بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين الصلاة والسلام على اشرف الانبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى اله وصحبه ومن اهتدى بهديه واتبع سنته الى يوم الدين ايها الاخوة المستمعون السلام عليكم ورحمة الله وبركاته سبق ان تكلمنا في الحلقة السابقة عن حقيقة الوديعة شرعا وفرعنا على ذلك الحديث عن ودائع البنوك وهل تعتبر ودائع بالمعنى المصطلح عليه عند الفقهاء او انها وان سميت ودائع فهي في حقيقتها قروض وذكرنا ان القول الصحيح انها قروظ بينا وجه ذلك وننتقل في هذه الحلقة للحديث عن جملة اخرى من المسائل المتعلقة بالوديع فنقول قبول الوديعة مستحب لمن علم من نفسه انه ثقة لمن علم من نفسه انه ثقة قادر على حفظها لما في هذا من التعاون على البر والتقوى والنبي صلى الله عليه وسلم يقول والله في عون العبد ما كان العبد في عون اخيه قد كان النبي صلى الله عليه وسلم يوضع عنده الودائع لما كان بمكة قبل الهجرة الى المدينة وذلك لامانته العظيمة حتى انه كان يعرف قبل بعثته عليه الصلاة والسلام كان يعرف بالصادق الامين وجاء في سنن البيهقي باسناد جيد ان النبي صلى الله عليه وسلم لما اراد الهجرة الى المدينة اقام علي بن ابي طالب رضي الله عنه ثلاث ليال وايامها حتى ادى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الودائع التي كانت عنده للناس حتى اذا فرغ منها لحق برسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن من لا يعلم من نفسه القدرة على حفظ الودائع ويكره له قبولها حينئذ ومن احكام الوديعة انها امانة فاذا تلفت من غير تعد ولا تفريط من المودع فليس عليه ضمان سواء ذهب معها شيء من ماله او لم يذهب قال الموفق ابن قدامة رحمه الله وهذا قول اكثر اهل العلم قد روي ذلك عن ابي بكر وعلي وابن مسعود رضي الله عنهم به قال شريح ومالك وابو الزناد والثوري والشافعي واصحاب الرأي وذلك لان الله تعالى سماها امانة والظمان ينافي الامانة ومراد الموفق رحمه الله بذلك ان الله تعالى سماها امانة في قوله جل وعلا ان الله يأمركم ان تؤدوا الامانات الى اهلها فسمى الودائع امانات وقد روى الدارقطني عن عمرو بن شعيب عن ابيه عن جده رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال ليس على المودع ضمان وهذا الحديث في سنده ضعف ولكنه قد روي من طرق متعددة لعله يرتقي بمجموعها الى درجة الحسن قال الموفق ابن قدامة رحمه الله ولان المستودع انما يحفظها لصاحبها متبرعا من غير نفع يرجع اليه فلو لزمه الظمان لامتنع الناس من الاستيداع اي من قبول الودائع ولكن قد روي عن انس بن مالك رضي الله عنه ان عمر بن الخطاب رضي الله عنه ظمنه وديعة سرقت من بين ما له رجه البيهقي بسند جيد وقد اجاب العلماء عن هذا بان عمر رضي الله عنه انما ضمن انسا اياها لكونه قد فرط في حفظها قال البيهقي رحمه الله يحتمل ان انسا كان قد فرط في حفظها فضمنها اياه اي ظمن انسا تلك الوديعة بالتفريط وقال الموفق بن قدامة رحمه الله ما روي عن عمر محمول على التفريط من انس في حفظها فلا ينافي ما ذكرناه انتهى كلامه رحمه الله وبهذا يتبين ايها الاخوة ان الوديعة اذا تلفت من غير تعد من المودع ولا تفريط منه انه لا ضمان عليه واما اذا تعدى او فرط في حفظها فانه يظمنها قال الموفق بغير خلاف علمناه لانه متلف لما لغيره فضمنه كما لو اتلفه من غير استيداع ولكن ما الحكم فيما لو شرط المودع على المودع ضمان الوديعة فقبل المودع بهذا الشرط كما يوجد في بعض البنوك والمؤسسات المصرفية في الوقت الحاضر حيث يوجد قسم فيها لحفظ الاشياء النفيسة كالسبائك من الذهب والفضة ونحو ذلك ويشترط المودع على البنك ضمان تلك الوديعة ويقبل البنك بهذا الشرط قال الموفق ابن قدامة رحمه الله انشرط المودع على المستودع ضمان الوديعة فقبله او قال انا ضامن لها لم يضمن قال احمد في المودع اذا قال انا ظامن فسرقت لا شيء عليه وكذلك كل ما اصله الامانة كالمضاربة ومال الشركة والرهن والوكالة قال وبه قال الثوري واسحاق وابن المنذر وذلك لانه شرط ضمان ما لم يوجد سبب ضمانه فلم يلزمه كما لو شرط ضمان ما يتلف في يد مالكه انتهى كلامه رحمه الله ايها الاخوة المستمعون واذا كانت الوديعة امانة في يد المودع فلا يظمنها عند تلفها بغير تعد ولا تفريط فان المودع امين فيقبل قوله في دعوة تلف الوديعة او في ظياعها او سرقتها من غير تعد منه ولا تفريط قال الموفق رحمه الله اذا ادعى المستودع تلف الوديعة فالقول قوله بغير خلاف قال ابن منذر اجمع كل من نحفظ عنه من اهل العلم على ان المودع اذا احرز الوديعة ثم ذكر انها ظاعت ان القول قوله وقال اكثرهم مع يمينه انتهى كلامه رحمه الله واما اذا اختلف المودع والمودع في رد الوديعة فقال المودع رددتها عليك وقال المودع بل لم تردها علي فالقول قول المودع لانه امين ويقبل قوله في الرد من غير بينة ومن احكام الوديعة ان الوديعة اذا جهل صاحبها فلم يمكن الاهتداء اليه فان للمودع ان يصرفها في وجوه البر بنية الصدقة عن صاحبها فان جاء صاحبها او وارثه يوما من الدهر اخبره بالواقع فان رضي بالصدقة بها عنه والا فان على المودع ان يضمن له قيمة الوديعة ويكون للمودع ثواب الصدقة بتلك الوديعة والله تعالى اعلم ونكتفي بهذا القدر في هذه الحلقة ونلتقي بكم على خير في الحلقة القادمة ان شاء الله تعالى السلام عليكم ورحمة الله وبركاته