بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على اشرف الانبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى اله وصحبه ومن اهتدى بهديه واتبع سنته الى يوم الدين ايها الاخوة المستمعون السلام عليكم ورحمة الله وبركاته نتناول معكم في هذه الحلقة جملة من المسائل المتعلقة بالوقف نذكر ما تيسر من هذه المسائل في هذه الحلقة ونستكمل الحديث عن بقية مسائل واحكام الوقف علاقات القادمة ان شاء الله تعالى ونبتدأ من التعريف فنقول الوقف معناه في اللغة الحبس عن التصرف يقال وقف الشيء اذا حبسه قال ابو السعادات ابن الاثير في النهاية يقال وقفت الشيء اقفه وقفا ولا يقال فيه اوقفت الا على لغة رديئة انتهى كلامه رحمه الله وبمعنى الوقف الحبس والتسبيل يقال وقف الشيء وحبسه واحبسه وسب له كلها بمعنى واحد ومعناه في الاصطلاح تحبيس الاصل وتسبيل المنفعة والمراد بالاصل ما يمكن الانتفاع به مع بقاء عينه كالعقارات والبساتين ونحو ذلك والمراد بالمنفعة الغلة الناتجة عن ذلك الاصل كالثمرة والاجرة ونحوها ومن امثلة الاوقاف بناء المساجد فانه من اعظم ما يكون من الاوقاف يقول النبي صلى الله عليه وسلم من بنى لله مسجدا بنى الله له به بيتا في الجنة ومن ذلك ايضا ان يوقف عقارا ويجعل ريعه للفقراء والمساكين او لتفطير الصائمين او لسقيا الحجاج ونحو ذلك من اعمال البر ومن ذلك ايضا وضع برادات الماء على الشوارع والطرق العامة وطباعة الكتب النافعة المفيدة ونحو ذلك من مجالات الخير والاحسان وهي كثيرة ومتنوعة ولله الحمد ولكن ما كانت حاجة الناس اليه اشد ونفعه اعظم كان افضل واكثر ثوابا عند الله عز وجل والاصل في الوقف ما جاء في الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما قال صاب عمر ارضا بخيبر فاتى النبي صلى الله عليه وسلم يستأمره فيها فقال يا رسول الله اني اصبت ارضا بخيبر لم اصب قط ما لم انفس عندي منه فما تأمرني فيه قال النبي صلى الله عليه وسلم ان شئت حبست اصلها وتصدقت بها غير انه لا يباع اصلها ولا يوهب ولا يورث فتصدق بها عمر في الفقراء وذوي القربى والرقاب وفي سبيل الله وابن السبيل والضيف ولا جناح على من وليها ان يأكل منها او يطعم صديقا بالمعروف غير متمول فيه اي غير متخذ منها مالا اي ملكا والمراد انه لا يتملك منها شيئا بعد ان وقفها جاء في رواية عند البخاري ان هذه الارض التي اصابها عمر يقال لها ثمغ وكانت نخلا وجاء في رواية في غير الصحيحين ان عمر اوصى بها الى حفصة ام المؤمنين ثم الى الاكابر من ال عمر وقد قيل ان وقف عمر هذا هو اول وقف في الاسلام قد اخرج الامام احمد في مسنده عن عبد الله ابن عمر رضي الله عنهما قال اول صدقة اي موقوفة كانت في الاسلام صدقة عمر وقيل ان اول صدقة موقوفة كانت في الاسلام هي اراضي مخيريق التي وقفها النبي صلى الله عليه وسلم الله تعالى اعلم ايها الاخوة المستمعون الوقف مما اختص به المسلمون قال الامام الشافعي رحمه الله لم يحبس اهل الجاهلية وانما حبس اهل الاسلام وهو من افضل القربات والاعمال الصالحات التي يلحق المسلم اجرها وثوابها بعد موته يقول النبي صلى الله عليه وسلم اذا مات ابن ادم انقطع عمله الا من ثلاثة الا من صدقة جارية او علم ينتفع به او ولد صالح يدعو له اخرجه مسلم بهذا اللفظ وقال النووي رحمه الله في بيان معنى الصدقة الجارية قال الصدقة الجارية هي الوقف وقد دل هذا الحديث على فضل الوقف اذ انه مما يلحق اجره وثوابه الانسان بعد موته لربما يكون هذا الوقف عقارا يبقى بعد موت الانسان عشرات السنين هذا الموقف في عداد الاموات ولكن ثواب واجر هذا الوقف يلحقه ويستمر ذلك الثواب والاجر ما دام الوقف باقيا فما اعظم اجره وما اعظم ثوابه خاصة اذا كان الوقف فيما تشتد اليه حاجة الناس ولهذا فقد اشار به النبي صلى الله عليه وسلم على عمر رضي الله عنه بانفس مال اصابه عمر حيث قال عمر للنبي صلى الله عليه وسلم يا رسول الله اني اصبت ارضا لم اصب مالا قط انفس عندي منه فكيف تأمرني فيه فاشار عليه النبي صلى الله عليه وسلم بالوقف بقوله ان شئت حبست اصلها وتصدقت بها ودل هذا على ان الوقف من افضل ما تصرف له الاموال اذ ان اجره وثوابه عظيم جدا ونفعه وفائدته للمجتمع كبيرة ولذلك يقول جابر بن عبدالله رضي الله عنهما لم يكن احد من اصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ذو مقدرة الا وقا قد وقف انس رضي الله عنه دارا فكان اذا قدم نزلها ووقف الزبير بن العوام دوره وقال للمردودة من بناته ان تسكن غير مضرة ولا مضر بها فان استغنت بزوج فليس لها حق وجعل ابن عمر نصيبه من دار عمر سكنى لذوي الحاجات من ال عبدالله واشترى عثمان بن عفان رضي الله عنه بئر رومة ووقفها على المسلمين جاء في بعض الروايات ان المهاجرين لما قدموا المدينة استنكروا الماء وكان لرجل من بني غفار عين يقال لها رومة كان يبيع منها القربة بمد فقال له النبي صلى الله عليه وسلم اتبيعها بعين في الجنة فقال يا رسول الله ليس لي ولا لعيالي غيرها بلغ ذلك عثمان رضي الله عنه تراها بخمسة وثلاثين الف درهم ثم اتى النبي صلى الله عليه وسلم قال اي عثمان رضي الله عنه يا رسول الله اتجعل لي فيها ما جعلت له قال نعم قال عثمان قد جعلتها للمسلمين كذا ورد في هذه الرواية كما ذكر ذلك الحافظ ابن حجر الله في الفتح ولكن الذي في صحيح البخاري عن عثمان رضي الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من حفر رومة فله الجنة فحفرتها قال ابن بطال رحمه الله هذا وهم من بعض رواته والمعروف ان عثمان اشتراها لا انه حفرها قال الحافظ ابن حجر رحمه الله لعل العين كانت تجري الى بئر فوسعها عثمان وطواها فنسب حفرها اليه ايها الاخوة المستمعون ينبغي لمن كان ذو مقدرة مالية على الوقف ان يبادر اليه وان يقتدي باصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك فانهم كما قال جابر رضي الله عنه لم يكن احد منهم ذو مقدرة الا وقاف وان من الناس من يملك الاموال الكثيرة لكنه لا يوفق للانتفاع منها في حياته ولا بعد مماته بل هو في الحقيقة كالحارس القوي لهذه الاموال يحرصها حراسة شديدة للورثة من بعده بل ربما تكون هذه الحراسة الشديدة لهذه الاموال بدون مقابل اما ان يموت الا ويتهافت عليها الورثة ويتقاسمونها فيما بينهم ولا يخرجون منها عن مورثهم شيئا فلهم غنمها وعليه حسابها فيبقى صاحب هذه الاموال محروما من الانتفاع بها محروما من الانتفاع بها في حياته واما بعد مماته فانه ليس محروما من الانتفاع بها فحسب بل ومحاسب عليها امام رب العالمين فان الانسان يسأل عن ما له سؤالان من اين اكتسبه؟ وفيما انفقه هذه حال طائفة من الناس بالمقابل فهناك من وفقه الله عز وجل فهو في حياته يأكل من ماله ويطعم ويهدي ويتصدق ويوقف من هذا المال ما يلحقه ثوابه واجره بعد وفاته والسعيد من وعظ بغيره. والشقي من اتعظ به غيره. والله تعالى المستعان ونستكمل الحديث عن بقية مسائل واحكام الوقف حلقة القادمة ان شاء الله تعالى السلام عليكم ورحمة الله وبركاته