بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين صلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى اله وصحبه ومن اهتدى بهديه الى يوم الدين ايها الاخوة المستمعون السلام عليكم ورحمة الله وبركاته كنا قد تكلمنا في الحلقة السابقة عن جملة من احكام الصلح ذكرنا ان الصلح ينقسم الى قسمين صلح على اقرار وصلح على انكار وان الصلح على اقرار ينقسم الى قسمين كذلك ان يصالح عن الحق بجنسه وان يصالح عن الحق بغير جنسه كنا قد تكلمنا في الحلقة السابقة عن الصلح عن الحق بجنسه وعدنا باستكمال الحديث عن النوع الاخر وعن القسم الاخر الذي هو الصلح على انكار في هذه الحلقة فنقول وبالله التوفيق النوع الثاني من نوعي الصلح على اقرار ان يصالح عن الحق بغير جنسه كما لو اعترف له بدين او عين ثم تصالحا على ان يأخذ عن ذلك عوضا من غير جنسه فان صالحه عن نقد بنقد اخر فهذا صرف تجري عليه احكام الصرف وان صالح عن النقد بغير نقد اعتبر ذلك بيعا تجري عليه احكام البيع وان صالح عنه بمنفعة كسكنى داره اعتبر ذلك اجارة تجري عليه احكام الاجارة هذا ما يتعلق بالنوع الثاني وهو المصالحة عن الحق بغير جنسه واما القسم الثاني من اقسام الصلح وهو الصلح على انكار فمعناه ان يدعي شخص على اخر بدين له في ذمته او بعين له عنده فيسكت المدعى عليه وهو يجهل المدعى به ثم يصالح المدعي عن دعواه بمال ونوضح هذا بالمثال نقول هذا رجل ادعى على اخر بانه يطلبه عشرة الاف ريال مثلا دينا في ذمته فقال له المدعى عليه انا لا اعرف ان لك عندي حقا اراد المدعي ان يرفع امره للمحكمة قال المدعى عليه انا اعطيك ثلاثة الاف ريال صلحا قطعا للخصومة التي بيني وبينك ولانه لا يريد الذهاب للمحكمة لمقاضاة المدعي او انه يخشى ان تطلب منه اليمين عند مقاضاة خصمه ويريد بهذا الصلح يريد الافتداء ليمينه هذا النوع من الصلح يسميه الفقهاء الصلح على انكار وهو صحيح في قول جمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية والحنابلة وذهب الشافعي رحمه الله الى انه لا يصح الصلح على انكار لكن القول الصحيح عند المحققين من اهل العلم هو قول الجمهور وهو انه يصح هذا النوع من الصلح وذلك لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم الصلح جائز بين المسلمين الا صلحا احل حراما او حرم حلالا والصلح على انكار يكون في حق المدعي في حكم البيع لانه يعتقده عوضا عن ما له واما في حق المدعى عليه فهو ابراء عن الدعوة لانه قد دفع المال افتداء ليمينه ولازالة الظرر عنه ولقطع الخصومة ولصيانة نفسه عن التبذل والمخاصمات لان ذوي النفوس الشريفة يأنفون من ذلك ويصعب عليهم فيدفعون المال للابراء من ذلك ايها الاخوة المستمعون واذا كان احد المتصالحين في الصلح على انكار كاذبا كان يكذب المدعي فيدعي شيئا يعلم انه ليس له او يكذب المدعى عليه المنكر في انكار ما ادعي عليه به هو يعلم انه عليه ويعلم بكذب نفسه في انكاره فان الصلح باطل في حق الكاذب منهما باطنا معنى قولنا باطنا اي فيما بينه وبين الله عز وجل وان كان هذا الصلح فيما يظهر للناس صحيح وبناء على ذلك فما يأخذه الكاذب منهما بموجب هذا الصلح حرام عليه لانه اخذه ظلما وعدوانا مع علمه بالحق واعتقاده انه غير محق في تصرفه قد قال الله عز وجل ولا تأكلوا اموالكم بينكم بالباطل فعلى المسلم ان يبتعد عن هذا التصرف والاحتيال السيء قد قال النبي صلى الله عليه وسلم انكم تختصمون الي وانما انا بشر ولعل بعضكم ان يكون الحن بحجته من بعض اني اقضي بينكم على نحو ما اسمع فمن قضيت له من حق اخيه شيئا فلا يأخذه انما اقطع له قطعة من النار رجه ابو داوود واحمد والدار قطني والحاكم قال صحيح على شرط مسلم ومن مسائل الصلح على انكار انه لو صالح عن المنكر اجنبي بغير اذنه صح الصلح في ذلك ونوضح هذا بمثال هذا رجل ادعى على اخر دينا انكر المدعى عليه فاتى احد الناس وبذل للمدعي ما ادعاه او بعضه قطعا للخصومة واصلاحا بين المتنازعين ان هذا الصلح صحيح ولو كان بغير اذن المدعى عليه لان هذا الاجنبي الذي بذل المال انما قصد بذلك ابراء المدعى عليه وقطع الخصومة عنه فهو كما لو قظى عنه دينه ولكن لا يطالبه بشيء مما دفع. لكونه قد تبرع به فلا يستحق الرجوع عليه به ويصح الصلح عن الحق المجهول سواء كان لكل منهما على الاخر او كان لاحدهما اذا كان هذا المجهول يتعذر علمه ونوضح هذا بالمثال هذا رجل اشترك مع اخر في مؤسسة مثلا ولكل منهما على الاخر ديون ولا يعرفان مقدار هذه الديون على وجه التحديد نقول يصطلحان صلحا بعدما بعد تحري الحق ثم يحلل كل منهما صاحبه ومثل ذلك ما لو كان بين رجلين معاملة وحساب قد مضى عليه زمن طويل ولا علم لكل واحد منهما بما عليه لصاحبه والاصل في جواز الصلح عن المجهول حديث ام سلمة رضي الله عنها السابق وفيه ان رجلين من الانصار اتيا النبي صلى الله عليه وسلم يختصمان اليه في مواريث قد درست بينهما وليس بينهما بينة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم انكم تختصمون الي وانما انا بشر ولعل بعظكم ان يكون الحن بحجته من بعظ فاني اقضي بينكم على نحو ما اسمع من قضيت له من حق اخيه شيئا فلا يأخذه وانما اقطع له قطعة من النار يأتي بها في عنقه يوم القيامة فبكى الرجلان وقال كل واحد منهما حقي لاخي وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اما اذا قلتما فاذهبا فاقتسما ثم توخي الحق ثم استهما ثم ليحلل كل منكما صاحبه ثم ليحلل كل منكما صاحبه قال الموفق ابن قدامة رحمه الله في صفة التحليل يقول القابض ان كان لي عليك حق فانت منه في حل ويقول الدافع ان كنت اخذت اكثر من حقك فانت منه في حل انتهى كلامه رحمه الله او يأتيان باية عبارة تفيد هذا المعنى وانما امر النبي صلى الله عليه وسلم بان يحلل كل منهما صاحبه احتياطا لبراءة الذمة لان حق المخلوق عظيم والصلح عن المجهول ربما لا يصل كل منهما به الى حقه على وجه التحديد ومع كون حق كل منهما مجهولا مع عدم وجود البينة لا يبقى خيار سوى ان يصطلحا صلحا بعدما بعدما يتحريان الحق ويحلل كل منهما الاخر واما ما يمكن معرفته او يعلمه الذي هو عليه ويجهله صاحبه فلا يصح الصلح عليه قالوا ذلك ان يقال لاحد الورثة نعطيك كذا من المال على ان تخرج من الميراث قال الامام احمد ان صلحت امرأة من ثمنها اي الذي تستحقه بالميراث لم يصح تج بقول شريح ايما امرأة صلحت من ثمنها لم يتبين لها ما ترك زوجها فهي الريبة كلها قال وان ورث قوم مالا ودورا وغير ذلك قالوا لبعضهم نخرجك من الميراث بالف درهم اكره ذلك وانما لم يصح الصلح في هذه الحال لان الصلح انما جاز مع الجهالة للحاجة اليه. لابراء الذمم ولازالة المنازعات ومع امكان العلم لا حاجة الى الصلح مع الجهالة فان الصلح في هذه الحالة ربما يفضي الى المنازعة والخصومة فاشبه البيع مع الجهالة ونكتفي بهذا القدر في هذه الحلقة ونستكمل الكلام عن بقية احكام الصلح في الحلقة القادمة ان شاء الله. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته