بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى اله وصحبه ومن اهتدى بهديه واتبع سنته الى يوم الدين ايها الاخوة المستمعون السلام عليكم ورحمة الله وبركاته حياكم الله تعالى في هذه الحلقة الجديدة من هذا البرنامج ايها الاخوة كنا قد تكلمنا في الحلقة السابقة عن جملة من احكام ومسائل الحجر كنا قد ذكرنا ان الحجر ينقسم الى قسمين حجر على الانسان لاجل حظ غيره وحجر على الانسان لاجل مصلحته هو وذكرنا ان من ابرز صور الحجر على الانسان لاجل حظ غيره الحجر على المفلس وتكلمنا عن جملة من احكام الحجر على المفلس ونستكمل الحديث عنها في هذه الحلقة فنقول وبالله التوفيق الحجر على المفلس قد وردت به السنة قد حجر النبي صلى الله عليه وسلم على معاذ وباع ماله في دينه قد روي ذلك من طرق متعددة يشد بعضها بعضا وروى مالك في الموطأ ان رجلا من جهينة كان يسبق الحاج ويشتري الرواحل فيغلي بها ثم يسرع السير فيسبق الحاج فافلس فرفع امره الى عمر ابن الخطاب رضي الله عنه فقال عمر اما بعد ايها الناس فان الاسيفع اسيفع جهينة قد رضي من دينه وامانته بان يقال سبق الحاج الا وانه قد ادان معرضا فاصبح قد دين به فمن كان له عليه دين فليأتنا بالغداة نقسم ما له بين غرمائه واياكم والدين فان اوله هم واخره حرب ويتعلق بالحجر على المفلس جملة من الاحكام منها الحكم الاول انه يتعلق حق الغرماء بماله الموجود قبل الحجر وبماله الحادث بعد الحجر فلا ينفذ تصرف المحجور عليه في ما له بعد الحجر باي نوع من انواع التصرف ولا يصح اقراره بشيء من ماله لاحد من الناس وذلك لان حقوق الغرماء متعلقة باعيانه فلم يقبل الاقرار عليه بل ليس له التصرف في ما له قبل الحجر عليه. تصرفا يضر بغرمائه قال الامام ابن القيم رحمه الله اذا استغرقت الديون ما له لم يصح تبرعه بما يضر بارباب الديون سواء حجر عليه الحاكم او لم يحجر عليه هذا هو مذهب مالك واختيار شيخنا يريد شيخ الاسلام ابن تيمية رحمة الله تعالى على الجميع قال وهو الصحيح وهو الذي لا يليق باصول المذهب غيره بل هو مقتضى اصول الشرع وقواعده لان حق الغرماء قد تعلق بماله لهذا يحجر عليه الحاكم ولولا تعلق حق الغرماء بماله لم يسع الحاكم الحجر عليه وصار كالمريض مرض الموت بتمكين هذا المدين من التبرع ابطال حقوق الغرماء الشريعة لا تأتي بمثل هذا فانها انما جاءت بحفظ حقوق ارباب الحقوق بكل طريق وسد الطريق المفضية الى اضاعتها انتهى كلامه رحمه الله بهذا يتبين ان من كان عليه دين وماله اقل من دينه فليس له ان يتبرع بشيء من ماله لا بهبة ولا صدقة ولا غيرها لان ما له قد تعلق به حق الغرماء اللهم الشيء اليسير فقد اجاز بعض العلماء اجازوا التبرع بالشيء اليسير سئل الامام احمد رحمه الله عن المدين هل يتصدق؟ او لا يتصدق فقال يتصدق بالشيء اليسير كالخبزة وشبهها اما ما يضر بالغرماء فلا يجوز ومنع بعض الفقهاء هذا المدينة حتى من الصدقة بالشيء اليسير قالوا ان القليل مع القليل يصبح كثيرا ولان هذا المدينة اذا منع من الصدقة كان هذا دافعا له لان يسعى في وفاء دينه والعجيب ان بعض الناس تكون عليهم الديون كثيرة ويفعلون في اكرام الناس ودعوتهم فعل الاغنياء وربما اقترن بالولائم التي يقيمونها للضيوف شرف وتبذير هذا خطأ كبير اذ ان قضاء الدين واجب كان الواجب على هذا المدين ان يسعى الى سداد دينه فان الدين امره عظيم حتى ان النبي صلى الله عليه وسلم اخبر بان الشهيد الذي قد باع نفسه لله عز وجل يغفر له كل شيء شيء الا الدين التهاون بامر الدين ليس من الشرع وليس من العقل ايها الاخوة المستمعون والحكم الثاني من احكام الحجر على المفلس ان من وجد عين ما له الذي باعه على هذا المفلس او اقرظه اياه او اجره اياه قبل الحجر عليه فله ان يرجع به وان يسحبه منه ويدل لذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم من ادرك متاعه بعينه عند انسان قد افلس فهو احق به متفق عليه وقد ذكر الفقهاء انه يشترط للرجوع لمن وجد ما له عند المفلس المحجور عليه يشترط لذلك عدة شروط الشرط الاول كون المفلس حيا الى ان يأخذ ماله منه يدل لذلك الحديث السابق انه قد جاء فيه عند ابي داود زيادة فان مات فصاحب المتاع اسوة الغرماء الشرط الثاني بقاء ثمنها كله في ذمة المفلس فان قبض صاحب المتاع شيئا من ثمنه لم يستحق الرجوع به الشرط الثالث بقاء العين كلها في ملك المفلس فان وجد بعضها فقط لم يرجع به لانه لم يجد عين ما له وانما وجد بعضه الشرط الرابع كون السلعة بحالها لم يتغير شيء من صفاتها الشرط الخامس كون السلعة لم تزد زيادة متصلة شرط السادس كون السلعة لم يتعلق بها حق الغير فان تعلق بها حق الغير بان يكون المفلس قدرهنها مثلا اليس لصاحب السلعة الرجوع فاذا توفرت هذه الشروط جاز لصاحب السلعة ان يرجع بها وان يسحبها اذا ظهر افلاس من هي عنده قال الموفق ابن قدامة رحمه الله وان اقرظ رجلا مالا ثم افلس المقترض وعين المال قائمة فله الرجوع فيها قوله عليه الصلاة والسلام من ادرك متاعه بعينه عند رجل قد افلس فهو احق به ولانه غريم وجد عين ماله فكان له اخذها كالبائع انتهى كلامه رحمه الله والحكم الثالث من احكام الحجر على المفلس ان المفلس ان تصرف في ذمته بشراء او ظمان ونحو ذلك صح تصرفه في ذمته لانه اهل للتصرف والحجر انما هو متعلق بماله لا بذمته ويطالب بما لزمه من ثمن مبيع ونحوه بعد فك الحجر عنه ونوضح هذه المسألة بالمثال هذا رجل قد حجر عليه في ماله فذهب واشترى له سيارة بدين في ذمته لا من عين ما له الذي قد حجر عليه فيه هذا التصرف اعني الشراء صحيح لان الحجر عليه انما هو في اعيان المال فقط واما الذمة فليس عليها حجر ولكنه انما يطالب بثمن تلك السيارة بعد فك الحجر عنه الحكم الرابع ان الحاكم يبيع مال المفلس يقسم ثمنه بقدر ديون غرمائه الحالة لان هذا هو المقصود من الحجر عليه ويترك الحاكم للمفلس ما يحتاج اليه من مسكن ومؤونة ونحو ذلك واما الدين المؤجل فلا يحل بالافلاس ولا يزاحم الديون الحالة لان الاجل حق للمفلس فلا يسقط كسائر حقوقه ويبقى في ذمة المفلس ثم بعد توزيع ما له على اصحاب الديون الحالة ان سددها ولم يبق منها شيء انفك عنها الحجر بلا حكم حاكم لزوال موجبه ولكن ان بقي عليه شيء من ديونه الحالة فان الحجر لا ينفك عنه الا بحكم الحاكم. لانه هو الذي حكم اليه بالحجر فهو الذي يحكم بفك الحجر عنه قال الموفق بن قدامة رحمه الله ويستحب احضار المفلس اي عند بيع ماله لمعان اربعة عدوها احصاء ثمنه وظبطه تاني انه اعرف بثمن متاعه وجيده ورديئه ثالث ان الرغبة تكثر فيه فان شراءه من صاحبه احب الى المشترين. الرابع انه اطيب لقلبه قال ويستحب احضار الغرماء لامور اربعة كذلك انه يباع لهم ثاني انهم ربما رغبوا في شيء فزادوا في ثمنه. فيكون اصلح لهم وللمفلس ثالث انه اطيب لقلوبهم وابعد عن التهمة رابع لعل فيهم من يجد عين ماله فيأخذها فان باعه من غير حضورهم كلهم جاز ذلك ايها الاخوة المستمعون نكتفي بهذا القدر في هذه الحلقة ونستكمل الحديث عن احكام الحذر في الحلقة القادمة ان شاء الله تعالى فالى ذلك الحين استودعكم الله تعالى والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته