بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على اشرف الانبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى اله وصحبه ومن اهتدى بهديه الى يوم الدين ايها الاخوة المستمعون السلام عليكم ورحمة الله وبركاته لا يزال الحديث موصولا عن احكام الهبة والعطية فنقول من مسائل العطية انه يجب التعديل في عطية الاولاد فلا يجوز للوالد ان يفضل بعض اولاده على بعض ويدل لذلك ما جاء في الصحيحين عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما قال اعطاني ابي عطية فقالت امه عمرة بنت رواحة لا ارضى حتى تشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فاتى رسول الله صلى الله عليه وسلم واخبره ليشهده على ذلك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اكل ولدك اعطيته مثل هذا قال لا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اتقوا الله واعدلوا بين اولادكم وفي رواية لمسلم ان النبي صلى الله عليه وسلم قال فلا تشهدني اذا فاني لا اشهد على جور ثم قال ايسرك ان يكون اليك في البر سواء قال بلى قال فلا اذا فدل هذا الحديث على وجوب العدل بين الاولاد في العطية وانها تحرم الشهادة على تخصيص بعضهم او تفضيله تحملا واداء ان علم ذلك ولكن اذا كان اولاده ذكورا واناثا فكيف يكون التعديل بينهم هل يسوي بينهم في العطية او انه يعطي الذكر مثل حظ الانثيين كالميراث اختلف العلماء في ذلك والراجح والله تعالى اعلم انه يعطي الذكر مثل حظ الانثيين انه يعطي الذكر ضعف الانثى وبه قال عطاء بن ابي رباح وشريح القاضي واسحاق بن راهويه وهذا هو المنصوص عليه من مذهب الحنابلة وذلك لان الله تعالى لما قسم بينهم في الميراث جعل للذكر مثل حظ الانثيين ولا شك انه لا اعدل من قسمة الله عز وجل ولان العطية في الحقيقة استعجال لما يكون بعد الموت فينبغي ان تكون على حسب الميراث ولان الذكر احوج الى المال من الانثى بدليل انهما اذا تزوجا جميعا فالصداق والنفقة ونفقة الاولاد تكون على الذكر بينما الانثى يكون لها ذلك كان الذكر اولى بالتفضيل لزيادة حاجته قال شريح رحمه الله لرجل قسم ما له بين ولده رددهم الى سهام الله وفرائضه وقال عطاء ما كانوا يقسمون الا على كتاب الله وهل هذا الحكم يشمل الام او انه خاص بالاب نقول بل يشمل الام والاب قال الموفق ابن قدامة رحمه الله والام بالمنع بالمنع من المفاضلة بين اولادها كالاب قول النبي صلى الله عليه وسلم اتقوا الله واعدلوا بين اولادكم ولانها احد الوالدين اشبهت الاب لان ما يحصل بتخصيص الاب بعض ولده من الحسد والتباغض يوجد مثله في تخصيص الام فيثبت لها مثل حكمه في ذلك وبناء على ما سبق فانه لا يجوز للاب ولا للام ان يفضل احدا من اولاده في العطية فان فعل ذلك فقد اثم ويلزمه التعديل بينهم وذلك اما بالرجوع في الهبة التي فضل بها ذلك الولد واما باعطاء بقية اولاده مثل ما اعطى اخاهم على ما سبق بيانه ولكن اذا كان احد اولاده يعمل معه في مؤسسته او في بستانه ونحو ذلك دون بقية اخوته فهل يجوز له ان يخصه بعطية نقول يعطي هذا الابن الذي يعمل معه بقدر اجرة عمله من غير محاباة لانه يعامله معاملة الاجنبي في هذا ايها الاخوة المستمعون والكلام فيما سبق كان في تخصيص الوالد لبعض ولده بالعطية المجردة التي يراد بها المحاباة اما ان خص بعض اولاده لمعنى يقتضي تخصيصه من نفقة او حاجة او مرض ونحو ذلك فهذا لا بأس به النفقة على الانثى تختلف عن النفقة على الذكر والتعديل في هذه الحال هو ان يعطي كلا منهم بقدر حاجته وهكذا لو كان احد اولاده مريضا ويحتاج لان يصرف عليه مالا لعلاجه هذا القسم من العطية يكون التعديل فيه بين الاولاد بقدر حاجتهم وها هنا مسألة يحسن التنبيه عليها وهي ان بعض الناس يزوج اولاده الذين قد بلغوا سن الزواج ويكون له اولاد صغار لم يبلغوا سن الزواج فيوصي لهم بعد الموت بمقدار ما اعطى اخوتهم هذه الوصية لا تجوز لان التزويج من باب دفع الحاجات وهؤلاء لم يبلغوا سن الزواج فلا تجوز هذه الوصية ولا تنفذ بعد وفاة الموصي الا اذا رضي الورثة بانفاذها واذا خص الوالد بعض ولده بعطية ثم مات قبل استردادها فهل تثبت تلك العطية للموهوب له اختلف العلماء في ذلك فمنهم من قال تثبت تلك العطية للموهوب له وليس لبقية الورثة الرجوع ليس لهم الرجوع عليه فيها هذا هو المنصوص عن الامام احمد به قال مالك والشافعي واصحاب الرأي وذهب بعض اهل العلم الى ان العطية لا تثبت للموهوب له ولباقي الورثة ان يرتجعوا ما وهبه له هذا هو قول عروة بن الزبير واسحاق بن راهويه رحمهما الله تعالى ورواية عن الامام احمد وقد اختار هذا القول شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله وهذا القول الاخير هو الراجح في هذه المسألة والله تعالى اعلم لان النبي صلى الله عليه وسلم سمى ذلك جورا فقال لا تشهدني على جور والجور لا يحل للفاعل فعله ولا للمعطى تناوله والموت لا يغيره عن كونه جورا حراما فيجب رده وهل هذا الحكم اعني وجوب العدل في العطية خاص بالاولاد او انه يشمل سائر اقاربه فمثلا لو كان لرجل اخوان شقيقان فهل له ان يخص احد اخويه بعطية دون الاخر نقول هذا الحكم وهو وجوب العدل في العطية خاص بالاولاد في قول اكثر اهل العلم بناء على ذلك له ان يخص بعض اخوته بعطية دون بعض لان النبي صلى الله عليه وسلم قال اتقوا الله واعدلوا بين اولادكم فخص الاولاد بالذكر النبي صلى الله عليه وسلم قد اعطي جوامع الكلم فلو كان التعديل بين سائر الاقارب واجبا لبينه النبي صلى الله عليه وسلم او اتى بلفظ يشمل الاولاد وغيرهم قال الموفق ابن قدامة رحمه الله وليس عليه التسوية بين سائر اقاربه ولا اعطاؤهم على قدر ميراثهم سواء كانوا من جهة واحدة كاخوة واخوات وبني عم او من جهات كبنات واخوات وغيرهم لانها عطية لغير الاولاد في صحته فلم تجب عليه التسوية ولان الاصل اباحة الانسان التصرف في ما له كيف شاء وانما وجبت التسوية بين الاولاد للخبر يريد حديث النعمان ابن بشير سابق ذكره وليس غيرهم في معناهم لانهم استووا في وجوب بر والدهم فاستووا في عطيته بهذا علل النبي صلى الله عليه وسلم حين قال لبشير ايسرك ان يستووا في برك قال نعم. قال اتقوا الله واعدلوا بين اولادكم ولم يوجد هذا في غيرهم ولان الاولاد لشدة محبة الوالد لهم وصرفه ما له اليهم عادة يتنافسون في ذلك ويشتد عليهم تفضيل بعضهم على بعض ولا يساويهم في ذلك غيرهم فلا يصح قياسه عليهم لها كلامه رحمه الله ونكتفي بهذا القدر في هذه الحلقة ونلتقي بكم على خير في الحلقة القادمة ان شاء الله تعالى السلام عليكم ورحمة الله وبركاته