اذاعة القرآن الكريم من المملكة العربية السعودية تقدم فقه العبادات فقه العبادات برنامج من اعداد وتقديم فضيلة الشيخ الدكتور تساعد ابن تركي الخثلان تنفيذ فهد بن سعد الفريان بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين صلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين ايها الاخوة المستمعون السلام عليكم ورحمة الله وبركاته حدثنا في الحلقة السابقة عن اهمية الصلاة وعظيم منزلتها في دين الاسلام وذكرنا ان القول الراجح الذي تدل له الادلة من الكتاب والسنة والاثار عن الصحابة هو القول بكفر تارك الصلاة وذكرنا ادلة ذلك وننتقل في هذه الحلقة الى الحديث عن الحكمة من مشروعية الصلاة ومن احسن من تكلم عنها فيما وقفت عليه الامام ابن قيم رحمه الله تعالى قد تكلم عن الحكمة من مشروعيتها كلاما بديعا نكتفي بنقله في هذه الحلقة قال رحمه الله اشتملت الصلاة على الحكم الباهرة والمصالح الباطنة والظاهرة والمنافع المتصلة بالقلب والروح والبدن التي لو اجتمع حكماء العالم قاطبة واستفرغوا قواهم واذهانهم لما احاطوا بتفاصيل حكمها واسرارها وغاياتها المحمودة بل انقطعوا كلهم دون اسرار الفاتحة وما فيها من المعارف الالهية والحكم الربانية والعلوم النافعة والتوحيد التام والثناء على الله تعالى باصول اسمائه وصفاته وذكر اقسام الخليقة باعتبار غاياتهم ووسائلهم وما في مقدماتها وشروطها من الحكم العجيبة من تطهير الاعضاء والثياب والمكان واخذ الزينة واستقبال بيته الذي جعله اماما للناس وتفريغ القلب لله واخلاص النية وافتتاحها بكلمة جامعة لمعاني العبودية دالة على اصول الثناء وفروعه مخرجة من القلب الالتفات الى ما سواه. والاقبال على غيره فيقوم بقلبه الوقوف بين يدي عظيم جليل كبير اكبر من كل شيء واجل من كل شيء واعظم من كل شيء تلاشت في كبريائه السماوات وما اظلت والارض وما اقلت والعوالم كلها عنت له الوجوه وخضعت له الرقاب وذلت له الجبابرة قاهر فوق عباده ناظر اليهم عالم بما تكن صدورهم يسمع كلامهم ويرى مكانهم ولا يخفى عليه خافية من امرهم ثم اخذ اي المصلي في تسبيحه وحمده وذكره تبارك وتعالى ثم اخذ في الثناء عليه بافضل ما يثني عليه به من حمده وذكر ربوبيته للعالم واحسانه اليهم ورحمته بهم وتمجيده بالملك الاعظم في اليوم الذي لا يكون فيه ملك سواه حين يجمع الاولين والاخرين في صعيد واحد ويدينهم باعمالهم ثم افراده بنوعي التوحيد توحيد ربوبيته استعانة به وتوحيد الوهيته عبودية له ثم سؤاله افضل مسؤول واجل مطلوب على الاطلاق وهو هداية الصراط المستقيم الذي نصبه لانبيائه ورسله واتباعهم وجعله صراطا موصلا لمن سلكه اليه والى جنته وانه صراط من اختصهم بنعمته بان عرفهم الحق وجعلهم متبعين له دون الصراط امة الغضب الذين عرفوا الحق ولم يتبعوه واهل الضلال الذين ضلوا عن معرفته واتباعه ولله كم في هذه السورة من انواع المعارف والعلوم والتوحيد وحقائق الايمان ثم يأخذ المصلي بعد ذلك في تلاوة ربيع القلوب وشفاء الصدور ونور البصائر وحياة الارواح وهو كلام رب العالمين فاي نعيم وقرة عين ولذة قلب وابتهاج وسرور لا يحل له في هذه المناجاة والرب تبارك وتعالى مستمع لكلامه جاريا على لسان عبده. ويقول جل وعلا حمدني عبدي واثنى علي عبدي ومجدني عبدي ثم يعود المصلي الى تكبير ربه جل وعلا ويجدد عهد التذكرة كونه اكبر من كل شيء بحق عبوديته وما ينبغي ان يعامل به ثم يركع حانيا له ظهره خضوعا لعظمته وتذللا لعزته واستكانة لجبروته مسبحا له بذكر اسمه العظيم سبحان ربي العظيم فنزه عظمته عن حال العبد وذله وخضوعه وقابل تلك العظمة بهذا الذل والانحناء والخضوع قد تطامن هذا المصلي وطأ رأسه وطوى ظهره وربه فوقه يشاهده ويرى خضوعه وذله ويسمع كلامه وهو ركن تعظيم واجلال. كما قال النبي صلى الله عليه وسلم اما الركوع فعظموا فيه الرب رواه مسلم ثم يعود المصلي الى حاله من القيام حامدا لربه مثنيا عليه باكمل محامده واجمعها واعمها مثنيا عليه بانه اهل الثناء والمجد ومعترفا بعبوديته شاهدا له بتوحيده وانه لا مانع لما اعطى ولا معطي لما منع. وانه لا ينفع اصحاب الجدود والاموال والحظوظ جدودهم عنه. ولو عظمت ثم يعود المصلي الى تكبيره ويخر له ساجدا على اشرف ما فيه وهو الوجه ويعفره في التراب ذلا بين يديه ومسكنة وانكسارا وقد اخذ كل عضو من البدن حظه من هذا الخضوع حتى اطراف الانامل ورؤوس الاصابع ثم امر المصلي ان يسبح ربه الاعلى ويذكر علوه سبحانه في حال سفوله هو بحال سفور العبد هو وينزهه عن مثل هذه الحال وان من هو فوق كل شيء وعال على كل شيء ينزه عن السفول بكل معنى بل هو سبحانه هو الاعلى بكل انا من معاني العلو ولما كان هذا غاية ذل العبد وخضوعه وانكساره كان العبد اقرب ما يكون من الرب في هذه الحال وامر ان يجتهد في الدعاء لقربه في هذه الحال من القريب المجيب وقد قال تعالى واسجد واقترب وكان الركوع كالمقدمة بين يدي السجود والتوطئة له ينتقل من خضوع الى خضوع ينتقل من خضوع الى خضوع اكمل واتم منه وارفع شأنا وفصل بينهما بركن مقصود في نفسه يجتهد فيه في الحمد والثناء والتمجيد وجعل بين خضوعين خضوع قبله وخضوع بعده وجعل خضوع السجود بعد الحمد والثناء والمجد كما جعل خضوع الركوع بعد ذلك قال ابن القيم رحمه الله وتأمل هذا الترتيب العجيب وهذا التنقل في مراتب العبودية كيف ينتقل من مقام الثناء على الرب باحسن اوصافه واسمائه واكمل محامده الى منزلة خضوعه وتذلله لمن له هذا الثناء ويستصحب في مقام خضوعه ثناء يناسب ذلك المقام ويليق به في ذكر عظمة الرب في حال خضوعه ويذكر علوا ربي في حال سفوله هو ولما كان اشرف اذكار الصلاة القرآن طلع في اشرف احوال الانسان وهي هيئة القيام التي قد انتصب فيها قائما على احسن هيئة ولما كان افضل اركانه الفعلية السجود شرع فيها بوصف التكرار وجعل خاتمة الركعة وغايتها التي انتهت اليها تطابق افتتاح الركعة بالقرآن واختتامها بالسجود اول سورة افتتح بها الوحي. وهي اقرأ باسم ربك الذي خلق فانها بدأت بالقراءة اقرأ وختمت بالسجود فاسجد واقترب وشرع له بين هذين الخضوعين ان يجلس جلسة العبيد وان يسأل ربه ان يغفر له وان يرحمه ويرزقه وان يهديه ويعافيه وهذه الدعوات اجمعوا له خير دنياه واخرته ثم شرع له تكرار الركعة مرة بعد مرة كما شرع له تكرار الاذكار والدعوات مرة بعد مرة ليستعد بالاول لتكميل ما بعده ويجبر بما بعده ما قبله وليشبع القلب من هذا الغذاء وليأخذ زاده ونصيبه وافرا من الدواء ليقاومه فان منزلة الصلاة من القلب منزلة الغذاء والدواء واذا تناول الجائع الشديد الجوع من الغذاء لقمة او لقمتين كان غناؤها عنه وسدوها من جوعه يسيرا جدا كذلك المرض الذي يحتاج الى قدر معين من الدواء. اذا اخذ منه المريض قيراطا من ذلك لم يزل مرضه بالكلية. وازال بها اسى به فما حصل الغذاء والشفاء للقلب بمثل الصلاة قال ما حصل الغذاء والشفاء للقلب بمثل الصلاة وهي لصحته ودوائه بمنزلة غذاء البدن ودوائه ثم لما اكمل الصلاة شرع له ان يقعد قعدة العبد الذليل المسكين لسيده ويثني عليه بافضل التحيات ويسلم على من جاء بهذا الحظ الجزيل ومن نالته الامة على يديه ثم يسلم على نفسه وعلى سائر عباد الله المشاركين له في هذه العبودية ثم يتشهد شهادة الحق ثم يعود فيصلي على من علم الامة هذا الخير ودلهم عليه ثم شرع له ان يسأل حوائجه وان يدعو بما احب ما دام بين يدي ربه مقبلا عليه فاذا قضى ذلك اذن له في الخروج منها بالتسليم على المشاركين له في الصلاة قال ابن القيم رحمه الله هذا بعض ما تضمنته الصلاة من الاحوال والمعارف فلا تجد منزلا من منازل السير الى الله تعالى ولا مقاما من مقامات العارفين بالله الا وهو في ضمن الصلاة قال رحمه الله وهذا الذي قد ذكرناه من شأنها قطرة من بحر ايها الاخوة المستمعون هذا هو ما اتسع له وقت هذه الحلقة ونلتقي بكم على خير في الحلقة القادمة ان شاء الله تعالى السلام عليكم ورحمة الله وبركاته فقه العبادات برنامج من اعداد وتقديم فضيلة الشيخ الدكتور سعد ابن تركي الخثلان تنفيذ فهد ابن سعد الفريان