بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين صلى الله وسلم على عبده وخليله محمد بن عبدالله على اله وصحبه ومن اهتدى بهديه واتبع سنته الى يوم الدين سلم تسليما كثيرا ايها الاخوة المستمعون كنا قد تكلمنا في حلقات سابقة عن جملة من المسائل المتعلقة بالخيار واقسامه وما يتعلق بذلك من مسائل ووعدنا باستكمال الكلام عن بقية اقسام الخيار في حلقات قادمة ولعلنا ولعلنا نخصص هذه الحلقة للحديث عن قسم من اقسام الخيار وهو خيار العيب وذلك لاهميته وصلته بواقع الناس فنقول وبالله التوفيق خيار العيب هو الخيار الذي يثبت بسبب العيب والظابط في ذلك العيب نقصان قيمة المبيع به في عرف التجار فما عده التجار في عرفهم منقصا لقيمة المبيع ثبت به الخيار للمشتري مثال ذلك اشترى رجل من اخر سيارة ثم تبين للمشتري بعد ذلك ان بهذه السيارة خللا وهذا الخلل تنقص به قيمة السيارة في عرف الناس فيعتبر هذا الخلل عيبا يثبت للمشتري به الخيار اما لو كان عالما بذلك العيب فلا خيار له باتفاق العلماء ولكن ما الحكم فيما اذا شرط البائع على المشتري براءته من كل عيب يجده المشتري في السلعة هل يبرأ البائع بذلك ويسقط حق المشتري في الخيار بما لو وجد في تلك السلعة عيبا كما يوجد الان في حراج السيارات مثلا حيث نجد ان بعض البائعين او من يحرج على بيع السيارة يقول ابيعك هذه السيارة بومة حديد او يأتي بعبارة قريبة من هذا المعنى ويريد بذلك انك ايها المشتري لا تطالب البائع باي شيء بعد شرائك بعد ان تشتري هذه السيارة حتى لو وجدت بها عيبا فانك لا تطالب البائع باي شيء فهل يبرأ البائع بهذا الشرط سبق ان عرضنا لهذه المسألة بالتفصيل عندما تكلمنا عن الشروط في البيع وذكرنا ان القول الصحيح في هذه المسألة والذي عليه المحققون من اهل العلم هو ان البائع اذا كان عالما بالعيب بل المشتري الرد مطلقا ولا ينفع البائع هذا الشرط اما ان كان البائع غير عالم بالعيب فالشرط الصحيح ويبرأ البائع به وليس للمشتري الرد في هذه الحال وهذا هو الذي قضى به الصحابة رضي الله عنهم قد ورد ان عبد الله بن عمر رضي الله عنهما باع عبدا على زيد بن ثابت رضي الله عنه بثمانمائة درهم بشرط البراءة من كل عيب فاصاب به زيد عيبا فاراد رده فلم يقبل بذلك ابن عمر فترافع الى عثمان ابن عفان رضي الله عنه وقال عثمان قال عثمان لابن عمر تحلف انك لم تعلم بهذا العيب قال لا رده عليه قال شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله هذا هو الصحيح الذي قضى به الصحابة وعليه اكثر اهل العلم هذا اذا شرط البائع على المشتري البراءة من كل عيب ولكن اذا باعه من غير ان يشترط عليه هذا الشرط فوجد المشتري عيبا بالمبيع لم يكن عالما به فله الخيار حينئذ بين الامساك او الرد واخذ الثمن سواء كان البائع علم بالعيب فكتمه او لم يعلم قال الموفق ابن قدامة رحمه الله لا نعلم فيه خلافا ولان اثبات النبي صلى الله عليه وسلم الخيار بالتصرية تنبيه على ثبوته بالعين ولان مقتضى العقد يقتضي السلامة من العين يدل لذلك حديث العداء بن خالد بن هوذة اين باعه النبي صلى الله عليه وسلم عبدا او امة فكتب له النبي صلى الله عليه وسلم كتابا هذا ما اشترى العداء ابن خالد ابن هوذة من محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم اشترى منه عبدا او امة لا داء ولا غائلة ولا خبثة بيع المسلم المسلم اخرجه الترمذي بهذا اللفظ وقد علقه البخاري في صحيحه بلفظ هذا ما اشترى محمد رسول الله من العداء ابن خالد فجعل النبي صلى الله عليه وسلم هو المشتري والعداء ابن خالد هو البائع قال الحافظ ابن حجر رحمه الله هكذا وقع هذا التعليق هكذا وقع هذا التعليق وقد وصل الحديث الترمذي والنسائي وابن ماجة وابن الجارود وابن منده كلهم من طريق عبد المجيد بن ابي يزيد عن العداء بن خالد فاتفقوا على ان البائع هو النبي صلى الله عليه وسلم وان المشتري هو العداء عكس ما ما هنا فقيل ان الذي وقع هنا مقلوب وقيل هو صواب وهو من الرواية بالمعنى. لان اشترى وباع بمعنى واحد انتهى كلامه رحمه الله وقوله في هذا الحديث لا داء ولا غائلة ولا خبثة. قال ابن العربي رحمه الله الداء ما كان في الخلق بالفتح والخبثة ما كان في الخلق بالضم والغائلة سكوت البائع على ما يعلم من مكروه في البيع وقوله بيع المسلم المسلم اي هذا بيع المسلم المسلم. ليس فيه شيء مما ذكر وان المسلم ليس من شأنه الخديعة ايها الاخوة المستمعون والغرض من ايراد هذا الحديث هو بيان ان مقتضى عقد البيع يقتضي السلامة من العيب وان هذا هو الاصل في بيع المسلم لاخيه المسلم ولذلك ختم هذا الحديث بقوله بيع المسلم المسلم وبناء على هذا اذا وجد المشتري عيبا بالسلعة فله الخيار بين الامساك او الرد واخذ الثمن ولكن ان اختار الامساك فله ان يأخذ معه الارش والارش هو قسط ما بين قيمة المبيع صحيحا وقيمته معيبا ووجه القول باخذ الارش في هذه الحال هو ان المتبايعين قد تراضيا على ان العوض في مقابلة المبيع فكل جزء منه يقابله جزء من الثمن ومع العيب فات جزء من المبيع فكان له الرجوع ببدله وهو الارش ولكن القول بان للمشتري اه الامساك مع اخذ الارش في هذه الحال ليس محل اتفاق بين اهل العلم بل هو محل خلاف بينهم القول بان له الامساك مع اخذ الارش هو المشهور من مذهب الحنابلة وهو من مفردات المذهب كما ذكر ذلك صاحب الانصاف وذهب الحنفية والشافعية الى ان المشتري اذا وجد عيبا فليس له الا الامساك او الرد ولا ارسله في هذه الحال الا ان يتعذر رد المبيع وقد روي هذا القول عن الامام احمد رحمه الله واختاره شيخ واختار هذا القول شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله وجمع من المحققين من اهل العلم ووجه هذا القول ان النبي صلى الله عليه وسلم جعل لمشتري المصراة الخيار بين الامساك من غير ارش او الرد ولان المشتري يملك الرد فلم يملك اخذ جزء من الثمن ولعل هذا القول الاخير هو الاقرب والله تعالى اعلم ومما يذكره الفقهاء في هذا الباب ما اذا ما اذا اشترى ما مأكوله في جوفه فوجده فاسدا تبيظ الدجاج مثلا كالبطيخ والرمان ومثل ذلك ايضا المعلبات بجميع انواعها فان المشتري يرجع على البائع بالثمن لان عقد البيع يقتضي السلامة من العيوب واذا وجد المشتري عيبا ثبت له الخيار واستثنى بعض الفقهاء من ذلك ما اذا كان يبقى للمبيع قيمة بعد كسره كجوز الهند وبيض النعام مثلا ان المشتري اذا اراد الرجوع على البائع بالثمن فيلزمه رد المبيع في هذه الحال مع رد عرش كسره ايها الاخوة المستمعون واذا اختلف المتبايعان في من حدث عنده العيب مع احتمال ان يكون قد حدث عند اي منهما فان كان هناك بينة فالقول قول صاحب البينة سواء كان هو البائع او المشتري اما اذا لم يكن هناك بينة وكل منهما يدعي حدوث العيب عند الاخر البائع يدعي حدوث العيب عند المشتري. والمشتري يدعي حدوث العيب عند البائع وقد اختلف الفقهاء في هذه المسألة والراجح والله تعالى اعلم هو ان القول قول البائع بيمينه وهذا هو الذي يدل له ظاهر السنة. كما جاء في حديث ابن مسعود رضي الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال اذا اختلف المتبايعان وليس بينهما بينة بل قول ما قال البائع او يترادان البيع اخرجه الترمذي وابو داود والنسائي وابن ماجة واحمد وله طرق متعددة يصح بمجموعها ولان الاصل السلامة وعدم وجود العيب ودعوى المشتري ان العيب سابق على العقد خلاف الاصل فكان القول قول البائع ونكتفي بهذا القدر في هذه الحلقة والى لقاء في حلقة قادمة ان شاء الله. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته