بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى اله وصحبه ومن اهتدى بهديه الى يوم الدين ايها الاخوة المستمعون السلام عليكم ورحمة الله وبركاته كنا قد تكلمنا في الحلقة السابقة عن جملة من التطبيقات المعاصرة للحوالة ووعدنا باستكمال الحديث عنها في هذه الحلقة وقد سبق ان قلنا بان التخريج الفقهي للشيك انه حوالة وذكرنا ما يتفرع على هذا التخريج من مسائل فنقول من فروع هذه المسألة كذلك ان بعض الناس يحرر شيكا موجها الى مصرف ليس له فيه رصيد فهل يعتبر هذا حوالة الجواب لا يعتبر حوالة في قول بعض الفقهاء وقول عند المالكية ووجه عند الشافعية وهو المشهور من مذهب الحنابلة ويرى اصحاب هذا القول ان احالة الدائن على من لا دين له عليه لا يسمى حوالة وانما يسمى وكالة في اقتراظ ويرى بعض الفقهاء ان هذا يسمى حوالة يسميها بعضهم بالحوالة على بريء وهذا هو المشهور من مذهب الحنفية الصحيح مذهب المالكية وعلى كلا القولين فلا محظور في تحرير هذا الشيك شرعا سواء سمي حوالة او سمي وكالة في اقتراظ لكن هذا مشروط بعدم تظمن ذلك الشيك للربا عن طريق ما يسمى بالسحب على المكشوف الى ان غالب البنوك لا تقبلوا الشيك الموجه اليها من عميل ليس له فيها رصيد الا باحتساب فوائد ربوية طالبوا بها مع قيمة ذلك الشيك فنقول اذا تضمن ذلك الشيك للربا كان محرما وان خلا منه فالاصل في ذلك الجواز ومن التطبيقات المعاصرة للحوالة شيكات التحويلات المصرفية وهي شيكات تحرر من قبل المصرف عندما يتقدم اليه احد يريد نقل نقوده عن طريق ذلك المصرف الى موطن اخر ليأخذها هو او وكيله او اي شخص اخر يريد ان يوصلها اليه في ذلك الموطن والساحب في هذه الشيكات هو المصرف والمستفيد هو من يراد نقل النقود اليه من قبل ذلك الشخص المتقدم للمصرف والمسحوب عليه اما فرع المصرف في البلد المراد نقل النقود اليه او وكيله ولا يخلو ان يكون المراد تحويله من جنس النقد المدفوع اي ان يكون المتقدم لذلك المصرف اريد سحب الشيك بريالات سعودية مثلا ويدفع للمصرف ريالات سعودية او يكون المراد تحويله من جنس اخر كأن يريد المتقدم للمصرف سحب الشيك بدولارات مثلا ويدفع للمصرف ريالات سعودية فما الحكم في كل من هذين القسمين تقول اما القسم الاول وهو ان يكون المراد تحويله من جنس النقد المدفوع وقبل ان نتكلم عن حكمه نوضح صورته بالمثال الاتي هذا زيد من الناس مقيم في مدينة الرياض يريد ان يوصل مبلغا من المال الى صديق له مقيم في مكة فذهب الى مصرف من المصارف ودفع له عشرة الاف ريال مثلا وطلب منه ان يحرر له بها شيكا باسم صديقه مثل ذلك ما لو طلب من المصرف ان يحول له ذلك المبلغ في حساب صديقه مباشرة فما حكم هذا العمل نقول ان هذه الشيكات وما في معناها اعتبروا من قبيل السفتجة التي ذكرها الفقهاء قد سبق ان تكلمنا عنها بالتفصيل عندما تكلمنا عن احكام القرض وذكرنا ان معناها انها معاملة مالية يقرض فيها انسان قرضا لاخر ليوفيه المقترض او نائبه او مدينه في بلد اخر فائدتها السلامة من خطر الطريق ومؤونة الحمل وقد اختلف الفقهاء في حكمها الجمهور على عدم جواز السفتجة لانها قرض استفاد بها المقرض سقوط خطر الطريق وهذا نوع نفع والصحيح هو القول بالجواز وهو مروي عن عدد من الصحابة رضي الله عنهم منهم علي ابن ابي طالب وابن عباس وابن الزبير رضي الله تعالى عن الجميع وهذا القول رواية عند المالكية ورواية كذلك عند الحنابلة قد اختاره موفق الدين ابن قدامة وشيخ الاسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم رحمة الله تعالى على الجميع ووجه هذا القول ان المنفعة التي في السفتجة ليست خاصة بالمقرض بل تشمل المقرض والمقترض والمقرض ينتفع بامن خطر الطريق في نقل دراهمه الى ذلك البلد والمقترض ينتفع بالقرظ والشارع لا يرد بتحريم المصالح التي لا مضرة فيها وبعد ان تقرر لنا ان القول الصحيح في مسألة السفتجة والقول بجوازها ينبني عليه القول بجواز التحويلات المصرفية اذا كان المراد تحويله من جنس النقد المدفوع وحينئذ فيعتبر الشخص الذي تقدم للمصرف ودفع له نقودا لسحب شيك عليها يعتبر هو المقرظ ويعتبر المصرف هو المقترض والشيك الذي يستلمه هذا الشخص يمثل السفتجة وبواسطته يمكن استلام المبلغ المراد تحويله في البلد الاخر اما اذا كان المراد تحويله من غير جنس النقد المدفوع وفي ذلك تفصيل فنقول ان كان المصرف المحول يملك المبلغ المراد تحويله سواء في صناديقه المحلية او في الصندوق المركزي في مقره الرئيسي او في صندوق من يحول عليه من المصارف الاخرى بحيث يكون للمصرف المحول حساب في العملة المحول اليها لدى المصرف المحول عليه فان القيد في دفاتر المصرف تسلم ذلك الشيك هو في معنى القبظ لمحتواه لا اجري الصرف بسعر وقته تعين مقدار المبلغ المراد تحويله لان القبض قد ورد مطلقا في الشرع ولا ضابط له في اللغة فالمرجع في تحديده الى العرف كما قرر ذلك الفقهاء والظاهر ان العرف في مثل هذه الحال يقضي بان تسلم الشيك بمعنى القبظ لمحتواه لان تحويل المبلغ بالعملة المحلية الى عملة اخرى يعتبر في هذه الحال في قوة المصارفة يدا بيد لان عملية المصارفة قد تمت وليس بينهما بعد ذلك شيء اما اذا كان المبلغ المراد تحويله ليس موجودا في صندوق المصرف ولا في قيوده لدى المصارف الاخرى وانما سيعمل المصرف على تأمين النقد المحول له مستقبلا لمن حوله عليه الذي يظهر والله اعلم هو ان تسلم الشيك في مثل هذه الحال ليس في معنى القبض لمحتواه وذلك لان المصرف قد صارف بما لا يملكه وقت المصارفة والانتفاء حقيقة التقابض الحسي والمعنوي في مجلس عقد المصارفة في هذه الحال كما لو صارف تاجر كبير ذهبا بفظة مثلا وهو لا يملك الذهب وقت المصارفة وانما سيعمل على تأمينه في المستقبل فان هذا لا يجوز فكذلك في مسألتنا هذه وفي ختام هذه الحلقة اذكر قرار المجمع الفقهي الاسلامي التابع لرابطة العالم الاسلامي حول مسألة قبض الشيك ونص القرار ان مجلس المجمع الفقهي الاسلامي لرابطة العالم الاسلامي في دورته الحادية عشرة المنعقدة في مكة المكرمة قد نظر في موضوع اولا صرف النقود في المصارف هل يستغنى فيه عن القبض بالشيك الذي يستلمه مريد التحويل ثانيا هل يكتفى بالقيد في دفاتر المصرف عن القبض لمن يريد استبدال عملة بعملة اخرى مودعة في المصرف وبعد البحث والدراسة قرر المجلس بالاجماع ما يأتي اولا يقوم استلام الشيك مقام القبض عند توفر شروطه في مسألة صرف النقود بالتحويل في المصارف ثانيا يعتبر القيد في دفاتر المصرف في حكم القبض لمن يريد استبدال عملة بعملة اخرى سواء كان الصرف بعملة يعطيها الشخص للمصرف او بعملة مودعة فيه وقد درس مجمع الفقه الاسلامي الدولي المنبثق من منظمة المؤتمر الاسلامي درس كذلك مسألة القبض صوره وبخاصة المستجدة منها وذلك في دورة مؤتمره السادس بمدينة جدة وقد اصدر بشأنه قرارا جاء في القرار ان منصور القبض الحكمي المعتبرة شرعا وعرفا تسلم الشيك اذا كان له رصيد قابل للسحب بالعملة المكتوب بها عند استيفائه وحجزه من قبل طرف اسأل الله عز وجل ان يوفقنا للعلم النافع والعمل الصالح وان يرزقنا السداد في القول والعمل والى لقاء في حلقة قادمة ان شاء الله. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته