بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على اشرف الانبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى اله وصحبه ومن اهتدى بهديه الى يوم الدين اما بعد السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وحياكم الله تعالى باولى حلقات هذا البرنامج فقه المعاملات الذي نسأل الله تعالى ان يبارك فيه وان ينفع به المتحدث والمستمع جميعا ايها الاخوة المستمعون سنتناول في هذا البرنامج ان شاء الله تعالى اهم المسائل في ابواب المعاملات مع التركيز على ما يحتاج اليه المسلم في تعاملاته المختلفة والمستمع المتابع لهذا البرنامج فيخرج باذن الله بحصيلة جيدة في ابواب المعاملات ايها الاخوة هذا القسم من الفقه اعني ابواب المعاملات تاج اليها عموم المسلمين بشكل عام ومن يتعامل بالتجارة من بيع او شراء ونحو ذلك بشكل خاص ومن هنا فينبغي التفقه في مسائله واحكامه وقد روي ان عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يبعث الى من يبيع في اسواق المسلمين فيسأل البائع عن مسائل الحلال والحرام فان اجاب والا قيل له قم لا يقعد في اسواق المسلمين من لا يعرف الحلال والحرام حتى لا يأكل الربا ولا يؤكله المسلمين ايها الاخوة ان فيما اباحه الله تعالى غنية عما حرمه الله وما اباحه الله تعالى اكثر بكثير مما حرمه الاصل في المعاملات الحل والاباحة وان المتفقه في مسائل المعاملات يستطيع الوصول الى غرضه في كثير من الاحيان مع تجنب الوقوع في المحظور قد جاء في الصحيحين عن ابي سعيد وابي هريرة رضي الله عنهما ان رسول الله صلى الله عليه وسلم استعمل رجلا على خيبر فجاء بتمر جنيب والتمر الجنيب نوع جيد من التمر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اكل تمر خيبر هكذا قال لا يا رسول الله انا نبيع الصاع من هذا بالصاعين من الجمع والجمع نوع من التمر الرديء فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تفعل بع الجمع بالدراهم ثم ابتع بالدراهم جنيبا وفي رواية لمسلم ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال اووه عين الربا ففي هذه القصة بين النبي صلى الله عليه وسلم ان بيع التمر الرديء بالتمر الجيد مع التفاضل ربا بل سماه عين الربا ثم ارشد صلى الله عليه وسلم الى المخرج الصحيح من ذلك وهو مخرج سهل وميسور ويتجنب به المسلم الوقوع في عين الربا وهو ان يبيع التمر الرديء بالدراهم ثم يشتري بالدراهم تمرا جيدا بذلك يستطيع هذا الرجل الوصول الى غرظه وهو الحصول على التمر الجيد في مقابل التمر الرديء مع تجنب الوقوع في الربا وهذا من ثمرة الفقه في هذا الباب ايها الاخوة المستمعون وكما انه مطلوب من المسلم التفقه في مسائل الحلال والحرام فمطلوب منه كذلك الصدق والبيان والوضوح في تعاملاته مع الاخرين فان ذلك من اسباب حلول البركة فيها كما ان الكذب والغش والكتمان من اسباب محق البركة يقول النبي صلى الله عليه وسلم البيعان بالخيار ما لم يتفرقا فان صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما وان كذبا وكتم محقت بركة بيعهما والبركة في الاموال امر مشاهد ومحسوس قد يبيع الانسان سلعة ويجعل الله تعالى في ثمنها البركة وينتفع به انتفاعا عظيما بالمقابل قد يبيع السلعة وينزع من ثمنها البركة فسرعان ما يذهب من صاحبه وكذلك قد يشتري الانسان السلعة ويجعل الله تعالى فيها البركة فتسلم من الافات وينتفع بها صاحبها انتفاعا كبيرا قد يشتري السلعة وتنزع بركتها فتكثر افاتها ويقل الانتفاع بها ويقل الانتفاع بها ومن اسباب حلول البركة في المال ان يؤخذ المال بسخاوة نفس فلا تتعلق النفس به اما اذا تعلقت النفس به وكان لها اشراف وتطلع وطمع فان ذلك من اسباب محق البركة فيه يقول النبي صلى الله عليه وسلم ان هذا المال خضر حلو فمن اخذه بسخاوة نفس بورك له فيه. ومن اخذه باشراف نفس لم يبارك له فيه وكان كالذي يأكل ولا لا يشبع وبعد هذه المقدمة بين يدي البرنامج نبدأ الحديث عن مسائل المعاملات وستكون بدايتنا بمسائل البيع نظرا لاهميتها ولعموم الحاجة الى بيانها فنقول وبالله التوفيق البيع في اللغة مطلق المبادلة واشتقوا من الباع لان كل واحد من المتبايعين يمد يده للاخذ والاعطاء وفي الشرع مبادلة المال بالمال تمليكا وتملكا والاصل في جوازه الكتاب والسنة والاجماع فاما الكتاب فقول الله تعالى واحل الله البيع وقول الله واشهد اذا تبايعتم ومن السنة قول النبي صلى الله عليه وسلم البيعان بالخيار ما لم يتفرقا الى غير ذلك من الاحاديث الكثيرة واما الاجماع فقد اجمع المسلمون على جواز البيع في الجملة والحكمة تقتضيه لان حاجة الانسان تتعلق بما في يد صاحبه ولا يبذله صاحبه بغير عوظ ففي تجويز البيع طريق الى وصول كل واحد منهما الى غرضه ودفع حاجته وينعقد البيع بالصيغة القولية او الصيغة الفعلية والصيغة القولية تتكون من الايجام. وهو اللفظ الصادر من البائع كأن يقول بعت والقبول وهو اللفظ الصادر من المشتري كأن يقول اشتريت واما الصيغة الفعلية فهي المعاطاة التي تتكون من الاخذ والاعطاء بان يدفع اليه السلعة فيدفع له ثمنها المعتاد قال شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله تصح العقود بكل ما دل على مقصودها من قول او فعل وهذا هو الذي تدل له اصول الشريعة ومعلوم ان البيع والاجارة والهبة ونحوها لم يحد الشارع لها حدا لا في كتاب الله ولا في سنة رسوله صلى الله عليه وسلم ولا نقل عن احد من الصحابة او التابعين انه عين للعقود صفة معينة من الالفاظ او غيرها وليس لذلك حد في لغة العرب. بحيث يقال ان اهل اللغة يسمون هذا بيعا ولا يسمون هذا بيعا فاذا لم يكن له حد في الشرع ولا في اللغة كان المرجع فيه الى عرف الناس وعاداتهم فما سموه بيعا فهو بيع انتهى كلامه رحمه الله والبيع من العقود اللازمة ومعنى ذلك ان البيع اذا انعقد بالايجاب والقبول او بما يدل عليه عرفا وحصل التفرق من مكان التبايع بالابدان فليس للبائع او المشتري الفسخ الا برضا الطرف الاخر والعقود منها ما هو لازم كالبيع. فليس لاحدهما الفسخ الا برضا الطرف الاخر ومنها ما هو جائز كالوكالة فلكل من الوكيل والموكل فسخ الوكالة متى ما شاء ولو بغير رضا الطرف الاخر منها ما هو جائز من وجه لازم من وجه اخر. كالرهن فانه لازم من جهة من عليه الحق وهو الراهن وجائز من جهة من له الحق وهو المرتهن ايها الاخوة ويشترط لصحة البيع شروط نذكر منها ما يسمح به وقت هذه الحلقة ونستكمل الكلام عن بقية الشروط في حلقة قادمة ان شاء الله الشرط الاول التراضي من المتعاقدين لقول الله تعالى يا ايها الذين امنوا لا تأكلوا اموالكم بينكم بالباطل الا ان تكون تجارة عن تراض منكم اي الا ان تكون تجارة صادرة عن تراض منكم ويدل لهذا الشرط من السنة حديث ابي سعيد حديث ابي سعيد الخدري رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال انما البيع عن ترام اخرجه ابن ماجة في سننه وقال البوصيري اسناده صحيح ورجاله ثقات وبناء على هذا الشرط لا يصح البيع مع الاكراه هذا اذا كان الاكراه بغير حق اما اذا كان الاكراه بحق صح البيع كان يكرهه القاضي على بيع ما له لوفاء دينه فهذا اكراه بحق فيصح مثال ذلك رجل رهن سيارته في دين عليه وحل الدين فطالب الدائن بدينه ولكن الراهن الذي عليه الدين ابى في هذه الحال يجبر الراهن على بيع سيارته لاجل ان يستوفي الدائن حقه الشرط الثاني ان يكون العاقد وهو البائع والمشتري جائز التصرف اي حرا مكلفا رشيدا بناء على ذلك لا يصح البيع من غير العاقل كالمجنون والطفل ونحوهما لانه قول يعتبر له الرضا فلم يصح من غير عاقل واما الرقيق فلا يصح تصرفه الا باذن سيده واما الصبي واما الصبي المميز والسفيه فيصح تصرفهما باذن وليهما ويدل لذلك قول الله تعالى وابتلوا اليتامى حتى اذا بلغوا النكاح فان انستم منهم رشدا فادفعوا اليهم اموالهم. والمعنى اختبروهم علموا رشدهم وانما يتحقق ذلك الاختبار بتفويض البيع والشراء اليهم ليعلم من خلاله رشدهم فدل ذلك على صحة تصرف الصبي باذن وليه. ومثله السفيه المحجور عليه يصح تصرفه باذن وليه ويستثنى من ذلك الشيء اليسير فيصح تصرفهما فيه بغير اذن وليهما ويدل لذلك ما روي ان ابا الدرداء رضي الله عنه اشترى من صبي عصفورا فارسله ايها الاخوة هذا هو ما سمح به وقت هذه الحلقة ونتوقف عند ذلك ونستكمل الكلام عن بقية الشروط في حلقة قادمة ان شاء الله فالى ذلك الحين نستودعكم الله تعالى والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته