الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين وبعد فيقول الله تعالى مثل الذين ينفقون اموالهم في سبيل الله كمثل حبة انبتت سبع سنابل في كل سنبلة مئة حبة والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم هذا مثل ضربه الله تعالى لتضعيف ثواب الصدقة والانفاق في سبيل الله فشبه حال اعطاء النفقة ومصادفتها موقعها بحبة اي بذرة قمح بذرت في ارض نقية وتراب طيب وسقيت فانبتت سبع سنابل في كل سنبلة مئة حبة اي ان هذه الحبة انتجت سبع مئة حبة وهذا المثل ابلغ في النفوس من ذكر عدد السبعمائة. وفي هذا اشارة الى ان الصدقة والنفقة في سبيل الله ينميها الله تعالى لصاحبها اذا كانت عن اخلاص اخرج مسلم في صحيحه عن ابي مسعود رضي الله عنه قال جاء رجل بناقة مختومة اي فيها ختام فقال هذه في سبيل الله. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لك بها يوم القيامة سبعمائة ناقة كلها مختومة وقد يكون تضعيف اجر الصدقة باكثر من سبعمائة ضعف اذا صحبها اخلاص عظيم والى هذا الاشارة في قول الله تعالى في الاية السابقة والله يضاعف لمن يشاء. وقول النبي صلى الله عليه وسلم لا يتصدق احد عمرة من كسب طيب الا اخذها الله بيمينه فيربيها كما يربي احدكم فلوه وهو ولد الخيل الصغير حتى تكون مثل الجبل او اعظم ايها الاخوة المستمعون الصدقة دليل على صدق ايمان المتصدق وبعده عن الرياء. ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم الصدقة برهان. رواه مسلم. قال النووي رحمه الله معنى الحديث ان الصدقة برهان ودليل على صدق ايمان فاعلها. فان المنافق يمتنع عنها لكونه لا يعتقدها. فمن تصدق استدل بصدقته على صدق ايمانه ثم ان المال محبوب للنفوس. فاذا بذله الانسان دل ذلك على صدق ايمانه. لان الانسان لا يبذل ما يحب الا اله ما هو احب والصدقة سبب لدعوة الملائكة للمتصدق بالخلف ففي الصحيحين عن ابي هريرة رضي الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ما من يوم يصبح العباد فيه الا وملكان ينزلان. يقول احدهما اللهم اعط منفقا خلفا قول الاخر اللهم اعط ممسكا تلفا ولهذا فان بعض الصالحين يحرصوا على ان يتصدق كل يوم بصدقة وان كانت يسيرة. لاجل ان ينال دعوة الملك له بالخلف كان مرثد ابن عبد الله ابو الخيل وهو من التابعين لا يمر به يوم الا وتصدق فيه بشيء رجاء دعوة الملك بالخلف ورغبة في الثواب وان يكون في ظل صدقته وذات يوم رآه احد الناس يحمل بصلا يريد ان يتصدق به فقال يا ابا الخير ان الله لم يوجب عليك هذا فقال اما اني لم اجد في البيت شيء اتصدق به غيره. واني اردت الا يمر علي يوم الا تصدقت فيه بصدقة. انه حدثني رجل من اصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ان ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ان المؤمن يكون في ظل صدقته يوم القيامة وفي صحيح مسلم عن ابي هريرة رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال بين رجل بفلات من الارض فسمع صوتا في سحابة اسق حديقة فلان فتنحى ذلك السحاب فافرغ ماءه في حرة وهي ارض صلبة فاذا الشرجة من تلك الشراج اي وادي من الاودية قد استوعبت ذلك الماء كله فتتبع الماء فاذا رجل في حديقته يحول الماء بمسحاته فقال له يا عبد الله ما اسمك قال فلان فاذا هو الاسم الذي سمع في الصحابة فقال لم تسألني عن اسمي قال اني سمعت صوتا في السحاب الذي هذا ماؤه يقول اسقي حديقة فلان وذكر اسمك فما تصنع فيها قال اما اذا قلت هذا فاني انظر الى ما يخرج منها فاتصدق بثلثه. واكل انا وعيالي ثلثا وارد فيها ثلثا وكان صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا سباقين الى الخير وما كان اعظم اجرا وثوابا كانوا اكثر حرصا عليه فكانوا يحرصون على الصدقة والبذل والانفاق في سبيل الله. ولهم في هذا قصص كثيرة ومشهورة ومن ذلك قصة ابي طلحة رضي الله عنه فقد كان اكثر الانصار مالا من نخل وكان احب ما له اليه بير حاء وكانت مستقبلة المسجد وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخلها ويشرب من ماء فيها طيب فلما نزل قول الله تعالى لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون. قام ابو طلحة فقال يا رسول الله ان الله يقول لن البر حتى تنفقوا مما تحبون. وان احب اموالي الي بير حاء. وانها صدقة لله. ارجو برها وذخرها وعند الله فضعها يا رسول الله حيث اراك الله. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بخن بخن ذلك مال رابح وقد سمعت ما قلت واني ارى ان تجعلها في الاقربين. فقسمها ابو طلحة بين اقاربه وبني عمه وقد ذكر بعض اهل التراجم والسير ان الناس اصابهم قحط في خلافة ابي بكر الصديق ثم قدمت المدينة تعير لعثمان بن عفان رضي الله عنه من الشام فلما جاءت فاذا هي موثوقة برا وزيتا وزبيبا فاناخت بباب عثمان فجاءه تجار المدينة وقالوا له بعنا من هذا الذي وصل اليك فقال لهم عثمان كم تربحونني على شرائي قالوا الدرهم درهمين قال اعطيت اكثر من ذلك قال ندمر ربحك اربعة قال اعطيت اكثر من ذلك قالوا نربحك خمسة قال اعطيت اكثر من ذلك قالوا ما في المدينة تجار غيرنا وما سبقنا احد اليك. فمن الذي اعطاك اكثر مما اعطنا قال الله عز وجل فانه اعطاني بكل درهم عشرة هل عندكم زيادة قالوا لا قال فاني اشهد الله اني جعلت هذه العيرة وما حملت صدقة لله تعالى على الفقراء والمساكين ايها الاخوة المستمعون وللصدقة اداب ينبغي ان يلتزم بها من يريد التصدق ومن اعظمها الاخلاص لله تعالى. فلا يريد بصدقته رياء ولا سمعة ولا جزاء ولا شكورا من احد من البشر وكلما كان الاخلاص اكثر كان الاجر اعظم. وقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم سبعة يظلهم الله تعالى تحت ظله يوم لا ظل الا ظله وذكر منهم رجلا تصدق بصدقة فاخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه. فهذا الرجل قد تصدق بصدقة وقد تكون بمبلغ يسير لكن اقترن بها اخلاص عظيم فاخفى المتصدق هذه الصدقة اخفاء بحيث لو قدر ان اليد الشمال تبصر لما استطاعت ان ترى ما تصدقت به يمينه فلا يريد بالصدقة رياء ولا يريد بها الا وجه الله. فلا يريد من الفقير شكرا او يطلب منه دعاء انما نطعمكم لوجه الله. لا نريد ومنكم جزاء ولا شكورا كانت ام المؤمنين عائشة رضي الله عنها اذا بعثت صدقة لفقير مع غلامها تقول له انظر ما يدعون به فادعوا لهم بمثله اذا قالوا بارك الله فيكم فقل وفيكم بارك ومن اداب الصدقة حفظ كرامة الفقير والمسكين وجرح كرامة الفقير والمسكين بكلمات مؤذية او او بالمنة في الاعطاء يبطل اجر المتصدق تماما. كما قال الله تعالى يا ايها الذين امنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والاذى ثم ضرب الله تعالى مثلا لمن يتصدق ويلحق صدقته بالمن والاذى. وانه كالمرائي. فقال لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والاذى كالذي ينفق ما له رئاء الناس ولا يؤمن بالله واليوم الاخر. فمثله كمثل صفوان عليه تراب. فاصابه وابن فتركه صلدا والصفوان الحجر الاملس والوابل المطر الغزير. ارأيت حجرا املس عليه تراب؟ ونزل عليه مطر غزير هل يبقى شيء من هذا التراب هكذا من يتصدق ويجرح كرامة الفقير بالاذى او بالمنة. يذهب ويبطل اجره تماما بل ان الصدقة التي لا تحفظ معها كرامة الفقير لا خير فيها وخير منها الا يتصدق هذا الانسان. وانما يعتذر للفقير بكلام طيب. كما قال الله تعالى قول معروف ومغفرة من صدقة يتبعها اذى وبعض الناس قد يتصدق بصدقة مخلصة لله تعالى فيها. من غير ان يمتن بها على الفقير وقت البذل. لكنه يمتن عليه بها فيما بعد وهذه المنة تبطل اجر الصدقة ولو كانت لاحقة. ولهذا قال الله تعالى الذين ينفقون اموالهم في سبيل الله ثم ثم لا يتبعون ما انفقوا منا ولا اذى. لهم اجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون قد استنبط بعض العلماء من قول النبي صلى الله عليه وسلم لا حسد اي لا غبطة الا في اثنتين رجل اتاه الله مالا فسلطه على هلكته في الحق اي انفاقه في سبل الخير. وعبر بهلكته اشارة الى انه بانفاقه انقطعت صلته به لم يلحق هذا البذل منا ولا اذى كانه اهلك هذا المال واذهبه تماما ومن اداب الصدقة المبادرة بها وعدم التأخير والتسويف ففي صحيح البخاري عن عقبة ابن الحارث رضي الله عنه قال صليت وراء النبي صلى الله عليه وسلم صلاة العصر فسلم ثم قام مسرعا الى بعض حجر نسائه ففزع الناس من سرعته. فرأى انهم قد عجبوا من سرعته فقال ذكرت شيئا من تبر. اي قطع من ذهب او قظة عندنا من الصدقة فكرهت ان يحبسني اي ان اتأخر في قسمتها فينبغي للمسلم المبادرة الى الصدقة والبذل والانفاق في سبل الخير فانه لا يدري متى يفجأه الموت وانفقه ومما رزقناكم من قبل ان يأتي احدكم الموت فيقول ربي لولا اخرتني الى اجل قريب فاصدق واكن من الصالحين ولن يؤخر الله نفسا اذا جاء اجلها والله خبير بما تعملون اسأل الله تعالى ان يوفقنا لهذا العمل الصالح ولغيره من الصالحات الباقيات وان يعيننا على شكره وذكره وحسن عبادته. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته