بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على اشرف الانبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى اله وصحبه ومن اهتدى بهديه واتبع سنته الى يوم الدين ايها الاخوة المستمعون السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وحياكم الله تعالى في هذه الحلقة الجديدة من هذا البرنامج والتي نتحدث فيها معكم عن احكام العارية نتناول جملة من المسائل المتعلقة بهذا الباب ونبدأ اولا بالكلام عن معنى العارية في اللغة وفي الاصطلاح فنقول العارية في اللغة بتشديد الياء وقد تخفف فيقال العارية ولكن التشديد اي العارية اشهر وافصح وهي مأخوذة من عار الشيء اذا ذهب وجاء وسميت العارية بذلك لانها تذهب للمستعير وترجع للمعير تذهب للمستعير ثم ترجع للمعير ومنه قيل للبطال عيار بتردده في بطالته وقيل مأخوذة من العري وهو التجرد وسميت العارية بذلك لتجردها عن العوظ وقال الجوهري انها مشتقة من العار لان طلبها عار وعيب ولكن هذا القول محل نظر اذ ان النبي صلى الله عليه وسلم فعلها ولو كان طلب العارية لو كان عارا وعيبا لكان النبي صلى الله عليه وسلم ابعد الناس عنه واما معناها في الاصطلاح فهي اباحة نفع عين يحل الانتفاع بها مع بقاء عينها قال الموفق ابن قدامة رحمه الله اجمع المسلمون على جواز العارية واستحبابها انتهى كلامه رحمه الله العارية اذا بالنسبة للمستعير مباحة ويدل لذلك ان النبي صلى الله عليه وسلم قد استعار من غيره بعض ما يحتاج اليه فقد جاء في الصحيحين عن انس رضي الله عنه قال كان فزع بالمدينة فاستعار النبي صلى الله عليه وسلم فرسا لابي طلحة يقال له المندوب ركبه فلما رجع قال عليه الصلاة والسلام ما رأينا من شيء وان وجدناه لبحرا اي وان الفرس المذكور لبحر شبهه عليه الصلاة والسلام بالبحر في سرعة الجري وجاء في رواية عند البخاري عن انس رضي الله عنه ان فرس ابي طلحة الذي استعاره النبي صلى الله عليه وسلم كان بطيئا فلما قال النبي صلى الله عليه وسلم وان وجدناه لبحرا ما سبق بعد ذلك اليوم واستعار النبي صلى الله عليه وسلم يوم حنين استعار من صفوان ابن امية ادرعا فقال صفوان اغصبا يا محمد قال لا بل عارية مضمونة اخرجه ابو داوود وغيره واما بالنسبة للمعير فان العارية مستحبة بقول جمهور اهل العلم وذلك لانها من الاحسان وقد قال الله عز وجل واحسنوا ان الله يحب المحسنين وذهب بعض اهل العلم الى وجوب العارية مع غناء المالك وهو احد القولين في مذهب الامام احمد قد اختاره شيخ الاسلام ابن تيمية رحمة الله تعالى على الجميع واستدل اصحاب هذا القول على وجوب العارية مع غناء المالك استدلوا بقول الله عز وجل ويمنعون الماعون ووجه الدلالة ان الله سبحانه توعد الذين يمنعون الماعون ومنع الماعون قد فسر بمنع الزكاة وفسر بمنع العارية وقيل انه يشمل ذلك كله وقد استحسن هذا القول الحافظ ابن كثير رحمه الله في تفسيره حيث قال قال عكرمة رأس الماعون زكاة المال وادناه المنخل والدلو والابرة رواه ابن ابي حاتم وهذا الذي ذكره عكرمة حسن فانه يشمل الاقوال كلها ويرجع ويرجع كلها الى شيء واحد وهو ترك المعاونة بمال او منفعة انتهى كلام الحافظ ابن كثير واستدل اصحاب هذا القول كذلك على وجوب العارية في حالة غناء المالك بما جاء في صحيح مسلم عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال ما من صاحب ابل ولا بقر ولا غنم لا يؤدي حقها الا اقعد لها يوم القيامة بقاع قرقر اي مكان مستو واسع تطؤه ذات الظلف بظلفها وتنطحه ذات القرن بقرنها ليس فيها يومئذ جماء ولا مكسورة القرن قلنا يا رسول الله وما حقها قال اطراق فحلها واعارة دلوها ومنيحتها وحلبها على الماء وحمل وحمل عليها في سبيل الله وهذا الحديث ظاهر في اثبات الوعيد في حق من منع العارية بهذا يظهر ان الراجح في هذه المسألة والله اعلم هو القول بوجوب العارية مع غناء المالك وحاجة المستعير والعارية امانة في يد صاحبها فيجب عليه المحافظة عليها ليردها سليمة الى صاحبها قال الله تعالى ان الله يأمركم ان تؤدوا الامانات الى اهلها دلت الاية على وجوب رد الامانات ومنها العارية وبناء على ذلك اذا تلفت العارية بتعد او بتفريط من المستعير فانه يظمنها باتفاق اهل العلم وكذا لو شرط المعير على المستعير الظمان فانه يظمنها بكل حال واما اذا تلفت العارية بدون تعد ولا تفريط من المستعير هل يضمنها كما لو استعار شخص من اخر كتابا او متاعا او غير ذلك آآ فتلف ذلك الشيء المستعار من غير تعد من المستعير ومن غير تفريط منه فهل يضمن المستعير ذلك الشيء المعار تلف الفقهاء في ذلك فمنهم من ذهب الى الظمان في هذه الحال وهو مروي عن ابن عباس وعائشة وابي هريرة رضي الله عنهم وهو المشهور من مذهب الشافعية وهو المشهور كذلك من مذهب الحنابلة الا في مسائل معدودة عندهم واستدل اصحاب هذا القول بحديث صفوان بن امية فما استعار منه النبي صلى الله عليه وسلم ادرعا يوم حنين فقال اغصبا يا محمد؟ قال لا بل عارية مضمونة قالوا فقول النبي صلى الله عليه وسلم بل عارية مضمونة دليل على ضمان العارية بكل حال فجعلوا كلمة مضمونة جعلوها صفة كاشفة لحقيقة العارية فكأنه صلى الله عليه وسلم قال بل عارية ومن شأن العارية الظمان ولاحظ اخي المستمع ان هذا الحديث سوف يستدل به اصحاب القول الثاني وهم القائلون بعدم الظمان وان الخلافة وقع في فهم هذا الحديث وهذا هو احد اسباب اختلاف العلماء. وهو الاختلاف وفي فهم مراد النبي صلى الله عليه وسلم من كلامه ونعود كذلك لذكر ادلة من قال بالظمان فاستدلوا كذلك بحديث على اليد ما اخذت حتى تؤديه رواه الخمسة ابو داوود والترمذي والنسائي وابن ماجه واحمد ولكنه من رواية الحسن عن سمرة وقد ضعفها كثير من اهل العلم والقول الثاني في المسألة ان العارية امانة في يد المستعير لا يضمنها الا اذا تعدى او فرط وهذا القول قال به الحسن والنخعي والشعبي والثوري وهو مذهب الحنفية وقول عند المالكية وقد اختار هذا القول الامام ابن القيم رحمه الله واستدل اصحاب هذا القول بحديث صفوان نفسه الذي استدل به اصحاب القول الاول الذي استدل به اصحاب القول الاول وجعلوا كلمة مضمونة في الحديث بقول النبي صلى الله عليه وسلم بل عارية مضمونة جعلوها صفة مخصصة اي استعير منك عارية متصفة بانها مضمونة لا عادية مطلقة عن الضمان قالوا ومما يدل لذلك انه جاء في رواية عند ابي داوود بسند صحيح بل عارية مؤداة وهذا يدل على انها امانة هذا يدل على انها امانة تؤدى كما قال الله عز وجل ان الله يأمركم ان تؤدوا الامانات الى اهلها واذا كانت امانة لم تضمن الا بالتعدي او التفريط ومما يؤيد ذلك ان صفوان بن امية لم يسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن تلفها وانما سأله هل تأخذها مني اخذ غصب او اخذ رد فقال بل عارية مضمونة. اي اؤديها اليك واردها لك وهذا القول الاخير وهو ان العارية لا تضمن الا اذا تلفت بالتعدي او بالتفريط هذا هو الاظهر والاقرب والله اعلم في هذه المسألة وذلك لقوة ادلته قال الشيخ عبدالرحمن السعدي رحمه الله الصواب ان العارية لا تضمن الا بالشرط لدخولها في جملة الامانات ولان اسباب الضمان اما تعد واما تقصير عن الواجب واما تصرف لم يؤذن له فيه وهذا مفقود في العارية ولان القاعدة ان ما ترتب على المأذون فانه غير مظمون. ولان القاعدة ان ما ترتب على المأذون انه غير مضمون. واما حديث صفوان فليس معناه انها تضمن اذا اتلفت. وانما المعنى ان على المستعين ادائها كقوله عليه الصلاة والسلام على اليد ما اخذت حتى تؤديه. ونكتفي بهذا القدر في هذه الحلقة ونلتقي بكم على خير في الحلقة القادمة ان شاء الله. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته