحصيان عليه اقواله واعماله في كتاب لا ويغادر صغيرة ولا كبيرة الا احصاها. يلقى هذا الكتاب يوم القيامة منشورا. اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا وتأمل تأمل قول الله عن الملك الموكل بكتابة اعمال واقوال ابن ادم ما يلفظ من قول الا لديه رقيب عتيد فوصفه الله تعالى بوصفين الاول رقيب ان يراقب ما يتكلم به الانسان ويفعله الثاني عتيد اي معد ومسخر لذلك سبحان الله لو اوكل بواحد منا واحد من البشر وفرغ له تفريغا كاملا لاجل ان يلازمه وان يسجل جميع حركاته واقواله وافعاله فما ظنك بهذا الانسان المراقب وما ظنك باحترازه من ان يتكلم بكلام غير مناسب او يتصرف بتصرفات غير مناسبة فكيف وقد وكل الله بكل انسان هذين الملكين اللذين ليس لهما عمل سوى مراقبة هذا الانسان وكتابة اقواله واعماله رقيب عتيد. كل منهما معد ومتفرغ لمراقبة ما تتكلم به وما تعمله اكتبه ثم تحاسب عليه يوم القيامة اذا استحضر الانسان ذلك فان هذا كفيل بان يجعل الانسان متيقظا حذرا من ان يكتب عليه ويحاسب عليه من ان يكتب عليه كلام غير مناسب ويحاسب عليه يوم القيامة او ان يتصرف بتصرفات غير مناسبة ويحاسب عليها يوم القيامة ثم يأتي المشهد الرابع من هذه السورة ليفصل فيه الموت واهواله وسكراته وشدائده وهول الحشر وهول الحساب يقول ربنا سبحانه وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد. ونفخ في الصور ذلك يوم الوعيد كل نفس معها سائق وشهيد. لقد كنت في غفلة من هذا فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد وقال قرينه هذا ما لدي عتيد. القي في جهنم كل كفار عنيد. مناع للخير معتد مريب. الذي جعل مع الله الها اخر فالقياه في العذاب الشديد ان لحظة الموت هي اشد ما يحاول الانسان ان يروغ منها ويحيد ذلك ما كنت منه تحيد فالموت اعظم فاضح لهذه الدنيا ومنغص لنعيمها ومكدر لصفوها وهو حق لا مفر منه ولا مهرب. الموت طالب لا يمل الطلب ولا يبطئ الخطى لا يخلف المعان عند سكرة الموت يرى الانسان الحق كاملا بلا حجاب يرى هذه الدنيا على حقيقتها يرى ان هذه الدنيا لا تستحق من الانسان كل هذا العناء وكل هذا الصخب وكل هذا نصب عند سكرات الموت ينكمش عمر الانسان الذي عاشه في هذه الدنيا ينكمش الى لحظات ولا يتمنى الانسان في ذلك الوقت شيئا من امور الدنيا وانما يتمنى ان لو اغتنم ذلك العمر القصير بما ينفعه بعد مماته ويتمنى لو اخر لكي يعمل صالحا قال ربي ارجعون لعلي اعمل صالحا فيما تركت انها كلمة هو قائلها ومن ورائهم برزخ الى يوم يبعثون ومن بعد الموت اشد واقسى حين ينفخ في الصور وتأتي كل نفس تقاد الى الحساب الموعود على رؤوس الاشهاد ومعها سائق يسوق وشاهد يشهد عليها بما عملت وجاءت كل نفس معها سائق وشهيد في موقف عصيب كان الانسان في غفلة عنه فكشف عنه الغطاء لينظر اليه ببصر حديد لا يحجبه عنه حجاب لقد كنت في غفلة من هذا فكشفنا عنك فبصرك اليوم حديد قوي لا يحجبه حجاب. هذا هو الموعد الذي غفلت عنه. هذا هو الموقف الذي لم تحسب هذه هي النهاية التي لم تتوقع ان تكون هكذا. فالان فانظر فبصرك اليوم حديد. فيتقدم قرينه الذي كان يكتب ما يلفظه من قول وفعل ليشهد عليه شهادة عظيمة. فيقول يا ربي هذا ما لدي عتيد هذه هي اقواله يا رب وهذه هي افعاله هذه هي اعماله هذا ما لدي عتيد فيأمر الله تعالى ملائكته بالقائه في العذاب الشديد في جهنم وهو يجادل ويدافع عن نفسه وان الشيطان هو الذي اهواه واغواه عن الاستعداد ليوم الوعيد فيتبرأ منه الشيطان ويصفه بالضلال المبين. قال قرينه اي شيطانه القرين ربنا ما ابقيته ولكن كان في ضلال بعيد فيجيء الفصل المبين من الرب عز وجل لينهي مشهد الخصام ويقرر الحساب الرهيب. فالمقام ليس مقام اختصار. فقد سبق اعيد وتوالت النذر وثبت العمل. قال لا تختصموا لدي وقد قدمت اليكم بالوعيد ما يبدل القول لدي وما انا بظلام للعبيد وفي مشهد من اعظم مشاهد يوم القيامة في هذه السورة واشدها يعرض الله تعالى فيه من اهوال النار وشدتها على العصاة وتحرقها وهي تتلهف وتسعى في غلظة الى المزيد. يوم نقول لجهنم هل الاتي وتقول هل من مزيد اخرج البخاري في صحيحه عن انس رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال يلقى في النار وتقول هل من مزيد حتى يضع الرب عز وجل قدمه فيها فتقول قط قط اي حسبي حسبي وفي المقابل مشهد عظيم من مشاهد تكريم الله لعباده المتقين. وما اعد لهم من النعيم المقيم. والتكريم العظيم على رؤوس الاشهاد في في جنة النعيم وازلفت الجنة للمتقين غير بعيد. هذا ما توعدون لكل اواب حفيظ. من خشي الرحمن بالغيب وجاء بقلب منيب ادخلوها بسلام. ذلك يوم الخلود لهم ما يشاؤون فيها. ولدينا مزيد بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني واياكم بما فيه من الايات وذكر الحكيم. اقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم المسلمين من كل ذنب فاستغفروه وتوبوا اليه انه هو التواب الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له ولي الصالحين. واشهد ان محمدا عبده ورسوله امام المتقين صلى الله عليه وعلى اله وصحبه ومن اهتدى بهديه الى يوم الدين وسلم تسليما كثيرا. اما بعد فان خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الامور محدثاتها وكل محدثات بدعة. عباد الله وفي عطف بياني بديع يعود في اخر السورة على تأكيد جميع ما سبق من المشاهد والقضايا من البعث والخلق ومصير الخلائق الماضية والقرون السالفة وبعض اهوال يوم القيامة ليذكره هؤلاء مشركين بما اهلكهم من قبلهم من القرون فيقول وكم اهلكنا قبلهم من قرن هم اشد منهم بطشا فنقبوا في البلاد هل من ان في ذلك لذكرى لمن كان له قلب او القى السمع وهو شهيد ثم يقرر سبحانه حقيقة كبرى وهي انه خلق السماوات والارض وما بينهما من خلق هائل بيسر وسهولة ما مسه من تعب واعياء فكيف باحياء الموتى وهو بالقياس الى خلق السماوات والارض امر هين وكانت اليهود تقول خلق الله السماوات والارض في ستة ايام بدأها بالاحد ثم استراح يوم السبت اليوم السابع فانزل الله تكذيبهم فقال ولقد خلقنا السماوات والارض وما بينهما في ستة ايام وما مسنا من لغوم اي من تعب ولا نصب ولا اعياء ويأتي التوجيه الالهي للنبي صلى الله عليه وسلم بالصبر على اذى المشركين والامر بالصلاة والتسبيح والاذكار. فاصبر على ما يقولون وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل الغروب ومن الليل فسبحوا وادبار السجود. ثم تختم ثم تختتم هذه السورة بالحديث عن جملة من المشاهد عن جملة من مشاهد البعث والنشور حين تتشقق الارض عما فيها من الخلائق التي غبرت في تاريخ الحياة كلها الى نهايتها. قبور لا تحصى تعاقب فيها من الموتى ما لا يعلمه الا الله وكلها تتشقق في لحظة واحدة في مشهد عجيب لا يقدر عليه الا الله عز وجل واستمع يوم ينادي المنادي من مكان قريب يوم يسمعون الصيحة بالحق ذلك يوم الخروج انا نحن نحيي ونميت والينا المصير يوم تشقق الارض عنهم صراعا. ذلك حشر علينا يسير قال الحافظ ابن كثير رحمه الله في تفسيره ذلك ان الله عز وجل ينزل مطرا من السماء تنبت به اجساد الخلائق من قبورها كما ينبت في الثرى بالماء فاذا تكاملت الاجساد امر الله اسرافيل فينفخ في الصور وقد اودعت الارواح في ثقب الصور فاذا نفخ اسرافيل خرجت الارواح تتوهج بين السماء والارض. فيقول الرب عز وجل وعزتي وجلالي لترجعن كل روح الى الجسد الذي كانت فيه فتدب فيه كما يدب السم في اللديغ وتنشق الارض عنهم فيقومون الى موقف الحساب سراعا مبادرين الى امر الله عز وجل مهطعين الى الداع. يقول الكافرون فهذا يوم عسر وفي خضم الحديث عن هذه المشاهد العظام من اهوال القيامة والجزاء يأتي التوجيه للنبي صلى الله عليه وسلم تجاه جدل المشركين وتكذيبهم على انه ليس عليه الا التذكير والبلاغ. نحن اعلم بما يقولون. وما انت عليهم بجبار فذكر بالقرآن من يخاف فهو عيد والقرآن العظيم يهز القلوب المؤمنة ومن يخاف وعيد الله عز وجل لو انزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله. وتلك الامثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون الا واكثروا من الصلاة والسلام على البشير النذير والسراج المنير. فقد امركم الله بذلك فقال سبحانه ان الله وملائكته يصلون على النبي يا ايها الذين امنوا صلوا عليه وسلموا تسليما. اللهم صلي وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد وارضى اللهم عن صحابته اجمعين. وعن التابعين ومن تبعهم باحسان الى يوم الدين وعنا معهم. يعفوك وكرمك يا رب العالمين. اللهم اعز الاسلام والمسلمين. اللهم اذل الكفر والكافرين. اللهم اصلح المسلمين في كل مكان. اللهم وفق ولاة امور المسلمين لتحكيم شرعك. واجعلهم رحمة لرعاياهم. ووفق امامنا وولي امرنا لما تحب لما تحب ارضى وخذ بناصيته للبر والتقوى. اللهم اغفر لنا ولاخواننا الذين سبقونا بالايمان. ولا تجعل في قلوبنا غلا الذين امنوا. ربنا انك رؤوف رحيم نسألك اللهم من الخير كله عاجله واجله ما علمنا منه وما لم نعلم ونعوذ بك من الشر كله عاجله واجله ما علمنا منه وما لم نعلم سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد الحمد لله رب العالمين