بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين صلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله وخليله نبينا محمد وعلى اله وصحبه ومن اهتدى بهديه واتبع سنته الى يوم الدين ايها الاخوة المستمعون السلام عليكم ورحمة الله وبركاته نتناول معكم في هذه الحلقة الكلام عن جملة من المسائل المتعلقة بباب القرض وسوف نتناول جملة من هذه المسائل ونستكمل الحديث عن بقيتها في حلقة قادمة ان شاء الله فنقول القرض من عقود الارفاق والاحسان وقد رغب فيه الشارع لما فيه من التعاون والتكافل بين المسلمين وسد حاجة المعوزين قد جعل النبي صلى الله عليه وسلم جعل الاقراض مرتين بمثابة الصدقة مرة فعن ابن مسعود رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال ما من مسلم يقرض مسلما مرتين الا كان كصدقة مرة رجه ابن ماجة وابن حبان وهو حديث حسن بل ان من اهل العلم من قال ان القرظ افضل من الصدقة اذ الغالب انه لا يقترض الا محتاج ولما روي عن انس رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم رأيت ليلة اسري بي على باب الجنة مكتوبا الصدقة بعشر امثالها والقرض والقرظ بثمانية عشر فقلت يا جبريل ما بال القرظ افظل من الصدقة فقال لان السائل يسأل وعنده والمستقرض لا يستقرض الا من حاجة اخرجه ابن ماجة في سننه ولكنه حديث ضعيف الاسناد لا يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولذلك فالصحيح عند المحققين من اهل العلم ان الصدقة افضل من القرض لحديث ابن مسعود السابق ما من مسلم يقرض مسلما مرتين الا كان كصدقة مرة وهو حديث ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما سبق وهو ظاهر الدلالة في تفضيل الصدقة على القرظ ايها الاخوة المستمعون والقرظ معناه في اللغة القطع وهو مصدر قرظ الشيء يقرضه ومعناه في اصطلاح الفقهاء دفع مال لمن ينتفع به ويرد بدله وهو مندوب اليه في حق المقرض لما سبق من الادلة ولان فيه تفريجا عن اخيه المسلم وقضاء لحاجته فكان مندوبا اليه كالصدقة ولكنه ليس بواجب قال الامام احمد رحمه الله لا اثم على من سئل فلم يقرض وذلك لانه من المعروف اشبه صدقة التطوع واما في حق المقترض فانه مباح وليس مكروها خاصة اذا كان لحاجة قال الامام احمد رحمه الله ليس القرض من المسألة يريد انه لا يكره لان النبي صلى الله عليه وسلم كان يستقرض كما في حديث ابي رافع رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم استسلم من رجل بكرا فقدمت عليه ابل الصدقة فامر ابا رافع ان يقظي الرجل بكرة فرجع اليه ابو رافع فقال يا رسول الله لم اجد الا خيارا رباعيا قال النبي صلى الله عليه وسلم اعطه فان خير الناس احسنهم قضاء رواه مسلم ولو كان الاستقرار مكروها لكان النبي صلى الله عليه وسلم ابعد الناس منه ولكن ينبغي للانسان الا يقترض الا لحاجة لان القرض يدخل في مسمى الدين والدين امره عظيم حتى ان النبي صلى الله عليه وسلم اخبر بان الشهيد يغفر له كل شيء الا الدين فاذا كان الشهيد الذي قد باع نفسه لله عز وجل لا يغفر له الدين فكيف بغيره ثم ان المقترض ينبغي له ان يحرص على الوفاء فانه اذا اقترض بنية الوفا يسر الله تعالى له الوفاء وفتح له ابوابا من الرزق يفي منها بخلاف ما اذا اقترظ بنية عدم الوفاء او بنية المماطلة فان الله تعالى لا يبارك له في ذلك المال بل يسلط عليه من الافات ما يتلفه ويمحق بركته كما قال النبي صلى الله عليه وسلم من اخذ اموال الناس يريد ادائها ادى الله عنه ومن اخذ اموال الناس يريد اتلافها اتلفه الله ايها الاخوة المستمعون والقاعدة فيما يصح قرظه هي ان كلما صح بيعه صح قرظه الا العبيد والاماء فانه لا يصح قرضهم ويشترط لصحة القرظ ان يكون المقرض ممن يصح تبرعه فلا يجوز لولي اليتيم مثلا ان يقرض من مال اليتيم وكذلك يشترط معرفة قدر المال المدفوع في القرض ومعرفة صفته وذلك لاجل ان يتمكن من رد بدله الى صاحبه والقرض من عقود الارفاق والاحسان. ولهذا سماه النبي صلى الله عليه وسلم منيحة لانه ينتفع به المقترض ثم يعيده الى المقرض فاذا خرج عن موضوعه الاصلي الذي شرع لاجله وهو الارفاق والاحسان بين الناس واصبح يراد به المعاوضة والربح دخله الربا ولذلك فالقاعدة المشهورة عند الفقهاء هي ان كل قرض جر نفعا فهو ربا هي ان كل قرض جر نفعا فهو ربا ولكن هذه القاعدة ليست على اطلاقها فما من قرض الا ويتضمن نفعا قال ابو محمد ابن حزم رحمه الله ليس في العالم سلف الا وهو يجر منفعة وذلك بانتفاع المسلف بتضمين ما له فيكون مضمونا تلف او لم يتلف مع شكر المستقرض اياه وانتفاع المستقرض بمال غيره مدة انتهى كلامه رحمه الله وحينئذ تحمل المنفعة المحرمة في القرض على المنفعة التي يختص بها المقرض كسكنى دار المقترظ ركوب دوابه وقبول هديته ونحو ذلك من المنافع التي يختص بها المقرض ولا مصلحة للمقترض فيها اما ما كان فيه منفعة للمقرض وللمقترض جميعا من غير ضرر بواحد منهما فليس هذا بمحرم لان الشرع لا ينهى عما فيه مصلحة ومنفعة للطرفين من غير ضرر بواحد منهما قال الامام ابن القيم رحمه الله المنفعة التي تجر الى الربا في القرض هي التي تخص المقرظ كسكنى دار المقترظ ونحو ذلك ايها الاخوة المستمعون وعلى هذا التأصيل يتفرع الكلام حول مسألة السفتجة والتي عرفت بانها معاملة مالية يقرض فيها انسان قرضا لاخر ليوفيه المقترض او نائبه او مدينه في بلد اخر وفائدتها السلامة من خطر الطريق ومؤنة الحمل ومن صورها المعاصرة التحويلات البنكية مع اتحاد العملة ان يكون شخص يسكن مثلا في مدينة الرياض يريد ان يحول له مبلغا لقريب او لصديق له يسكن في مكة لان وضع المال في البنك هو في حقيقته قرض لذلك البنك وليس وديعة وحينئذ فهل المنفعة الحاصلة في السفتجة هل المنفعة الحاصلة في السفتجة تدخل في منفعة القرض المحرمة او لا تدخل تلف الفقهاء في ذلك فالجمهور على عدم جواز السفتجة وذلك لان السفتجة قرض استفاد بها المقرض سقوط خطر الطريق وهذا نوع نفع والقول الثاني في المسألة هو جواز السفتجة وهو مروي عن عدد من الصحابة رضي الله عنهم منهم علي ابن ابي طالب وابن عباس وابن الزبير رضي الله تعالى عنهم اجمعين وهذا القول رواية عند المالكية ورواية عند الحنابلة قد اختاره موفق الدين ابن قدامة شيخ الاسلام ابن تيمية وابن القيم رحمة الله تعالى على الجميع ووجه هذا القول ان المنفعة التي في السفتجة ليست خاصة ليست خاصة بالمقرض وحده بل تشمل المقرض والمقترض فالمقرض ينتفع بامن خطر الطريق في نقل دراهمه الى ذلك البلد والمقترض ينتفع بالقرظ وبأمن خطر الطريق بالوفاء في ذلك البلد والشارع لا يرد بتحريم المصالح التي لا مضرة فيها قال شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله الصحيح في هذه المسألة يعني السفتجة الجواز لان كلا من المقرظ والمقترظ منتفع بهذا الاقتراظ والشارع لا ينهى عما ينفعهم ويصلحهم وانما ينهى عما يضرهم ونكتفي بهذا القدر في هذه الحلقة ونستكمل الكلام عن بقية مسائل واحكام القرض في الحلقة القادمة ان شاء الله الى ذلك الحين استودعكم الله تعالى والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته