الحمد لله الكريم الجواد خلق الانسان من نطفة وجعل له السمع والبصر والفؤاد خلق سبع سماوات طباقا بغير عمد ومد الارض وارسل فيها الجبال كالاوتان الفعال لما يريد ولا يقع في ملكه الا ما اراد واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له المنزه عن الاشباه والاندان واشهد ان محمدا عبده ورسوله خير من دعا وهدى وبالخير العظيم جاد صلى الله عليه وعلى اله وصحبه وسلم تسليما كثيرا اما بعد فاتقوا الله ايها المسلمون اتقوا الله حق التقوى. يا ايها الذين امنوا اتقوا الله قولوا قولا سديدا يصلح لكم اعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتق الله يجعل له من امره يسرا. ومن يتق الله يكفر عنه سيئاته. ويعظم له اجرا عباد الله نقف في هذه الخطبة وقفات يسيرة مع سورة عظيمة من كتاب ربنا مع سورة تتضمن المعاني الجليلة والفوائد الكثيرة باوجز لفظ واقصر عبارة سورة مكونة من ثلاث ايات لكنها تمثل المنهج الكامل للحياة البشرية انها سورة العصر التي قال عنها الامام الشافعي لو ما انزل الله تعالى حجة على خلقه الا هذه السورة لكفتهم والعصر ان الانسان لفي خسر الا الذين امنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر فاقسم الله تعالى في هذه السورة بالعصر والعصر هو الدهر الذي هو ميدان العاملين ومضمار الدهر الذي يختلف الناس في استهلاكه اختلافا كبيرا. فمنهم من يمضيه في طاعة ربه تبارك وتعالى تعالى وفيما يقربه الى الله سبحانه وهؤلاء هم الرابحون ومنهم من يذهب عليه هذا الوقت وهو في غفلة. ومنهم من يمضيه في المعاصي وفيما يسخط الله تعالى وكلا فريقين خاسر عباد الله والله تعالى اذا اقسم في كتابه الكريم بشيء فان ذلك يدل على عظمة ذلك الشيء وعلى وشرفه وقد اقسم الله تعالى في هذه الاية بالعصر الذي هو الدهر اي الزمن على قول اكثر المفسرين. قال الحافظ ابن كثير رحمه الله في تفسيره العصر هو الزمان الذي يقع فيه حركات بني ادم من خير وشر وفي هذا دلالة على اهمية الوقت واهمية اغتنامه ومما يدل لذلك ان الله تعالى قد اقسم به في هذه الاية جملة واقسم به في ايات اخرى باجزاء منه كما قال سبحانه والفجر وليال عشر. والليل اذا يغشى والنهار اذا تجلى. والضحى والليل اذا سجى ومما يؤكد اهمية الوقت ان الانسان لا تزول قدماه يوم القيامة حتى يسأل عن اربع اسئلة سؤالان منها قاصان بالوقت عن معاذ رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لن تزولا قدم عبدي يوم القيامة حتى يسأل عن اربعا عن عمره فيما افناه وعن شبابه فيما ابلاه وعن ما له من اين اكتسبه وفيما انفقه وعن علمه ماذا عمل فيه فانظروا رحمكم الله الى ان نصف هذه الاسئلة سؤالان من اربعة اسئلة عن وقت الانسان فيما امضاه. عن عمره فيما افناه وعن شبابه فيما ابلاه فيسأل الانسان يوم القيامة عن عمره عامة ويخص الشباب بسؤال. لان سن الشباب هو سن القوة والعزيمة ثم يسأل عن ما له سؤالان من اين اكتسبه؟ وفيما انفقه؟ ويسأل عن علمه ماذا عمل فيه عباد الله ان ادراك قيمة الوقت يتوقف ابتداء على معرفة الانسان بالغاية التي لاجلها خلق. وكما قيل اذا اكتمل عقل الانسان اكتمل اغتنام الزمان هذا الوقت له خصائص تخصه لا توجد في غيره. ومن ابرزها انه انفس ما يملك الانسان وهو انفس من الذهب والفضة وسائر الاموال. لان هذه الاموال يمكن تعويضها بينما الوقت اذا ذهب لا يمكن ومنها سرعة انقضائه فالوقت يمر سريعا وتذهب تذهب لحظاته جميعا. انظر الى ما مضى من عمرك كيف تراه الان واعلم بان ما تبقى من عمرك سيمر بنفس السرعة التي مر بها ما مضى ومن خصائص الوقت ان ما مضى منه لا يعود ابدا الى يوم القيامة ثم قال سبحانه ان الانسان لفي خسر فاقسم سبحانه بهذا العصر على ان كل انسان من بني ادم فهو في خيبة وخسر مهما كثر ماله وولده قدره وشرفه الا من جمع اربع صفات الاولى الايمان الا الذين امنوا ويشمل كل ما يقرب الى الله عز وجل من اعتقاد صحيح وعلم نافع الثانية وعملوا الصالحات العمل الصالح. وهو كل قول او فعل يقرب الى الله تعالى. ولابد لصلاح العمل من شرطين اذا لم يتحققا لم يكن العمل صالحا الشرط الاول الاخلاص لله تعالى في ذلك العمل. والشرط الثاني المتابعة فيه لرسول الله صلى الله عليه وسلم الصفة الثالثة وتواصوا بالحق. التواصي بالحق وهو التواصي على فعل الخير والحث عليه والترغيب فيه. الصفة رابعة وتواصوا بالصبر التواصي بالصبر بان يوصي بعظهم بعظا على الصبر على فعل اوامر الله عز وجل وترك محارم الله سبحانه وتحمل اقدار الله المؤلمة وتأمل كيف ان الله عز وجل قال وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر ولم يقل فعلوا الحق وصبروا لان القيام وبذلك صعب على النفس البشرية. ويتطلب القيام والنهوض به التواصي. والتناصح من المجتمع والتعاون فيما بينهم على البر والتقوى والتذكير والموعظة. ثم ان التواصي بالحق والتواصي بالصبر يتظمنان الامر بالمعروف والنهي هي عن المنكر الذين بهما قوام الامة وصلاحها وحصول الشرف والفضيلة لها. اقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه وتوبوا اليه انه هو التواب الرحيم الحمد لله على احسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له الداعي الى رضوانه. واشهد ان محمدا عبده ورسوله. واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له تعظيما لسانه واشهد ان محمدا عبده ورسوله الداعي الى رضوانه صلى الله عليه وعلى اله وصحبه ومن اهتدى بهديه واتبع سنته والى يوم الدين وسلم تسليما كثيرا. اما بعد فان خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الامور محدثاتها وكل محدثة بدعة عباد الله ان هذه السورة القصيرة ذات الثلاث الايات تمثل منهجا كاملا للحياة البشرية كما يريدها الاسلام هذه السورة تقرر الحقيقة الظخمة التي ينبغي ان تكون حاضرة في ذهن كل مسلم ومسلمة وهي انه على امتداد الزمان في جميع الاعصاب وامتداد الانسان في جميع الادهار ليس هناك سوى منهج واحد رابح وطريق واحد ناج وهو طريق الايمان والعمل الصالح والذي يعين عليه التواصي بالحق والتواصي بالصبر وما عدا ذلك فهو ظياع وخسارة ان الانسان لفي خسر الا الذين امنوا وعملوا الصالحات هذه هي الحقيقة العظيمة ان الانسان مهما حصل من امور الدنيا ومتاعها فانه ما لم يكن لديه الايمان والعمل الصالح فهو في خسر لا قيمة لجميع ما حققه من نجاحات في هذه الدنيا ما دام انه فاشل في علاقته بربه فيبقى في النهاية خاسرا وجميع نجاحاته في الدنيا تتبخر وتذهب كالسراب. يحسبه الظمآن ماء حتى اذا جاءه لم يجده شيئا كل يوم يمضي من عمرك ان لم تغتنمه العمل الصالح المرتبط بالايمان فانه يكون خسارة عليك ان الانسان لفي خسر الا الذين امنوا وعملوا الصالحات ولعل هذا هو السر في ان الله تعالى بدأ الاية بالقسم بالعصر وهو الزمن فقال والعصر ثم قال ان الانسان لفي خسر لانه قد مضى عليه هذا الزمن من عمره الا اذا اغتنمه في طاعة الله عز وجل ولهذا قال الا الذين امنوا وعملوا الصالحات فنجاح الانسان انما يكون في في العمل الصالح المرتبط بالايمان هذا هو الذي يكون به فلاحه وهي وهو الذي يكون به نجاته وما عدا ذلك فان الانسان في خسر فتأمل تأمل هذه السورة العظيمة. كيف تضمنت هذه المعاني الجليلة؟ وليجعلها المسلم نصب عينيه فان فانه ليس هناك طريق رابح وطريق ناج الا هذا الطريق الوحيد الذي ترسمه هذه السورة ان الانسان لفي خسر الا الذين امنوا وعملوا الصالحات الا واكثروا من الصلاة والسلام على البشير النذير والسراج ومنير. فقد امركم الله بذلك فقال سبحانه ان الله وملائكته يصلون على النبي. يا ايها الذين امنوا صلوا عليه وسلموا تسليما اللهم صلي وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد. اللهم ارضى عن صحابته اجمعين وعن التابعين ومن تبعهم باحسان الى يوم الدين وعنا معهم. بعفوك وكرمك يا رب العالمين. اللهم اعز الاسلام والمسلمين. اللهم اذل الكفر والكافرين. اللهم اصلح احوالنا واحوال المسلمين في كل مكان اللهم وفق ولاة امور المسلمين لتحكيم شرعك واجعلهم رحمة لرعاياهم. اللهم وفق امامنا وولي امرنا لما تحب وترظى وقرب منه الصالحة الناصعة التي تدله على الحق وتعينه عليه وعلى ما فيه صلاح البلاد والعباد يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والاكرام. اللهم اغفر لنا وللمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات الاحياء منهم والاموات ربنا اغفر لنا ولاخواننا الذين سبقونا بالايمان ولا تجعل في قلوبنا غل الذين امنوا ربنا انك رؤوف رحيم ربنا اتنا في يا حسنة وفي الاخرة حسنة وقنا عذاب النار. اللهم اصلح لنا ديننا الذي هو عصمة امرنا. واصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا. واصلح لنا اخرتنا التي اليها معادنا واجعل الحياة زيادة لنا في كل خير. واجعل الموت راحة لنا من كل شر نسألك اللهم من الخير كله عاجله واجله. ما علمنا منه وما لم نعلم ونعوذ بك من الشر كله. عاجله واجله ما علمنا منه وما نعلم سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين