بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين الصلاة والسلام على اشرف الانبياء والمرسلين نبينا محمد على اله وصحبه ومن اهتدى بهديه واتبع سنته الى يوم الدين ايها الاخوة المستمعون السلام عليكم ورحمة الله وبركاته نرحب بكم في هذه الحلقة الجديدة من هذا البرنامج الذي نسأل الله عز وجل ان ينفع به المستمع والمتحدث وان يبارك فيه ايها الاخوة المستمعون نتحدث معكم في هذه الحلقة عن احكام المزارعة والمساقاة فنقول المساقات والمزارعة هي من جملة الاعمال التي يزاولها الناس من قديم الزمان لحاجتهم اليها فقد يكون في ملك انسان شجر لا يستطيع القيام عليه واستثماره او تكون له ارض زراعية لا يستطيع العمل عليها واستغلالها وعند اخر القدرة على العمل لكنه لا يملك الارض التي يزرع عليها او الشجر الذي يغرسه بالمزارعة والمساقاة مصلحة للطرفين ولذلك فقد اباحتها شريعة الاسلام التي جاءت بتحصيل المصالح وتكميلها ودرء المفاسد ولكن ما معنى المساقات والمزارعة نقول المساقات هي دفع شجر مغروس او شجر غير مغروس مع ارض الى من يغرسه فيها ويقوم بسقيه وما يحتاج اليه حتى يثمر ويكون للعامل جزء مشاع من ثمر ذلك الشجر والباقي لمالكه وبعض الفقهاء يسمي دفع الارض والشجر لمن يغرسه بجزء معلوم من الشجر او من الشجر والثمر يسميه مغارسة او مناصبة واما المزارعة فهي دفع ارض لمن يزرعها او دفع ارض وحب لمن يزرعه فيها ويقوم عليه بجزء مشاع منه والباقي لمالك الارض والاصل في جواز المساقات والمزارعة السنة والاجماع اما السنة قد جاء في الصحيحين عن عبدالله ابن عمر رضي الله عنهما قال عامل النبي صلى الله عليه وسلم اهل خيبر بشطر ما يخرج منها من ثمر او زرع في رواية لمسلم ان النبي صلى الله عليه وسلم دفع الى يهود خيبر نخلها وارضها على ان يعملوها من اموالهم ولهم شطر ثمرها قال الامام ابن القيم رحمه الله في قصة خيبر دليل على جواز المساقات والمزارعة بجزء من الغلة من ثمن او زرع فانه صلى الله عليه وسلم عامل اهل خيبر على ذلك تمر ذلك الى حين وفاته ولم ينسخ البتة تمر عمل خلفائه الراشدين عليه وليس هذا من باب المؤاجرة في شيء بل هو من باب المشاركة وهو نظير المضاربة سواء انتهى كلامه رحمه الله قال الموفق ابن قدامة رحمه الله هذا عمل به الخلفاء الراشدون مدة خلافتهم جهر ذلك ولم ينكره منكر فكان اجماعا ايها الاخوة المستمعون يشترط لصحة المساقات تقدير نصيب العامل بجزء معلوم مشاع من الثمرة الثلث والربع ونحو ذلك سواء قل الجزء المشروط او كثر لو شرط اصعا معلومة من الثمرة لم تصح انه قد لا يحصل له الا ذلك يختص به منشور له دون الاخر وكذا او شرط للعامل دراهم معينة لم يصح ذلك لانه قد لا يحصل له من الغلة ما يساويها هذا لو شرط لاحدهما ثمرة شجرة معينة او جار معينة لم تصح المساقاة لانه قد لا يحصل من الشجر غير تلك المعينة يختص بالغلة احدهما دون الاخر وقد لا تحمل تلك الشجرة او الاشجار المعينة فيحرم المشروط له من الغلة ويحصل الغرر والضرر حاصل ان هذه المسائل التي يكون التقدير فيها مبنيا على الجهالة والغرر انها لا تجوز لذلك فلابد ان يكون تقدير العامل او المالك بجزء معلوم مشاع من الثمرة نصفي او الثلث مثلا وما قلناه في المساقات يشمل مزارعة لابد من تقديرها العاملة او لصاحب الارض بجزء معلوم مشاع منها الثلث ما يخرج من الارض او ربعه ونحو ذلك ولا يصح ان يكون التقدير مبنيا على الجهالة والغرظ وعلى هذا يحمل ما ورد من النهي عن المزارعة او كراء الارظ قال الامام البخاري في صحيحه باب ما يكره من الشروط في المزارعة ثم ساق بسنده عن رافع بن خديج رضي الله عنه قال كنا اكثر اهل المدينة حقلا كان احدنا يكره ارضه فيقول هذه القطعة لي وهذه لك وربما اخرجت به ولم تخرج له فنهاهم النبي صلى الله عليه وسلم في صحيح مسلم عن حنظلة ابن قيس الانصاري رضي الله عنه قال هل ترافع ابن خديج رضي الله عنه عن كراء الارض بالذهب والورق فقال لا بأس به انما كان الناس يؤجرون على عهد النبي صلى الله عليه وسلم على الماذيانات اي مسائل المياه واقبال الجداول اي اوائلها ورؤوسها اشياء من الزرع فيهلك هذا ويسلم هذا يسلم هذا ويهلك هذا فلم يكن للناس قراء الا هذا فلذلك زجر عنه صلى الله عليه وسلم فاما شيء معلوم مضمون فلا بأس به قد اختلف الفقهاء في المساقات والمزارعة هل هما من العقود اللازمة التي لا يجوز فسخها الا برضا الطرف الاخر او انهما من العقود الجائزة التي يجوز فسخها ولو من غير رضا الطرف الاخر قال الشيخ عبدالرحمن السعدي رحمه الله صحيح ان المساقات والمزارعة عقدان لازمان لدخولهما في الامر بالوفاء بالعقود والعهود ولكون المقصود منهما الكسب والعوظ وليس من عقود التبرعات او من عقود الوكالات حتى يفسح لاحدهما في فسخها ايها الاخوة المستمعون ما دام ان الحديث عن المغارسة والمزارعة لعل من المناسب ان نختم الحديث بذكر بعظ ما ورد في فضل الغرس والزرع فنقول جاء في صحيح مسلم عن جابر عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما من مسلم يغرس غرسا الا كان ما اكل منه له صدقة وما سرق منه له صدقة وما اكل السبع منه فهو له صدقة وما اكلت الطير منه فهو له صدقة ولا يرزأه او اي ينقصه ويأخذ منه احد الا كان له صدقة وفي الصحيحين عن انس رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما من مسلم يغرس غرسا او يزرع زرعا ويأكل منه طير او انسان او بهيمة الا كان له به صدقة في صحيح مسلم عن جابر رضي الله عنهما ان النبي صلى الله عليه وسلم دخل على ام مبشر الانصارية في نخل لها قال لها النبي صلى الله عليه وسلم من غرس هذا النخل امسلم ام كافر قالت بل مسلم قال النبي صلى الله عليه وسلم لا يغرس مسلم غرسا ولا يزرع زرعا فيأكل منه انسان ولا دابة ولا شيء الا كانت له صدقة قال النووي رحمه الله في هذه الاحاديث فضيلة الغرس وفضيلة الزرع وان اجر فاعل ذلك مستمر ما دام الغرس والزرع وما تولد منه ما دام موجودا الى يوم القيامة قال وقد اختلف العلماء في اطيب المكاسب وافضلها قيل التجارة قيل الصنعة باليد وقيل الزراعة وهو الصحيح انتهى كلامه رحمه الله. ونسأل الله عز وجل للجميع العلم النافع والعمل الصالح والتوفيق لما يحب ويرضى. وصلى الله وسلم على نبينا محمد والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته