الحمد لله الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن اراد ان يتذكر او اراد شكورا احمده تعالى واشكره حمدا وشكرا يليق بجلال وجهه وعظيم سلطانه واحمده واشكره عدد خلقه وزنة عرشه ورضى نفسه ومداد كلماته اشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله السراج المنير والبشير النذير صلى الله عليه وعلى اله وصحبه وسلم تسليما كثيرا اما بعد فان اعظم وصية هي الوصية بتقوى الله عز وجل. ولقد وصينا الذين اوتوا الكتاب من قبلكم واياكم ان اتقوا الله ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتق الله يجعل له من امره يسرا ومن يتق الله يكفر عنه سيئاته ويعظم له اجرا عباد الله نعيش الان في فصل الشتاء نحس بنفثات برده ونستنشق نسمات هوائه اللاذع وقد كنا بالامس القريب بفصل الصيف نتقي شدة حره بوسائل التكييف ونحوها يقلب الله الليل والنهار ان في ذلك لعبرة لاولي الابصار قد اخبر النبي صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق لا ينطق عن الهوى اخبر بان شدة الحر وشدة البرد انها من نفس جهنم ففي الصحيحين عن ابي هريرة رضي الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال اشتكت النار الى ربها فقالت يا ربي اكل بعظي بعظا فجعل لها نفسين نفسا في الشتاء ونفسا في الصيف فشدة ما تجدون من البرد من زمهريرها وشدة ما تجدون من الحر من سمومها ونحن نؤمن بذلك كما ورد واما كيفيته فالله تعالى اعلم لكننا على يقين بان ما جاء به الوحي حق وما قاله النبي صلى الله عليه وسلم حق. وان الله على كل لشيء قدير عباد الله وان من نعمة الله تعالى علينا ان امتن علينا بملابس تقينا من شدة البرد وقد امتن الله تعالى بذلك على عباده فقال سبحانه وجعل لكم سرابيل تقيكم الحر وسرابيل تقيكم بأسكم كذلك يتم نعمته عليكم لعلكم تسلمون والسرابيل هي الثياب من القطن او الكتان او الصوف ونحو ذلك السرابيل هي الثياب وجعل لكم سرابيل تقيكم الحر قال المفسرون تقيكم الحر اي والبرد ولكن انما ذكر الحر فقط لانه وقت نزول الاية كانوا في مكة وكانت معاناته من الحر اكثر من البرد والا فمعنى الاية تقيكم الحر والبرد وجعل لكم سرابيل اي ملابس تقيكم الحر اي وتقيكم البرد وقال سبحانه ممتنا على عباده بملابس الصوف المنسوجة من صوف الانعام والانعام خلقها لكم فيها دفء لكم فيها دفء ومنافع ومنها تأكلون وروي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه انه كان اذا حضر الشتاء تعاهد من عنده واوصاهم وكان يقول ان الشتاء قد حضر وهو عدو فتأهب له اهبته من الصوف والخفاف والجوارب. فان البرد دخوله صعب فان البرد سريع دخوله صعب خروجه ونتذكر عظيم نعمة الله تعالى علينا بما من علينا من وسائل التدفئة ومن الملابس الثقيلة ونحو ذلك عندما نرى فقراء في العالم يعانون من شدة البرد اشد المعاناة ولا يجدون من الملابس او من السكن او وسائل التدفية او وسائل التدفئة ما يقيهم من شدة البرد. فلنستحضر نعم الله تعالى علينا ولنحمد الله تعالى ونشكره على نعمه الظاهرة والباطنة عباد الله كان كثير من السلف الصالح يفرحون بقدوم فصل الشتاء لان طول ليله يعين على القيام وقصر نهاره يعين على الصيام. وكانوا يسمون الشتاء الغنيمة الباردة فعن ابن مسعود رضي الله عنه قال مرحبا بالشتاء تتنزل فيه البركة يطول فيه الليل للقيام ويقصر فيه النهار للصيام وعن ابي سعيد الخدري رضي الله عنه قال الشتاء ربيع المؤمن طال ليله فقامه وقصر نهاره فصامه وانما كان الشتاء ربيع المؤمن لانه يرتع فيه في بساتين الطاعات ويسرح فيه في ميادين العبادات فان المؤمن يقدر في الشتاء على صيام نهاره من غير مشقة ولا كلفة تحصل من جوع ولا عطش لكون نهاره قصيرا باردا فلا يحصل للمؤمن مشقة الصيام وهكذا تأخذ تأخذ النفس حظها من النوم نظرا لطول الليل فلهذا كانوا يسمونه الغنيمة الباردة. كان ابو هريرة رضي الله عنه يقول الا ادلكم على الباردة؟ قالوا بلى. قال الصيام في الشتاء ومعنى كونه غنيمة باردة اي انها غنيمة حصلت بغير تعب ولا فصاحبها يحوز هذه الغنيمة عفوا صفوا بغير كلفة ففصل الشتاء مما يعين على صيام نهاره لقصره وبرودة الجو ومما يعين على قيامه نظرا لطول الليل فتأخذ النفس حظها ثم تقوم بعد ذلك للصلاة ويقرأ المصلي ما تيسر من القرآن عن الحسن البصري رحمه الله قال نعم زمان المؤمن الشتاء ليله طويل يقومه ونهاره قصير يصومه. وعن عبيد بن عمير انه كان اذا جاء الشتاء قال يا اهل القرآن طال ليلكم لقراءتكم فاقرؤوه وقصر النهار لصيامكم فصوموا ولما حضرت الوفاة معاذ بن جبل رضي الله عنه بكى وقال انما ابكي على ظمأ الهواجر وقيام الشتاء وقيام ليل الشتاء ومزاحمة العلماء بالركب عند حلق الذكر عباد الله ومن الاحكام المتعلقة بالشتاء اسباغ الوضوء في شدة البرد ومعنى اسباغ الوضوء اي اتمامه واكماله اي تأتي بالماء على كل عضو يلزمك غسله وتعمه كله بالماء وتدلكه ففي صحيح مسلم عن ابي هريرة رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال الا ادلكم على ما يمحو الله به الخطايا؟ ويرفع به قالوا بلى يا رسول الله. قال اسباغ الوضوء على المكاره. وكثرة الخطى الى المساجد. وانتظار الصلاة بعد الصلاة. فذلك الرباط فذلكم الرباط واسباغ الوضوء اسباغ الوضوء على المكاره قد لا يتحقق في كثير من الاحيان اليوم مع ما من الله تعالى به على الناس من اجهزة تسخين الماء ولكن قد يتحقق ذلك في بعض الاحيان كما لو توظأ الانسان بعيدا كما لو كان في البرية مثلا او في سفر ونحو ذلك وكان الماء باردا ولم يجد ما يسخن به الماء فان ويتوظأ ويصبغ الوضوء مع المشقة فهنا يتحقق اسباغ الوضوء على المكاره الذي ورد فيه هذا الفضل العظيم عباد الله ومن الاحكام المتعلقة بالشتاء انه لا يشرع الجمع بين الصلاتين لاجل شدة البرد فان شدة البرد قد كانت موجودة زمن النبي صلى الله عليه وسلم ومدينة النبي صلى الله عليه وسلم تقع على خط عرض اربع وعشرين وهذا هو خط عرض مدينة الرياظ وربما كان البرد الذي كان يأتي في زمن النبوة ربما كان اشد في كثير من الاحيان من البرد الذي يأتي حاليا على في الجزيرة العربية وكان كثير من الناس زمن النبي صلى الله عليه وسلم لا يملك الواحد منهم سوى ثوب واحد فقط بدون ملابس داخلية كما قال جابر رضي الله عنه اينا كان له ثوبان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ومع لم ينقل ان النبي صلى الله عليه وسلم جمع لاجل شدة البرد ولو لمرة واحدة. ثم ان شدة البرد يمكن التغلب عليها بالتدفئة والملابس الشتوية المناسبة ونحو ذلك والعجب ان بعض الناس لا يجعل شدة البرد عائقا له عن مزاولة اعماله الدنيوية. فاذا اتت الصلاة جعل شدة البرد عائقا له عن اداء الصلاة في وقتها. وبدأ يبحث عن الرخصة في الجمع ويستثنى من ذلك ما اذا كانت شدة البرد مصحوبة بامر اخر يلحق الناس معه حرج شديد كالامطار الغزيرة ونحو ذلك حينئذ يمكن ان يقال بجواز الجمع عند وجود الحرج وانما قلت ذلك لان من الناس من يتساهل فيجمع لاجل شدة البرد. قد بلغني ان في مرة سابقة ان احد ائمة المساجد جمع لاجل شدة البرد وان جماعة المسجد معه ايدوه ووافقوه. وهذا لا يجوز. والصلاة الثانية التي قدموها مع الصلاة الاولى باطلة لكون قد صليت قبل وقتها والوقت هو اكد شروط الصلاة. وقد تسقط كثير من الشروط والاركان والواجبات. مراعاة لشرط الوقت فمجرد شدة البرد ليس مسوغا للقول بالجمع بين الصلاتين اقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه وتوبوا اليه انه هو التواب الرحيم الحمد لله على احسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له تعظيم لشأنه واشهد ان محمدا عبده ورسوله الداعي الى رضوانه صلى الله عليه وعلى اله وصحبه وسلم تسليما كثيرا. اما بعد فان خير الحديث كتاب الله. وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم. وشر الامور محدثاتها وكل محدثة بدعة عباد الله ومن الاحكام التي يحتاج اليها الناس في فصل الشتاء المسح على الخفين لان كثيرا من الناس يلبس الجوارب ويحتاج معه الى معرفة ابرز احكام المسح عليها واذا قيل الخفان فالخفان تثنية خف والخف هو ما يلبس على الرجل من الجلد اما الذي يلبس على الرجل من غير الجلد فانه يسمى جورب وعلى هذا فما يسميه الناس اليوم بالشراب هو الجورب وقد دلت السنة الصحيحة المتواترة عن النبي صلى الله عليه وسلم على مشروعية المسح على الخفين بل انها بلغت حد التواتر قال الامام احمد ليس في نفسي شيء من المسح على الخفين فيه اربعون حديثا عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ابن مبارك ليس بين الصحابة خلاف في جواز المسح على خفين. وقال ابن تيمية رحمه الله والافضل في حق كل واحد ما هو الموافق لحال قدمه فالافضل للابس الخف ان يمسح عليه ولا يخلع خفيه لاجل ان يغسل رجليه. والافضل والافضل لمن قدماه مكشوفتان ان يغسل والجوارب التي نسميها الشراب تقاس على الخفين. وقد نقل اجماع الصحابة على مشروعية المسح على الجوارب ويشترط للمسح على الخفين والجوربين ونحوهما شروط ابرز هذه الشروط ان يلبسها ان يلبس الخفين او الجوربين على طهارة. الحديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم فتوضأ فاهويت لانزع خفيه فقال دعهما فاني ادخلتهما طاهرتين فمسح عليهما حتى يمسح على الخفين او الجوربين لابد من ان يلبسهما على طهارة. فان لبسهما على غير طهارة لزمه خلعهما وغسل رجليه ويشترط كذلك ان يكون الخف او الجورب ظاهرا مباحا ويشترط كذلك ان يكون الخف او الجورب ساترا لمحل الفرض وما يجب غسله من الرجلين وبناء على ذلك فانه لا يجزئ المسح ولا يصح ولا يجزئ المسح على الجوارب الخفيفة التي يرى من ورائها لون لون البشرة في قول اكثر الفقهاء ومن ذلك الجوارب القصيرة التي لا تغطي الكعبين فهذه لا يصح المسح عليها لانه يشترط في الجوارب التي يمسح عليها ان غطي القدمين والكعبين واما بالنسبة للخروق التي قد تكون في الجورم. فان كانت الخروق كبيرة فلا يصح المسح على الجورب. وان كانت يسيرة فيتسامح فيها عند كثير من اهل العلم لان كثيرا من الصحابة كانوا فقراء وكانت خفافهم لا تخلو من خروق ومن شروط المسح على الخفين او الجاربين ان يكون في المدة المحددة المحددة شرعا. وهي يوم وليلة للمقيم. وثلاثة ايام بلا للمسافر حديث علي رضي الله عنه قال جعل النبي صلى الله عليه وسلم للمقيم يوم وليلة وللمسافر ثلاثة ايام ولياليهن اخرجه مسلم وتبتدأ مدة المسح من اول مسح بعد الحدث وليس من حين لبس الجورب وانما من اول مسح بعد الحدث فاذا لبست الجوربين مثلا لصلاة الجمعة لبستهما على طهارة ثم استمرت هذه الطهارة واحدثت بعد ذلك ولم تتوضأ الا عند اذان العصر فانا مدة المسح تبتدأ من اذان العصر ولا تبتدأ من وقت صلاة الجمعة وعلى ذلك تحسب من اذان العصر اربعا وعشرين ساعة للمقيم وثنتين وسبعين ساعة للمسافر ولو افترضنا ان الطهارة استمرت معك لبست الجورب عند صلاة الجمعة واستمرت معك الطهارة ولم تتوضأ الا عند اذان المغرب لم يحصل منك الحدث الا بعد العصر. ولم تتوضأ الا عند اذان المغرب. فان مدة المسح تبتدأ من اذان المغرب. وتستمر اربعا وعشرين ساعة للمقيم وثنتين وسبعين ساعة للمسافر. واما ما يعتقده بعض الناس من ان مدة المسح هي خمس صلوات فهذا غير صحيح وقد يلبس الانسان جوربين ويمسح عليها اكثر من خمس صلوات. فالمدة اذا تبتدئ من اول مسح بعد الحدث. يحسب بعدها يوم وليلة المقيم وثلاثة ايام بلالهن للمسافر ومن احكام المسح على الخفين انه اذا انتهت مدة المسح على خفين لم يجز المسح عليهما ولو مسح عليهما ناسيا لم يصح وضوؤه ولو صلى لم تصح صلاته في قول اكثر الفقهاء. ولهذا ينبغي ان يجعل الانسان له وقتا معينا يلبس فيه الجوارب حتى لا ينسى لان بعض الناس ربما يلبس جورم ثم ينسى الوقت الذي ابتدأت فيه مدة المسح فتمضي عليه اكثر من اربع وعشرين ساعة وهو مع ذلك قد مسح على الجورم فوظوؤه وصلاته غير صحيحة ومن الاحكام ايضا انه اذا لبس الجورب ومسح عليه ثم خلعه فان طهارته تنتقظ عند اكثر الفقهاء وبعض هذه المسائل لا تخلو من خلاف بين اهل العلم ولكن على المسلم ان يحتاط خاصة وان هذا القول القول بعدم صحة المسح في هذه المسائل هو قول اكثر العلماء. ثم ايضا الاثر مترتب على هذه المسائل كبير وهو صحته او عدم صحة الصلاة. فالذي ينبغي للمسلم ان يحتاط لدينه فان هذا ابرأ لذمته. ومن اتقى الشبهات فقد تبرأ لدينه وعرضه الا واكثروا من الصلاة والسلام على البشير النذير والسراج المنير. فقد امركم الله بذلك فقال سبحانه ان الله وملائكته يصلون على النبي. يا ايها الذين امنوا صلوا عليه وسلموا تسليما اللهم صلي وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد وارضى اللهم عن صحابة نبيك اجمعين وعن التابعين ومن تبعهم باحسان الى يوم الدين اللهم ارض عنا معهم بعفوك يا رب العالمين اللهم اعز الاسلام والمسلمين اللهم اذل الكفر والكافرين. اللهم ابرم لامة الاسلام امرا رشدا. يعز فيه اهل طاعتك. ويهدى فيه اهل معصيتك ويؤمر فيه بالمعروف وينهى فيه عن المنكر وترفع فيه السنة وتقمع فيه البدعة يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والاكرام اللهم اغفر لنا وللمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات الاحياء منهم والاموات. اللهم اصلح احوال المسلمين في كل مكان. اللهم وفق ولاة امور المسلمين لتحكيم شرعك واجعلهم لرعاياهم ووفق امامنا وولي امرنا وولي عهده لما تحب وترضى. ولما فيه صلاح البلاد والعباد ولما فيه عز الاسلام والمسلمين قرب منهم البطانة الصالحة الناصحة بطانة الخير التي تدلهم على الحق وتعينهم عليه يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والاكرام اللهم اصلح لنا ديننا الذي هو عصمة امرنا واصلح لنا دنان التي فيها معاشنا واصلح لنا اخرتنا التي اليها معادنا واجعل الحياة زيادة لنا في كل خير واجعل الموت اتا لنا من كل شر. اللهم انت الله لا اله الا انت انت الغني ونحن الفقراء. انزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين. اللهم اسقنا واغثنا اللهم اسقنا واغثنا اللهم اسقنا واغثنا اللهم اغث اللهم اغث قلوبنا بالايمان واغث بلادنا بالغيث النافع المبارك يا منان يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والاكرام. اللهم انزل لنا من بركات السماء. اللهم اخرج لنا من بركات الارض. اللهم انا نستغفرك انك كنت غفارا اللهم فارسل السماء علينا مدرارا. اللهم انا خلق من خلقك. فلا تمنع عنا بذنوبنا فظلك. ربنا اسقنا الغيث. ولا تجعلنا من برحمتك يا ارحم الراحمين. ربنا اغفر لنا ولاخواننا الذين سبقونا بالايمان. ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين امنوا ربنا انك رؤوف رحيم