بسم الله الرحمن الرحيم ان الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور انفسنا ومن سيئات اعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى اله وصحبه وسلم تسليما كثيرا ايها الاخوة المستمعون السلام عليكم ورحمة الله وبركاته حياكم الله تعالى في هذه الحلقة الجديدة من هذا البرنامج والتي سنتناول فيها الكلام عن احكام الحجر ونذكر في هذه الحلقة جملة من المسائل المتعلقة بالحجر ونستكمل الحديث عنها في حلقة وربما في حلقات قادمة ان شاء الله تعالى فنقول الحجر معناه في لغة العرب المنع والتظييق ومنه سمي الحرام حجرا كما قال الله تعالى يوم يرون الملائكة لا بشرى يومئذ للمجرمين ويقولون حجرا محجورا اي حراما محرما ومعنى الاية يوم يرى المجرمون الملائكة يوم الممات ويوم المعاد ولا بشرى يومئذ للمجرمين وتقول الملائكة لهم حرام محرم عليكم الفلاح اليوم ومنه سمي العقل حجرا كما قال الله عز وجل هل في ذلك قسم لذي حجر اي ذي عقل ومنه سمي الحجر عند البيت الحرام لانه يمنع الطائفين من ان يطوفوا فيه وانما يطاف من ورائه ومعنى الحجر شرعا منع الانسان من التصرف في ماله ودليله من القرآن الكريم قول الله تعالى ولا تؤتوا السفهاء اموالكم التي جعل الله لكم قياما الى قوله سبحانه وابتلوا اليتامى حتى اذا بلغوا النكاح فان انستم منهم رشدا فادفعوا اليهم اموالهم فدلت هاتان الايتان على ان الحجر على السفيه واليتيم بماله لئلا يفسده ويضيعه انه امر مشروع وانه لا يدفع الى اليتيم ما له الا بعد تحقق رشده فيه وقد روي من طرق متعددة عند الدار قطني والحاكم وغيرهما النبي صلى الله عليه وسلم هجر على معاذ بن جبل رضي الله عنه وباع ماله في دينه ايها الاخوة المستمعون ويقسم الفقهاء الحجر الى قسمين القسم الاول اجر على الانسان لاجل حظ غيره الحجر على المفلس لحظ الغرماء والحجر على المريض مرض الموت في التبرع بما زاد على الثلث لحظ الورثة ومثل ذلك ايضا الحجر على الراهن في الرهن لحظ المرتهن والقسم الثاني حجر على الانسان لاجل مصلحته هو لئلا يضيع ما له ويفسده كالحجر على السفيه والصغير والمجنون وبعد ان ذكرنا اقسام الحجر اجمالا ننتقل للكلام عنها بشيء من التفصيل ونبدأ الكلام عن القسم الاول وهو الحجر على الانسان لاجل حظ غيره وابرز صوره الحجر على المفلس لحظ الغرماء فمن هو المفلس وما حقيقة الافلاس نقول قد ورد ذكر المفلس في قول النبي صلى الله عليه وسلم لاصحابه اتدرون من المفلس قالوا يا رسول الله المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع فقال النبي صلى الله عليه وسلم ان المفلس من امتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة ويأتي وقد شتم هذا وقذف هذا واكل مال هذا وسفك دم هذا فيعطى هذا من حسناته وهذا من حسناته. فان فنيت حسناته قبل ان يقضى معه عليه اخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح في النار رواه مسلم فقول الصحابة المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع اخبار عن حقيقة المفلس قول النبي صلى الله عليه وسلم ليس ذلك المفلس تجوز لم يرد به نفي الحقيقة بل اراد ان فلس الاخرة اشد واعظم وهذا كقوله صلى الله عليه وسلم ليس الشديد بالصرعة انما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب والمفلس عند الفقهاء هو من عليه دين حال لا يتسع له ما له الموجود قال الموفق بن قدامة رحمه الله المفلس في عرف الفقهاء من دينه اكثر من ماله سموه مفلسا وان كان ذا مال لان ما له مستحق الصرف في جهة دينه فكأنه معدوم قد دل عليه تفسير النبي صلى الله عليه وسلم مفلس الاخرة فانه اخبر ان له حسنات امثال الجبال لكنها لا تفي بما عليه فقسمت بين الغرماء وبقي لا شيء له انتهى كلامه رحمه الله هذا المفلس الذي عليه دين حال لا يتسع له ما له الموجود يمنع من التصرف في ماله لئلا يضر ذلك باصحاب الديون واما المدين المعسر الذي لا يقدر على وفاء شيء من دينه فانه لا يطالب بالدين بل يجب انظاره لقول الله عز وجل وان كان ذو عسرة فنظرة الى ميسرة ويحرم حبسه او التعرض له بذلك ايها الاخوة نعرف خطأ اولئك الذين يطالبون الغرماء المعسرين الذين ليس عندهم شيء ربما بقي اولئك المعسرون في السجن مددا طويلة وانقطعوا عن اسرهم واعمالهم وانظر كيف ان الله عز وجل لما امر بانظار المعسر في قوله وان كان ذو عسرة فنظرة الى ميسرة ندب الى اسقاط الدين عنه بل سمى ذلك صدقة قال سبحانه وان تصدقوا خير لكم ان كنتم تعلمون في صحيح مسلم عن ابي قتادة رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من سره ان ينجيه الله من من كرب يوم القيامة فلينفس عن معسر او يضع عنه وفي الصحيحين عن حذيفة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم تلقت الملائكة روح رجل ممن كان قبلكم فقالوا عملت من الخير شيئا؟ قال لا قالوا تذكر قال كنت اداين الناس فامر فتياني ان ينظروا المعسر وان يتجاوزوا عن الموسر فقال الله تجاوزوا عنه برواية قال الله تعالى نحن احق بذلك منك تجاوزوا عن عبدي وعن ابي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من انظر معسرا او وظع له اظله الله يوم القيامة تحت ظل عرشه يوم لا ظل الا ظله رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح والاحاديث في فضل انظار المعسر كثيرة ولكن قد يدعي الاعسار من ليس بمعسر حقيقة خاصة في زماننا هذا الذي قد كثر فيه التحايل حينئذ فلا يثبت الاعسار الا ببينة تخبر عن باطن حاله وتشهد باعساره قد نص الامام احمد رحمه الله على انه لا يثبت الاعسار الا بثلاثة تج بحديث قبيصة ابن المخالق رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال ان المسألة لا تحل الا لاحد ثلاثة وذكر منهم رجلا اصابته فاقة حتى يقول ثلاثة من ذوي الحجى من قومه لقد اصابت فلانا فاقة فحلت له المسألة حتى يصيب قواما من عيش قال الامام ابن القيم رحمه الله اذا كان هذا في باب اخذ الزكاة وحل المسألة ففي باب دعوى الاعسار المسقط لاداء الدين اولى قال فهذا صريح في انه لا يقبل في بينة الاعسار اقل من ثلاثة رجال وهو الصواب الذي يتعين القول به لان الاعسار من الامور الخفية التي تقوى فيها التهمة روعي فيها الزيادة في البينة واما من له قدرة على وفاء دينه فانه لا يجوز الحجر عليه لعدم الحاجة الى ذلك ولكن يؤمر بوفاء ديونه اذا طالب الغرماء بذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم مطل الغني ظلم اي مطل القادر على وفاء دينه ظلم لانه منع ما وجب عليه هي اداؤه من حقوق الناس فالمماطل بقضاء ما عليه من الحق اثم بمماطلته وظالم بها ويستحق العقوبة بالحبس والتعزير. لقول النبي صلى الله عليه وسلم لي الواجد يحل عرضه وعقوبته رواه احمد وابو داود والنسائي وهو حديث حسن وقوله عليه الصلاة والسلام في هذا الحديث يحل عرضه اي شكواه وعقوبته اي حبسه فان اصر على المماطلة فان الحاكم يتدخل فيبيع من ماله ما يسدد به ديونه دفعا للضرر عن الدائنين ايها الاخوة المستمعون تلخص مما سبق ان المدينة على ثلاثة اقسام الاول من ماله اكثر من الدين هذا لا يحجر عليه بل يؤمر بوفاء الدين. فان امتنع حبس وعزر فان امتنع بيع من ماله ما يسدد به ديونه والقسم الثاني من ماله اقل من ديونه هذا هو الذي يحجر عليه التصرف في ما له اذا طلب الغرماء ذلك القسم الثالث المعسر الذي ليس عنده شيء يسدد ما عليه من الديون فهذا يجب انظاره ولا يجوز حبسه ولا مطالبته بالدين ما دام معسرا ايها الاخوة المستمعون هذا هو ما اتسع له وقت هذه الحلقة والى لقاء في حلقة قادمة ان شاء الله تعالى السلام عليكم ورحمة الله وبركاته