بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين صلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى اله وصحبه ومن اهتدى بهديه الى يوم الدين ايها الاخوة المستمعون السلام عليكم ورحمة الله وبركاته حياكم الله تعالى في هذه الحلقة من هذا البرنامج والتي سنتحدث فيها ان شاء الله عن جملة من الاحكام والمسائل المتعلقة بالخيار في البيع فنقول وبالله التوفيق الخيار اسم مصدر من اختار اي طلب خير الامرين من الامضاء او الفسخ وينقسم باعتبار اسبابه الى عدة اقسام وسنتناول في هذه الحلقة جملة منها حسب ما يتسع به وقت الحلقة ونستكمل بقية الكلام عنها في حلقة قادمة ان شاء الله تعالى فنقول القسم الاول ديار المجلس والاصل فيه قول النبي صلى الله عليه وسلم اذا تبايع الرجلان فكل واحد منهما بالخيار ما لم يتفرقا وكانا جميعا او يخير احدهما الاخر فان خير احدهما الاخر فتبايعا على ذلك فقد وجب البيع وان تفرقا بعد ان تبايعا ولم يترك واحد منهما البيع فقد وجب البيع رجح البخاري ومسلم واللفظ لمسلم ففي هذا الحديث اثبت النبي صلى الله عليه وسلم للمتبايعين الخيار ما داما في مكان التبايع ولم يتفرقا بأبدانهما ولذلك قال فكل واحد منهما بالخيار ما لم يتفرقا وكانا جميعا وقوله عليه الصلاة والسلام او يخير احدهما الاخر اي ان يقول له اختر امضاء البيع فاذا اختار وجب البيع اي لزم وانبرم وبطل الخيار وقوله وان تفرقا بعد ان تبايع ولم يترك واحد منهما البيع اي لم يفسخوا فقد وجب البيع اي بعد التفرق وهذا النوع من الخيارات وهذا النوع من الخيارات وهو المذكور في هذا الحديث يسميه الفقهاء بخيار المجلس والمجلس هو موضع الجلوس والمراد به هنا مكان التبايع فيثبت لكل من البائع والمشتري الخيار في امضاء البيع او فسخه ما دام باقيين في مكان التبايع سواء كان مكان التبايع مجلسا او سوقا او سيارة او طائرة او سفينة او غير ذلك قال العلامة ابن القيم رحمه الله باثبات الشارع خيار المجلس في البيع حكمة ومصلحة للمتعاقدين وليحصل تمام الرضا الذي شرطه الله تعالى بقوله عن تراض منكم فان العقد يقع بغتة من غير ترو ولا نظر في القيمة فاقتضت محاسن هذه الشريعة الكاملة ان يجعل للعقد حرما يتروى ارما لكي يتروى فيه المتبايعان ويعيدان النظر ويستدرك كل واحد منهما فلكل فلكل من المتبايعين الخيار بموجب هذا الحديث الشريف ما لم يتفرقا بابدانهما من مكان التبايع انتهى كلامه رحمه الله وحقيقة التفرق بالابدان الذي يلزم به البيع وينقضي به زمن خيار المجلس راجع الى عرف الناس فما عده الناس تفرقا فهو تفرق وما لا فلا وهذا مما يختلف باختلاف الازمان والبلدان ومما ذكره الفقهاء في هذا ان المتبايعين اذا كانا في دار كبيرة ذات غرف التفرق يحصل بالمفارقة من غرفة الى غرفة واذا كان في مكان واسع كسوق او صحراء تفرق يحصل بان يمشي احدهما مستدبرا لصاحبه خطوات بوقتنا الحاضر اذا كان التبايع عن طريق الهاتف تفرقوا يحصل باغلاق سماعة الهاتف واذا كان عن طريق ما يسمى بالانترنت يكون التفرق بانقطاع الاتصال بينهما هكذا وقد يطول زمن خيار المجلس كما لو تبايع في طائرة مثلا وكانت الرحلة على تلك الطائرة تستغرق ساعات طويلة فان خيار المجلس يمتد طوال تلك الرحلة وكما لو تبايعا ثم ناما في المكان نفسه ان خيار المجلس باق حتى يتفرقا بابدانهما ولا يقطعه النوم وتحرم الفرقة من مكان التبايع بقصد الالزام بالبيع وخشية الفسخ لذلك حديث عمرو بن شعيب عن ابيه عن جده رضي الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ولا يحل له ان يفارقه خشية ان يستقيله رواه ابو داوود والترمذي وهو حديث حسن ومعناه كما قال الحافظ ابن حجر رحمه الله لا يحل له ان يفارقه بعد البيع خشية ان يختار فسخ البيع لان العرب تقول استقلت ما فات عني اذا استدركته انتهى كلامه واما ما جاء في الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما انه كان اذا اشترى شيئا يعجبه فارق صاحبه ومحمول على انه رضي الله عنه لم يبلغه النهي عن ذلك والا فهو من اشد الصحابة تمسكا بالسنة رضي الله تعالى عنهم اجمعين ويسقط خيار المجلس بامور منها التفرق بالابدان وقد سبق الكلام عنه ومنها موت احد المتعاقدين لان الموت فرقة عظيمة وهي اعظم من تفرق الاحياء بالابدان ومنها ان يتفق المتبايعان بان يتبايعا على الا خيار بينهما او يتفقا على اسقاطه بعد العقد كما يدل لذلك الحديث السابق وهو قول النبي صلى الله عليه وسلم او يخير احدهما الاخر فان خير احدهما الاخر فتبايعا على ذلك فقد وجب البيع ايها الاخوة المستمعون هذا هو خيار المجلس فمتى ما انقضى زمنه لزم البيع فمثلا من اشترى سلعة من اخر فله الحق في في ارجاعها له الحق في ارجاعها ما دام في مكان التبايع ولكن متى ما حصل التفرق بالابدان فليس له الحق في ارجاعها الا برضا البائع لان البيع قد لزم بمجرد التفرق بالابدان من مكان التبايع الا ان يشترط عليه الخيار مدة معلومة وهذا ما يسوقنا للحديث عن القسم الثاني من اقسام الخيارات وهو خيار الشرط قيار الشرط هو ان يشترط المتعاقدان او احدهما الخيار مدة معلومة ولو طويلة والاصل فيه قول النبي صلى الله عليه وسلم المسلمون على شروطهم ولابد من تحديد مدة الخيار فلا يصح الخيار الى مدة مجهولة ولكن لو اطلق الخيار من غير تحديد مدة كأن يقول البائع بعتك هذه السلعة بشرط ان لي الخيار او يقول المشتري اشتريت بشرط ان لي الخيار ولم يحددا مدة معينة فيبطر ذلك الخيار عند كثير من الفقهاء وقال شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله ان اطلق الخيار ولم يؤقتاه بمدة توجه ان يثبت ثلاثا اي ثلاثة ايام بخبر حبان بن منقذ رضي الله عنه وكان بلسانه لوثة وكان لا يزال يغبن في البيوع فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا بايعت فقل لا خلابة ثم انت بالخيار في كل سلعة ابتعتها ثلاث ليال فان رضيت فامسك وان سخطت فارض واخرجه ابن ماجة والدار قطني والبيهقي. هذا الحديث اخرجه الدار قطني والبيهقي وابن ماجة واصله في الصحيحين وقد جاء في رواية مسلم فكان اذا بايع يقول لا خيابة بالياء قال النووي رحمه الله كان الرجل اي حبان بن منقذ الفغ وكان يقولها هكذا لا خيابة بالياء ولا يمكنه ان يقول لا خلابة ومعنى لا خلاف اي لا خديعة اي لا تحل لك خديعتي او لا يلزمني خديعتك انتهى كلامه رحمه الله والشاهد من هذا الحديث ان النبي صلى الله عليه وسلم جعل له الخيار جعل له الخيار ثلاثة ايام مع كل سلعة يشتريها بموجب هذا القول اي لا خلابة فدل ذلك على ان الخيار اذا اطلق يتحدد بثلاثة ايام ومما يذكره الفقهاء في هذا الباب انه لا يجوز اشتراط خيار الشرط لاجل التحايل على الانتفاع بالقرظ مثال ذلك ان يبيع رجل على اخر سيارته بعشرين الف ريال ويشترطا ان لهما الخيار لمدة شهرين مثلا وقد عزم على فسخ البيع في اخر تلك المدة ولكن غرضهما من ذلك هو ان ينتفع البائع بالثمن وهو عشرون الفا في هذا المثال وينتفع المشتري بالسيارة خلال هذه المدة فهذا عمل محرم لانه حيلة على الانتفاع بالقرظ وكأن المشتري اقرض البائع عشرين الفا وشرط عليه الانتفاع خلال هذه المدة ولكن لو كان المشتري لا ينتفع بالسلعة خلال مدة الخيار وانما اراد المشتري ان يحفظ حقه فقط فلا بأس بذلك كما نص على ذلك الامام احمد رحمه الله وقد سئل عن رجل اراد ان يقرض اخر مالا ويخاف ان يذهب اي الا يعيد المقترض القرظ فاشترى منه شيئا وجعل له الخيار ولم يرد بذلك الحيلة فقال الامام احمد هذا جائز وقد ذكر الموفق ابن قدامة رحمه الله ان قول احمد بالجواز في هذه المسألة محمول على ما اذا كان المشتري لا ينتفع بالمبيع في مدة الخيار لئلا يفضي الى القرض الذي يجر نفعا ايها الاخوة المستمعون هذا هو ما اتسع له زمن هذه الحلقة والى لقاء في حلقة قادمة ان شاء الله نستكمل معها ما تبقى من المسائل التي ذكرها الفقهاء تحت خيار الشر الى ذلك الحين استودعكم الله تعالى والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته