بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى اله وصحبه ومن اهتدى بهديه واتبع سنته الى يوم الدين ايها الاخوة المستمعون السلام عليكم ورحمة الله وبركاته كنا قد تكلمنا في الحلقة السابقة والتي قبلها عن جملة من احكام ومسائل الصلح نستكمل الحديث في هذه الحلقة عن ابرز ما تبقى من مسائل الصلح ولعلنا نخصص هذه الحلقة في الحديث عن مسألة مهمة يكثر السؤال عنها ولها صلة بالواقع وهي مسألة المصالحة عن الدين المؤجل ببعضه حالا وهي ما تعرف بمسألة ضع وتعجل وصورتها ان يتفق الدائن والمدين على اسقاط حصة من الدين شرطي ان يعجل المدين الباقي ونقل الحافظ ابن عبدالبر رحمه الله في كتابه الاستذكار سفيان بن عيينة رحمه الله انه قال تفسير عجل لي واضع عنك اذا كان لي عليك الف درهم الى اجل فقلت اعطني من حق الذي عندك تسعمائة ولك مائة ونوضح هذه المسألة بمثال اخر هذا زيد يطلب محمدا عشرة الاف ريال دينا الى سنة ثم ان زيدا اتى لمحمد وقال له اريد منك ان تعجل لي سداد الدين الذي لي في ذمتك الان وسوف اسقط لك منه الف ريال فما حكم هذا العمل سبق ان ذكرنا في حلقات سابقة انه لا تجوز الزيادة في الدين مقابل زيادة الاجل ومسألتنا هذه على العكس من ذلك فهي اسقاط لبعض الدين نظير اسقاط الاجل او بعظه وللفقهاء في حكمها قولان مشهوران القول الاول انه لا يجوز التعامل بمسألة ضع وتعجل قد روي هذا القول عن عدد من الصحابة رضي الله عنهم منهم عمر بن الخطاب زيد ابن ثابت عبدالله ابن عمر والمقداد ابن الاسود رضي الله تعالى عنهم وروي كذلك عن عدد من التابعين منهم الحسن البصري وسعيد ابن مسيب وسالم ابن عبد الله ابن عمر حماد بن ابي سليمان وروي هذا القول كذلك عن سفيان الثوري وعن اسحاق ابن راهويه وعن الشعب رحمهم الله تعالى جميعا وهو مذهب الحنفية والمالكية وهو المشهور من مذهب الشافعية والصحيح من مذهب الحنابلة والقول الثاني في المسألة هو جواز التعامل بمسألة ضع وتعجل قد روي هذا القول عن ابن عباس رضي الله عنهما وعن ابراهيم النخاعي وابي ثور وابن سيرين وزفر بن الهذيل من الحنفية ورواية عند الحنابلة وبعد ان ذكرنا خلاف العلماء في هذه المسألة ننتقل الى الكلام عما استدل به اصحاب كل قول ثم الموازنة بينها والترجيح فنقول استدل الجمهور لقولهم بعدم جواز مسألة ضع وتعجل بما جاء في سنن البيهقي عن المقداد ابن الاسود رضي الله عنه قال اسلفت رجلا مائة دينار ثم خرج سهمي في بعث بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقلت له عجل لي تسعين دينارا واحط عشرة دنانير قال نعم فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال اكلت ربا يا مقدام واطعمته ولكن هذا الحديث ضعيف من جهة الاسناد قال عنه البيهقي بعدما اخرجه في سننه اسناده ضعيف اذا قال ابن القيم رحمهم الله تعالى وسبب ضعفه انه روي من طريق يحيى بن يعلى الاسلمي قال عنه يحيى ابن معين ليس بشيء قال ابو حاتم ضعيف قال عنه البخاري مضطرب الحديث واستدل الجمهور كذلك لقولهم بعدم جواز مسألة ضع وتعجل استدلوا من جهة المعنى بانه اذا تعجل البعض واسقط الباقي فقد باع الاجل بالقدر الذي اسقطه فهو كما لو باع الاجل بالقدر الذي يزيده اذا حل عليه الدين فهو كما لو قال زدني في الدين وازيدك في المدة قالوا فاي فرق بين ان تقول حط من الاجل واحط لك من الدين او تقول زد في الاجل وازيد لك في الدين وحاصل هذا الاستدلال هو قياس وظع بعظ الدين مع اسقاط بعظ الاجل على زيادة الدين في مقابلة زيادة الاجل واما اصحاب القول الثاني وهم القائلون بجواز مسألة ضع وتعجل فقد استدلوا لقولهم بدليل من الاثر وبدليل من النظر اما الدليل من الاثر فهو حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال لما اراد رسول الله صلى الله عليه وسلم ان يخرج بني النظير قالوا يا رسول الله انك امرت باخراجنا ولنا على الناس ديون لم تحل قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم ضعوا وتعجلوا وهذا الحديث اخرجه الطحاوي في شرح مشكل الاثار رجه البيهقي في السنن الكبرى دار قطني في سننه والحاكم في المستدرك قال الامام ابن القيم رحمه الله هذا الحديث على شرط السنن وقد ظعفه البيهقي واسناده ثقات وانما ظعف بمسلم ابن خالد وهو ثقة فقيه روى عنه الشافعي واحتج به انتهى كلامه رحمه الله وقد صحح هذا الحديث ابو عبدالله الحاكم وقد ذكر له البيهقي شاهدا في السنن الكبرى فلعله يتقوى به لا سيما وان مسلم ابن خالد انما ظعف لكونه سيء الحفظ والا فهو ثقة في نفسه وهذا الحديث ظاهر الدلالة في جواز مسألة ضع وتعجل لان النبي صلى الله عليه وسلم امر يهود بني النظير بان يضعوا من الديون التي لهم في ذمم الناس ويتعجلوها وقد استدل اصحاب هذا القول من جهة المعنى والنظر بان هذه المسألة اي مسألة ضع وتعجل انما هي في الحقيقة ضد الربا صورة ومعنى فان الربا يتضمن الزيادة في الاجل والدين وذلك اظرار محض بالغريم وهذه المسألة تتضمن براءة ذمة الغريم من الدين وانتفاع صاحبه بما يتعجله فكلاهما حصل له الانتفاع من غير ظرر بخلاف الربا المجمع على تحريمه فان ضرره لاحق بالمدين ونفعه مختص برب الدين قالوا ولان مقابلة الاجل بالزيادة في الربا ذريعة الى اعظم الظرر وهو ان يصير الدرهم الواحد الوفا مؤلفة وتشتغل الذمة بغير فائدة اما في الوظع والتعجيل فتتخلص ذمة هذا من الدين وينتفع ذاك بالتعجيل له قالوا ولان الشارع له تطلع الى براءة الذمم من الديون. وقد سمى الغريم اسيرا ففي براءة ذمته تخليص له من الاسر وهذا ضد الربا الذي يتضمن شغلها بالزيادة مع الصبر ايها الاخوة المستمعون وبعد هذا العرض لادلة القولين في المسألة يظهر والله تعالى اعلم ان القول الراجح فيها هو القول الثاني وهو جواز المصالحة عن الدين المؤجل ببعضه حالا قد اختار هذا القول جمع من المحققين من اهل العلم منهم شيخ الاسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم رحمهما الله تعالى ووجه رجحان هذا القول هو قوة ادلته ان حديث ابن عباس رضي الله عنهما بامر النبي صلى الله عليه وسلم اليهود بني النظير بوظع شيء من ديونهم نظير تعجيلها حديث ثابت كما سبق بيان ذلك وما علل به اصحاب هذا القول من جهة المعنى وجيه واما ما استدل به اصحاب القول الاول لقولهم بعدم جواز مسألتي ضع وتعجل فهي ترجع الى حديث المقداد والى القياس اما حديث المقداد فما اصرحه من دليل لو كان صحيحا ولكنه حديث ضعيف كما سبق فلا يصح الاستدلال به على عدم جواز مسألة وتعجل واما القياس فمحصله قياس وضع بعض الدين مع اسقاط بعض الاجل على زيادة الدين في مقابلة زيادة الاجر جل وقياس مع الفارق لان الربا في الاصل هو الزيادة وهو يتضمن الزيادة في مقابلة الاجل اما اسقاط بعض الدين مقابل اسقاط بعض الاجل فان الزيادة منتفية هنا قال ابن القيم رحمه الله الذين حرموا ذلك انما قاسوه على الربا ولا يخفى الفرق الواضح بين قوله اما ان تربي واما ان تقضي وبين قوله عجل لي واهب لك مئة فاين احدهما من الاخر؟ فلا نص في تحريم ذلك ولا اجماع ولا قياس صحيح ونكتفي بهذا القدر في هذه الحلقة والى لقاء في حلقة قادمة ان شاء الله تعالى والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته