بسم الله الرحمن الرحيم ان الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور انفسنا ومن سيئات اعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى اله وصحبه ومن اهتدى بهديه واتبع سنته الى يوم الدين وسلم تسليما كثيرا ايها الاخوة المستمعون السلام عليكم ورحمة الله وبركاته نتحدث معكم في هذه الحلقة الجديدة من هذا البرنامج عن احكام الصلح تناولوا جملة منها في هذه الحلقة ونستكمل كلام عن بقيتها في الحلقات القادمة ان شاء الله تعالى فنقول الصلح معناه في اللغة قطع المنازعة ومعناه في الشرع معاقدة يتوصل بها الى اصلاح بين متخاصمين وقد وعد الله تعالى من سعى في الاصلاح بين الناس بان يؤتيه اجرا عظيما قال عز وجل لا خير في كثير من نجواهم الا من امر بصدقة او معروف او اصلاح بين الناس من يفعل ذلك ابتغاء مرضات الله فسوف نؤتيه اجرا عظيما وامر الله تعالى باصلاح ذات البين قال سبحانه فاتقوا الله واصلحوا ذات بينكم قال عز وجل وان طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فاصلحوا بينهما وعن ابي هريرة رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال الصلح جائز بين المسلمين الا صلحا احل حراما او حرم حلالا اخرجه الترمذي وقال حديث حسن صحيح وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يسعى بنفسه للاصلاح بين الناس كما في قصة اصلاحه بين بني عمرو بن عوف وغيرهم فينبغي للمسلم ان يقتدي برسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك وان يسعى للاصلاح بين المتخاصمين في ذلك الاجر العظيم من الله عز وجل او اصلاح بين الناس ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضات الله فسوف نؤتيه اجرا عظيما ويجوز الكذب لقصد الاصلاح قال البخاري في صحيحه باب ليس الكاذب الذي يصلح بين الناس ثم ساق بسنده عن ام كلثوم بنت عقبة رضي الله عنها انها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس فينمي خيرا او يقول خيرا والصلح انما يكون في حقوق المخلوقين التي لبعضهم على بعض مما يقبل الاسقاط او المعاوضة واما حقوق الله تعالى كالحدود والزكاة فلا مدخل للصلح فيها فان الصلح فيها هو في الحقيقة اداؤها كاملة قال البخاري في صحيحه باب اذا اصطلحوا على صلح جور فالصلح مردود ثم ساق بسنده عن ابي هريرة وزيد ابن خالد الجهني رضي الله عنهما قال جاء اعرابي قال يا رسول الله اقض بيننا بكتاب الله وقام خصمه فقال صدق اقض بيننا بكتاب الله قال الاعرابي ان ابني كان عسيفا على هذا اي اجيرا عنده فزنا بامرأته فقالوا لي على ابنك الرجم ففديت ابني منه بمائة من الغنم ووليده ثم سألت اهل العلم فقالوا انما على ابنك جلد مائة وتغريب عام قال النبي صلى الله عليه وسلم لاقظين بينكما بكتاب الله اما الوليدة والغنم فرد عليك وعلى ابنك جلد مائة وتغريب عام واما انت يا انيس لرجل من الصحابة كان جالسا عنده تغدو على امرأة هذا فان اعترفت فارجمها فغدا عليها انيس فاعترفت فرجمها ففي هذه القصة ابطل النبي صلى الله عليه وسلم ابطل الصلح عما وجب على الزاني من الحد قال الحافظ ابن حجر رحمه الله الغرض منه هنا اي من هذا الحديث في باب الصلح قوله في الحديث الوليدة والغنم رد عليك لانه في معنى الصلح عما وجب على العسيف من الحد ولما كان ذلك لا يجوز في الشرع كان جورا ايها الاخوة المستمعون والصلح بين الناس يتناول خمسة انواع النوع الاول الصلح بين المسلمين واهل الحرب والنوع الثاني الصلح بين اهل العدل واهل البغي من المسلمين والنوع الثالث الصلح بين الزوجين اذا خيف الشقاق بينهما والنوع الرابع الصلح بين المتخاصمين في غير المال والنوع الخامس الصلح بين المتخاصمين في المال وهذا النوع الاخير اعني الصلح بين المتخاصمين في المال هو الذي يتكلم عنه الفقهاء في باب الصلح هو الذي سنتكلم عنه فيما تبقى من وقت هذه الحلقة ونستكمل الحديث عنه في الحلقات القادمة ان شاء الله تعالى فنقول الصلح في الاموال ينقسم الى قسمين صلح على اقرار وصلح على انكار ويقسم الفقهاء الصلح على اقرار الى قسمين ايضا صلح على جنس الحق وصلح على غير جنسه اما الصلح على جنس الحق فكما لو اقر له بدين معلوم او بعين مالية في يده وصالحه على اخذ بعض الدين واسقاط بقيته او على هبة بعض الدين واخذ البعض الاخر ونوضح هذا بمثال فنقول هذا رجل يطلب اخر عشرة الاف ريال مثلا فاقر له المدين بذلك وصالحه على ان يسقط عنه منها الف ريال فهذا النوع من الصلح يصح ولا بأس به اذا كان ذلك الاسقاط او الابراء من غير شرط اي من غير ان يشترط المدعى عليه بالا يقر له بالدين الا باسقاط جزء منه ويدل لصحة هذا النوع من الصلح ما جاء في صحيح البخاري ان النبي صلى الله عليه وسلم كلم غرماء جابر بن عبدالله رضي الله عنهما ليضعوا عنه ويدل لذلك ايضا ما جاء في الصحيحين عن كعب ابن مالك رضي الله عنه انه تقاضى دينا له انه تقاضى دينا له على رجل في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد ارتفعت اصواتهما حتى سمعها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في بيته فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم اليهما فنادى يا كعب قال لبيك يا رسول الله اشار بيده ان ظع الشطر اي النصف وقال كعب قد فعلت يا رسول الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قم فاقضه ولكن ما الحكم فيما اذا شرط من عليه الحق الا يقر له بالدين الا بشرط ان يسقط او يهب عنه جزءا منه ومثل ذلك ايضا ما لو اقر له بالحق ولكن منعه من حقه حتى يظع عنه بعظه بان يقول له انت تطلبني عشرة الاف ريال لكن لن اسلمها لك الا بشرط ان تسقط عني منها الف ريال مثلا والجواب انه لا يصح الصلح في هذه الحال لا يصح الصلح في هذه الحال قال الموفق ابن قدامة رحمه الله ان منعه المقر من حقه حتى يضع عنه بعضه فالصلح باطل لانه صالح عن بعض ماله ببعضه قال ابن ابي موسى الصلح على الاقرار هضم للحق فمتى الزم المقر له ترك بعظ حقه فتركه من غير طيب نفسه لم يطب الاخذ وان تطوع المقر له باسقاط بعض حقه جاز ذلك غير ان ذلك ليس بصلح قال الموفق بن قدامة فلم يجعله صلحا قال وسماه القاظي اي ابو يعلى صلحا وهو قول الشافعي والخلاف في التسمية واما المعنى فمتفق عليه انتهى كلامه رحمه الله ويفهم من الكلام السابق ان من صلح على ترك بعض حقه ان كان ذلك برضا منه فلا بأس بذلك لانه قد رضي باسقاط بعض حقه وان كان بغير رضا منه لعدم وجود البينة المثبتة لحقه فان ذلك لا يحل للمسقط عنه ولذلك فلو اصطلحا ثم ظهرت البينة بعد ذلك فينقض ذلك الصلح في قول بعض الفقهاء هو اختيار شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله لانه انما صالح مكرها في الحقيقة اذ لو علم بالبينة لم يسمح بشيء من حقه ويشترط ايضا لهذا النوع من الصلح ان يكون صاحب الحق ممن يصح تبرعه ان كان ممن لا يصح تبرعه لم يصح بناء على هذا الشرط فولي اليتيم او المجنون اذا كان لهما دين على شخص فليس لوليهما ان يصالح المدينة على ذلك باسقاط بعضه عنه لان هذا الاسقاط يعتبر تبرعا وولي اليتيم والمجنون لا يملك التبرع من مالهما اثنى الفقهاء من هذا مسألة وهي ان يكون لهما حق ينكره من عليه الحق ولا بينة لهما الاثبات يجوز لوليهم المصالحة عن ذلك الحق باسقاط بعضه. وذلك لان استيفاء البعض عند العجز عن استيفاء الكل اولى من تركه وما لا يدرك كله لا يترك كله. ونكتفي بهذا القدر في هذه الحلقة. ونستكمل الحديث عن بقية احكام الصلح في الحلقة القادمة ان شاء الله. فالى ذلك الحين استودعكم الله تعالى. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته