بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على اشرف الانبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى اله وصحبه ومن اهتدى بهديه الى يوم الدين ايها الاخوة المستمعون السلام عليكم ورحمة الله وبركاته حياكم الله تعالى في هذه الحلقة التي نستكمل الحديث فيها بذكر جملة من البيوع المنهي عنها بعد ان ذكرنا جملة من تلك البيوع في حلقات سابقة فنقول ايها الاخوة من البيوع المنهية عنها بيع الطعام قبل قبضه وفي الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من ابتاع طعاما فلا يبعه حتى يستوفيه وفي لفظ حتى يقبضه وفي الصحيحين ايضا عنه رضي الله عنه قال رأيت الناس في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا ابتاعوا الطعام جزافا يضربون في ان يبيعوه من مكانهم وذلك حتى يؤوه الى رحالهم وفي صحيح مسلم عنه رضي الله عنه قال كنا في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم نبتاع الطعام ويبعث علينا من يأمرنا بنقله من المكان الذي ابتعناه فيه الى مكان سواه قبل ان نبيعه ففي هذه الاحاديث وما جاء في معناها النهي عن بيع الطعام قبل قبضه والامر بنقله من مكان البيع الى مكان اخر سواه وقد ذكر الامام ابن القيم رحمه الله ان الحكمة من النهي عن البيع قبل القبض هي عدم تمام استيلاء المشتري على المبيع وعدم انقطاع علاقة البائع به فقد يسلمه وقد لا يسلمه لا سيما اذا رأى المشتري قد ربح فيه فانه قد يسعى اي البائع في رد البيع اما بجحد او احتيال على الفسخ ونحو ذلك وربما افضى ذلك الى الخصام والمعاداة قال ابن القيم رحمه الله والواقع شاهد بهذا فمن محاسن الشريعة الكاملة الحكيمة منع المشتري من التصرف فيه حتى يتم استيلاءه عليه وينقطع عن البائع فلا يطمع اي البائع في الفسخ وفي الامتناع من الاقباط قال رحمه الله وعلى هذا فاذا باعه قبل قبضه من بائعه جاز ذلك على الصحيح لانتفاء هذه العلة وقد اتفق العلماء على انه لا يصح التصرف في المبيع قبل قبضه اذا كان مكيلا او موزونا او معدودا او مزروعا لما من الاحاديث قال ابن منذر رحمه الله اجمع العلماء على ان من اشترى طعاما فليس له بيعه حتى يقبضه واما ما عدا الطعام من المبيعات فهل يجوز بيعه قبل قبضه اختلف الفقهاء في ذلك والصحيح من اقوال العلماء في ذلك انه لا يجوز بيع شيء من المبيعات قبل قبضه مطلقا. سواء كان طعاما او غير طعام وهذا اختيار شيخ الاسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم وجمع من المحققين رحمة الله تعالى على الجميع ويدل لذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم اذا اشتريت شيئا فلا تبيعه حتى تقبضه وهذا عام في الطعام وفي غيره وفي الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من ابتاع طعاما فلا يبيعه حتى يقبضه قال ابن عباس ولا احسب كل شيء الا مثله وفي لفظ عنه انه قال واحسبوا كل شيء بمنزلة الطعام وفي سنن ابي داود عن زيد ابن ثابت رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم نهى ان تباع السلع حيث تبتاع حتى يحوزها التجار الى رحالهم والقبض الذي يسوغ للمشتري التصرف في السلعة يختلف باختلاف نوعية السلع فكل نوع له قبض يناسبه فاذا كان المبيع مكيلا فقبضه بالكيل فان كان موزونا فقبضه بالوزن وان كان معدودا فقبضه بالعد وان كان مزروعا فقبضه بالزرع مع حيازة هذه الاشياء الى مكان المشتري وما عدا ذلك مما لا يحتاج الى حق استيفاء اي لا يحتاج الى كيل او وزن او عد او زرع فيرجع فيه الى العرف فما عده الناس قبضا فهو قبض وما لم يعدوه قبضا فليس بقبض ايها الاخوة المستمعون ويلاحظ ان كثيرا من الناس اليوم يتساهلون في مسألة قبض السلع ويتصرفون فيها قبل القبض الشرعي فعلى سبيل المثال نجد في اسواق التمور مثلا من يشتري التمر ثم يبيعه وهو في مكانه قبل ان يقبضه وقبل ان ينقله من مكانه وهذا امر منكر قد كان الناس يضربون عليه في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم كما مر بنا ذلك انفا في حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال رأيت الناس في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا ابتاعوا الطعام جزافا يضربون في ان يبيعوه في مكانهم وذلك كحتى يؤوه الى رحالهم قال الحافظ ابن حجر رحمه الله دل هذا الحديث على مشروعية تأديب من يتعاطى العقود الفاسدة وعلى اقامة الامام على الناس من يراعي احوالهم في ذلك انتهى كلامه رحمه الله واقول يستفاد من هذا الحديث ومن كلام العلماء عليه انه ينبغي تخصيص عدد من رجال الحسبة ليقوموا بالامر بالمعروف والنهي عن المنكر في اسواق المسلمين وتأديب من يتعمدون مخالفة اوامر الشرع في ذلك ومما نهى ومما نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم الاحتكار والاحتكار المنهي عنه هو الاحتكار لما يحتاج الناس اليه قد اخرج مسلم في صحيحه عن معمر ابن عبد الله عن معمر ابن عبد الله رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال لا يحتكر الا خاطئ قال النووي رحمه الله الخاطئ هو العاصي الاثم وهذا الحديث صريح في تحريم في تحريم الاحتكار وقال ابن القيم رحمه الله المحتكر الذي يعمد الى شراء ما يحتاج اليه الناس من الطعام ويحبسه عنهم ويريد اغلاءه عليهم هو ظالم لعموم الناس ولهذا كان لولي الامر ان يكره المحتكرين على بيع ما عندهم بقيمة المثل انتهى كلامه رحمه الله ومما يدخل في ظلم الناس كذلك ان بعض الناس عندما يجلب الى السوق سلعة يتفق اهل السوق على ترك مساومتها الا من شخص واحد منهم يسومها من صاحبها فاذا لم يجد صاحب السلعة من يزيد عليه اضطر الى بيعها اليه برخص ثم اشترك البقية مع المشتري اي اشترك بقية اهل السوق مع المشتري وهذا العمل محرم وفيه ظلم وغبن لصاحب السلعة ويثبت له به الخيار اذا علم بذلك قال شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله اذا كانت الطائفة التي تشتري نوعا من السلع او تبيعها قد تواطأت على ان يهضموا ما يشترونه فيشترونه بدون ثمن المثل المعروف ويزيدون ما يبيعونه باكثر من الثمن المعروف كان هذا اعظم عدوان من تلقي الصلة ومن بيع الحاضر للبادئ ومن النجش ويكونون قد اتفقوا على ظلم الناس حتى يضطروا الى بيع سلعهم والى شرائها باكثر من ثمن المثل ومما يدخل في ظلم عموم الناس كذلك ان يمتنع ارباب السلع من بيعها الا بزيادة على القيمة المعروفة مع حاجة الناس اليها حينئذ يؤمرون ببيعها بقيمة المثل ويلزمون بذلك قال الامام ابن القيم رحمه الله التسعير اذا تضمن العدل بين الناس مثل اكراههم على ما يجب عليهم من المعاوضة بثمن المثل ومنعهم مما يحرم عليهم من اخذ الزيادة على عوض المثل فهو جائز بل واجب انتهى كلامه رحمه الله واما حديث انس رضي الله عنه قال غلى السعر على عهد النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا يا رسول الله لو شعرت لنا فقال النبي صلى الله عليه وسلم ان الله هو القابض الرازق الباسط المسعر واني لارجو ان القى الله ولا يطالبني احد بمظلمة ظلمتها اياه في دم ولا مال فهذا الحديث محمول على ما اذا كان الناس يبيعون سلعهم على الوجه المعروف من غير ظلم منهم لكن ارتفع السعر اما قلة الشيء واما لكثرة الناس فهذا الى الله عز وجل ولا يلزم الناس حينئذ بالبيع بقيمة بعينها وهذا هو ما سمح به وقت هذه الحلقة والى حلقة قادمة ان شاء الله نلتقي بكم على خير والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته